عراقيون في المانيا .. 1 الموسيقار علي الشبلي
عراقيون في المانيا .. 1
الموسيقار علي الشبلي
علي الشبلي.. كفاءة عراقية نادرة في مجال الموسيقى.. ما زال شاباً نشطاً يواصل العطاء في اكثر من مجال .. تراه سريع الحركة .. يمر من امامك ويختفي في اروقة المركز الثقافي الألماني.. الذي وفر له المكان والصالة التي يدرب فيه الطلبة واليافعين على الموسيقى من مختلف الأعمار و البلدان.. يتمرنون على الإنشاد بعدة لغات.. الموسيقى هي فلسفته في الحياة و هي محور نشاطه وعلاقاته الإنسانية..
غالباً حينما نستوقفه لنتساءل يتحول الجواب الى محاضرة متكاملة مقرونة بالعزف .. فمن النادر ان تراه خالي اليدين .. العود .. الماصولة ـ الشبابة .. الأورك .. الكمان .. و غيرها من الآلات الموسيقية التي يجيد العزف عليها.. لا بد وان ترافقه احداها اينما حلّ وتواجد .. وهو يسعى لتعليم الكبار و الصغار من الفتيان والفتيات.. فالموسيقى هي غذاؤه اليومي .. حين تقترب منه تراه يفيض بسمة وعذوبة وطيبة.. هي طيبة أهل البصرة كما يردد العراقيون هذا القول الأزلي..
عن البصرة .. العراق .. الموسيقى .. كان لنا وقفة معه بعد عدة جولات لم تتكلل بالنجاح بسبب انشغالاته.. لكنه حينما اوضحت له فكرة اللقاء في سياق مشروع توثيقي تحت عنوان (عراقيون في المانيا) .. او (عراقيون في هامبورغ) من خلال نخبة نختارها للحوار لنسجل جانباً من التواجد العراقي الفاعل في المانيا.. تمكنا من صيده واستدراجه لمنحنا هذه الفرصة.. كي نبدأ معه من البصرة.. البصرة الفيحاء .. التي منحتنا الكثير وعلي الشبلي ليس وحيداً او استثناء من بين ثمارها ..
ـ سنعود بك لأجواء البصرة كي تحدثنا عن نشأتك.. الأجواء التي تفاعلت معها في طفولتك.. اين كان لقاءك الأول مع الموسيقى ؟..
ـ ولدت في البصرة .. المعقل سنة 1962 .. ودرست في مدارسها الابتدائية.. في ذات الحارة التي افتتحت عيني فيها على الحياة .. والمميز فيها اجواء العائلة.. التي كانت تجمع بين الثقافة والفن والسياسة والموسيقى ..
أخي الأكبر مني.. سياسي في مقتبل العمر.. وعمي طارق الشبلي موسيقار مشهور في الوسط الاجتماعي على مستوى العراق والبصرة ارتبط اسمه والحانه بالأغاني الثورية واشهرها (مكبعة رحت امشي بالدرابين الفقيرة) .. و جلسات السمر التي كانت تعقد في الدار لم تكن تخلو من اسماء لامعة.. تركت بصماتها الفنية والسياسية.. من النادر ان لا يكون لي نصيباً من السماع.. بعد ان جلبت انتباهي تلك النغمات.. التي كانت تصدح في فناء الدار .. فواد سالم .. سيتا اوكوبيان .. طالب غالي .. سامي كمال.. مع نسيبنا علي العضب مؤلف بيادر خير ..
من اجواء السكن.. في البيت مع هؤلاء المبدعين.. من خلالهم بدأ اهتمامي بالموسيقى ..
دون ان اغفل الشوارع ..الدرابين.. و المدرسة.. و ما كان يقدم من خلال فرق الخشابه الشعبية من نشاطات تتواصل في هذه الأماكن.. وأنا استمع اليها خارج الدار في طريقي الى المدرسة والأسواق .. كل هذا جعلني ان ادخل في قوام اول تجربة موسيقية عملية وأنا ما زلت في مقتبل العمر ..
دخلت وأنا في عمر 13 عاماً.. مع أول اوركسترا في برامج حديقة الأطفال بالبصرة .. بإشراف الموسيقي عبد القادر أحمد ..
