العراق بؤرة خطرة للصراع الإيراني – الأمريكي
كاظم حبيب
العراق بؤرة خطرة للصراع الإيراني – الأمريكي
رغم وباء كورونا الذي يشغل العالم كله ويزداد بسببه عدد الوفيات يومياً وتعجز النظم السياسية الرأسمالية والبلدان النامية دون استثناء عن توفير ما هو ضروري من أدوية ومعدات، ومنها الكمامات وأجهزة التنفس الاصطناعي وأسرة المرضى لمواجهة موفقة وسريعة لانتشار عدوى هذا الوباء الذي شمل حتى الآن ما ي قرب من مليون ونصف المليون مصاب وعشرات الآلاف من الموتى، ويتفاقم الموت اليومي في كل مكان تقريباً، ورغم الأوضاع الصعبة جداً التي تمر بها إيران والولايات المتحدة بسبب هذا الوباء، فأن الصراع بينهما لا يزال يحتدم على الأرض العراقية وليس في إيران أو الولايات المتحدة أو إسرائيل. فإيران تحاول، بكل ما لديها من قيادات وافراد عراقيين يعملون في فيلق القدس ومنسبين كقياديين وكوادر وأعضاء في الميليشيات الطائفية الشيعية المسلحة، وبكل ما تملكه من نفوذ وتأثير مباشر على الأحزاب والقوى والساسة والحكام العراقيين، وبكل ما لديها من أدوات ووسائل إعلامية وحسينيات ومساجد وشيوخ دين، أن تؤجج الصراع وتديمه ضد الولايات المتحدة الأمريكية على الأرض العراقية وليس على أرض إيران. فالعراق ساحة إيران المفضلة وأفراد فيلق القدس هم في الجبهة الأمامية في هذا الصراع وفي تأجيج العداء للوجود العسكري والاقتصادي الأمريكي في العراق.
ضمن عمليات تأجيج الصراع تبرز تكتيكات عديدة في مجمل السياسة الإيرانية إزاء الولايات المتحدة، كجزء مهم من السياسات اليومية لتحقيق الاستراتيجية الإيرانية في بلاد الرافدين أولاً، وفي منطقة الخليج وعموم الشرق الأوسط لاحقاً، وأعني به: تأمين مستلزمات الهيمنة الكاملة والتامة لإيران سياسياً، وكجزء منه عسكرياً، واقتصادياً واجتماعياً ودينياً، وإخضاع المرجعية الشيعية في النجف وعموم المرجعيات في العراق بالكامل للمرجعية الشيعية الصفوية في قم وطهران، من خلال فرض إخراج القوات الأمريكية وتقليص ومن ثم تصفية مصالحها الاقتصادية في العراق. ويمكن بلورة هذه التكتيكات في النقاط الجوهرية الآتية التي لم تعد مخفية عن أنظار الواعين والواعيات من أبناء وبنات الشعب العراقي:
- الحفاظ بكل الوسائل والسبل والأدوات المتوفرة على وحدة البيت الشيعي، حتى لو تطلب الأمر تهديد أو تصفية من يقف بوجه هذه الوحدة المطلوبة من القوى التي شكلت في البداية ما أطلق عليه بـ “البيت الشيعي!”.
- الحفاظ على وحدة وتماسك الميليشيات الشيعية المسلحة التي يعتبر قادتها كلهم أعضاء وقياديين في فيلق القدس الإيراني وهم يقودون ميليشيات عراقية كثيرة، وتأمين المزيد من السلاح والعتاد، لاسيما الصواريخ، والأموال لها بما يمكنها من تنفيذ المهمات التي تناط بها من قبل قائد فيلق القدس الجديد والمرشد الإيراني على خامنئي. والعلاقة بين قادة الميليشيات وقائد فيلق القدس مباشرة، رغم تخلخلها النسبي بعد وفاة المسؤول السياسي والعسكري في المنطقة قاسم سليماني.
- محاولة جادة ومكثفة لرفض أي مرشح لرئاسة الوزراء في العراق ما لم يكن مقبولاً من إيران وموافقاً على تأدية المهمات التي يكلف بها لصالح إيران في العراق. فإيران التي تريد خسارة السلطة التنفيذية العراقية بأي حال، حتى ولو جزئياً، إذ بها ترتبط المصالح الاقتصادية والوجود الإيراني والأمريكي في العراق.
- استمرار التحرش اليومي وحيثما أمكن بالقوات الأمريكية الموجودة في العراق من خلال إسقاط الصواريخ واستفزازات غير منقطعة للرئيس الأمريكي والبنتاغون وإثارتهما ودفعهما للرد عليها على الأرض العراقية.
- التصعيد الجديد للاستفزازات الإيرانية ضد الولايات المتحدة من خلال التحرش بمصالحها الاقتصادية، ومنها بشكل خاص النفطية، في جنوب العراق، وهي النقطة الأكثر حساسية وتأثيراً على الموقف الأمريكي.
