من الذاكرة.. النهاية المأساوية لنوري السعيد
من الذاكرة.. النهاية المأساوية لنوري السعيد كان الباشا مطمئنا وراضياً عن حالة الأمن داخل العراق عبد الله اللامي يوم 14 تموز 1958 كان الملك وولي العهد ونوري السعيد يتهيئون للسفر الى تركيا لحضور اجتماعات حلف بغداد . ذكر الباحثون مع المتخصصين في الشأن السياسي العراقي قبل ثورة 14 تموز 1958 أن الباشا نوري السعيد رئيس وزراء الاتحاد الهاشمي الذي يجمع العراق والاردن قد اشغل نفسه في السنوات الاخيرة من العهد الملكي بالسياسة الخارجية لاسيما قضايا ميثاق بغداد والاتحاد الهاشمي للتصدي لسياسة الرئيس جمال عبدالناصر القومية الوحدوية ، وهنا يؤشر كل من الاستاذين الفاضليين نوري عبدالحميد العاني والدكتور علاء جاسم الحربي ان الباشا لم يكن يُعير اهتماما لقضايا الامن والاستقرار الداخلي في العراق بل كثيرا ماكان يعبر عن استخفافه بالمعارضة التي تقف ضد سياسته الاستبدادية ، وكان يعتقد ان هذه المعارضة لاتتعدى كونها معارضة من بضع مئات من الطلبة والمحامين ، وهو شئ يمكن ان تعالجه الشرطة في الوقت المناسب ولذلك فأنه كان يبدو مطمئنا وراضياً عن حالة الامن في داخل العراق واستقراره حيث لنه ذهب للتصريح ” لم يخلق بعد الرجل الذي سيجرؤ على اغتيالي وان دار السيد مأمونه “. ولكن هذا الاطمئنان سرعان ماتبدد صبيحة يوم الرابع عشر من تموز 1958 ففي صباح ذلك اليوم عهد العقيد عبدالسلام عارف الى الرائد بهجت سعيد بالتوجه بسريته الى منزل نوري السعيد الواقع على نهر دجلة في كردة مريم واعتقاله كما طلب من وصفي طاهر ان يصحبه ليدله على المنزل ، وكان وصفي طاهر قد عمل مرافقا لنوري السعيد عدة سنوات . وكان نوري السعيد يستعد للسفر مع الملك فيصل الثاني وولي العهد الامير عبد الاله الى تركيا لحضور الاجتماع التمهيدي لقادة الدول الاسلامية الاعضاء في ميثاق بغداد قبل التوجه الى لندن ، حيث كان مؤملا عقد الدورة الاعتيادية بها ، وحين وصل كل من بهجت سعيد ووصفي طاهر مع جنودهما بعد الساعة الخامسة صباحا احاطو بالمنزل ولكن الباشا كان قد سمع بالثورة !! فغادر منزله مسرعا بملابس النوم (البيجاما) حاملا مسدسه معه من الباب الخلفي المؤدي الى نهر دجلة ، وطلب من صاحبيه الاخوين حسون العيسى وعبود العيسى ان ينقلاه الى جانب الرصافة ولكنه وجد الناس يتجمهرون في شارع ابي نؤاس قبالة منزله وقد الهبهم الحماس بقيام الثورة فطلب من صاحبي الزورق ارجاعه الى جانب الكرخ . وهنا يؤكد المؤرخ العراقي الكبير الدكتور علاء الحربي ان الرواة لطريقة هروب نوري السعيد قد اختلفوا عن طريقة هروب (الباشا) فمنهم من يرى انه تنبه على صوت طلقات نارية اطلقها وصفي طاهر قرب منزله ومنهم من يرى ان احد الخدم او خبازة اسمها (عمشة) كانت تسكن قرب منزله اعلمته بالثورة ، كما يشير ذلك في ذكرياته ناجي شوكت ، بينما يرى جاسم كاظم العزاوي السكرتير الصحفي للزعيم عبدالكريم قاسم ان صباح نوري السعيد اطلع والده على خبر الثورة بواسطة الهاتف في حين يشير الباحث العسكري خليل ابراهيم حسين الذي تولى منصب وزير الصناعة في احد وزارات عهدي عبدالسلام عارف وعبدالرحمن عارف ، ان بهجت العطية مدير الامن العام ابلغ نوري السعيد هاتفيا محذرا اياه من شئ غير اعتيادي يحدث في بغداد في الساعه الخامسة والنصف ثم جاءت الخبازة عمشة الى منزله تحمل ارغفة الخبز واخبرته ان الجيش يتقدم نحو منزله فهرب حينها مع حسون العيسى وعبود العيسى اللذان اخذاه الى جانب الكرخ حيث صعد الى منزل صالح مهدي البصام ومن هناك نقله المحامي مرتضى البصام اخو صالح الذي وضعه في صندوق سيارته الخلفي الى منزل الحاج محمود