التطبيع والقدس – مداخلتان بجوهر واحد .
التطبيع والقدس – مداخلتان بجوهر واحد
عبد الحسين شعبان
بوابة الهدف خاص – 20/5/2020
- شارك الدكتور عبد الحسين شعبان المفكر العراقي ونائب رئيس جامعة اللّاعنف خلال الأيام الماضية بملتقيين افتراضيين لمناسبة الذكرى المؤلمة للنكبة ومرور 72 عاماً على تأسيس دولة الكيان الصهيوني ، وألقى في الملتقيين مداخلتين الأولى بعنوان: التطبيع وذيوله والثانية بعنوان : القدس الشريف..المدينة المفتوحة ، وفيما يلي ننشر نص المداخلتين :
المداخلة الأولى : في التطبيع وذيوله
في اللغة نقول”تفعيل”وعلى غراره تأتي كلمة “تطبيع “وهذا الأخير لا يأتي دفعة واحدة أو عبر خطوة سريعة أو عابرة ؛بل هو مسار طويل وصولًا لغاية أو هدف يتوخى تغيير الواقع بالتراكم التدرجي البطيء، لكسر الحاجز النفسي مع العدو، ويتم ذلك بأشكال مختلفة: ثقافية واقتصادية وتجارية وعلمية وسياحية ودينية وأمنية، وسياسية ودبلوماسية وهذه الأخيرة تتم حين تستوفي الشروط الأخرى مقاصدها .
قد يبدأ التطبيع مع العدو الصهيوني بخطوة واحدة لكنها قد تصل إلى الألف ميل ،مع الاعتذار لـ ماوتسي تونغ على استخدامنا هذا، والهدف هو جعل غير الممكن ” ممكناً والمرفوض ” مقبولاً” أو حتى ” مرغوبًا ” و ” مجزياً” ؛ وبالتالي جعل الوجود الصهيوني في فلسطين أمراً طبيعياً، وهو ما يستوجب قطع دابره قبل أن يستفحل وتصعب مواجهته ، بحكم تواتر الاستعمال والتكرار والاعتياد ، من خلال تغلغل ناعم وهادئ وحتى غير معلن ، بل و ضبابي في بعض الأحيان يتغلف بأشكال غامضة ومبهمة وبريئة، لكنه سيحدث تشوشًا مؤثرًا في النفوس والعقول والمصالح .
وهذا سيعني شئنا أم أبينا قبول الرواية الإسرائيلية عن فلسطين المحتلة والتي فشلت في تقديمها للعالم منذ وعد بلفور العام 1917 ؛ الذي وضعه مؤتمر سان ريمو العام 1920 موضع التنفيذ عبر عصبة الأمم وفِي إطار اتفاقية سايكس بيكو لعام 1916 التي قسمت البلاد العربية؛ ووضعت تحت الانتداب البريطاني العام 1922، وشجعت بريطانيا الحركة الصهيونية على تنفيذ مخططها بـ استعمار الأرض واحتلال السوق واحتكار العمل وتشجيع الهجرة اليهودية ترافقاً مع وعد بلفور 1917 فضلاً عن تسهيل مهمة الحصول على الأسلحة وتكديسها، والهدف من ذلك التسليم باحتلال فلسطين والتخلي عن الحقوق التأريخية الثابتة وغير القابلة للتصرف، ولاسّيما حق تقرير المصير .
وبتقديري أن محاولات التطبيع الجديدة تتطلب جهدًا جماعياً متنوعًا عربيًا وإسلاميًا رسمياً وشعبياً للحيلولة دونه قبل فوات الآوان، وقبل أن تستكمل خطواتها وشبكاتها بالتغلغل لدرجة يصعب وقفها حينذاك،ويقتضي هذا التحرك بالضرورة مواصلة الجهود الفكرية والحقوقية على جميع الصعد لفضح الطابع العنصري للصهيونية باعتبارها ” شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري “ حسب قرار الأمم المتحدة لعام 1975 والذي ألغي في غفلة من الزمن حين وصلت الاختلافات العربية أوجها في مطلع التسعينات.
المداخلة الثانية: القدس الشريف … المدينة المفتوحة*
تتجاوز القدس إشكاليات الصراع العربي الصهيوني ، بل والشرق الأوسط، لتغدو مشكلة دولية كبرى، لا يمكن حل قضية الشرق الأوسط وأساسها الصراع العربي – الإسرائيلي دون حل عادل وسليم لمشكلتها.
وبهذا المعنى فالقدس إحدى إشكاليات العالم المعاصر والنزاع الدولي المستديم، إذ تشكل القضية الأكثر عاطفة والأرسخ رمزية والأعمق تجذراً في الوجدان الديني والقومي والإنساني. إنها بقول آخر مشكلة فريدة، لمدينة فريدة ، وتاريخ فريد. فقد ارتبطت بديانات مقدسة ثلاث. وكانت عبر تاريخها مسرحاً لحروب واحتلالات وحصار لأكثر من 38 قرناً من الزمان، حيث عانت 20 مرة من الحصار وتم التناوب على حكمها 25 مرة وتم تدميرها 17 مرة.
تشكل القدس جزءًا من الموروث الروحي للبشرية، ولها مكانة فريدة ومتميزة روحياً للديانات السماوية الثلاث، ولذلك فإن محاولة “تهويد”المدينة وفرض نمط واحد من الديانة عليها أو شكل من الإدارة بالإكراه ومصادرة حقوق السكان، إنما هي محاولة لإلغاء طابعها المتميز وإقصاء التعايش بين أديانها وتكويناتها المختلفة وإحلال الاحتكار بدلاً من التسامح الذي اتسم به تاريخها القديم والحديث.
ولهذا فإن محاولة الكيان الصهيوني الاستيلاء عليها وضمّها قسراً، بل واعتبارها “عاصمة أبدية موحدة” إنما هو استهتار بحقوق الشعب العربي الفلسطيني التاريخية واستخفاف بالقانون الدولي الذي يحرّم الاحتلال والضم والإلحاق بالقوة، فضلاً عن الاستيطان، ويعتبر ذلك في عداد الجرائم الدولية الخطيرة ضد الإنسانية.
ولعلّ إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تأييده لتلك الخطوة ونقل سفارة واشنطن إلى القدس المحتلة ، إنما هو تجاوز سافر وصارخ لقراري مجلس الأمن الدولي الأول رقم 476 الصادر في 30 حزيران (يونيو) 1980 والثاني رقم 478 الصادر في 20 آب (أغسطس) من العام نفسه، وبقية القرارات الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة التي تشجب محاولة “إسرائيل” تغيير معالم مدينة القدس وتركيبها الجغرافي بوصفها “قوة احتلال” لا يجوز لها ذلك مطلقاً، وثانياً بطلان “القانون الأساسي” بشأن ضم القدس الذي اتخذه الكنيسيت لما له من تداعيات على السلم والأمن من جهة، ومن جهة ثانية لمخالفته الصريحة لقواعد القانون الدولي واتفاقيات جنيف الصادرة في العام 1949، ولاسيّما الاتفاقية الرابعة الخاصة بحماية المدنيين ، ويقرر مجلس الأمن اعتبار الاجراءات الإسرائيلية باطلة أصلاً ويجب إلغاؤها. وهو ما ينبغي التمسك به والعمل بموجبه على جميع الصعد، ولاسيّما في المحافل الدولية.