وعموماً فإن البصرة .. وتحديداً حي المعقل.. خرّج الكثير من الفنانين والموسيقيين و المسرحيين.. منهم محمود عباس.. المخرج كاظم حسين.. الذي تحول الى التدريس الجامعي في اختصاصه ايضا ..
كانت هذه الاجواء المقدمة التي نمّت موهبة الموسيقى لدي.. بعدها جاءت مرحلة الاعدادية في المعقل ايضا .. حيث نشأت وتكونت فرقة الطلبة والشباب.. وبرز منهم فنانون مشهورون.. بتواضع اقول انا احدهم ..
الخطوة اللاحقة كانت في اجواء الغربة بعد مغادرتي العراق .. توجهت الى يوغسلافيا السابقة سنة 1981.. في مكدونيا كما تعرف الآن .. واصلت متابعتي ونشاطي الموسيقى وجلبت انتباهي موسيقى البلقان .. كنت العازف الوحيد على العود هناك في يوغسلافيا القديمة ان جاز التعبير .. عزفت مع فنانين مشهورين منهم .. كوران بريكوفيتش و ياكو ديريكوفسكي وشاركت في الموسيقى التصويرية لفيلم زمن الغجر.. للمخرج اليوغسلافي الشهير امير كوستاريتنا ..
بعد تجربة يوغسلافيا انتقلت عام 1998 الى المانيا .. بلد الموسيقى و الفلسفة .. وبدأت مرحلة جديدة من نشاطي الموسيقى ..
اسست فرقة موسيقية في مدينة هامبورغ.. باسم شبلي باند ( فرقة شبلي) لعزف الجاز على الطريقة الشرقية .. وشاركت في مهرجانات عديدة للجينيز في المانيا منها مهرجانات ( جينيز برلين .. ميونيخ.. هامبورغ .. كيل .. لوبيك .. فرايبورك .. ومدن اخرى ) وسجلت ثلاث البومات ايضا هي..
1ـ حنين
2ـ للبيت .. هوما كسن
3ـ رائحة الورد
وحصلت على دعم مالي ومعنوي من شركات تدعم النشاطات الفنية.. وكذلك من وزارة الثقافة الالمانية .. وفي كل البوم اختار اغنية من توزيعي اللحني واضمها للألبوم.. مثلا (طالعة من بيت ابوها) .. (ريحت الورد ولون العنبر) لناظم الغزالي ..
وشاركت مع الفرقة في مهرجان جرش في الأردن سنة 2005 .. وفي مهرجانات سوريا في دمشق وحلب مع حفلات خاصة في ذات السنة أي 2005 ..
بعدها اشتركنا في مهرجان اسكوبيا جينز في مكدونيا عام 2000 ..
وبدأت مع عام 2006 خطوة جديدة تمثلت بتأسيس اوركسترا للأطفال ـ سول Sol في المانيا باسم مندولين اوركسترا .. وحصلنا من محافظ هامبورغ.. ومن الرئيس الالماني على اوسمة ثقافية تقديراً لنشاطنا الموسيقى ..
بعدها شكلنا فرقة اممية من 14 بلداً تعتمد على الأطفال للعزف وتعليم الموسيقى.. وسافرنا الى مصر للعزف والمشاركة في مهرجانات للأطفال.. في القاهرة والاسكندرية والمنصورة.. بالإضافة الى تواصل نشاطنا وعزفنا كل عام في مبنى بلدية هامبورغ بمناسبة اعياد رأس السنة الميلادية ..
ومن أهم انجازاتنا سنة 2007 المشاركة مع الممثل الالماني ايليا ريختر في مسرحية ( السيد ابراهيم وزهور القرآن ) وهي من روائع المسرح الجاد في مدينة هامبورغ .. واستمر عرضها 44 يوماً وكانت الموسيقى التصويرية المرافقة للعرض من تأليفي ..
اما الدورات التعليمية التي انجزناها في السنوات الماضية فقد تخرج منها ما يعادل 300 طالب وطالبة كعازفين وعازفات.. وقسم منهم واصل دراساته الاكاديمية في ارقى المعاهد والجامعات الالمانية ..
