الكورونا .. وما بعد الكورونا
الكورونا .. وما بعد الكورونا
ضرغام الدباغ
لا ينبغي التقليل من خطورة فايروس كورونا كوفيد 19 (Covid 19) ، ولكني أثق بأن الأزمة ستبلغ ذروتها، ثم تنحسر، أولاً بسبب حسن تعامل الإنسان معها، وثانياً بتوصل العلم إلى صناعة مضادات لها سواء تلك التي ستزرق في جسم الإنسان، أو تلك المطهرات التي ستعمل على القضاء على الجزء الأعظم من الفيروس، الذي سيتراجع، ويتضاءل، ولكنه سوف لن يباد نهائياً، بل يضل بين الحين والآخر يطل بوجوده، ولكن بخطورة أقل، وسوف يتولى التطعيم المسبق تقليص خطورته وأضراره، حتى يصبح التطعيم شبه إلزامياً كما يحدث في أوربا حالياً التطعيم السنوي في نهاية كل عام من مرض الانفلونزا، ربما سيكون كورونا أقسى قليلاً من الكوليرا، مع الفارق أن الكوليرا وقبلها الملاريا هي أمراض اختصت بها البلدان النامية، والفقراء والكادحين، كالجذام، والتيفوئيد، ولاحقا إيبولا، أما كورونا فهي لا تعرف الصراع الطبقي، فتنال حصتها حتى من الأثرياء والبلدان المتقدمة، ولكن البلدان المتقدمة بأعتبارها تعرف ماذا تفعل، سيكون زيارة كورونا ليس حدثاً شائعاً.
ولكن على أية حال، فأن مرحلة القضاء على كورونا ستكون عصيبة، وسوف تترك عادات جديدة وتنسخ عادات وتقاليد قديمة، ومن تلك مثلاً عادات المبالغة في المصافحة، والعناق وصولاً إلى تبادل القبلات .. والمبالغة في دعوات العشاء، ومجالس الأفراح والأحزان، فهذه عادات الزمن القديم، والتي يمكن أن تختصر بإبداء مشاعر التضامن والمواساة بكارت جميل أنيق، وبكلمات معبرة، أكثر من العناق والتقبيل و ” البقاء في حياتكم” .
وأساساً فإن شروط السكن الجديد، (المساكن والشقق الصغيرة) تجعل من إقامة مجالس الفرح والحزن في البيوت مسألة صعبة، بل وإقامة الولائم الكبيرة بسبب صغر حجم الشقق. كما انقرضت غرفة المكتبة، فاليوم أنت مرغم عن التنازل بأسف وأسى عن ألاف الكتب، لأن ببساطة لا يوجد لها مكان في البيت، ولم أكن يوماً أتخيل أن أهدي ألاف الكتب، ولا يرغب بها أحد، فأهديها لمؤسسات وقفية، مكتبة عملاقة كنت أمتلكها، اختصرتها اليوم بمكتبة أنيقة جداً ولكنها صغيرة جداً ولا تتسع سوى ل 700 ــ 800 كتاب فقط، ومعظم كتبي هي مراجع أصيلة، أو موسوعات متخصصة(موسوعة عامة، سياسية، اقتصادية، فلسفية، عسكرية، طيران، دبلوماسية)، وقواميس لغات: عربي، ألماني، إنكليزي، فرنسي، إسباني، ولكني أمارس الغش، فأخفي كتباً وراء السرير، وتحت الكنبات والكراسي، بضع عشرات أخرى …. لا فائدة، انتهى أمر المكتبات الورقية العملاقة، فأنا اليوم أملك مكتبة الكترونية سوبر عملاقة تضم 52 ألف كتاب، وأكثر من 29 ألف صورة، ولوحة وخريطة، و كل هذه الثروة في قطعة صغيرة الكترونية أصغر من حجم الكف، يمكنك أن تضعها في جيب القميص، أما المكتبة الموسيقية، فأنتهى عصر الأسطوانات الرائع، والآن عصر الأقراص (CD)، فيمكنك تجميع مئات الأقراص لا تأخذ سوى حيزاً صغيراً.
