نداء عاجل وملح دعونا نتحاور بود وحرية، دعونا ننتبه لمهماتنا العاجل!
أشرت في آخر مقال لي إلى إن شعبنا العراقي يمر بمرحلة مفصلية معقدة وشديدة الصعوبة. وهذا يعني بكل شفافية ووضوح إننا جميعاً بحاجة إلى المزيد من البحث العلمي والمتابعة اليومية للأحداث الجارية والتدقيق بسياساتنا ومواقفنا إزاء الكثير من الإشكاليات والمشكلات التي تواجهنا محلياً والتي تلعب فيها وعليها الكثير من العوامل والقوى والدول العربية والإقليمية والدولية. إن مثل هذا التوجه ليس ترفاً بل ضرورة موضوعية وحاجة ماسة لا تهم حزباً أو جهة سياسية معينة، أو باحثاً علميا أو كاتباً أو إعلامياً أو سياسياً معيناً، بل هي مهمة الجميع أياً كان النهج أو السياسة التي يمارسها هذا الحزب أو ذاك وهذا الباحث او السياسي أو ذاك. كما نحن بحاجة إلى النقد البناء والموضوعي والهادف إلى التحسين والبناء أولاً وقبل كل شيء. وهذا الأمر على ما أرى، يمس كل القوى والشخصيات الوطنية الدمقراطية واليسارية واللبرالية دون استثناء.
ولكن ما نحن لسنا بحاجة إليه كلية هو العراك السياسي بالكلمات وبالإساءات المتبادلة وبالتشنج وردود الأفعال الأكثر تشنجاً، وبالتالي سنصل إلى عواقب وخيمة بحيث نسلخ جلودنا دون أن ندرك ذلك ونفقد البوصلة التي ينبغي أن نهتدي بها دوماً.
أدرك من الأعماق بأن الديمقراطيين واليساريين حين يختلفون في المواقف السياسية فهي نتيجة لتحليلهم وتقديراتهم لمصالح الشعب أو الفئات الاجتماعية الوطنية التي يسعون إلى تمثيلها والدفاع عن مصالحها، وليس العامل الذاتي هو الدافع أو المحك في ذلك. وفي ضوء هذا التقدير فأن الاختلاف في الرأي ليس رذيلة بل فضيلة، لاسيما وأن فضيلة الاختلاف تفتح باب الحوار والنقاش السلمي الهادئ والموضوعي وليس المهاترات والإساءات المتبادلة والتخوين والاتهام بالعمالة أو مقابل أجر أو ما شاكل ذلك من تهم لا معنى ولا مبرر لها ولا تخدم الجميع، بل تسيء حتى لكاتب مثل هذه الاتهامات. كلمات الإساءة ليست حكراً أو محصورة بشخص أو حزب، بل يمكن أن يستخدمها الجميع. ولكن الكلمة النقدية الصادقة والهادئة والموضوعية والبناءة هي الصعبة وهي المطلوبة منا وبيننا نحن الذين نطلق على أنفسنا بصواب بأننا ديمقراطيون أو يساريون أو شيوعيون.
اعتقد بأن المرحلة الراهنة تتطلب منا جميعاً الكف عن تشديد حملة الإساءات المتبادلة الجارية حالياً بين رفاق الدرب الطويل والنضال المرير والمشاركين في ثورة تشرين 2019 الباسلة حول الموقف من الصدريين وسياساتهم وأدوارهم التي نتفق جميعاً على إنها متقلبة ومؤذية في تقلباتها على أقل تقدير. يمكن أن يستمر هذا النقاش ولكن بطرق وأساليب أخرى غير التي تتمارس الآن من البعض وليس من الكل. إذ ليس من مصلحة الحركة الديمقراطية واليسارية العراقية الغوص في ذلك، بل التهدئة ضرورية وملحة. إذ ليس بالقوة يمكن تغيير هذا الموقف او ذاك لهذا الحزب أو ذاك الباحث أو السياسي …الخ، بل يمكن تغيير المواقف بالحوار الفكري والنقاش السياسي واعتماد التحليل المادي الجدلي للأوضاع في العراق وللعوامل الفاعلة فيه والمؤثرة عليه محلياً وعربياً وإقليماً ودولياً.
أملي ورجائي أن لا ننجر أكثر فأكثر وراء من يريد تنشيط العراك الفكري والسياسي المتشنج بيننا ونبتعد عن إدارة الصراع الفكري والسياسي بين القوى الديمقراطية بروح ثورية وعقل مفتوح ورغبة صادقة في الوصول إلى ما يساعد شعبنا على اختيار الطريق الأصوب في النضال وفي التحالفات السياسية وفي التكتيكات اليومية لمواجهة الطغمة الحاكمة الطائفية الفاسدة. لم أكتب هذا النداء برغب ذاتية فحسب، بل وعلى وفق رجاءات كثيرة وصلتني من أحبة مخلصين من داخل الوطن المستباح ومن الخارج أيضاً.
أعداؤنا فرحون بما نحن فيه الآن، ولاسيما في كل ما ينشر من أفعال كتابية وردود أفعال كتابية غير متزنة، ويتمنون أن يصل هذا الصراع إلى ساحات وشوارع النضال ويتحول إلى شيء غير الكلمات، وهو أمر سيكون بالغ الضرر ومريع، وعلينا رفضه وتجنبه كلية ما دام هدفنا المركزي هو تغيير هذا النظام السياسي الفاشي الجائر الذي انتهك كل الحرمات وقتل أكثر من 730 مناضل وجرح وأعاق أكثر من 26 ألف مناضل واعتقل الآلاف واختطف المئات من خيرة شبيبة العراق من الإناث والذكور. لنتوحد على طريق النضال ونواجه العدو بوحدة نضالية صلدة ونناقش خلافاتنا بحيوية، ولكن بود وموضوعية ورحابة صدر وهدوء. إنه ندائي إلى الأحبة جميعاً في ان نركز جهدنا للشعارين المركزيين اللذين أطلقهما ثوار تشرين 2019 الشجعان: “نازل أخذ حقي، وأريد وطن”!