«الصفقة» من منظور الداخل «الإسرائيلي» عبد الحسين شعبان
تحوّلت دعوة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المرشّحين «الإسرائيليين» المتنافسين لتولي رئاسة الوزارة بنيامين نتنياهو وبيني غانتس، لإطلاعهما على خطته المقترحة للسلام «الإسرائيلي»- الفلسطيني، والتي عُرفت ب «صفقة القرن»، إلى جدال وسجال وصراع سياسي داخل «إسرائيل» أيضاً، وإنْ كان مثل ذلك التجاذب يختلف عمّا هو عليه عربياً وإسلامياً، لكنه لم يمنع من الاختلاف حول توظيفها داخلياً، حيث اعتبر ما يُعرف باليسار «الإسرائيلي» الدعوة بمثابة «مؤامرة» مزدوجة من جانب ترامب ونتنياهو لإنقاذ بعضهما من «المحاكمة» المنتظرة لكليهما، لافتاً النظر إلى الخفايا المريبة لتلك العملية، وهي عكس نظرة اليمين «الإسرائيلي» الذي يرى في الدعوة «فرصة تاريخية ينبغي استغلالها وعدم تفويتها».
وجاءت خطة ترامب لتصب في سلسلة خطواته لاستكمال صفقة القرن الحادي والعشرين بعد أن كانت صفقة القرن العشرين قد بدأت ب«اتفاقية سايكس – بيكو» عام 1916 ووليدها «وعد بلفور» عام 1917، لكن الصفقة الجديدة كان من المفترض إعلانها كاملة قبل نحو عام، وتأجّلت بسبب الأزمة السياسية «الإسرائيلية» والجولات الانتخابية التي لم تثمر إعادة تكليف نتنياهو لتشكيل الحكومة، علماً بأن الرئيس الأمريكي قدّم مفرداتها على شكل جرعات:
الأولى – اعترافه بالقدس عاصمة أبدية ل «إسرائيل» وقيامه بنقل السفارة الأمريكية إليها.
والثانية – إهداؤه الجولان السوري المحتل إلى «إسرائيل» بحجة الاعتراف ب «سياسة الأمر الواقع».
والثالثة – إعلانه أحقية «إسرائيل» و«أمنها» في ضم غور الأردن وشمال البحر الميت.
أما الرابعة فقد كانت التتويج العملي للجرعات الثلاث والخاصة بإعلان «يهودية الدولة» وفرضية «السلام» الاستسلامية.
ولعلّ جميع هذه الخطوات مخالفة بشكل صريح وسافر لقرارات ما يسمّى ب «الشرعية الدولية» وميثاق الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي المعاصر.
ويأتي التوقيت الحالي لإعلان المرحلة الأخيرة من صفقة القرن خدمة لنتنياهو، الذي يحاول المناورة، حيث سيحمل الصفقة إلى المجتمع «الإسرائيلي» ليقول له «إننا على أعتاب مرحلة جديدة»، الأمر الذي يستوجب طيّ صفحة المحاكمة، وإعادة انتخابه ليستمر في رئاسة الحكومة التي تمنحه «حصانة» من المحاكمة.
لقد بدّدت الصفقة آخر ما تبقى من إمكانية إعلان دولة فلسطينية وفقاً لما يطلق عليه ب «الشرعية الدولية»، سواء للقرار 181 لعام 1947 أو قرارات مجلس الأمن الدولي 242 لعام 1967 و338 لعام 1973 وقرارات الجمعية العامة الخاصة بحق تقرير المصير للشعب العربي الفلسطيني، ومع ذلك وبسبب الرفض العربي والإسلامي وتعاطف جزء لا يستهان به من المجتمع الدولي، فإن «إسرائيل» تحاول كسب الوقت من خلال سيناريوهات عديدة:
أولها- أنها حالياً لا تقوى على اتخاذ أي إجراء عملي قبل موعد الانتخابات الجديدة (آذار/مارس/2020)، لكنها ستحاول إضعاف الموقف العربي والفلسطيني الرافضين للصفقة ومفرداتها، والظهور دولياً بمظهر الحرص على مناقشة «خطة واشنطن» مع السلطة الفلسطينية تحديداً بشأن الخطوات التي يمكن اتخاذها بعد الانتخابات، حتى وإنْ اتّسم الموقف الفلسطيني بالرفض القاطع، لكن ترامب لوّح بأن ورثة الرئيس الفلسطيني محمود عباس يمكن أن يتقبلوا هذه الخطة، وتلك رسالة مهمة لا بدّ من التوقّف عندها.
وثانيها – محاولتها اتخاذ خطوات تمهيدية مع إبقاء باب المفاوضات مفتوحاً بالدعوة لاقتناص الفرصة لاتباع استراتيجية شاملة من منظورها للحل، بعيداً عن مطلب «حلّ الدولتين»، وهو الموقف الذي تبنّته واشنطن نظرياً.
وثالثها- ضمّها بخطة آحادية للأراضي المقترحة في «الصفقة» لتكون «أمراً واقعاً» بعد رفض الفلسطينيين، واعتبار تلك فرصة جديدة لفرض شروطها وإعلاء سقف مطالبها.
وتصبّ هذه السيناريوهات في تقسيم المتبقّي من الأراضي الفلسطينية وسيطرة «إسرائيل» تماماً على المداخل والمخارج للكيان الفلسطيني «الموعود»، بحيث تحبس الشعب الفلسطيني في سجن صغير وتخضعه لحصار شامل للرضوخ، وتمنع أي محاولة لقيام دولة فلسطينية حتى وإن كانت منزوعة السلاح في حدود ال 11% من أراضي فلسطين التاريخية، وذلك من خلال زحف هادئ لضمّ معلن وفعلي قبل الضم الشامل، وستضغط على الأردن لضعضعة العلاقة الأخوية الأردنية – الفلسطينية والتلويح بالوطن البديل مستفيدة من عامل الوقت باعتبار تلك الإجراءات (معركة بين حربين ) حسب صحيفة «هآرتس».