و بدائل يفرضها واقع الفيروس
… و بدائل يفرضها واقع الفيروس
بقلم : جيهان غديرة
في ظل انتشار وباء كورونا وتأثيره على حياة ملايين الأشخاص في جميع أنحاء العالم، قد يكون شهر رمضان المبارك، الذي يأتي هذا العام في ظروف استثنائية غيرت بشكل غير مسبوق مظاهر الحياة العامة والاختلاط بين الناس وستغير الوجه المألوف لهذا الشهر المميز أيضا. فما زالت كثير من الدول العربية والإسلامية في حالة طوارئ وإغلاق تام، كما أعلنت حتى اللحظة دول إسلامية مثل تونس تركيا ومصر عن إلغائها لصلاة التراويح، فيما لمّحت السعودية إلى إلغائها أيضاً. فقبل شهور فقط من الآن لم يكن أحد ليتصور أن شهر الصيام لهذا العام سيكون خاليا من أهم مميزاته وخصوصياته .
فبأي حال سيأتي رمضان هذا العام وكيف سيمر في ظل الظروف الاستثنائية الحالية؟ هذا ما يشغل بال الكثير من المسلمين قبل يومين من حلول الشهر المميز بالطقوس الدينية والعائلية، فماذا سيغير كورونا هذا العام؟
اختلاف في الاستعدادات الرمضانية
جرت العادة أن يقضي المسلمون الأسابيع الأخيرة قبيل حلول شهر رمضان في الاستعداد لاستقباله أحسن استقبال، والسعي ذهاباً و ايابا للتحضير والتأكد من أن مطابخهم تختزن الأطعمة ومكونات الوجبات التقليدية. ورغم ذلك، فإن الأوضاع الطارئة هذا العام، وما تنطوي عليه من حظر تجول وحالة إغلاق مفروضة في بعض البلدان، علاوة على تقليص ساعات العمل، تستدعي معاناة عدد كبير من المسلمين للاستعداد بالكاد للشهر القادم .
فتاوى الصوم والإفطار وخطر “كورونا“
التغييرات الكبيرة التي ستلحق برمضان هذا العام قد لا تقتصر فقط على مظاهر اختلاف الاستعدادات الرمضانية ، وإنما حتى على الفريضة الجوهرية نفسها، فقد انطلق جدل حول فتوى تبيح إفطار رمضان بسبب انتشار فيروس كورونا”، هذا ما راج بين التونسيين حوالي أسبوع قبل ظهور هلال الشهر. والحجج المتداولة من أصحاب الفتوى عديدة، منها أنه يُضعف مناعة الإنسان مما قد يهدد بإصابته بفيروس كورونا، أو أنه يمنع من شرب الماء خلال اليوم وهو ما يتنافى مع نصائح الوقاية من الوباء وغير ذلك من روايات غصت بها منصات التواصل الاجتماعي.
وقد ساهمت مداخلة تلفزيونية لمفتي الجمهورية التونسية عثمان البطيخ مساء الإثنين 13 أفريل/ نيسان 2020 في تصاعد النقاش، حين قال “بالنسبة للصوم في زمن الوباء القرار يعود للأطباء الذين يجب أن يجتمعوا لتقييم الوضع”. ومع تطور الجدل مجتمعيًا، أصدر عدد من أساتذة جامعة الزيتونة الثلاثاء 14 أفريل/ نيسان 2020 بيانًا أطلقوا عليه “بيان شرعي في حكم الصوم في ظل تفشي وباء كورونا”، أكدوا فيه أن حكم الصوم ثابت بالنص القطعي، ومعلوم من الدين بالضرورة، وهو واجب على كل مكلف مقيم صحيح خال من الموانع الشرعية، وأن الفطر لا يجوز إلا لأصحاب الأعذار من المرضى والمسافرين وكبار السن ونحوهم.
وأوضحوا أنّه “يجوز للمصاب بالوباء الفطر في رمضان بناء على توجيهات الأطباء المباشرين لحالته .
صلاة التراويح داخل البيوت
لم يقتصر الجدل على شريعة الصوم، فالحديث عن صلاة التراويح وفرضية منع انعقادها في الجوامع والساحات انطلق مبكرًا وبناء على ذلك سارع مفتي الجمهورية للرد، في محاولة لإيقاف الجدل خاصة على منصات التواصل.
واكد المفتي أن “صلاة التراويح ليست فرضًا والشخص غير مطالب بالذهاب إلى الجامع وأنه بالإمكان الصلاة مع أفراد العائلة في المنزل . و مع توجه تونس نحو تمديد حالة الحجر الصحي وحظر التجول . فقد منع ايضا إقامة صلاة العيد أو التراويح في الجوامع والأماكن العامة والمختلطة.
