موقف كادحي العراق من الأحزاب والميليشيات الإسلامية السياسية الفاسدة
تعرض كادحو العراق على مدى عقود عديدة لاضطهاد متنوع ومديد، كما كانوا وقوداً لحروب النظام وسياساته العدوانية نحو الداخل والخارج، إضافة إلى اتساع قاعدة هذه الفئة الاجتماعية بسبب الظروف الاقتصادية والمعيشية التي مرّ بها المجتمع العراقي، لاسيما في فترات الحروب والحصار الاقتصادي من خلال تدهور وانحدار الكثير من عناصر الفئة الوسطى وجمهرة واسعة من البرجوازية الصغيرة والمثقفين والطبقة العاملة إلى مصاف الفئات الهامشية في المجتمع، بسبب البطالة والفقر المدقع وتوقف عملية التنمية الاقتصادية وتراجع الخدمات العامة. إن هذا الواقع الذي تميز بسيادة الاستبداد والقسوة وغياب كامل للحريات الديمقراطية والحقوق الأساسية للفرد والمجتمع من جهة، وغياب القوى الديمقراطية، سواء أكانت يسارية أم لبرالية أو مستقلة عن الحياة السياسية والمسرح السياسي العراقي لسنوات طويلة من جهة ثانية، قد فسح في المجال لنشوء حالة من الشعور بالمظلومية الجارحة لدى الغالبية العظمى من السكان، لاسيما تلك التي شكلت الغالبية العظمى من سكان الوسط والجنوب وبغداد العاصمة، وأعني بهم أتباع المذهب الشيعي والكرد، خاصة بعد تهجير قسري لمئات الآلاف من العرب الشيعة والكرد الفيلية إلى إيران بذريعة قذرة هي أنهم من التبعية الإيرانية والحرب الداخلية ضد الشعب الكردي أولاً، والتفتيش عن حماية لهم في الدين عموماً ولدى المراجع الدينية الشيعية ثانياً. وقد أوجد هذا الوضع انطباعاً خاطئاً لدى الغالبية الشيعية بأن السنة هم المسؤولون عن واقعهم، في حين لم يكن أتباع المذهب السني من ابتاع المذهبين الحنفي والشافعي هم المسؤولون عن هذا الواقع، بل النظام السياسي البعثي الذي اضطهد بطرق وأساليب أخرى اهل السنة أيضاً، كما إن الكرد هم من أتباع المذهب السني المالكي، الذين لم يتعرضوا للاضطهاد فحسب بل وإلى الإبادة الجماعية في عمليات الأنفال الإجرامية.
إن اللجوء الواسع النطاق لشيعة الجنوب والوسط وبغداد صوب المراجع الدينية الشيعية في فترة حكم الدكتاتورية البعثية والصدامية قد ساعد بشكل كبير جداً على التحاق الكثير من أتباع هذا المذهب بالأحزاب الإسلامية السياسية الشيعية الطائفية التي اعتمدت الخطاب الطائفي وناهضت هوية المواطنة العراقية الموحدة والمتساوية بعد إسقاط الدكتاتورية الغاشمة في عام 2003، والتي حصلت على تأييد غير محدود ومستمر من جانب المرجعيات الدينية الشيعية دون استثناء، لاسيما مرجعية السيد علي السيستاني، مما ساهم في حصول هذه الأحزاب وميليشياتها الطائفية المسلحة، وهي تنظيمات مافيوية قلباً وقالباً، على أكثرية أعضاء مجلس النواب في الانتخابات العامة التي جرت في أعوام 2006، 2010 و2014 و2018 على التوالي وبمساعدة مباشرة من مواقعهم في قيادة السلطة والقضاء وهيمنتهم على المال العام وممارستهم الفساد والتزوير بأوسع اشكال ظهوره، وكذلك تشويه سمعة الآخرين واستخدام قوى الدولة العميقة المجرمة، ومنها الميليشيات الطائفية المسلحة الفاسدة والمسيرة من القيادة الإيرانية، للهيمنة على مجلس النواب والبقاء في السلطة.
