إفشال العواقب المحتملة لنهج الطغمة الحاكمة في العراق
أكدت الأحداث الجارية في العراق عن النهج الخطير الذي تصر حكومة عادل عبد لمهدي ومعها كل الأحزاب والقوى السياسية المشاركة والمساندة والمؤيدة على الاستمرار في ممارسته، الذي جعل من العراق ساحة فعلية للصراع الإيراني الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط وخطوط أمامية لإيران في مواجهة العقوبات الأمريكية المتنوعة. وبرز هذا بوضوح كبير في مواقف الميليشيات الطائفية المسلحة التي تشكل الهيكل العظمي والفكر المحرك للحشد الشعبي والدولة العميقة منها: الهجمات المسلحة الظالمة التي شنتها هذه القوى ضد انتفاضة الشعب في مختلف مدن بغداد ووسط جنوب العراق، ثم الاختطاف والقتل والاغتيالات والاعتقالات للمنتفضات والمنتفضين وتعريضهم لأبشع أساليب التعذيب الفاشية من تراث وترسانة الإسلام السياسي في محاولة لقمع الانتفاضة وتصفيتها وإنقاذ النظام السياسي الطائفي الفاسد والهش من السقوط في مزبلة التاريخ من جهة، والضربات العسكرية الخائبة التي وجهتها هذه الميليشيات المسلحة في الأشهر والأسابيع الأخيرة ضد المعسكرات والمواقع العراقية التي فيها خبراء أو قوات أمريكية، وكان آخرها ضد معسكر “كي وان” قرب القائم من جهة ثانية. وإذا كان نوري المالكي عبداً خانعاً ومطيعاً لسيده علي خامنئي ومستبداً شرساً على الشعب العراقي، الذي هو ليس منه، فأن عادل عبد المهدي اصبح خادماً ذليلاً ومنفذاً وقحاً لما يقرره قاسم سليماني وخدمه في العراق والمهيمنين على مكتب رئيس الوزراء والموجهين له من أمثال فالح فياض وأبو مهدي المهندس وهادي العامري وقيس الخزعلي وحامد الجزائري وقادة حزب الله وهاشم بنيان الولائي وأكرم عباس الكعبي ومحمد الحيدري وحفنة أخرى من رؤساء أبرز 67 ميليشيا طائفية مسلحة تشارك في الحشد الشعبي وتقود ألويته وسراياه وفصائله والتي يقودها ويشرف عليها فعلياً وعلى مجمل أفعالها ونشاطاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إضافة إلى العسكرية والأمنية الجنرال الإيراني البغيض قاسم سليماني.
لقد تبلورت خطة القيادة الإيرانية في استخدام الساحة العراقية لمواجهة العقوبات الأمريكية من جهة، وانتفاضة شعبها الإيراني من جهة ثانية، إضافة إلى مواجهة انتفاضة الشعب العراقي من جهة ثالثة، باستفزاز الولايات المتحدة ودفعها لإجراءات يمكن أن تعقد الوضع في العراق وتشغل الشعب العراقي عن انتفاضته، كما تشيع كراهية لسياسات الولايات المتحدة في المنطقة. وقد استجاب عادل عبد المهدي الخانع لهذه الخطة القذرة فسكت عن جميع استفزازات الميليشيات الطائفية الفاسدة ضد المعسكرات العراقية والمنطقة الخضراء وأينما وجد أمريكيون فيها، ثم لم يخبر الحشد الشعبي والميليشيات الطائفية المسلحة أو تأخر في إعلامها بقرب وقوع ضربة عسكرية في أحد أو أكثر على مواقعها، بهدف حصول الضربة وإثارة الزوبعة المنشودة. وهو الذي حصل فعلاً. فتحرك الحشد الشعبي بكل ميليشياته المسلحة وقادته ليتظاهروا ويعتصموا أمام السفارة الأمريكية. ولم تقف الحكومة العراقية ولا أجهزتها القمعية لمنع دخول هذه العصابات المسلحة إلى المنطقة الخضراء، كما منعت قبل ذاك المتظاهرين من الاقتراب حت عن بعد من هذه المنطقة. لقد كانت خطة مدبرة ومنسقة بين الحكومة الإيرانية والحكومة العراقية من خلال قاسم سليماني المشرف على تنفيذ “الخطة رقم 2”.
ثم جاء التهديد الأمريكي للحكومة العراقية مما دفع بها لمطالبة الحشد وميليشياته بالابتعاد عن السفارة الأمريكية بعد أن خربوا وأشعلوا النيران في جوانب منها. ويمكن، في ضوء الأحداث الأخيرة، وضع الاستنتاجات التالية:
- اعتراف الميليشيات الطائفية المسلحة بوضوح تام بأن ولاءها لإيران ولمرشدها علي خامنئي ورئيسها المباشر قاسم سليماني، وأنها ملزمة بتنفيذ قراراتهم فقط، وليس ولاءها للعراق وقواته المسلحة ولجزار الشعب الخبيث عادل عبد المهدي، الذي خان الأمانة التي وضعت في عنقه حين اقسم بالحفاظ على العراق وشعبه. وقد جاء هذا الاعتراف على لسان قادة قوى الحشد الشعبي نفسه دون استثناء!
