صفقة القرن ما بين ضعف الموقف العربي وسياسة إسرائيل الناعمة في المنطقه .
صفقة القرن ما بين ضعف الموقف العربي وسياسة إسرائيل الناعمة في المنطقه
الدكتور رحيم راضي الخزاعي
تمهيد :
منذ عام 1948 بدأت إسرائيل وبعد إقامة ما سمي دولة إسرائيل بوضع الخطط والاستراتيجيات التي يستطيع من خلالها اضعاف الموقف العربي واستغلال كل نقاط الضعف في الوسط السياسي العربي لغرض تثبيت وجودها وتمددها على حساب الحق العربي.
ومنذ ذلك الوقت بدأت إسرائيل بمد جسور التعاون مع الدول ذات التأثير السياسي في المنطقة العربية من خلال فتح القنوات السرية في الاتصال مع زعماء سياسيين وقادة دول عربية واسلامية لغرض تفكيك التجانس والنفاذ من خلال ذلك إلى خلخلة الوضع السياسي العربي الموحد تجاه قضية العرب المركزية (فلسطين).
وقد اعطت هذا التحرك إلى اذرعها المخابراتية وفي مقدمتها جهاز الموساد الإسرائيلي الذي بدأ بالتحرك لقيادة الدبلوماسية الإسرائيلية السرية وبموازاة وزارة الخارجية الإسرائيلية . وهذا ما اكدته المذكرات والشهادات التاريخية للكثير من القادة الإسرائيليين الذين عملوا في هذا المجال ، وعلى مدى العقود الماضية وكانت نتيجة ذلك هو التمدد الإسرائيلي وتثبيت الوجود مقابل التفكك الذي اعترى الموقف العربي.
وتشير المصادر في هذا المجال بان اغلب القادة العرب ورؤساء الحكومات الإسرائيلية قد اسسوا قنوات سرية مع دول اسلامية وعربية وأقاموا العلاقات السرية التي سهلت على تمييع الموقف العربي .
وفي ذلك السياق كشفت المذكرات لاغلب القادة السياسيين والامنيين الحكوميين التي كان يقوم بها هؤلاء القادة عن طريق الزيارات السرية إلى الدول الإسلامية المؤثرة مثل اندنوسيا وعمان والاردن وبعض دول الخليج . مما اتاح ذلك إيجاد الفرص والتقاط الانفاس للسياسة الإسرائيلية بترتيب اوراقها وتقوية الوضع الداخلي وبناء المؤسسات التي تهم في وضع إسرائيل على أرضية قوية لمنطلق من خلالها إلى تخفيف الضغوط الدولية عليها.
صناعة الازمات في المنطقة :
دأبت إسرائيل بصناعة الازمات وفتح أكثر من منطقة ساخنة في السرق الأوسط من خلال ذلك استطاعت تغذية الخلافات العربية فيما بينها ودعم الصراعات الداخلية في سنوات التسينات والسبعينيات من القرن الماضي سواء في اليمن وسوريا والاردن وغيرها . مما اتاح لها اضعاف الجهة الغربية . هذا بالإضافة إلى الحروب التي حدثت في المنطقة العربية ومنها الحرب الأهلية في لبنان والحرب العراقية – الإيرانية والصراع بين بعض دول الخليج العربي والخلافات الاردنية الفلسطينية ؛ هذا جعل من الإستراتيجية الإسرائيلية تعمل التقاط تلك الفرص في تقوية وتمتين وضعها السياسي .
الصراع الداخلي في فلسطين :
عملت إسرائيل ووفق خطط واستراتيجيات في التقاط الخلافات الداخلية بين الفصائل الفلسطينية وعملت من خلال اذرعها في المنطقة على اذكاء التوسع في تلك الخلافات وابعاد صانع القرار الفلسطيني عن التفكير في قضيته المركزية والحصول على صفوته التاريخية وجعله يخوض في حروب داخلية لا رابح فيها ولا خاسر وانما الرابح الوحيد هو إسرائيل . كل هذه العوامل أدت إلى وضع القضية الفلسطينية في زاوية حرجة ، والضغط على الجكومات العربية على تقديم المزيد من التنازلات مقابل الحصول على مكتسبات لا تكفي الطموح الفلسطيني والعربي عموما.
صفقة القرن :
في إطار ما تقدم فان الولايات المتحدة الأمريكية وعلى مدى سنوات الصراع لم نجدها شريكا حياديا في وضع الحلول لتلك القضية وانما كانت كفة الميزان كانت لاسرائيل ….
