لاكشين و الادباء الروس الكبار
أ.د. ضياء نافع
هذه المقالة حول شخص روسي مجهول تماما للقارئ العربي اسمه فلاديمير ياكوفليفتش لاكشين , والذي اريد تقديمه للقارئ العربي , لانه يستحق ذلك فعلا , اذ انه متخصص بارز في تاريح الادب الروسي , بل يمكن القول انه عاشق متحمّس للادباء الروس الكبار ابتداء من بوشكين الى دستويفسكي وتولستوي وتشيخوف وانتهاء بسولجينيتسن , ولازالت هذه الظاهرة واضحة المعالم لحد الان في مؤلفاته العديدة من كتب ومقالات ودراسات عن هؤلاء الادباء , والتي يتداولها القراء الروس في المكتبات العامة والخاصة او في مخازن بيع الكتب , او يطلعون عليها في المواقع الالكترونية المفتوحة للجميع , رغم ان لاكشين قد رحل مع الاسف الشديد عن الحياة منذ اكثر من ربع قرن , وكان آنذاك في الستين من عمره .
ولد لاكشين في موسكو عام 1933 , وعاصرفي طفولته الحرب العالمية الثانية , والتي يسميها الروس الحرب الوطنية العظمى ( 1941 – 1945 ) وسنواتها المرعبة الرهيبة , ثم عاصر اواخر زمن الستالينية الصارمة الصعىة , ثم ( وبعد وفاة ستالين عام 1953) عاصر بدايات مرحلة (ذوبان الجليد !) زمن خروشوف فصاعدا , ثم شاهد بعد ذلك كل التغييرات التي حدثت في الاتحاد السوفيتي , وشاهد ايضا انهيار الدولة السوفيتة عام 1991, اذ انه توفي عام 1993 , وكان دائما في قلب كل هذه الاحداث الكبيرة في مصير روسيا , وكانت له مواقف محددة وواضحة تجاه كل ما حدث في وطنه , لانه كان الابن المثقف الروسي الحقيقي لبلده , وقد انعكس موقفه هذا في نشاطاته الفكرية تلك في الصحف و المجلات الادبية , التي كان يعمل فيها , او في الكتب العديدة التي اصدرها .
اصبح لاكشين في بداية الخمسينيات طالبا في كليّة الفيلولوجيا ( اللغات وآدابها) بجامعة موسكو وتخرّج عام 1955 , ثم التحق بقسم الدراسات العليا في الكليّة التي تخرّج فيها , وحصل على شهادة الكانديدات في العلوم الفيلولوجية ( دكتوراه فلسفة)عام 1962 , وكان موضوع اطروحته حول تولستوي وتشيخوف , هذه الاطروحة التي بلورّها بعدئذ واصدرها في كتاب , وهكذا ظهر كتاب لاكشين الاول عام 1963 , وكان بعنوان – تولستوي وتشيخوف . جلب هذا الكتاب انتباه الباحثين و القراء رأسا بموضوعيته وعلميته وابتعاده عن الكلمات الطنانة والرنانة الجاهزة , والتي كانت سائدة بشكل او بآخر, اذ كان هذا الكتاب تعبيرا حقيقيا عن طبيعة المرحلة الجديدة في البحث العلمي السوفيتي , الذي كان يسعى الى تثبيت المفاهيم الحياتية ( ان صح التعبير) كما هي , وليس كما تريد الايديولوجية السائدة آنذاك , ولهذا , يعدّ هذا الكتاب ولحد الان واحدا من المراجع المهمة في موضوعة علم الادب المقارن بين علميين من أعلام الادب الروسي هما تولستوي وتشيخوف . لم يصدر لاكشين اي كتاب جديد منذ عام 1963 والى عام 1975 , اذ كان يعمل في الصحف والمجلات الادبية , وكان ايضا يحضّر اطروحة للحصول على شهادة دكتوراه العلوم ( دوكتور ناووك ) , وهي أعلى شهادة اكاديمية في روسيا , وقد حصل عليها لاكشين فعلا عام 1975 , وكانت اطروحته عن الكاتب المسرحي الروسي الكبير أستروفسكي ( انظر مقالتنا بعنوان – أستروفسكي شكسبير روسيا ). وهكذا بدأ لاكشين باصدار سلسلة كتبه بعد ذلك , اذ أصدر الطبعة الثانية المزيدة من كتابه الاول ( تولستوي و تشيخوف ) عام 1975 , ثم أصدر عام 1976 كتابه الثاني – ( أستروفسكي ) , ثم ( اللقاء الثاني ) , ثم ( مسرح أستروفسكي ) , ثم ( خمسة أسماء عظيمة ), ثم ( الباب المفتوح ) , ثم ( طرق صحفية ), ثم ( نوفي مير في زمن خروشوف ) , ثم ( شواطئ الثقافة ) , وغيرها …اما نشاطه في الصحافة , فقد نشر اكثر من 300 مقالة متنوعة عن الادباء الروس , اذ انه عمل بعد تخرجه في اواسط الخمسينيات في صحيفة ( ليتيراتورنايا غازيتا ) ثم في مجلة ( نوفي مير / العالم الجديد ) عندما كان الشاعر الروسي السوفيتي تفاردوفسكي رئيسا لتحريرها , واصبح لاكشين نائبه الاول , وبالذات عندما نشرت هذه المجلة رواية سولجينيتسن القصيرة – ( يوم واحد من حياة ايفان دينيسيفتش ) , هذا النشر الذي فتح الطريق امام سولجينيتسن في الاتحاد السوفيتي والعالم , وهي مسألة معروفة طبعا , ولا ضرورة لاعادتها هنا . لقد كتب لاكشين عن موقف سولجينيتسن ودافع عنه , الا انه اختلف معه سياسيا عندما سافر الى الغرب , وهو موقف يحتاج الى دراسة موضوعية هادئة الان , اذ ان لاكشين لم يتقبل الهجوم الحاد على روسيا آنذاك , وكانت آخر مقالة له عام 1993 تدافع عن اسم روسيا والروس , اما آخر منصب في الصحافة الادبية , فقد كان لاكشين رئيسا لتحرير مجلة الادب الاجنبي , اضافة الى ان لاكشين عمل في مجال التلفزيون , وقدّم برامج تلفزيونية مشهورة جدا عن الادباء الروس الكبار , وهو الذي ارشف الافلام الروسية عنهم .
الصورة القلمية التخطيطية لهذا الناقد الادبي تعني , اننا يجب ان نتوسع بدراسة آثاره الفكرية , و ان نتعمق في تحليلها . لاكشين هو الارض البكر , التي تنتظر جهود الباحثين العرب لحراثتها ….