ـ توقفنا لنستوضح من الشبلي عن محتوى موسيقاه.. والرسالة التي يريد ان يوصلها للناس والعالم من خلال الموسيقى..
رسالتي التي اسعى لتوصيلها من خلال الموسيقى.. التي اسعى لإدخالها لكل بيت عراقي اولاً.. لتكون الموسيقى بديلاً للسلاح و أأمل ان يتحقق هذا الحلم في بلدي .. وتسود فيه اجواء وحفلات الموسيقى والفرح بدلاً من العنف و القسوة..
كذلك اسعى من خلال الموسيقى لإعلان رسالة سلام للعالم.. عبر جسور من الحبة والتواصل الحضاري الانساني.. لتبادل الابتسامة و الثقافة.. بدلاً من الحروب والنزعات العدوانية بين البشر..
واعتبر الموسيقى لغة العالم التي يفهمها الجميع .. لذلك ترى طلبتي والعازفين الذين معي من عدة بلدان ( الألمان .. العراق .. مصر .. تونس .. سوريا .. صربيا .. ارمينيا .. فلسطين .. اكراد من مختلف مناطق كردستان .. ايطاليا .. بيرو .. روسيا .. ايران .. تركيا )…
ـ وعدنا مع الشبلي لأجواء العراق من جديد.. سألناه عن تدريس الموسيقى في العراق والصعوبات التي تواجه الموسيقيين؟…
ـ قال بألم:
منذ ان كنا ندرس ونتعلم الموسيقى في البصرة.. كنا نعاني من قلة المدارس الموسيقية الاهلية والخاصة.. وكانت هناك صعوبات جدية تواجهُ المهتمين بالموسيقى .. في المقدمة منها صعوبة الحصول على الآلات الموسيقية والادوات الاحتياطية.. مثلا قطع وتر يحتاج تعويضه السفر الى الكويت او الذهاب الى بغداد ..
وما كان سائداً من توجهات لتكريس الفن لخدمة الدولة و السياسة.. التي تنتج القمع وتذل الانسان.. وتجعله وسيلة لنشر المفاهيم التي تمجد بالدكتاتور ومافيات العبث من والفساد لليوم ..
ـ عن سر العلاقة بين البصرة والفن الموسيقي.. قال الشبلي :
ـ العلاقة بين البصرة والفن علاقة زمان و مكان.. يصعب تحديد بداياتها.. وتشخيص خيوطها الأولى.. فالبصرة هي ثغر العراق الباسم على البحر.. وهي بشكل من الاشكال الامتداد للخليج.. وملتقى السفن والقوارب والملاحين .. فيها نشأت وتبادلت انغام الموسيقى وتكونت فرق الخشابه بأصواتها المميزة.. التي تختزل تعدداً فنيا ً وحضارياً وتمزجه في بودقة فن انساني يصعب تحجيمه وتحديد عائديتها لجهة معينة .. الا للجذور البصرية من زمن بثراثا وما سبقها ..
ابتداء من المدارس والشوارع والحدائق العامة.. وفي الميناء حيث تمتزج الاصوات المحلية مع النغمات الغربية.. من خلال اصوت البحارة .. لهذا كانت البصرة من اكثر المدن الغنية بالأسطوانات الموسيقية الشرقية والغربية .. ولهذا فإن الفن البصري امتزج بالسياسة وعرق الكادحين .. وكانت الاغاني والرقصات تعبيراً عن همومهم وآلامهم.. وتجسد تطلعاتهم وآمالهم ..
بدوري حملت هذه الرسالة.. اسعى للتعبير عنها بالفن والموسيقى بأسلوبي الخاص .. كل اغنية اقدمها اعتبرها رسالة سلام جمهوري لبلدي العراق .. فمثلا اغنية (لا تسألني عن عنواني) التي يدمغها البعض بالشيوعية .. اعتبرها اغنية عالمية بامتياز ..