ولا نريد الخوض في التاريخ كثيرا كونه امكثر معروفا للاوساط السياسية وكذلك الرأي العام . إلا إننا سنستعرض وجهة النظر الأمريكية الأخيرة في إيجاد سيناريو جديد أطلق عليه صفقة القرن … وهذا السيناريو سياخذ سنوات تضاف إلى سنوات تم ضياعها بالمبادرات والحلول غير المنتجة حسمت جميعها في صالح إسرائيل وتقوية نفوذها في المنطقة.
بعد قرار ترامب إلى البيت الأبيض ، بدأت الأوساط السياسية الأمريكية بالترويج لمبادرة جديدة أطلق عليها ضفقة القرن ، وهي الملف سلم بيد كوشنير صهر ترامب ومستشاره في منطقة الشرق الأوسط ، حيث بدأت تلك التسريبات بعد وقبل قرار ترامب بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس ، واستغل ذلك الحدث للترويج لمشروع في المنطقة وسحي أنظار العالم في الخطوة الأمريكية بالاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل . مقابل ذلك ، بدأت إسرائيل بتقوية علاقتها في مناطق أمريكا الجنوبية ودول شرق اسيا والهند وهذا جزء من التأثير على قراءتها وجعلها تصب في مصلحة إسرائيل مقابل ذلك ضعف الموقف العربي الذي أصبح مطياع السياسة الأمريكية والاسرائيلية في حرب الصراعات الداخلية .
وتقضي الخطة بدولة فلسطينية بحدود مؤقتة تغطي نصف الضفة الغربية وقطاع غزة فقط، وبدون القدس المحتلة، والبدء بإيجاد حلول لمسألة اللاجئين.كما تقول الصفقة إنه على الفلسطينيين بناء “قدس جديدة” على أراضي القرى والتجمعات السكانية القريبة من المدينة.وتقضي الصفقة ببقاء الملف الأمني والحدود بيد “إسرائيل”، فيما تبقى المستوطنات هناك خاضعة لمفاوضات الحل النهائي.وعن المدينة القديمة في القدس التي فيها المسجد الأقصى وكنيسة القيامة، تقضي الخطة بإنشاء ممر من الدولة الفلسطينية الجديدة إلى القدس القديمة للعبور هناك لأداء الصلوات. ويميل البيت الأبيض ومصر ودول الخليج إلى البحث عن شخصيات فلسطينية تعيش خارج نطاق السلطة الفلسطينية، والتي لديها وجهات نظر مختلفة عن السلطة من رام الله، وستكون على استعداد للدعم الخطة.
أن الإدارة الأمريكية حددت بعض النقاط قبل الإعلان عن الخطة، جاءت كالآتي:
- ستقام دولة فلسطينية ذات سيادة محدودة على نصف الضفة الغربية وعلى كل قطاع غزة.
- تحتفظ إسرائيل بالمسؤولية الأمنية على معظم ارجاء الضفة الغربية ولكل معابر الحدود.
- سيبقى غور الأردن تحت السيادة الإسرائيلية والسيطرة العسكرية.
- تنضم الأحياء العربية في القدس الشرقية إلى الدولة الفلسطينية، باستثناء البلدة القديمة، التي ستكون جزءًا من “القدس الإسرائيلية”.
- أبو ديس” هي العاصمة المقترحة لفلسطين.
- سيتم دمج غزة في الدولة الفلسطينية الجديدة بشرط موافقة حماس على نزع السلاح.
- لا تتطرق الخطة إلى اللاجئين الفلسطينيين، ولكن سيتم إنشاء آلية تعويض وإدارة من قبل المجتمع الدولي.
- تنص خطة ترامب على الاعتراف بإسرائيل كوطن للشعب اليهودي، وفلسطين بسيادة محدودة كوطن للفلسطينيين.
- ستتشارك فلسطين والأردن المسؤولية الدينية عن الأماكن الإسلامية المقدسة في مدينة القدس.
ويمكننا القول إن “خطة السلام الأميركية (صفقة القرن) تضع حماية أمن إسرائيل في المقام الأول، ولذلك فإن الخطة تهدف ضمان أمن إسرائيل”.
يشار إلى أنه ومنذ قدوم ترامب للرئاسة في قبل سنتين فان إدارته لم تقم بإدانة أو الإعتراض أو حتى ذكر أي شيء عن استشراء الاستيطان أو جرائم القتل الاسرائيلية المتعمدة للفلسطينيين العزل خاصة في مسيرات العودة الأسبوعية بقطاع غزة المحاصر.
