يجب ألَّا ينجو حكام العراق من أقصى العقوبات!
كاظم حبيب
بدأت جمهرة من الناس تترحم خطأً على روح نوري السعيد وأقطاب آخرين من ساسة الدولة الملكية، لأنها رأت أوضاعاً أسوأ وأفعالاً أقبح مما حصلت في العهد الملكي. ثم بدأت جمهرة من الناس تترحم خطأ على طغاة آخرين مثل الدكتاتور القاتل صدام حسين وطغمته المستبدة، لأنها تعيش منذ 17 عاماً تحت وطأة الكثير من أمثال صدام حسين وجلاوزته في النظام السياسي الطائفي والفاسد القائم حالياً. وجعل الناس يفكرون بهذا الشكل هو بحد ذاته جريمة بشعة والمسؤول عنها ليس سوى النظام السياسي الطائفي الفاسد، الذي فرضه المحتل الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، يقوده مستبدون أوباش دفعوا جمهرة من الناس، وهم ليسوا قلة، يترحمون خطأً على روح مجرم قاد البلاد فعلياً لـ 35 عاماً بالحديد والنار وبالموت والمعتقلات المماثلة للنازية والتشريد والتهجير القسري، كما حصل لعرب الجنوب والكرد الفيلية، أو مارس الإبادة الجماعية، كما حصل في إقليم كردستان لإبادة الشعب الكردي وبقية القوميات فيها، وقتل وغيَّبَ ما يقرب من 182 ألف إنسان، ودمر القرى والأرياف وأحرق الغابات والحقول والتي رأيت ما حصل في هذا الإقليم بأم عيني الإبادة الجماعية والمجازر الفاشية في الثمانينيات من القرن الماضي.
لقد وجهت، ووجه غيري، ومنهم القاضي عبد الرحيم العگيلي، أكثر من مرة التهم المباشرة لحكام العراق الطغاة وبالاسم، ولكن قضاة العراق لم يتحركوا، وهم عنهم ساهون، في حين تقتضي مصلحة الشعب والوطن تقديم هؤلاء للمحاكمة وإنزال قول الحق والعدالة النزيهة بهم، إذ يجب ألاَّ ينجو هؤلاء من الحساب العسير لما اقترفوه من جرائم بحق الشعب العراقي خلال السنوات المنصرمة. والسؤال المشروع والعادل:
ماذا فعل طغاة العراق الجدد لكي يستحقوا إحالتهم إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، إضافة إلى محاكمتهم في العراق على وفق الدستور العراقي والقوانين النافذة أيضاً؟
- إنهم أخلّوا بفظاظة بالقسم الذي أدوه في الحفاظ على وحدة الشعب العراقي حين مارسوا سياسة تمييز ديني إزاء أتباع الديانات الأخرى أولاً، ومارسوا السياسة الطائفة والتمييز المذهبي حين اقاموا نظاماً سياسياً طائفياً محاصصياً مقيتاً جزأ العرب والكرد إلى شيعة وسنة وعمق الصراع والقتال والقتل على الهوية في البلاد. وهذه الطغمة ما زالت في الحكم وتمارس النهج ذاته!
- وأخل الطغاة بإصرار وتصميم بالقسم الذي أدوه في الحفاظ على استقلال وسيادة العراق حين باعوا العراق إلى سيدهم في إيران ليهيمن على سياسة العراق الداخلية والخارجية ويفرض الوجهة التي يريدها مرشد إيران علي خامنئي على الدولة العراقية وليس على الحكومة وحدها، أي على جميع السلطات الثلاث وسلطة الإعلام. وهم ما زالوا يمارسون النهج ذاته!
- وأخلّوا بالقسم أيضاً حين مارسوا بوعي كامل واستمرارية سياسة النهب والسلب لموارد العراق المالية والأولية، لاسيما النفط. وقد تجاوزت سرقاتهم عدة مئات من مليارات الدولارات الأمريكية خلال السنين المنصرمة. وهم ما زالوا يمارسون النهب والسلب بمختلف السبل ويسرقون لقمة العيش من أفواه الجياع والفقراء والمعدمين واليتامى والأرامل. وهم لا زالوا يمارسون هذه الجريمة حتى في وقت جائحة كورونا الجارية!