اما اغنية (شال اوفرليم) المكرسة لمناهضة العنصرية.. فهي اغنية انسانية راقية.. تهم كل الشعوب وتتجاوز الجغرافية الى فضاءات كونية حاملة قيم ثورية تتجاوز زمانها والمكان الذي تصدح فيه.. الى حيث يتواجد البشر بعلاقاتهم الانسانية وتبادلهم للمعرفة والثقافة والفن ..
هذه هي جوانب من فلسفتي.. التي ما زلت ابحث من خلال الموسيقى عن فضاءات ارحب لها.. وان بقيت متعلقاً بأجواء البصرة و المعقل.. وموسيقى الرحابنة وصوت فيروز الذي يذكرني بالبصرة.. وهذا لا يتناقض مع ما احمله في داخلي من قيم ومبادئ ومقدرة على التعامل مع الثقافة والفن بروح منفتحة.. تمزج الالحان الشرقية والغربية.. وتكون هذا العطاء الذي يتجسد من خلال الفرق التي حملت لقب الشبلي في هامبورغ اليوم ..
ـ توقنا عند احلام الشبلي الموسيقية لنستوضح منه عما يشغله من طموح يسعى لتحقيقه ما زال قيد الحلم ..
ـ احلامي الموسيقية عديدة .. اتمنى ان تأتي الفرصة لتأسيس فرقة اوركسترا في البصرة .. هذا الحلم يراودني .. احتاج لتنفيذه الى 50 طفلا كل واحد منهم يحصل على مندولين لأسّسْ بهم فرقة بصرية موسيقية تجوب العالم وتقدم ( رسالة حب وسلام ) من البصرة للعالم ..
كما احلم بمشروع مع الفرقة الموسيقية الوطنية لتقديم 7 الحان لي .. مع 5 الحان لطارق الشبلي الكلاسيكية .. واتمنى ان يلاقي هذا النداء الطموح صدى لدى المسؤولين على الفن والموسيقى في العراق .. رغم كل هذا الضجيج السياسي المزعج في هذا الزمن المتلبد ..
ـ والآن ادرس الموسيقى للأطفال والشباب.. والعمر بالنسبة للتعلم مفتوح.. وارحب بمن يأتي متأخراً لتلقي دروس في الموسيقى.. واشجعهم على مواصلة الجهود.. رغم وجود صعوبات لتعلم الموسيقى من قبل من كبر في السن .. واركز على :
1ـ آلة المندولين
2ـ الكيتار
3ـ العود
4 ـ الايقاع
5ـ الناي
6ـ البيانو
ولدي رغبة ان افتح مدرسة موسيقية خاصة بي في البصرة.. بمساعدة زملائي الالمان ونقلها للعالم.. لتبقي وتحيي اهم ما علق في ذهني من ذكريات موسيقية من اجواء البصرة.. وبالذات نشاطات فرقة نقابة الموسيقى واسماء مجيد الفيلي.. الذي كان يقود الفرقة.. وعمي طارق الشبلي الذي كان يعزف على الكمان.. وتأثرت به كثيراً.. و فواد سالم.. وعلي العضب.. الذين كانوا يحضرون النشاطات الموسيقية ويساهمون في احياء الحفلات..
و الشئ الذي لا بد من ذكره بلا تردد.. ولا اقول هذا من باب التعصب.. ان الطلاب العراقيون يتعلمون الموسيقى اسهل واسرع من الآخرين.. وخاصة الكرد منهم.. وهذا يستحق الدراسة و البحث ..
وقد يكون لحساسية الإذن الموسيقية.. والعادات و التقاليد الاجتماعية.. في المشاركة في الافراح والاحزان دوراً في هذا التكوين.. خاصة وان المشتركات بين الثقافة الموسيقية لشعوب الشرق كثيرة.. أولها المقامات.. خاصة الحجاز و البيات.. الذي يتشارك فيها العرب والفرس والكورد والتركمان وكذلك دول البلقان.. و لهذا لا استبعد وجودها لدى الاشوريين والسريان ايضا..
واتمنى ان ينتبه اليها النقاد الموسيقيون ويتوقفوا عندها بشكل جدي.. وهي مهمة المؤسسات العلمية والاكاديمية المتخصصة ..
ـــــــــــــــــــــــ
صباح كنجي
هامبورغ 22/2/2020