قرار أحبط خطط الحرب الألمانية
في 9 / أيلول ــ سبتمبر / 1914 أصدرت القيادة العسكرية في باريس (غرب المدينة) قراراً، الذي قاد إلى إفشال وإحباط خطة الحرب الألمانية المعروفة شليفن (Schliefen)، حدث ذلك حين سقطت طائرة ألمانية كان الطيار يحمل محفظة تضم خطط الحرب استولى عليها الفرنسيون.
الخوف من الموت جعلهم يستدعون الاحتياطي، مع أن ذلك يمكن أن يكون وبسهولة آخر القدرات والقوى المتاحة، وهو ما يعني اليقين الصدام المقبل. وهذا ما كان اللواء ريشار هينتش يرغب تجنبه بأي شكل. وهو الضابط المحترف، يرأس الاستخبارات العسكرية قي دائرة الأركان العامة، كان أمام قرار كبير وحاسم. في 9 / أيلول / 1914، ومشكلته كانت : أنه لم يكن يستطيع اتخاذ القرار الصحيح.
منذ أكثر من 48 ساعة، تتقدم القوات الفرنسية والبريطانية في جبهة عريضة شرقي باريس العاصمة والجيوش الألمانية الخمسة التي كانت قد احتلت كامل منطقة شمال شرقي فرنسا، هي الآن بالكاد وباستخدام كل قدراتها يمكنها بصعوبة ومشقة إيقاف تقدم القوات الفرنسية والبريطانية.
وكانت مدفعية الجيش الفرنسي ذات المدى البعيد من عيار 75 ملم، تسحق القوات الألمانية، لأن مدافعهم لم تكن بمدياتها تصل مواقع المدفعية الفرنسية، عدا هذا كان ينقصهم الإمداد ، الذخيرة، والغذاء، وحتى البريد الميداني الذي أستغرق وقتاً طويلاً الوصول من القيادة في شرق بلجيكا.
كان المقر الرئيسي في لكسمبورغ، ورئيس الأركان العامة هيلموت فون مولتكة، لم يكونوا يعلمون، ما يحدث على مدى عرض الجبهة التي تمتد حتى 250 كم، كميدان قتال في منطقة المارن. والمعلومات القليلة التي كانوا يحصلون عليها، كانت تصلهم متناقضة.
وقبل ظهيرة يوم 8 / أيلول / 1914 أرسل رئيس الأركان فون مولتكة أحد ثقاته، اللواء هينتش، في مهمة تفتيشية إلى الجبهة في سيارة، إلى شمال خطوط القتال الرئيسية، وكان عليه أن يقيم موقف القوات الألمانية من الشرق إلى الغرب وأن يقدم تقريره، وأن يقرر بنفسه.
ومولتكة نفسه لم يكون بوسعه أن يميز بين الخيارات، وكان اللواء هينتش البالغ من العمر 44 عاماً وكانت له تجاربه في الخدمة في قطعات الجيش، وفي استخدامات الأركان، التي أعتبر من خلالها موهوباً بدرجة استثنائية، أرسله بهذا الواجب ولم يكن بوسعه سوى أن يخسر.
في قطعات الجيش الخامس والرابع، وجد اللواء هينتش الموقف على أفضل ما يكون. على اية حال لم يكن الموقف ينطوي على تهديد، على الرغم من أن القوات أضطرت أن تتخلى وتنسحب من أراض ولكن هذا كان محكوماً بشروط تكتيكية.
والانسحاب المشروط مثل ميزة، فقد مثل إخراج القوات الألمانية من نطاق مدى المدفعية الفرنسية السريعة إذ لم يكن بوسع بطاريات المدفعية التي تسحبها الخيول أن تسرع بأتخاذ مواضع جديدة.
ثم واصل اللواء هينتش جولته التفتيشية الميدانية، في الجيش الثالث حيث صدم هناك، إذا كان الضباط الأركان بسبب المرض عاجزين تقريباً عن أداء الواجبات. والطعام الفاسد أصاب معظم الضباط بالضعف. وهو ما أثر على الموقف.