- إنهم أخلّوا بالدستور العراقي الذي يؤكد بأن السلاح لا يكون إلا بيد الدولة، حين أقاموا ميليشيات طائفية مسلحة مارست ولا تزال تمارس العنف والاعتقال خارج القانون وزجهم في السجون وممارسة التعذيب والقتل والابتزاز المالي والتهديد ونهب المال العام بطرق شتى عبر مكاتب اقتصادية. كما سمحوا لدولة أجنبية هي إيران في أن تكون لها اليد الطولى والقول الفصل في عمل ونشاط وأفعال هذه المليشيات في العراق لتنفذ إرادة سيدهم علي خامنئي!
- إنهم أخلوا بالقسم حين التزموا في برامج حكوماتهم بإعادة بناء الاقتصاد العراقي والشروع بالتنمية والخدمات العامة، ولم يمارسوا ذلك، بل لا يزال العراق يعاني، وأكثر من السابق، من تخلف الاقتصاد وتشوهه وغياب التنمية والنقص الشديد في الخدمات وتراجع التعليم والصحة والطاقة والسكن …الخ. إنهم مسؤولون عن النهب الذي حصل في الموارد التي خصصت للقطاعات الاقتصادية ولم تنفذ المشاريع، بل نهبت تلك الموارد، وبدلاً عنها وجدت مشاريع وهمية على الورق لا غير وبمليارات الدولارات والرواتب الوهمية أو الافتراضية…الخ.
- إنهم مسؤولون عن تفاقم حجم البطالة، الذي تجاوز عتبة الـ 30%، وتزايد عدد الذين يعيشون تحت خط الفقر بأكثر من 30% أيضاً، بسبب النهب والسلب المستمرين لموارد البلاد دون حياء، ومن هنا جاءت الأهزوجة “باسم الدين باگونه الحرامية!” لأنهم يحكمون باسم الدين والمذهب!!
- وهم مسؤولون عن تشويه سمعة الدين الإسلامي لأنهم مارسوا كل ذلك باسم الدين واعتماداً على تأييد المرجعية التي لم تكف عن إسناد النظام السياسي الطائفي الفاسد حتى في فترة تصاعد الانتفاضة الشعبية، والتي كانت تدين بعض الممارسات، ولكنها لم تدن سياسات النظام الطائفي الفاسد ذاته!
- لقد أخل طغاة العراق بالدستور حين مارسوا الحديد والنار في فض اعتصامات قوى الانتفاضة الشعبية والمظاهرات الاحتجاجات المطالبة برحيل الحكومة الفاسدة في عام 2019 و2020، إذ قتلوا أكثر من 700 مناضل وأكثر من 27000 جريح ومعوق واعتقلوا الآلاف منهم وتعذيب جمهرة كبيرة منهم. إضافة إلى ما فعلته الحكومة الجائرة في عام 2011 في المحافظات الغربية وبغداد وغيرها.
- لقد أخل الطغاة بالدستور حين سمحوا بممارسة قواهم القمعية وميليشياتهم عمليات اغتيال مستمرة للعناصر المدنية والديمقراطية المناضلة من أجل التغيير أو الناقدة للوضع السياسي القائم أو المشاركة في الانتفاضة. كما قامت باختطاف عدد كبير من المناضلين السياسيين واختفاء أثرهم إما بقتلهم أو تهريبهم وسجنهم في إيران أو وضعهم في سجون سرية تابعة للميلشيات الشيعية المسلحة مشابهة لمعتقلات صدام حسين وسراديبه المظلمة.
- وأخل هؤلاء الحكام بالدستور العراقي حين لم يستخدموا القوات المسلحة العراقية بمختلف أصنافها وكثرة عددها وضخامة عدتها العسكرية الموجودة في نينوى في الدفاع عن الموصل وعموم محافظة نينوى أمام اجتياح عصابات داعش المجرمة للمدينة والمحافظة في عام 2014ن التي مارست القتل والسبي والاغتصاب وبيع النساء بالمزاد الإسلامي والتشريد والتهجير لأكثر من ثلاث سنوات حين أعلن تحريرها في تموز/يوليو 2017، بل سمحوا لهذه العصابات عمداً، أؤكد هنا سمحوا لها، بأمل أن يوقعوا خسائر بأهل الموصل السنة وإضعافهم و”كسر شوكتهم!” أولاً، وإلحاق هزيمة معينة بالكرد وقوات الپيشمرگة وبالقيادة الكردية ثانياً. لقد كان في اعتقاد رئيس الحكومة المستبد بأمره حينذاك أن هذه العصابات ستنسحب من نينوى بعد عدة أيام!!! لقد مورست في نينوى الإبادة الجماعية ودمرت مدينة الموصل القديمة بالكامل وبقية مدن المحافظة، لاسيما سنجار، أشد تدمير.