تأثر رحلات العمرة بالقيود المفروضة للحد من انتشار فيروس كورونا
تشهد الأشهر التي تسبق شهر رمضان وخلاله أكثر الرحلات ازدحاماً للسفر إلى مكة المكرمة. وتجذب تلك الرحلات ملايين المسلمين من جميع أنحاء العالم، تقرباً لربه وطلباً للمغفرة وقضاء الحاجات. لكن انتشار فيروس كورونا أوقفت السعودية مؤقتاً رحلات السفر إلى الأماكن المقدسة في البلاد وسط مخاوف من أن تسهم في انتشار الفيروس، دافعة وكلاء السفر إلى المسارعة بتأجيل الحجوزات والبحث عن سبل لإعادة ترتيبها. وكثير من الحجاج قرروا ببساطة إلغاء سفره المقرر. وقررت السعودية في وقت لاحق إخلاء المسجد الحرام وتعقيمه للوقاية من انتشار الفيروس.
رغم الحجر.. تواصل تصوير مسلسلات رمضان
على الرغم من أن كثيراً من المسلمين يركزون خلال الشهر الفضيل على العبادات والتقرب من ربهم، فإن رمضان يعد أيضاً موسماً يشهد متابعة الجماهير بأعداد كبيرة للمسلسلات التلفزيونية في وقت الذروة. وترتفع أعداد المشاهدين للقنوات التلفزيونية ارتفاعاً هائلاً، في ظل اتجاه المتابعين إليها بحثاً عن التسلية . فكان النقاش في تونس حول مسلسلات رمضان حادًا هذا العام رغم أنها لم تعرض بعد وذلك على عكس العادة. إذ أثار قرار وزارة الثقافة السماح لشركات الإنتاج الدرامي باستئناف تصوير المسلسلات الرمضانية، والصادر بـ”تعليمات” من رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ، وفق بلاغ للوزارة، موجة من الانتقادات في ظل تفشي انتشار فيروس “كورونا” والتشديد على ضرورة الالتزام بالحجر الصحي العام.
بدا الأمر للكثير من التونسيين أشبه بتمييز خُصت به شركات الإنتاج الدرامي دون غيرها من المؤسسات الخاصة في قطاعات مختلفة والمتوقفة عن العمل وهو ما يعرضها لخسائر كبرى، إلا أن وزيرة الثقافة التونسية شيراز العتيري أصرت على نفي أي تمييز أو تعريض صحة العاملين في هذه المسلسلات للخطر.فحين توجه إحدى الجمعيات “مرصد رقابة”، الذي يرأسه النائب السابق عماد الدائمي، للطعن لدى المحكمة الإدارية . فجاء القرار بالإذن بتأجيل تنفيذ قرار الوزيرة فعلًا.
عيد الفطر و وباء كورونا
ينتهي رمضان برؤية بدر الشهر التالي، مؤذناً بحلول عيد الفطر، الذى تنتشر فيه الاحتفالات وتناول الطعام في الخارج، ويرتدي الأطفال ملابس جديدة، ويتلقون الأموال أو الهدايا ويأكلون الحلوى. وعادةً ما تقضي الأسر أيام العيد خارج المنازل احتفالاً به، ويقضي الأطفال أيامه في اللعب والكبار في تبادل الزيارات الاجتماعية.
لكن وبسبب انتشار وباء كورونا فمن المرجح أن يتأثر العيد، حتى أكثر من رمضان هذا العام. إذ في حين أن تقاليد رمضان الأساسية يمكن الالتزام بها في المنزل، فإن العيد لا يكون عيداً إلا بخروج المسلمين للاحتفال وتبادل الزيارات ورؤية الاصدقاء، استعداداً للعودة إلى الحياة اليومية العادية بعده.
كما أنه مع الإغلاق العام لدور السينما والحدائق الترفيهية هذا العام، سيضطر الأطفال وذووهم إلى الاقتصار في احتفالهم بالعيد على المنزل و يكون العيد أكثر صمتاً وأقل ظهوراً وشهوداً للاحتفالات هذا العام.
والآن قبل أيام قليلة من انطلاق شهر رمضان، لا تزال عديد التساؤلات قائمة حول مدى تغيير التونسيين لعاداتهم وبعض تقاليدهم خلال هذا الشهر الذي يتميز أيضًا بنشاط اجتماعي يختلف عن باقي الأشهر غالباً.