الاستربادي في الكاظمية ، وكان الحاج احد اصدقائه القدامى حيث مكث عنده ليلة 14/15 تموز بقلق شديد ، وكان يترقب تدخل الاردن او حكومات ميثاق بغداد لأحباط الثورة ، باعتبار ان الملك حسين ملك الاردن الذي كان نائبا لرئيس دولة الاتحاد اصبح بعد مقتل الملك فيصل الثاني رئيسا لدولة الاتحاد العربي الهاشمي . وانتشر خبر هروب الباشا واختفائه ما أثار قلق الثوار وخشيتهم من احتمال التدخل الخارجي واصيبت معنويات المؤيدين للثورة بنكسة كبيرة وصارو يستذكرون احداث عام 1941 فأسرعت حكومة الثورة الى تخصيص جائزة قدرها عشرة الاف دينار ثمن لمن يعثر على الباشا حيا او ميتا .. وقد أُذيع البيان من الاذاعة العراقية عدة مرات وارسلت الحكومة قوات لتطويق الســـــفارة الامريكية في بغــــداد لمنع الباشا من لجوئه اليها . بيان رقم (8) الصادر من القائد العام للقوات المسلحة .. تعلن قيادة القوات العسكرية انها خصصت جائزة مقدارها عشرة الاف دينار لمن يلقي القبض على المأجور نوري السعيد الذي هرب واختفى من غضب الشعب . الزعيم الركن عبد الكريم قاسم قائد القوات المسلحة وكانت اذاعة بغداد قد اذاعت خبر مقتل صباح بن نوري السعيد صباح يوم الثورة ولما سمع الباشا بمصرع ولده اشتّد به الخوف وفي اليوم التالي 15 تموز ترك منزل صديقه متنكرا بعباءة نسائية ومعه كل من زوجة الاستربادي وخادمتها الايرانية زهرة حيدر وفي الساعة الواحدة بعد الظهر ركبوا سيارة الاستربادي التي قادها ابنه مصطفى حيث اوصلهم الى منزل هاشم جعفر زوج ابنة الاستربادي واخو ضيلء جعفر الوزير السابق ، املا في الوصول الى منزل محــــمد العريبي الواقع في منــــــطقة البتاوين ولما علم عمر بن هاشـــــــم جعفر بوجود نوري السعيد في دار والده اسرع الى وزارة الدفاع واخبر عبدالكريم بالامر !! ارسل عبدالكريم المقدم وصفي طاهر مع مفرزة الى منزل هاشم جعفر لاعتقال الباشا الذي شعر بغياب عمر هاشم وشــــــك في الامر !! فغادر المنزل متنكرا في زي امراءة ترتدي العباءة والبرقع مع زوجة الاستربادي والخادمة مشيا على الاقدام وتوجهوا نحو منزل محمد العريبي واخذ نوري يـــــــسأل بعض الصبيان في الشارع عن المنـــــــزل وقد لاحظ بعضهم البيجاما الرجالية تتدلى تحت العباءة .. مما اثار الشكوك وصاح احد الاشخاص هذا نوري السعيد !! وعلا الصياح امسكوه انه نوري السعيد !! فأرتبك نوري وركض متنقلا بين شارع واخر ولكن الناس تجمعوا حوله فأخرج مسدسه واخذ يطلق النار لابعادهم عنه وفي هذه الاثناء وصل بعض الجنود فتبادلوا اطلاق النارمعه ، فأصيب وسقط على الارض وقُتلت زوجة الاستربادي بينما تمكنت الخادمة من الهروب ، وتعرف على نوري السعيد العريف خضر صالح السامرائي المنسوب الى قاعدة الرشيد ، فهجــــــــم عليه وانتزع مسدسه واطــــــــلق الرصاص على رأسه فقتله حوالي الساعه الرابعة والربع عصرا وبعدها حضرت مفــــــرزة ارسلها عبد الكريم قاســـــــم وقد وجدت نوري السعيد قد قُتل ولكن احد ضباط المفرزة ويعتقد بعض المـــــــــؤرخين ان هذا الضابط هو المقدم وصفي طاهر مرافق الزعيـــــــــم عبد الكريم قاسم وهو الذي اطلق زخة من رشاشته على جثة نــــــــوري السعيد ثم نُقلت جثته الى وزارة الدفاع حيث اطلع عليها الزعيم عبدالكريم وقادة الفرق وكبــــــــار ضباط الجيش. وفي نهاية نوري السعيد (الباشا) اصدر الزعيم عبدالكريم قاسم القائد العام للقوات المسلحة الوطنية ورئيس الوزارة بيانا للشعب العراقي ونقل جثة نوري السعيد الى الطب العدلي ، ودعا جميع المواطنين الكرام الى الانصراف الى العمل الوطني المخلص لحماية الثورة ومكتسباتها . { نقيب الصحفيين العراقيين السابق |