ايرنبورغ وخليل عبد العزيز في تأبين ناظم حكمت أ.د. ضياء نافع التقينا مرات ومرات , د. خليل عبد العزيز وانا , فهو زميل الدراسة في جامعة موسكو بالستينيات, وكتبت عدة مقالات تفصيلية ونشرتها عن احاديثه السياسية الممتعة وشبه المجهولة بالنسبة للتاريخ السياسي العراقي المعاصر , ورغم ان تلك الاحاديث كانت تدور عن قضايا صغيرة , الا انها مهمة للتعمق في مسيرة التاريخ السياسي العراقي الحديث وتحليل وقائعه والقاء الضوء على اسراره ( انظر مقالاتنا العديدة عنه ومنها على سبيل المثال وليس الحصر – خمس ساعات في موسكو مع د. خليل عبد العزيز) , وأذكر اني قلت له مرة , انك سياسي قبل كل شئ وبعد كل شئ , فضحك خليل وقال نعم , هذا صحيح , فانا امارس السياسة منذ عام 1952 ولحد الان . ولكن يجب القول – مع ذلك – اننا تحدثنا في تلك اللقاءات العديدة عن بعض الاحداث الجانبية ايضا , البعيدة نسبيا عن السياسة رغم ارتباطها بالسياسة – بشكل او بآخر- في نهاية المطاف , ويبدو لي انها تستحق التسجيل ايضا, اذ انها ممتعة اولا كما اظن , وثانيا , ربما تضيف تلك الاحاديث شيئا جديدا للقارئ , وها انا ذا اروي واحدة من تلك الاحاديث الطريفة هنا – حدث ذلك في موسكو عند وفاة الشاعر التركي الكبير ناظم حكمت في عام 1963 . كلّف تنظيم الحزب الشيوعي العراقي / فرع الاتحاد السوفيتي خليل عبد العزيز بالذهاب الى قاعة الاعمدة في مركز موسكو لتمثيل الحزب في تأبين الشاعر , حيث كان جثمان ناظم حكمت مسجّى في تلك القاعة المهيبة بمركز موسكو لوداعه من قبل اهله واصدقائه , وذلك حسب التقاليد الروسية للدفن . ذهب خليل طبعا , ووقف مع الحاضرين , وقام بدوره كمندوب للحزب الشيوعي العراقي. في هذه الاثناء شاهد فجأة الكاتب السوفيتي الشهير ايليا ايرنبورغ , او اهرنبورج كما يكتبه بعض المترجمين العرب . استطاع خليل طبعا التعرّف عليه , اذ انه معروف اعلاميا , واراد ان (ينتهز!) هذه الفرصة النادرة للحديث معه . لم يكن خليل يتصور هذا اللقاء او يتوقعه ,و لم يكن طبعا مستعدا له بتاتا , ولكن ومن اجل عدم تفويت فرصة مثل هذا اللقاء الطريف والتاريخي بالنسبة له , اقترب خليل من ايرنبورغ , ولم يستطع ان يقول السياسي خليل لارنبورغ سوى جملة واحدة تعكس فعلا شخصية خليل السياسي في كل شئ , وتعبّر عن ذلك خير تعبير, والجملة هي – هل انت ايليا ايرنبورغ , الذي كان ضد ستالين ؟ اندهش ايرنبورغ من هذا الشخص الغريب في مأتم ناظم حكمت , ومن طبيعة سؤاله الغريب ايضا , وغير المتلائم بتاتا مع هذا الموقف , واستنتج ايرنبورغ طبعا , ان هذا الشخص , الذي يطرح مثل هذا السؤال عام 1963( اي بعد كل هذه السنوات من وفاة ستالين , وفي تأبين الشاعر التركي ناظم حكمت ) لا يمكن ان يكون سوفيتيا باي حال من الاحوال, فابتسم ايرنبورغ وسأله – من اين انت ؟ فاجاب خليل , انا من العراق , فقال له ايرنبورغ , وانتم تعرفون في العراق اني كنت ضد ستالين ؟ وتركه وهو يبتسم , وذهب للاستمرار بالمشاركة في عملية تنظيم التابين تلك . ضحكت أنا , عندما حكى لي د. خليل عبد العزيز هذه الحادثة , وحكيت له , باني ساهمت ايضا في ذلك التابين , اذ كنت مع مجموعة من طلبة كلية الفيلولوجيا بجامعة موسكو ( وكانت قريبة من تلك القاعة في مركز موسكو ) , وعندما سمعنا بوفاة ناظم حكمت , قررنا الذهاب الى التأبين والمشاركة به تعبيرا عن حبنا واحترامنا لهذا الشاعر الكبير , وشاهدت هناك ايرنبورغ طبعا , الذي كان نشيطا بالمشاركة في مراسم التابين , لان ناظم حكمت كان صديقه و رفيق دربه الفكري , ولكني لم اتجاسر ان اقترب منه والتكلم معه , بل كنت انظر الى جثمان ناظم حكمت المسجّى بملابسه على سرير وسط القاعة , وكانت زوجته الروسية تجلس جنبه وهي تبكي بصمت وتمسّد وجهه بيدها , اما زوجته التركية وام ابنه , فقد كانت تقف على بعد مترين تقريبا وهي تبكي بصمت ايضا وتنظر اليه والى زوجته الروسية الجالسة عند رأسه بحزن واضح . اتمنى ان تسنح لي الفرصة لاحقا للحديث عن لقاء د. خليل عبد العزيز مع الموسيقار السوفيتي الارمني الشهير آرام خاجاتوريان , وماذا قال لخليل عن الموسيقار محمد عبد الوهاب …
ايرنبورغ وخليل عبد العزيز في تأبين ناظم حكمت
أ.د. ضياء نافع
التقينا مرات ومرات , د. خليل عبد العزيز وانا , فهو زميل الدراسة في جامعة موسكو بالستينيات, وكتبت عدة مقالات تفصيلية ونشرتها عن احاديثه السياسية الممتعة وشبه المجهولة بالنسبة للتاريخ السياسي العراقي المعاصر , ورغم ان تلك الاحاديث كانت تدور عن قضايا صغيرة , الا انها مهمة للتعمق في مسيرة التاريخ السياسي العراقي الحديث وتحليل وقائعه والقاء الضوء على اسراره ( انظر مقالاتنا العديدة عنه ومنها على سبيل المثال وليس الحصر – خمس ساعات في موسكو مع د. خليل عبد العزيز) , وأذكر اني قلت له مرة , انك سياسي قبل كل شئ وبعد كل شئ , فضحك خليل وقال نعم , هذا صحيح , فانا امارس السياسة منذ عام 1952 ولحد الان . ولكن يجب القول – مع ذلك – اننا تحدثنا في تلك اللقاءات العديدة عن بعض الاحداث الجانبية ايضا , البعيدة نسبيا عن السياسة رغم ارتباطها بالسياسة – بشكل او بآخر- في نهاية المطاف , ويبدو لي انها تستحق التسجيل ايضا, اذ انها ممتعة اولا كما اظن , وثانيا , ربما تضيف تلك الاحاديث شيئا جديدا للقارئ , وها انا ذا اروي واحدة من تلك الاحاديث الطريفة هنا –
حدث ذلك في موسكو عند وفاة الشاعر التركي الكبير ناظم حكمت في عام 1963 . كلّف تنظيم الحزب الشيوعي العراقي / فرع الاتحاد السوفيتي خليل عبد العزيز بالذهاب الى قاعة الاعمدة في مركز موسكو لتمثيل الحزب في تأبين الشاعر , حيث كان جثمان ناظم حكمت مسجّى في تلك القاعة المهيبة بمركز موسكو لوداعه من قبل اهله واصدقائه , وذلك حسب التقاليد الروسية للدفن . ذهب خليل طبعا , ووقف مع الحاضرين , وقام بدوره كمندوب للحزب الشيوعي العراقي. في هذه الاثناء شاهد فجأة الكاتب السوفيتي الشهير ايليا ايرنبورغ , او اهرنبورج كما يكتبه بعض المترجمين العرب . استطاع خليل طبعا التعرّف عليه , اذ انه معروف اعلاميا , واراد ان (ينتهز!) هذه الفرصة النادرة للحديث معه . لم يكن خليل يتصور هذا اللقاء او يتوقعه ,و لم يكن طبعا مستعدا له بتاتا , ولكن ومن اجل عدم تفويت فرصة مثل هذا اللقاء الطريف والتاريخي بالنسبة له , اقترب خليل من ايرنبورغ , ولم يستطع ان يقول السياسي خليل لارنبورغ سوى جملة واحدة تعكس فعلا شخصية خليل السياسي في كل شئ , وتعبّر عن ذلك خير تعبير, والجملة هي – هل انت ايليا ايرنبورغ , الذي كان ضد ستالين ؟ اندهش ايرنبورغ من هذا الشخص الغريب في مأتم ناظم حكمت , ومن طبيعة سؤاله الغريب ايضا , وغير المتلائم بتاتا مع هذا الموقف , واستنتج ايرنبورغ طبعا , ان هذا الشخص , الذي يطرح مثل هذا السؤال عام 1963( اي بعد كل هذه السنوات من وفاة ستالين , وفي تأبين الشاعر التركي ناظم حكمت ) لا يمكن ان يكون سوفيتيا باي حال من الاحوال, فابتسم ايرنبورغ وسأله – من اين انت ؟ فاجاب خليل , انا من العراق , فقال له ايرنبورغ , وانتم تعرفون في العراق اني كنت ضد ستالين ؟ وتركه وهو يبتسم , وذهب للاستمرار بالمشاركة في عملية تنظيم التابين تلك .
ضحكت أنا , عندما حكى لي د. خليل عبد العزيز هذه الحادثة , وحكيت له , باني ساهمت ايضا في ذلك التابين , اذ كنت مع مجموعة من طلبة كلية الفيلولوجيا بجامعة موسكو ( وكانت قريبة من تلك القاعة في مركز موسكو ) , وعندما سمعنا بوفاة ناظم حكمت , قررنا الذهاب الى التأبين والمشاركة به تعبيرا عن حبنا واحترامنا لهذا الشاعر الكبير , وشاهدت هناك ايرنبورغ طبعا , الذي كان نشيطا بالمشاركة في مراسم التابين , لان ناظم حكمت كان صديقه و رفيق دربه الفكري , ولكني لم اتجاسر ان اقترب منه والتكلم معه , بل كنت انظر الى جثمان ناظم حكمت المسجّى بملابسه على سرير وسط القاعة , وكانت زوجته الروسية تجلس جنبه وهي تبكي بصمت وتمسّد وجهه بيدها , اما زوجته التركية وام ابنه , فقد كانت تقف على بعد مترين تقريبا وهي تبكي بصمت ايضا وتنظر اليه والى زوجته الروسية الجالسة عند رأسه بحزن واضح .
اتمنى ان تسنح لي الفرصة لاحقا للحديث عن لقاء د. خليل عبد العزيز مع الموسيقار السوفيتي الارمني الشهير آرام خاجاتوريان , وماذا قال لخليل عن الموسيقار محمد عبد الوهاب …
أ.د. ضياء نافع
التقينا مرات ومرات , د. خليل عبد العزيز وانا , فهو زميل الدراسة في جامعة موسكو بالستينيات, وكتبت عدة مقالات تفصيلية ونشرتها عن احاديثه السياسية الممتعة وشبه المجهولة بالنسبة للتاريخ السياسي العراقي المعاصر , ورغم ان تلك الاحاديث كانت تدور عن قضايا صغيرة , الا انها مهمة للتعمق في مسيرة التاريخ السياسي العراقي الحديث وتحليل وقائعه والقاء الضوء على اسراره ( انظر مقالاتنا العديدة عنه ومنها على سبيل المثال وليس الحصر – خمس ساعات في موسكو مع د. خليل عبد العزيز) , وأذكر اني قلت له مرة , انك سياسي قبل كل شئ وبعد كل شئ , فضحك خليل وقال نعم , هذا صحيح , فانا امارس السياسة منذ عام 1952 ولحد الان . ولكن يجب القول – مع ذلك – اننا تحدثنا في تلك اللقاءات العديدة عن بعض الاحداث الجانبية ايضا , البعيدة نسبيا عن السياسة رغم ارتباطها بالسياسة – بشكل او بآخر- في نهاية المطاف , ويبدو لي انها تستحق التسجيل ايضا, اذ انها ممتعة اولا كما اظن , وثانيا , ربما تضيف تلك الاحاديث شيئا جديدا للقارئ , وها انا ذا اروي واحدة من تلك الاحاديث الطريفة هنا –
