متشرد رغم أنفه..
متشرد رغم أنفه..
يجوب الليالي مع علمه انه مثقوب من الاسفل، فمه يلطلط الشوارع كانه يلعنها من حياة، سكب كل اللعنات التي يعرف على أعمدة سيقان يحملها لا تكل ولا تمل من البحث عن سكينة، هوس يتوسده مُكبا على طرق حفظ الحفرة فيها والاعوجاج ومع ذلك كلما ترنح صاحبه وقع في أحدها، كم بوده أن يلقمه حاوية نفايات او يقبره مثلما يُقبر البشر، ترهات يراها في عالم الصراع على السلطة نباح كلاب، على قوافل أسود خُنثت بعد ان اخصيت بعناوين ولاء او تحزب، لم يسده نفعا ان يكون ناقد حال فقد حيكت عليه مغازل اذناب السلطة.. لَعَقَ بما فيه الكفاية أحذية قبل ان يتلقاها على رأسه وبطنه ركلا فكان وهو مُربط العينين يعرف إذا كان هذا الحذاء عسكريا ام مدنيا صندل ذو قياطين ام دونها… خبرها وتعلم ان لا يعيد تجربة الحوار الديمقراطي الذي قاده لأن يكون كشجرة الدر غير أنهم تركوه وبعبع الحذاء مرافق ظل، هكذا لم يستطع ان يتوقف إلا عندما ينال منه التعب فيترصف الشارع، يتوسد أي جدار تبولت عليه الكلاب والمارة بمكان نائ.. في تلك الفسحة يراود الحذاء حلم البقاء ميتا في اقدام لا يتمنى لها ان تعود لذرع أزقة وطرق معتمة.. كم يتمنى ان يبعد عن قدمي هذا المعتوه؟ الذي لصق صورة المناضل في زاوية دماغ فارغ مع كل صور المناضلين الذي يعرف.. اشاح بمؤخرته كل من حسبه وصلا بقناعة قضية وجود، ونسي ان الوجود بحد ذاته في مخاض هل هو فعلا وجود؟ ام ان الوجود مجرد خرافة لا يعلمها إلا من أوجده، فغالبا كان من محبي عبارة أكون أو لا اكون هي من أزلت بقدمه وألبسته حذاء السعي بين الحقيقة والخيال حتى بلاهما دون ان ينال ما يخرجه من كهف تعبد به ولم ينل سوى جمرات يرمي به الشيطان الذي غرر به في كل مرة يريد يكشف الحقيقة…
يا لتعاستك يُسمِع من احتذاه قوله… يبدو انك لا تستيقظ إلا في عالم خرب، يُكال لك بعيارات نزرة لتزن الحقيقة في أنك أحقر من ان تعتلي بطن حذاء غيري حقا أنك متشرد رغم أنفك! جررت بنفسك الى الهاوية وجررتني معك فنلت مثلما نلت جنون عواقب حلم تطمع ان يتحقق في زمن الدساتير المبوبة والمفصلة بقياسات احذية لا يلبسها إلا من تدرب على الركل بطريقة المُستَعبَد، ارجوك اعفني؟ ذرني بعيدا عن اقدامك أنظر حالي ألا يؤلمك ما أنا فيه؟ فإن رضيتها لنفسك لا ارضاها لنفسي، خلني وسر حافيا صدقني ستنال عطف الآخرين، يُجبر البعض ان يرثيك بحذاء ليس على شاكلتي، فمالك وحالي؟ انظر لقد احبط عمري وبات لساني يلعق الشوارع بقاذورات عناوين سلطة تبرزت في كل شارع وزقاق حتى انتنت الانوف فاعتادوه رائحة عطر صباح ومساء، الغريب إنهم يهزجون لكل موكب يمر عليهم… شعب سخط على نفسه فطلب من ربه ظالم يُسلط عليهم بسبب نفاقهم ورياءهم… ارجوك دعني حالما تريد ان تسير بعيدا خلني قاعدا واجري بعيدا لاشك أنك ستحظى في ساعة ما او يوما ما بمن يمد لك بحذاء ترتديه لا يركلك هههههههه يا مهاترات نفسي أضحك وشر البلية ما يضحك، ما لك والسياسة انت شخص عبث برأسك صفير بلبل او صوت بوم حام حول خرابك كي ينكل بك لا لشيء فقد كي يستنفع بك… عالمكم يا هذا خزي وعار فالصعود الى الهاوية أسهل من النزول عنها.. خذ ميثاق ما تؤمن به عفطة عنز او تغوط حيوان، إن ما تفكر به وقد مللت لكثرة ترداده عنك جعلني اُبلى وأجن.. أرجوك فقط تطلع على حالي ربما تعطف علي وتتركني.