- تبويش تدريجي للانتفاضة الشبابية والشعبية التي انطلقت في الأول من تشرين الأول 2019 من خلال التسويف وكسب الوقت وتفاقم الإنهاك السياسي للمنتفضين والمنتفضات، إضافة إلى استمرار الاغتيالات والاختطاف والقتل حتى في ظل انتشار وباء الكورونا.
ويبدو لمتتبع السياسة الإيرانية الحالية أن القيادة الإيرانية تعتقد بأن الفترة العصيبة التي يمر بها العالم، لاسيما الولايات المتحدة، وانشغال ترامب المستمر بمواجهة هذا الوباء الذي يلتهم الكثير من الأمريكيين ويشل الماكنة الاقتصادية الأمريكية، وما ينشأ عن كل ذلك من عواقب وتأثيرات على وضع دونالد ترامب فيي الانتخابات الأمريكية القادمة، هي الأكثر ملائمة لزيادة الضغط على ترامب والتحرش به لدفعه إما باتجاه سحب القوت الأمريكية، وهو الهدف المنشود، أو توجيه ضربات للميليشيات في العراق، التي ستثير المزيد من الإشكاليات مع الحكومة العراقية والدولة العميقة، وهو ما تسعى إليه إيران لكي يقربها من الهدف المنشود، وبالتالي فهي الرابحة في كل الأحوال، والولايات المتحدة هي الخاسرة، بغض النظر عما يتحمله العراق من خسائر في كل الاتجاهات، إذ هذا يدخل في حسابات إيران للانتقام من الشعب العراقي الذي شارك في حرب البعث وصدام حسين المجنونة ضد إيران التي استمرت ثمانية أعوام عجاف.
كل الدلائل تشير إلى أن ترامب لن يبقى ساكتاً، ففي مؤتمره الصحفي الأخير تهدد القيادة الإيرانية مباشرة إضافة إلى تابعها في العراق، بعد توجيه ثلاثة صواريخ كاتيوشا سقطت بالقرب من موقع شركة هالبرتون النفطية في منطقة البرجسية جنوبي العراق، والتي لم تصب الشركة بأضرار مادية أو بشرية، ولكنها ألحقت أضرارا بالبيوت السكنية المفرغة من سكانها تقريباً بسبب وباء كارونا، دون عواقب فعلية على العراق، حتى لو لم يأت الرد سريعاً. وبالتالي فأن يران تغامر على أرض العراق وبالشعب العراقي ومصالحه الأساسية. كما إنها يمكن أن تتسبب بإشعال حرب داخلية مدمرة بعد التهديد الذي أطلقته الميليشيات الشيعية المسلحة بقتل كل نائب يجرأ على التصويت لصالح عدنان الزرفي المكلف من رئيس الجمهورية بتشكيل الوزارة الجديدة ليخلف السفاح عادل عبد المهدي المستقيل والمكلف بتصريف الأعمال.
إن إيران، وهي تلعب بالنار في العرق وبالعراقيين والعراقيات، يمكن أن لا تحرق أصابعها فقط، بل ويمكن أن تلتهب النيران على أراضيها أيضاً، وفي آبار بترولها ومصالحها الاقتصادية ومؤسسات الطاقة النووية المنصوبة تحت الأرض في إيران. إنها يمكن أن تكون مناسبة للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل لتوجيه مثل هذه الضربات في وقت تواجه إيران وباء كورونا الذي يزداد انتشاراً من جهة، ومصاعب اقتصادية متفاقمة تهدد بانتفاضات شعبية جديدة من جهة ثانية، وقوات مسلحة إيرانية ستجد إن سياسة خامنئي تدفع بإيران إلى مخاطر جديدة لا أول لها ولا آخر، كما هو حاصل في سوريا واليمن وفي العراق.
إن العراق ومنطقة الخليج وعموم الشرق الأوسط يواجه مصاعب جمة في الوقت الحاضر ناجمة عن وباء كورونا، ولكن هناك مخاطر سياسية وعسكرية كبيرة كانت ولا تزال تهدد المنطقة بحرب أو حروب جديدة يفترض أن ينتبه لها الشعب العراقي وشعوب المنطقة، ويفترض أن يعمل الجميع لمواجهة هذه المخاطر ورفض وقوع العراق في الفخ الإيراني الجاري وبمساعدة مباشرة من الطغمة الحاكمة والأحزاب الإسلامية السياسية وميليشيات فيلق القدس الشيعية المسلحة في العراق. لقد كانت ومازالت قوى الانتفاضة الشعبية الباسلة تتصدى لمثل هذه السياسات وتريد الخلاص من هذه الطغمة الطائفية الفاسدة الحاكمة لوضع العراق بعيداً عن سياسات إيران أو لكي لا يكون بؤرة للصراع الإيراني-الأمريكي على الأرض العراقية، إذ سيكون الشعب العراقي وحده ضحيته الأولى والأساسية