حدث ذلك في موسكو عند وفاة الشاعر التركي الكبير ناظم حكمت في عام 1963 . كلّف تنظيم الحزب الشيوعي العراقي / فرع الاتحاد السوفيتي خليل عبد العزيز بالذهاب الى قاعة الاعمدة في مركز موسكو لتمثيل الحزب في تأبين الشاعر , حيث كان جثمان ناظم حكمت مسجّى في تلك القاعة المهيبة بمركز موسكو لوداعه من قبل اهله واصدقائه , وذلك حسب التقاليد الروسية للدفن . ذهب خليل طبعا , ووقف مع الحاضرين , وقام بدوره كمندوب للحزب الشيوعي العراقي. في هذه الاثناء شاهد فجأة الكاتب السوفيتي الشهير ايليا ايرنبورغ , او اهرنبورج كما يكتبه بعض المترجمين العرب . استطاع خليل طبعا التعرّف عليه , اذ انه معروف اعلاميا , واراد ان (ينتهز!) هذه الفرصة النادرة للحديث معه . لم يكن خليل يتصور هذا اللقاء او يتوقعه ,و لم يكن طبعا مستعدا له بتاتا , ولكن ومن اجل عدم تفويت فرصة مثل هذا اللقاء الطريف والتاريخي بالنسبة له , اقترب خليل من ايرنبورغ , ولم يستطع ان يقول السياسي خليل لارنبورغ سوى جملة واحدة تعكس فعلا شخصية خليل السياسي في كل شئ , وتعبّر عن ذلك خير تعبير, والجملة هي – هل انت ايليا ايرنبورغ , الذي كان ضد ستالين ؟ اندهش ايرنبورغ من هذا الشخص الغريب في مأتم ناظم حكمت , ومن طبيعة سؤاله الغريب ايضا , وغير المتلائم بتاتا مع هذا الموقف , واستنتج ايرنبورغ طبعا , ان هذا الشخص , الذي يطرح مثل هذا السؤال عام 1963( اي بعد كل هذه السنوات من وفاة ستالين , وفي تأبين الشاعر التركي ناظم حكمت ) لا يمكن ان يكون سوفيتيا باي حال من الاحوال, فابتسم ايرنبورغ وسأله – من اين انت ؟ فاجاب خليل , انا من العراق , فقال له ايرنبورغ , وانتم تعرفون في العراق اني كنت ضد ستالين ؟ وتركه وهو يبتسم , وذهب للاستمرار بالمشاركة في عملية تنظيم التابين تلك .
ضحكت أنا , عندما حكى لي د. خليل عبد العزيز هذه الحادثة , وحكيت له , باني ساهمت ايضا في ذلك التابين , اذ كنت مع مجموعة من طلبة كلية الفيلولوجيا بجامعة موسكو ( وكانت قريبة من تلك القاعة في مركز موسكو ) , وعندما سمعنا بوفاة ناظم حكمت , قررنا الذهاب الى التأبين والمشاركة به تعبيرا عن حبنا واحترامنا لهذا الشاعر الكبير , وشاهدت هناك ايرنبورغ طبعا , الذي كان نشيطا بالمشاركة في مراسم التابين , لان ناظم حكمت كان صديقه و رفيق دربه الفكري , ولكني لم اتجاسر ان اقترب منه والتكلم معه , بل كنت انظر الى جثمان ناظم حكمت المسجّى بملابسه على سرير وسط القاعة , وكانت زوجته الروسية تجلس جنبه وهي تبكي بصمت وتمسّد وجهه بيدها , اما زوجته التركية وام ابنه , فقد كانت تقف على بعد مترين تقريبا وهي تبكي بصمت ايضا وتنظر اليه والى زوجته الروسية الجالسة عند رأسه بحزن واضح .
اتمنى ان تسنح لي الفرصة لاحقا للحديث عن لقاء د. خليل عبد العزيز مع الموسيقار السوفيتي الارمني الشهير آرام خاجاتوريان , وماذا قال لخليل عن الموسيقار محمد عبد الوهاب …