أخرج من جيبه سيجارة كان قد طلبها وكبريت نزق العمر بعد ان شدت أعمدته بمطاط كي يقي عودين تمسك بهما لحاجة… جدح رأس أحدهما وهو يبتسم معلنا أنه حياته قد بدأت بعيدا عن هذا المتحيون، سارعت بنفسها السيجارة ان تلبس ثيابها الحمراء كي ينفذ حكم الاعدام فيها بفم وشفاه معتوه عاصر الفكرة على أنها تأتي مع دخانها المتطاير، ناسيا أن الواقع يمسك بمقابض ينزل المقصلة ليقطع أنفس من يذرون الدخان بعيدا حتى لا يشكل هالة من احلام رغم أنها متطايرة.. امسك بفم الحذاء الذي تهدل وقد ادخل يده فيه ليخرج أصبع من الثقب وهو يقول له:
لا أدري ماذا أقول لك؟ إن صَدّقت كلامك وهو الحقيقة ساكون قد رقنت كل ما اؤمن به والى الأبد… فما سعيي ودوراني في هذه الشوارع وتلك الأزقة إلا أكمالا لحلم هُرِمُ مع الذين طافوا قبلي بكعبة الحرية، عَلهم ينالوا حجة البقاء بشرعية دون ان يلجأوا الى القرابين او ما يسمى الهدي… فقرابيننا صائرة الى مالا نهاية حتى غدت حياة القبور مساحاتها تتسع كأن الله يريد للحياة أن تبعث من الاجداث بشكل يكون يوم القيامة هو الخلاص من دكاترة العالم.. إنني ولما ركبتك وأحتذيك كنت قد وعدت نفسي أن أبليها فهرسة لأبواب قد تفتح مستقبلا وقد نسيتك في خضم ذلك، أبليتك ونفسي فما حظينا لا بفهرسة ابواب ولا حتى نوافذ، بالت علينا الحياة، بعد ان وثقنا بأن أصحاب الله المتأسلمين هم الحق ,ان اصحاب الشيطان هم الباطل وراح عن توقعاتنا أنهما أبناء إبليس فقد غير من هيئته وألبس كل واحد منهم لباس نفوس تتبعه.. فكنت احد الذين غرس بداخله الهواء هو من الله ولم يخطر ببالي أنه ملك ابليس وصحبه… لم استطع ان أصدق، لجأت بما يمكنني أن افعله فنلت عليه الاجر سحقا وركلا واقتنعت أن هذا هو نصيبي في هذه الدنيا فطالني ما طال غيري لاشك.. مسكين انت حقا فحالك حالي لا استطيع أن أقول أيهما أتعس لذا اعدك من اللحظة بأنك تسير معي وللمرة الأخيرة حيث افارقك فيها والى الابد…
تبسم الحذاء الذي سارع بيد صاحبه ليحتذيه ويخلصه من مرافقته وعذابه، أُهلِك في السير، خاض وجاب أماكن عهد البعض منها إلا القليل فتلك المرة الأولى التي يدخلها وقد لعق اتربة لم يألف طعمها، زادها الغشاوة فلم يعلم أين هو؟؟ رائحة غريبة يشمها فما ن رام بنفسه لوهلة وجد صاحبه ممدا متكأ الى جدار قبر في سرداب معتم لا يرى الضياء ابدا.. صرخ اللعنة عليك وعلى ما قلت، لقد وعدت ان تتركني بعيدا عنك لكن لعنتك سبقت وعدك وها انا اتوسد العتمة والقبر معك دون إرادتي… يا لك من متشرد ويا لي من تعس ملعون معك الى الأبد.
القاص والكاتب
عبد الجبار الحمدي