- وأخل حكام العراق بالدستور حين ماطلوا بمعالجة المشكلات القائمة بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان العراق بثلاث مسائل جوهرية: أ) عدم وضع القوانين والنظم التي تحدد العلاقة والصلاحيات لكل من الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم، ب) عدم وضع الأسس السليمة في قوانين ونظم ملزمة في مجال الثروة النفطية والميزانية العامة، 3) كما لم يعملوا على معالجة ما أطلق عليه بالمناطق المتنازع عليها، لاسيما كركوك وبعض مناطق ديالى أو بعض مناطق محافظة نينوى. وسعت الحكومات المتعاقبة إما لحلول خارج الدستور والقوانين المرعية وبمساومات سيئة من جانب الطرفين، أو بعقوبات مشدد أساءت للعلاقة بين الشعبين بشكل خاص.
- وأخل طغاة العراق بالدستور العراقي حين مارسوا التدخل الفظ في شؤون القضاء العراقي وحولوه إلى تابع للحكومات المتعاقبة وسياساتها وخاضع للمحاصصة الطائفية، والتدخل الفظ في شؤون الهيئات المستقلة كالبنك المركزي ومفوضية الانتخابات وهيئة النزاهة ومفوضية حقوق الإنسان.
- ورغم حصول العراق على إيرادات من صادرات النفط الخام وحده تصل إلى أكثر من ألف مليار دولار (بليون دولار) خلال السنوات ألـ17 المنصرمة وغياب التنمية وتخلف الخدمات الضرورية وفقر واسع وحرمان مستمر ورثاثة مدن وتلوث بيئي شديد، فأن ديون العراق الخارجية أخذة بالزيادة، إضافة إلى الديون الداخلية. ولم تعلن الحكومة حتى الآن عن حجم الدينين بحيث تترك للتقديرات مجالاً واسعاً وشكاً مستمراً، إضافة إلى تراجع كبير في حجم الاحتياطي من العملات الصعبة لدى البنك المركزي العراقي.
- وأخل حكام العراق بالدستور من خلال رفضهم الفعلي في احتلال المرأة موقعها في سلطات الدولة الثلاث على وفق ما جاء في الدستور ومنحها نسبة 25% من تشكيلة مجلس النواب والحكومة وفي أجهزة الدولة. وهو موقف يعبر عن تمييز صارخ ضد المرأة العراقية ينطلق من موقف ذكوري مناهض لحقوق المرأة ويتناقض مع روح العصر والحياة المدنية والديمقراطية وحقوق الإنسان ويسئ للمجتمع كله.
- والإخلال بالدستور لا يزال مستمراً حتى الآن في الموقف من تشكيل الحكومة التي طالب بها المنتفضون والمنتفضات منذ أشهر حيث تماطل الأحزاب الإسلامية الشيعية الحاكمة، إ ذ يعتبر وجودها كأحزاب دينية وطائفية محرم دستورياً، في تسمية شخصية مستقلة عنها لتشكيل الحكومة المؤقتة وذات مهمات محددة في مقدمتها تعديل قانون الانتخابات وتغيير بنية المفوضية المستقلة للانتخابات وإجراء الانتخابات في غضون سنة واحدة، ومحاربة الفساد وتقديم أبرز الشخصيات الفاسدة للمحاكمة…الخ. إن الإخلال بالدستور يمارس من قبل رئيس الدولة والمجلس النيابي والأحزاب السياسية الطائفية والأثنية الحاكمة التي تريد مواصلة التوزيع المحاصصي الطائفي والأثني للحكم، ويصرون على تكليف شخصية تخدم مصالحها ومصالح إيران بالدرجة الأولى والذي ترفضه الجماهير الشعبية المنتفضة.
إن هذه وغيرها هي من المبررات الأساسية لضرورة وإلحاح تقديم حكام العراق وقادة الأحزاب الحاكمة الفاسدين إلى المحاكمة لينالوا الجزاء العادل، وفسح في المجال لتشكيل حكومة مستقلة عن هذه الأحزاب الفاسدة والطائفية المناهضة لمصالح الشعب ووحدته والوطن واستقلاله وسيادته.
3/05/2020