تفاءلوا بالعام 2020 تجدوه
تفاءلوا بالعام 2020 تجدوه
محمد عارف*
منتدى «دافوس» هو (المكان، الذي يخبر فيه أصحاب المليارات أصحاب الملايين كيف ينبغي على الطبقة المتوسطة أن تعيش). هذه النكتة تسخر من «المنتدى الاقتصادي العالمي»، الذي اختُتم الجمعة الماضية. والجَدُّ في النكتة أن الطبقة المتوسطة التي اختفت في البلدان الاشتراكية مع انهيار الاتحاد السوفييتي عادت للحياة، ويستعيد ممثلوها في «دافوس» ذاكرتهم عن التضامن الأممي، ليس من منطلق إيديولوجي، بل براغماتي، يعبر عن المصالح الوطنية لبلدانهم. ويثير هذا تشاؤم «كلاوس شواب» رئيس ومؤسس منتدى «دافوس» الذي أقيم على انقاض المعسكر الاشتراكي المنهار.
ونَعى «شواب» في حديث صحفي «نهاية الأفكار الرئيسة التي قام عليها المنتدى قبل نصف قرن، وهي الديمقراطية الليبرالية، والعولمة، وحرية الأسواق، وحذّرَ من الوطنية، والشمولية «التوتاليتارية»، و«النظام الاقتصادي الصيني، الذي ينافس الرأسمالية»، أي كل ما يبث الأمل بعالم أفضل يأخذ بالحسبان حقوق البلدان، ويرعى حياة الناس بشكل شامل، ويعبّر عن الاتجاه العالمي الحالي المعادي للنخبوية، التي يمثلها منتدى«دافوس» في منتجعه الجبلي السويسري الذي يؤمه زعماء الدول ورؤساء الشركات.
وهل سبب أدعى للتفاؤل في العام 2020 من تحقيق الصين، وهي أكبر دول العالم بعدد سكانها البالغ ملياراً و400 مليون، هدف الأمم المتحدة في التحرر من الفقر المدقع. والصين التي كانت حتى منتصف القرن الماضي تواجه خطر المجاعة، أصبح إجمالي منتوجها المحلي للفرد 200 دولار عام 1979، وتضاعف منذ ذلك الحين خمسين ضعفاً، وأصبح 10 آلاف دولار، ويواصل الزيادة بنسبة 10% سنوياً. واتبّعت الصين منذ حضرت «دافوس» أول مرة عام 1979 حكمتها التقليدية التي تقول«إذا لم تغير اتجاهك قد تبلغ ما تقصده». وفي عام 2007 توّلت تنظيم جلسات«دافوس» الصيفية في بكين، وفي العام 2017 اختار الزعيم الصيني الحالي«شي جينبنغ» المنتدى لإطلاق ندائه الداعي إلى عدم اتباع سياسات الحمائية الاقتصادية.
وأشد المتفائلين في«دافوس» أكثرهم تعرضاً للهجمات، وهذا كما يبدو قانون حياة الرئيس الأميركي ترامب. وخطبته في«دافوس» الأسبوع الماضي مفعمة بالتفاؤل الأميركي الهجومي، المدعم بقرار انضمامه لمشروع زرع تريليون شجرة في العالم، وتحطيم الأرقام القياسية العالمية في التقدم الاقتصادي، وإضافة 7 تريليونات دولار إلى الثروة العامة في بلاده منذ انتخابه، وإنشاء مليونين و400 ألف فرصة عمل جديدة، «جعلت العالَم واثقاً من انبعاث أميركا قوية، ومرفهة، ومفتوحة للبيزنس» حسب ادعائه. ولن يضعف تشكيك برنامج«مراجعة» في«بي بي سي» بهذه الأرقام ثقة ناخبي«ترامب».
والنخبوية منهاج عمل «دافوس» الذي اجتذب نجوم المجتمع الدولي، مثل «رالف نادر» الأميركي اللبناني المشهور بحملات الدفاع عن المستهلكين، وهنري كيسنجر، وياسر عرفات الذي دخل المنتدى محتضناً ذراع الزعيم الإسرائيلي شمعون بيريز، والزعيم الأفريقي«مانديلا» الذي تصافح في«دافوس» مع«دي كليرك» رئيس جمهورية جنوب أفريقيا العنصرية، و«بروس هوفمان» رئيس منظمة«راند» والمختص بشؤون الإرهاب، الذي أعلن في غمرة النشوة بنجاح غزو العراق «خسرنا الحرب لقد ولدت في العراق الحركات المسلحة». وحضر«دافوس» نجوم الفن العالمي، مثل «بونو» و«أنجلينا جولي» و«شارون ستون».
والاحتجاج على تغير المناخ العالمي، الذي يحتل الصدارة في أعمال«دافوس» كان يمكن أن لا يُنسى لو حضره فتيان وفتيات من العراق، يتحدون الموت في مظاهرات معادية للاحتلال والطائفية في بغداد، والبصرة، والناصرية، وكربلاء، والنجف. أَوَ ليس احتلال العراق عام 2003 سببه النفط المسؤول، حسب أدبيات البيئة عن تغير المناخ العالمي. إلاّ أن منتدى«دافوس» اختار ملهاة درامية، تلعب فيها دور البطولة المراهقة السويدية «غريتا ثنبرغ» التي تفاقمت مشاكلها النفسية بعد تحويلها إلى نجمة عالمية، بشكل يثير قلق والدها على وضعها العصبي، الذي جعلها تتوقف عن الدراسة احتجاجاً على تغير المناخ العالمي!
*مستشار في العلوم والتكنولوجيا
29 يناير 2020