جائحة الرعب والأمل .
محمد عارف*
فجر عالم جديد يلوح، فيما قد يكون الهزيع الأخير من ليل الجائحة، حيث تجري أكبر عملية بحث علمي في التاريخ عابرة للحدود. وفيما يبدو الآن القضاء على الجائحة حلماً عصي المنال، يصبح مع القضاء عليها متواضعاً جداً. حدث هذا في أغلب الكوارث التي نزلت بالعالم وأعادت بناءه. وهنا تبدو تصريحات زعماء الدول عن احتلال بلدانهم المرتبة الأولى في القضاء على الجائحة «محض كلام» حسب «جوناثان هييني»، الباحث في جامعة «كيمبردج»، وهو واحد من مئات العلماء يطورون أمصالاً تقضي على فيروس كورونا. وإذا كانت هناك مرتبة أولى، فهي لعلماء الصين، وقد كانوا أول من اكتشف التركيب الجيني للفيروس، ووضعوه مطلع هذا العام تحت تصرف علماء العالم، ويبدو أنهم أول من سينتج المصل الذي يقضي عليها.
وفيما أغلق زعماء الدول الحدود، أشرع العلماء أبواب العلم عبر أجهزة الاتصالات الإلكترونية التي يسّرَت نشر الأبحاث في موقع «منظمة الصحة العالمية». ولا ينبئنا تضاعف أعداد الضحايا أو تناقصهم بما تفعله الجائحة بالأوضاع السياسية والاقتصادية المقبلة على الجميع. وكل ما لاح أمل زلزلته أرقام الإصابات في العالم، والتي تجاوزت أربعة ملايين، والوفيات التي تقترب من 300 ألف.. تذكر ذلك بيانات «جامعة جون هوبكنز» التي تعتبر المركز العالمي لبيانات الوباء. والمفارقة التي تثير حيرة الباحثين أن أكثر البلدان في عدد الضحايا أكثرها في عدد المؤسسات الطبية والعلمية، مثل الولايات المتحدة حيث تجاوز عدد الإصابات مليوناً وربع المليون، ويقترب عدد الوفيات من ثمانين ألفاً، تليها حليفتها بريطانيا العظمى، حيث عدد الإصابات أكثر من مائتي ألف، والوفيات أكثر من ثلاثين ألفاً، ثم بلدان أوروبا الغربية الرئيسية، إيطاليا وإسبانيا وفرنسا. ولن يقضي توقف عدد الوفيات والإصابات على جائحة الذعر والخوف، النفسية والاجتماعية، التي أصابت روح العالم بالعطب. وهنا أيضاً وقع أشدّ الدمار بالولايات المتحدة، التي يخيف تهاويها بلدان العالم أكثر مما أخافتهم ضروب عدوانها الوحشي.
وتبدو الدول قليلة الحيلة في مواجهة هذه الجائحة، التي لم تترك لأحد أن ينعم بتصور نجاته منها. وأكبر ألغازها المحيرة سلوكها النزق، الذي لا يدع بلداً، حتى من نجح في دحرها، ينعم بالاسترخاء. وأخطر ما في سلوكها تحديها للحقائق الجغرافية، حيث أصابت 7600 شخص في جمهورية الدومنيكان، بينما عدد المصابين في جارتها هايتي يقل عن المائة. وفيما فتكت الجائحة بأرواح الآلاف في إندونيسيا، يقلُّ عدد قتلاها عن المائة في جارتها ماليزيا. والأمر نفسه في إيران التي اضطرت إلى إقامة مقابر جماعية لضحايا الفيروس، بينما عدد الوفيات في جارها العراق أقل من مائة. والمعروف أن المسنين أكثر الضحايا، إلا أن عدد المتوفين بالفيروس في اليابان التي تسكنها أكبر نسبة مسنين في العالم 520 فقط، من بين مجموع السكان البالغ عددهم 126 مليون نسمه. وعدد المصابين بالفيروس في قارة أفريقيا، البالغ عدد سكانها ملياراً و300 مليون نسمة، 45 ألفاً فقط.
وتحل جائحة الرعب والأمل في عالم دخل القرن محملاً بأحلام كبيرة، هيأته لها سلسلة قمم عالمية في ختام القرن الماضي، غطيّتُها بحكم عملي في العلوم والتكنولوجيا، مثل «قمة البيئة والتنمية» في ريودي جانيرو بالبرازيل، و«قمة المياه» في دبلن بإيرلندا، و«القمة الاجتماعية» في كوبنهاغن بالدانمرك، و«قمة المستوطنات» في اسطنبول بتركيا، و«قمة الغذاء» في روما بإيطاليا. في تلك القمم عشت ما قاله عالم الفضاء «كارل ساغان» في كتابه «الكون» من أن «داخل كل إنسان ليس البشر كلهم فقط، بل الكون أجمع. فالناس مصنوعون من غبار نجوم عاشت وانفجرت قبل مليارات السنين، الحديد في دمنا، والكالسيوم في عظامنا، والأوكسجين الذي نتنفسه نثار رماد عوالم عاشت واندثرت قبل مليارات السنين».
*مستشار في العلوم والتكنولوجيا