مقالات

من شمائل قريتي .

د.عبد الحسين أحمد الخفاجي .

ومما انمازت به قريتي رجحان الألقاب التي تطلق على بعض الأسر لمهنة امتهنوها ، أو مناسبة ما حتى صارت هذه الألقاب هي الدالة التي يمكن التعرّف على صاحبها ، وبدونها يبقى الأمر غامضاً ، ويصعب التعرّف على من يذكر اسمه خالياً من هذا اللقب ، ومن الألقاب الخاصة بالأطعمة على سبيل المثال بيت عبدالأمير التكة ، وبيت عبدالأمير أبو البرمة ، وبيت عبدالأمير أبو الكباب ، وبيت علي بانية (باميا) ، وبيت غني الدولمة ، وبيت صاحب الشوربة ، وبيت  داود لبن ، وبيت علوان العنبر ، وبيت عبدالله أبو كروش ، وبيت أحمد أبو الفلفل ، وبيت عبود العضد (عضد ورقة السلق المستعملة في أكلة الدولمة) ، وبيت زعرورة ، وبيت فخري الشجرة (القرع) . ومن طرائف الحكايات التي تنسب لهذه الألقاب ما حصل لشقيق المرحوم جعفر إبراهيم الملقب بـ (مدعبل) لقصر طول جسمه ، وكان هذا الرجل أمياً لا يقرأ ولا يكتب ولا أظنه خرج يوماً ما إلى خارج القرية ، إذ كان يمتهن مهنة المكاري مع خاله غني الدولمة رحمه الله ، وعندما طلبت مواليده للخدمة العسكرية شاءت الأقدار أن ينقل إلى السليمانية جندياً في إحدى أفواج حرس الحدود ، وعندما استلم راتبه الذي كان أربعة دنانير ، ولم يستلم هكذا مبلغ طيلة حياته السابقة ، لأنه كان يعمل مع خاله كما ذكرت ؛ ولأنّ خاله يتكفل بتربيتهم ومصروفاتهم ، فلا ينال إلاّ خرجيته التي لا تتجاوز الخمسين فلساً في أحسن الأحوال ، واليوم قد استلم الدنانير الأربعة ، ومن شدة ابتهاجه نزل إلى السوق في السليمانية واشترى بعض الهدايا لبنات خاله من القماش الأنكورا والبوبلين والبرلون والمكسرات من الجوز واللوز والفستق ، وأرسل هذه الهدايا مع جندي معه في السرية من أهالي بغداد سبقه في التمتع بإجازة دورية لمدة ثمانية أيام مع دينارين، ووصف له جعفر (مدعبل) العنوان بعقوبة / الهويدر قرب الجامع ، إذ لم يكن في ذلك الوقت إلاّ جامع الهويدر في منطقة السوق .

في يوم صائف من أيام تمتع صديق جعفر (مدعبل) بإجازته سافر إلى بعقوبة ، ومنها إلى الهويدر ، ووصل قبل آذان الظهر . عندما نزل أرشده أحدهم إلى جهة الجامع في السوق ، ووافق أن ولاء الأخ الأصغر لجعفر (مدعبل) كان جالساً قرب الجامع على الرصيف لوحده ولا يوجد غيره لاقتراب الظهيرة واشتداد الحر ، فسأله البغدادي قائلاً : أين بيت جعفر إبراهيم ؟ أطرق ولاء ، وسأله قائلاً : جعفر إبراهيم ؟ قال البغدادي : نعم جعفر إبراهيم ، وهو عسكري معي في السليمانية وأرسل معي بعض الأغراض وجزء من راتبه . بعد شيء من التذكر سأل سأله ولاء مجدداً : أخشى أنه من خرنابات وليس الهويدر !؟ احتار البغدادي ، وسأله قائلاً : خرنابات ؟ ما هي خرنابات ؟ قال ولاء : قرية بعد الهويدر احتمال أنت مشتبه الجندي الذي تبحث عن بيتهم من خرنابات وليس من الهويدر . سأله البغدادي سؤاله الأخير : يعني لا يوجد في القرية شخص اسمه جعفر إبراهيم ؟ أومأ ولاء برأسه موافقاً لهذا النفي .

رجع البغدادي بخفي حنين بعد أن ألبس عليه ولاء الأمر بقصة خرنابات ونفيه لوجود هكذا اسم في القرية ، وفي أثناء رجوعه وافق أن رأى رجلاً كبير السن يحتمي بسترته (الجاكيت) بوضعها على رأسه من أشعة الشمس ، فسأله البغدادي بعد أن سلم عليه قائلاً : عمو هل تعرف بيت جعفر إبراهيم الذي هو قريب من الجامع ؟ فأجابه من فوره قائلاً : نعم ذاك الجالس أخوه ولاء !! ، فاندهش البغدادي وقال له : لكنه نفى لي قبل قليل وجود هكذا شخص مع إلحاحي وتوصيفي له ، وهنا صاح الرجل المسن بولاء قائلا : ولاء ألا تعرف أخيك مدعبل !؟ فقال ولاء : أهو غير تقول مدعبل !.

د عبدالحسين أحمد الخفاجي

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com