وعلى مدى الفترة المنصرمة كان التذمر من نهج وسياسات القوى الطائفية في مختلف المجالات يتصاعد تدريجاً ويفتح ثغرات متسعة بين المزيد من اتباع المذهب الشيعي وبين الأحزاب الشيعية الطائفية الحاكمة. فغياب التنمية الاقتصادية وتفاقم البطالة، لاسيما بين الشبيبة، وتنامي الفقر ووصوله إلى نسبة عالية جداً من نفوس المجتمع، وتدهور الخدمات العامة والأساسية وتفاقم الفساد المالي والمحسوبية والمنسوبية ذات الوجهة الطائفية والحزبية، والخضوع للقرارات الإيرانية في مختلف المجالات والسياسات وثلم الاستقلال والسيادة الوطنية، قد تسبب كل ذلك في جرح كرامة الإنسان العراقي والمجتمع في آن. ورغم الحركات الاحتجاجية الهادئة والسلمية والمطالبة المستمرة بالتغيير، لم يكن للطغمة الطائفية الفاسدة الحاكمة آذاناً صاغية قطعاً، بل واجهت تلك الاحتجاجات والمظاهرات السلمية بالملاحقة والاعتقال والقتل وتشويه السمعة والاتهام بالبعثية أو العمالة لأمريكا وإسرائيل! كانت هذه السياسة الوقحة للفئة الحاكمة في بغداد قد ألبت المزيد من أبناء المذهب الشيعي ضد الحكومة التي تدعي زوراً وبهتاناً أنها تدافع عن أتباع المذهب الشيعي، في وقت مارست العنت والاضطهاد ضد الشيعة، ولكنها مارست القتل الواسع النطاق ضد السنة في عام 2011 وفسحت في المجال لقوى وعصابات داعش أن تغزو وتجتاح الموصل ونينوى وتهدد كردستان بخطر الاجتياح أيضاً في عام 2014. وكانت الإبادة الجماعية ضد الإيزيديين والمسيحيين، وضد التركمان والشبك أيضاً، وكانت الاستباحة التامة لكرامة الإنسان العراقي.
إن كل ما حصل خلال الأعوام الأخيرة قد أجج نيران الغضب في نفوس سكان العراق كله، ولكن الغضب تفجر في نفوس الشعب في الوسط والجنوب وبغداد بشكل خاص وانطلقت شرارة الانتفاضة في الأول من تشرين الأول 2019، لأن الطغمة الحاكمة كانت تدعي زوراً وكذباً وبهتاناً تمثيلها لسكان هذه المناطق وهم منها براء كبراءة الذئب من دم يوسف!
لم تصغ هذه الفئة الحاكمة الضالة إلى صوت العقل، إلى صوت الشعب، وتستجيب لمطالب التظاهرات الأولى بل واجهتها بالحديد والنار، مما أججت الغضب وكل أوضاع القهر والظلم والبؤس والخراب والرثاثة المتراكم في صدور ونفوس الناس لتنطلق الانتفاضة المباركة وتستمر حتى اليوم وستبقى حتى تحقيق النصر. إن الانتفاضة الباسلة اعطت حتى الآن على وفق الإحصاء الحكومي غير الصحيح 700 شهيد، وما يزيد على 25 ألف جريح ومعوق، وبالأمس فقط (20/01/2020 سقط في بغداد 7 شهداء و50 جريحاً ومعاقاً، عدا المحافظات الأخرى، ومنها البصرة والناصرية وكربلاء والحلة.. الخ، وما تزال الحكومة الساقطة أخلاقياً وسياساً واجتماعياً تقوم بتصريف الأعمال، وما تزال الطغمة الحاكمة تلعب على الوقت لتمييع الانتفاضة ومطالبها المشروعة، وما تزال تمارس القتل والنهب في آن واحد.
من هنا يمكن القول وبوضوح تام إن الكادحين الذين وقفوا خطأ ووهماً وتحت أوضاع استثنائية إلى جانب الأحزاب الإسلامية السياسية الفاسدة وميليشياتها الطائفية المسلحة المافيوية، يتخلون اليوم عن الوقوف إلى جانب هذه الأحزاب المارقة، بل هم يناضلون بقوة مع بقية الأوساط الشعبية، التي لم تنزل حتى الآن إلى الساحة النضالية لأسباب معروفة، لإزاحة هذه الطغمة الفاسدة والمشوهة عن الحكم وتغيير مجمل العملية السياسية والدفع باتجاه الحياة المدنية والدولة الديمقراطية والتمتع بالحقوق الأساسية في وطن مستقل غير مستباح. لقد عاد الكادحون العراقيون والكادحات العراقيات وكل الواعين من أبناء وبنات الشعب العراقي إلى مواقعهم الاجتماعية الحقيقية، إلى مواقع النضال الوطني ضد التمييز العنصري والديني والطائفي وضد المرأة ومن أجل هوية المواطنة الحرة والمتساوية ومن أجل وطن حر ومعافى وسيد نفسه. إلى هؤلاء الثوار الأشاوس أرفع صوتي عالياً وأحيي بحرارة وأدعو العالم كله لتأييد الانتفاضة ومطالبها المشروعة وانحني إجلالاً للشهداء الخالدين والتمنيات بالشفاء العاجل للجرحى والمصابين والمواساة للأمهات والزوجات والآباء والأخوات الثكالى الذين فقدوا أحباء لهم من أجل قضية الشعب والوطن، من أجل “نازل أخذ حقي” و “أريد وطناً” خال من الأوباش والطغاة والسفاحين القتلة ومن التبعية للأجنبي.