وتنص الخطة، وفق التقرير، على تدشين دولة فلسطينية على 85-90 بالمائة من الضفة الغربية، على أن يتم الإعلان عن عاصمة لهذه الدولة في أحياء من القدس الشرقية، في حين أن أحياء أخرى في المنطقة سيتم إلحاقها بعاصمة إسرائيل.
وعلى الرغم من أن الخطة تتضمن تجميد البناء في المستوطنات التي تم تدشينها في أطراف الضفة الغربية، إلا أنها في المقابل تنص على عدم إزالة أية مستوطنة، مما يعني أن عشرات المستوطنات ستظل قائمة داخل الدولة الفلسطينية.إلى أن الخطة تنص أيضاً على تبادل أراض بين الدولة الفلسطينية العتيدة وإسرائيل، دون إيضاح طابع المعايير الذي يتم على أساسها هذا التبادل.ولا تتضمن الاعتراف بدولة فلسطينية، بل تقوم على أساس إعطاء قطاع غزة حكماً ذاتياً يرتبط بعلاقات سياسية مع مناطق حكم ذاتي في مناطق الضفة الغربية، التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية، وإجراء مفاوضات بين الفلسطينيين و”إسرائيل” بشأن مستقبل المنطقة “ج”.وأمنياً، فإنه سيتم إزالة معظم الحواجز العسكرية الإسرائيلية بما يضمن حرية حركة الفلسطينيين لأعمالهم ومدارسهم ومستشفياتهم، والحرية التجارية في المناطق الفلسطينية، ولكن المسؤولية الأمنية ستبقى بيد “إسرائيل” بشكل كامل، حتى منطقة الأغوار .وتشمل الخطة أيضاً تعزيز الشراكة بين الأردن والفلسطينيين و”إسرائيل”، في إدارة المسجد الأقصى وضمان وصول المصلين إليه.أما بالنسبة للمستوطنات فستقسم إلى ما يسمى بالكتل الكبرى التي ستُضم رسمياً لـ “إسرائيل”، والمستوطنات الأخرى المقامة خارج الكتل الكبرى، وستبقى هي الأخرى أيضاً تحت السيطرة الإسرائيلية ولكن دون توسيعها، أما النقاط الاستيطانية العشوائية فسيتم تفكيكها.وأن الخطة لا تشمل تبادل أراض، بل ستكون هناك تعويضات “سخية” للفلسطينيين الذين باستطاعتهم إثبات ملكيتهم لهذه الأراضي بشكل مباشر.وحول قضية اللاجئين الفلسطينيين، فإن “صفقة القرن” تعتبر أن عدد اللاجئين الفلسطينيين يتراوح بين 30 ألفاً و60 ألف شخص فقط، وسيعاد توطينهم في مناطق الحكم الذاتي الفلسطينية في الضفة أو في قطاع غزة إن أرادوا ذلك، في حين سيشكَّل صندوق لتعويض أحفاد الذين “اضطروا” إلى مغادرة قراهم وبلداتهم ومدنهم خلال حرب 1948 دون تصنيفهم كلاجئين. وتركز الخطة على “المحفزات الاقتصادية” التي تشمل بناء ميناء كبير في غزة، وتواصل بري بين غزة والضفة الغربية، ووسائل خلاقة للنقل الجوي من وإلى غزة للبشر وللبضائع، وتعزيز قطاع الإنتاج التكنولوجي في المنطقة “أ”.ويذكر” أن “صفقة القرن” ستشمل استثمار 25 مليار دولار في الضفة الغربية وقطاع غزة على مدار السنوات العشر القادمة، بالإضافة إلى ذلك تعمل الحكومة الأمريكية على استثمار 40 مليار دولار في الأردن، وربما في مصر ولبنان.
الخاتمة :
من خلال ما تقدم نرى إن الموقف العربي والضعف الذي يلازم موقفه في وضع الاستراتيجيات التي يتمكن بان يكون مفاوض قوي يحمل ادواته بقوة هو من يجعل الجانب الأخر بان يتحرك بحرية في توجيه بوصلة الاتجاه نحو الهدف الذي يريده وبدون أي صعوبات.
هذا من جانب ، ومن جانب آخر فان الادارة الأمريكية لم ولن تكون حيادية في الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني وهذا ما سجلته جميع الاحداث على مر التاريخ.
صفقة القرن هي واحدة من صفقات عديدة منها العلني وفيها السري سيكون فيها الرابح الوحيد هي إسرائيل وبها ستقترب أكثر نحو تمدد علاقتها مع الدول الغربية وخصوصا الخليجية سواء على صعيد التطبيع الاقتصادي أو الثقافي أو السياسي وما تناثر على سطح الاحداث في السنوات القليلة الماضية خير دليل على ذلك.