الجيش الثاني يبدأ بالتراجع
المحطة التالية والأخيرة لمبعوث رئيس أركان الجيش المشير فون مولتكة، كان في جبهة الجيش الثاني وكان بقيادة صديقه الحميم الفريق كارل فون بيلو. الذي كان قلقاً من تنامي ثغرة نشبت بين الجناح الأيمن لقواتها وبين القوات الصديقة، جاره من الجيش الأول. وهذه الثغرة تتوسع وتكبر. وفي هذا الخرق تتواجد قوات من الجيش الفرنسي، وقطعات بريطانية من الجيش الدائمي (ليس من قوات الاحتياط)، والذين كان بوسعهم الانتقال إلى الهجوم المضاد بعد أول هزيمة لهم.
” هذا الوضع يمكن أن يقود إلى كارثة “، بهذه الكلمات حذر الفريق بيلو قائد الجيش الثاني، وأقترح ” تراجع طوعي والتمركز للجيش الأول والثاني وهو ما سيزيل الخطر عنهما. وفي الواقع كان هذا اقتراحاً حكيماً، وكان الانسحاب إلى ما وراء خط المارن يعني، أن باريس ستبقى تحت التهديد، ولكن القوات الألمانية ستعزز مواقعها. بهذه الأفكار انتهى يوم 8/ تشرين 1 / 1914
ولكن في صباح اليوم التالي، تغيرت الأوضاع والمواقف، وازدادت سوءاً، إذ اكتشف طيار استطلاع يدعى الملازم رودولف بيرتولد أربعة أرتال طويلة بالجنود الأعداء في تقدم نحو مباشر نحو الثغرة، على الجبهة مع الألمان.
احضر الملازم الطيار بيرتولد إلى أركان الجيش الثاني للإطلاع الدقيق والاستماع لاستطلاعه، وهو ما عزز رأي الفريق بيلو ومقترحاته. وابرق على الفور إلى قيادة الجيش العليا بما يلي : ” الجيش الثاني بدأ بالانسحاب “.
الجيش الأول بقيادة الجنرال الكسندر فون كلوك،الذي كانت أوضاعه أسوء من الجيش الثاني (جاره)، كانت تحتم عليه الانسحاب.، وكذلك الجيش الثالث، وموفد رئاسة أركان الجيش الفريق هينتش وافق أو كان ينبغي عليه أن يوافق وصدق على قرارات الانسحاب، مستمداً ذلك من تخويل رئيس أركان الجيش فون مولتكة، الشفهية معتبراً اياها كتخويل.
مسألة تحديد المسؤولية
وعلى امتداد أكثر من 200 كم، أنسحبت القوات الألمانية، كان انسحاباً منتظماً، وإن تم على عجالة، وما كاد موقف القوات الألمانية يستقر شمال المارن على امتداد خط اتو تيري ــ بيرنيه ــ كليمونت، قفل هيتش عائد إلى مقر رئاسة أركان الجيش في لكسمبورغ.
ريشارد هينش توفي في شباط / 1918، وحتى ذلك الحين لم يكن يستطيع أن يدافع عن موقفه وأن يدفع عن أنه وضع القوات الألمانية في معركة المارن، بوضع صعب ولكن ليس ميؤس منه.
على أية حال، فإن الفريق كارل فون بيلو قائد الجيش الثاني الذي أصدر الأوامر الحاسمة، والذي رقي عام 1915 لرتبة المشير (فيلد ماريشال)، ، وأبعد عن الخدمة الفعلية، وتوفي قبل أن تحسم قضية المسؤولية في هذا الأمر.
وفي مساء يوم 9 / أيلول / 1914علم الماريشال فون مولتكة ما جرى حقيقة في معركة المارن، وكتب لزوجته يوق ” كانت البداية المفعمة بالأمل بداية الحرب، تحولت إلى عكس ذلك فيما بعد “. وكان هيلموت فون مولتكة محقاً في كلامه.
الخارطة :
الموقف حتى 5 / أيلول / 1914
اللون الأزرق : الفرق الألمانية 1، 2، 3، 4، 5، 6، 7، الخطوط الزرقاء الغليظة المواقع الألمانية قبل الهجوم 17/ 1914
الأسهم الزرقاء : الهجوم الألماني 18/8/ 1914 تقدمت عبر الأراضي البلجيكية حتى وصلت نهر المارن في فرنسا، غير بعيدة عن باريس / العاصمة الفرنسية.
المربعات الحمر : الفرق الفرنسية : 2، 3، 4، 9، 5، 6
المستطيل البنفسجي (BEF) جيش الحملة البريطاني