التانغو العربي…
عمود إعتاد أن يكون على الجانب الأيسر في صفحة من جريدة ربع سنوية، ينتظر ولادة ظهوره ليس فرحا بنشرة إنما ليرى تأثيره على من خاطت السلطة أفواههم بأسلاك ذات فولتية عالية.. فباتوا لا ينبسون بحرف ولا يكتبون، كأن أصابعهم صارت حكاية لكل من يراها، يُفهم أنها كانت في يوم تعزف على عيوب السلطة فالبسوها العوق كي تواكب الرتم الجنائزي لنعوش من ساروا على سطور مستقيمة، دون علمهم عندما اصطدموا بعلامة إستفهام على السطر تجبرهم أن يتوقفوا عنوة، غالبا ما يردد مع صَحب له بقوله:
رغم قلة من يحب قراءة الوجع الاجتماعي ومعاناتنا من الحكومات خوفا من رقيب يشذب رأس قلمة في كتابة تقرير سري، فيرتد بعيدا بعد أن يتلفت عدة مرات ثم يلقي بالصحيفة على الطاولة المجاورة او إن استطاع دسها كي يختلي في الخلاء وحيدا حين يقرأها، ربما لأنها توزع سرا! او لأنها الصحيفة الوحيدة المعارضة للسلطة الجائرة تلك التي يقول عنها من يشارك فيها بسطر او بتقرير او خبر، إننا بتنا كالكلاب ننبح في الكتابة ونلهث لكشف الحقيقة، لكن قافلة السلطة تسير على رقاب إنسانية، تلقي بروثها على قيم وعادات وتقاليد كان محمد الخاتم قد ألزم البشرية بأن يحتذوها…
غير أن حفاة زمن أصلع راموا رقص التانغو العربي بأحذية مستوردة من خلال موشحات دينية وأندلسية.. فبرغم صعوبة معاناة الكتابة والحذر من سياف أمرد يجوب بين خبايا غيوم سوداء تحوم في سماء وطني، إلا أني وبعض الأقلام نكتب كي نبقي فسحة للأمل الأسير والمكبل في بطن حوت منذ القدم، فهو الملام لذا نسمعه وهو ينادي سبحانك إني كنت من الظالمين، لا أدري واقعا يا سادة!؟ أأبتلع الحوت أملنا كي يخلص نفسه من ذنوب اقترفناها فجزع ومل فخرج هاربا غضبا؟ ام أننا فرحين كي نلوذ بحجة غيابه لنمارس اللواط في كل شيء؟ نرسم العالم بمخطوطة العُقد النفسية، نكسر الحلال والحرام في جعل مرآتهما تتشظى، نلوغ بين أفخاذ النساء بماء أسود، نعيد عهد الجاهلية براية أن الحق كل الحق أن نمارس البغاء والفساد كي نجري العقاب على الناس، نوقد بهم النار ومن ثم نأتي بربهم الأنسي شبيه الحجارة فتلك تعاليم الله فهو يقول النار وقودها الناس والحجارة..
مالنا عَقِدنا عقدة ثم عوقبنا بأن حلها يحتاج الى خابور في الفن الدرامي كي يجد لها حلا، ام ترانا نستوحي عقدة أوديب؟! تلك التي مهرت بفتوى النكاح في طلب الجهاد مشرع فالإسلام يَجُب عما قبله وبعده، هكذا هي تعاليم الدين الجديد، نغمس في عسل الملذات ذكورنا ثم لبس الواقي والواعز الإسلامي، فالذبح بات حلال ما دام على الطريقة الإسلامية.
لقد بتنا نبحث عن مفردات تجمل صور الحياة الملونة ونحزن على ماض كانت تعكس البساطة والرقي في الأبيض والأسود.. قواميس من القوافي معلقات من البيوت التي سترت جدران الكعبة غير أن سوق عكاظ لا زال يبيع غير الشعر عبيد وجواري، يا سادة إننا في سباق مع نهيق الحمير الذي اصطفوا كي يشكلوا سربا موسيقيا لا يجيد سوى لون واحد من الجاز العربي، أو لنقل إنهم الحداثة بعناوين سيادية، هي الحقيقة التي لا يمكن ان يحجبها أي غربال مثقوب الأست كما أشيع أنه ليس من المحرمات..
كان أحدهم ينصت له وعصارة هضمة يكاد يخرجها عليه، فما أن رآه يجر أنفاسه حتى طلب منه ان يتوقف، فرد على ما سمعه… ندرك جيدا أننا دُجِنا او دعني اقولها بصراحة و وضوح بتنا مخانيث ديوثين، ندعي الرجولة على فراش تحت دثار، إننا الفاتحين الجدد من خلال الشعور أنا ومن بعدي أيا كان… المهم أن أبيح لنفسي ان تتيمم بعهر الساسة ثم تصلي تحت قبة الراقصات، سواء كن بحجاب ام من غيره، يا هذا إننا نخاف رجال تمترسوا خلف من كان حقيقة ساطعة وبات وهما خلف ضباب، خلف من كان يدعوه بقاب قوسين او أدنى، خلف من جاء يخرج الناس من الظلمات الى النور، فتصومعوا بعد تمترسهم وعمدوا الى صياغة جديدة خلال اجتهاد لصون سيادة سقاية ورفادة، حرفوا مسيرته، جعلوها بعبارة يخرجون الناس من النور الى الظلمات، كيف لنا ان أن نغير ما لا يمكن تغييره؟ عبثا تحاول انت بما تكتبه وعمودك المنزوي، أتمنى أن لا يكون الخازوق الذي سيجلسونك عليه وأنت تصرخ إن القادم من الاجيال ستتذكر صاحب العمود المخوزق، أم يجعلونك مثل عمود الشيطان، حينما يجمعون لك من حجيجهم فيرجومنك كونك زاني بحرمة الوطن، خل عنك ترهات ما تكتب، فلا أنت ولا الصراع النفسي الذي نشاركك فيه يمكن ان يحيد بهم عن جادة الفساد، إنهم بإختصار بقايا تغوطات زمن، إننا نحن كسرنا عهدنا بأن نحفظ دين الله ورسوله، غير أننا حفظنا اللات والعزة، فشرعوا لنا قوانين كأرباب جدد، جمعونا لنصلي ونسجد بأجر، لا زلنا نتقرب بهم الى الرب الأعلى زلفة بقرابين ودماء الابرياء، لا زلنا نقدس من يدفع أكثر، لا زلنا نركع وأعيننا الى الخلف خوفا ممن ينظر لنيل أست أحدنا بحجة شرعية مفبركة، صدقني وأظن الصحب يوافقوني… إنك تعبث بركام نار هفتت رغبة أن تعيدها كي تتقد وتنسى ان تلك الحمير تبولت عليها بعد ان رقصت رقصة النصر، فالجحيم قادم ولا أراه بعيدا أوغريبا، لقد نال منا من قبل بطاغوت حتى بتنا نحن الوقود وهم الحجارة، ألجم لسانك يا صاحبي وأحصنه فلا يقرم الفأر شيء إلا حين تفوح منه رائحة الدهن، فأسكن ونفسك في حيز رأسك ولا تدع بنان افكارك تخرج حتى لا تُغتصب وإياك بشكل ديمقراطي.
القاص والكاتب
عبد الجبار الحمدي