- الهيمنة الفعلية الشديدة لإيران على القرار السياسي للحكومة العراقية وعلى كل الطغمة الحاكمة التي ما تزال متشبثة بالنظام السياسي الطائفي الفاسد والمشوه.
- وبالتالي أظهرت الأحداث عجز الحكومة العراقية الفعلي على اتخاذ قرار مستقل تمتثل له الميليشيات الطائفية المسلحة، بل يطالبها “قائدها الرسمي!” بالانسحاب من محيط السفارة الأمريكية والتظاهر والاعتصام في مواقع أخرى!!!
- برهنت هذه الأحداث إن الحشد الشعبي بميليشياته المسلحة أقوى عدة وعدداً من القوات المسلحة العراقية أولاً، وأن في عداد القوات المسلحة العراقية، ومنها قوى الأمن الداخلي، التي بنيت على أساس المحاصصة الطائفية أيضاً، الكثير ممن يلتزمون بقرارات الحشد الشعبي وينفذون أوامره ثانياً. وهذا ما حصل في الموقف من الانتفاضة الشعبية ومن الدخول إلى المنطقة الخضراء والتظاهر أمام السفارة الأمريكية.
- وتجلى في الأحداث الأخيرة الفارق الكبير بين النهج الوطني والسلوكيات الحميدة لقوى الانتفاضة الشعبية السلمية المطالبة بحقوق الشعب وسيادة الوطن من جانب، وبين النهج الولائي لإيران والسلوكيات العدوانية والتصريحات المشينة لأفراد الميليشيات الطائفية المسلحة التي تفتخر في كونها تلتزم بمرجعية علي خامنئي وأن قائدها الفعلي هو قاسم سلماني، وإن وطنها إيران وليس العراق، من جانب آخر!!! وعبر عن موقف ناضج وسليم حين تبرأ المنتفضون والمنتفضات من تلك الجمهرة التي دخلت إلى المنطقة الخضراء وحاصرت السفارة الأمريكية، فهدف الانتفاضة هو التغيير الجذري للعراق ونهجه وسياساته الداخلية والخارجية، بما في ذلك تحالفاته الإقليمية والدولية، ومنها الاتفاقية الأمنية والوجود الأمريكي في العراق. وقد برز نفور المنتفضين من هذه الزمرة الخائبة بشعار المتظاهرين “موش ويانه الذيل الطب للخضراء”. (ليس معنا ذلك الذيل الذي دخل الخضراء).
- وبرهنت الأحداث بوضوح أن الحكومة العراقية وأجهزتها الأمنية عاجزة عن حماية المنطقة الخضراء والسفارات والممثليات الأجنبية فيها من تجاوزات الميليشيات الطائفية المسلحة المشكلة للحشد الشعبي، لأنها لا تمتلك السيطرة على هذه الحشد التابع في أغلبه لإيران مباشرة.
وإزاء الأحداث الأخيرة تبرز، كما أرى، مجموعة من المهمات المباشرة أمام قوى الانتفاضة الشعبية، منها:
** مواصلة الانتفاضة وتعظيم زخمها وكسب المزيد من بنات وأبناء الشعب العراقي من مختلف الطبقات والفئات الاجتماعية ومن مختلف المهن، ومن النساء والرجال، ومن المدينة والريف للمشاركة في الانتفاضة المقدامة.
** الإصرار على تحقيق الأهداف النبيلة التي طرحتها قوى الانتفاضة في ساحة التحرير وفي بقية ساحات وشوارع العراق، لاسيما التغيير الجذري لنظام الحكم الطائفي المحاصصي الفاسد والمشوه، وإقامة نظام ديمقراطي حديث ومجتمع مدني ديمقراطي حديث وعقلاني، وبقية الأهداف المسطرة في أجندة الانتفاضة.
** إيجاد الأطر التنظيمية المناسبة والتنسيق الفعال لقوى الانتفاضة في أنحاء البلاد والقيادة الناضجة والواعية للما يدبر ضدها من مناورات ومؤامرات لا لفضحها فحسب، بل وإفشالها والانتصار عليها وتحقيق المنشود.
** المطالبة العاجلة بتسمية رئيس وزراء وحكومة وطنية وديمقراطية مستقلة ونزيهة برئيسها وأعضائها وحريصون على تنفيذ إرادة الشعب والدفاع عن مصالحه وحقوقه وسيادة الوطن.
** منع استمرار جعل العراق جزءاً من الطرف الإيراني في الصراع الجاري بين إيران والولايات المتحدة، كما يجب ألا يكون العراق إلى جانب الولايات المتحدة في هذا الصراع، إذ لا بد من تجنيب الشعب حروباً جديدة، لا ناقة له فيها ولا جمل.
** التنسيق مع القوى المساندة للانتفاضة في خارج البلاد لضمان التعبئة الدولية والرأي العام العالمي إلى جانب الانتفاضة وتأييد مطالبها العادلة والمشروعة، والنأي بالعراق عن الصراعات الإقليمية والدولية.
** مطالبة مجلس الأمن الدولي باتخاذ قرار يُحرًّم استخدام الدولة لأجهزتها القمعية أو مؤسسات وميليشيات الدولة العميقة المرتبطة بها وبإيران والمنسقة معها ضد الانتفاضة الشعبية، وفرض امتثال إيران لقرارٍ يمنعها استخدام العراق ساحة أمامية في صراعاتها الإقليمية والدولية.