الآن يضيف الكورونا، إلى تفاقم أزمة السكن، الضرورة الحاسمة لنظام صرف صحي، وشبكة مياه نقية صالحة للاستخدام البشري، فتشوا عن د. عدنان جابرو ليعيد لكم مياه نظيفة في بغداد، وابحثوا عن وزير / وزيرة صحة لا تهتم للكومشن والحصص والتحاصص، وإلا سيأكلنا الكورونا، وربما غداً سنواجه ما العن منه … أيها الناس .. لكي لا يكون العراق بلد يسكنه الأشباح … استعدوا لبناء البلاد وإلا سيضيع كل شيئ …
التعليم سيكون له اتجاهات جديدة .. سيتدخل الالكترون بدرجة عميقة جداً في أساليب التدريس، واليوم في برلين يلتقي الطالب بطلابه في دائرة على الهاتف، ويتم تبادل الأوراق بواسطة الهاتف، وتسجيل الحضور والدوام في الكلية الكترونياً، وهناك تعاملات واسعة تجري منذ سنوات عبر الانترنيت، ولكن الآن أصبح الأمر بدرجة حاسمة، ومستشارة ألمانيا السيدة ميركل بأعتبار أنها ترقد للاستراحة في بيتها، تدير العمل في مكتبها من بيتها الكترونياً. كنا نقول قبل سنوات، من لا يتقن العمل بالكومبيوتر فليتفضل ويرتاح في البيت، الآن لا أحد يتعامل مع من يجهل الكومبيوتر، يعتبر في مرحلة الأمية قولاً وفعلاً….! وسيؤدي التطور العلمي إلى تضاؤل مكانة الأفكار المثالية، وحتى تتعرف على أدق المعلومات، فالأمر لا يحتاج منك سوى لمسة زر من أزرار الكومبيوتر.
التسوق، والتعامل بالبريد، ومراجعة الدوائر تغير منذ الآن وسيتغير بدرجة حاسمة أكثر من ذي قبل. وعندما أحلت على التقاعد قبل نحو عشرة سنوات، لم أراجع دائرة التقاعد سوى مرة واحدة فقط ولبضعة دقائق، ومنذ ذلك التاريخ، لم أراهم ولم يروني مطلقاً كل شيئ يدور بالبريد، بدون أدنى مشكلة. وأعتقد أننا أمام مرحلة يتم التوقيع فيها الكترونياً عبر استخدام رقم سري أو شفرة، أو تطوير آلية معينة يتم فيها التوقيع الكترونياً، وهذا ليس بصعب، ويجري حالياً استخدامه في نطاق ضيق.
مراجعة الأطباء ستكون عبر الهاتف، والآن هناك في بعض الهواتف الذكية (Smartfphone)”ومنها هاتفي المتواضع” تطبيقات تقوم بقياس النبض ومهمات أخرى، وعدد الخطوات، وربما هناك جيل جديد من الهواتف يفحص الضغط، ونسبة السكر، وحرارة الجسم …الخ تعطيها للمستشفى هاتفيا، وسيجرون لك اللازم … ويقررون حاجتك لزيارة المستشفى، وفي أي قسم ..!
هناك تفاصيل ومفردات كثيرة جداً …. اريد أن أصل وأياكم إلى أمر مهم، ربما سيعتبره البعض رجماً بالغيب .. وهو الجزء الأهم في مداخلتي…! وبتقديري أن التطورات الأهم ستكون على مسرح السياسة العالمية، إذ جاءت كورونا لتضيف ضربات فرشاة مهمة على اللوحة … على صورة العلاقات الدولية المقبلة. وإذا كانت العملية تتجه قبل موجة كرونا إلى مواجهة أمريكية ــ بريطانية / صينية ــ روسية، كانت ستقع بكورونا أو بدونها، الآن ستضيف عليها كورونا لمساتها، وأرجح أن يكون بأتجاه إقرار أمريكي بمكانة الصين ــ روسيا، وتقاسم نفوذ، وهو أمر يحصل بعد كل حرب، ساخنة أو باردة، ستنال بموجبه الصين حرية الحركة في مناطق معينة، ونهاية لقطبية الأحادية.
وليس من الضروري أن يكون تقاسم النفوذ (وهي النتيجة الطبيعية لكل حرب) الضرورة الحتمية ومن نتائج حرب عالمية ساخنة، ففي الواقع لا توجد حرب باردة، ففي غضون الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي والمعسكر الغربي(1949 ــ 1991)، كانت تدور معارك ساخنة جداً بين حلفاء القطبين الدوليين، في أرجاء متعددة من العالم، وصلت فيها تطورات الموقف في حالتين على الأقل إلى درجة الإنذار النووي، ثم خمدت بمساعي دبلوماسية، فقد أقرت روسيا ببعض المعطيات عقب انتهاء الحرب الباردة في لقاء قمة مالطا بين الرئيس بوش الأب، والزعيم السوفيتي غورباتشوف في 2 ـ 3 / ديسمبر ــ كانون الأول عام 1991.
وأكاد ألمح تطورات جوهرية في عالم التجارة والصناعة ستبلغ فيها مستواً بالغ التقدم، والتطور الاقتصادي سينعكس على طبيعة العلاقات بين الدول، التكتلات والتحالفات الدولية، والدول المتقدمة قد استعدت لذلك وهي تواصل استعداداتها، وستبرز دول عظمى جديدة، وقوى وتحالفات، ولن يتخذ طرف أو دولة مكانة إلا بالاستحقاق السياسي / الاقتصادي. ومن يتذكر من القراء، أني كنت قد كتبت ملمحاً لذلك قبل وقت بعيد …!