هل قادة حزب الدعوة إرهابيون ماضياً وحاضرا؟
كاظم حبيب
لم أنس اللقاءات التلفزيونية التي ظهر فيها علي الأديب، أحد قادة حزب الدعوة الإسلامية في العراق، باعتباره أحد أبرز مفكريهم البائسين، لاسيما تلك الندوات التي اعتبر فيها الديمقراطية ليست منهجاً لحزب الدعوة بل وسيلة للوصول إلى السلطة لا غير. واللقاء الثاني حين تحدث عن دور حزب الدعوة في التفجيرات الانتحارية بسيارات مفخخة، تلك التي مارسها هذا الحزب والمنظمات الجهادية التابعة له ولإيران في العراق ولبنان والكويت. وأكد في اللقاء الثاني الذي تم في عام 2006 عن دور ومسؤولية حزب الدعوة الإسلامية في التفجيرات التالية: السفارة العراقية في بيروت عام 1981 ووزارة التخطيط ووكالة الأنباء العراقية وسينما النصر ومبنى الإذاعة والإعلام ببغداد ومحاولة اغتيال طارق عزيز، إضافة إلى تفجيرات عديدة في الكويت. قال علي الأديب بالحرف الواحد ما يلي:
“سياراتنا المفخخة لم تكن كثيرة وإنما محدودة جداً جداً استهدفت أوكاراً أساسية كانت تقوم بعملية التخريب الذهني والفكري للناس، بالإضافة إلى التآمر المخابراتي ضد العناصر المعارضة لنظام صدام. الذي حدث ضد السفارة العراقية في بيروت عام 1981 كان العمل الاستشهادي الأول الذي قام به البطل الشهيد أبو مريم، لأن هذه السفارة كانت عبارة عن مركز المخابرات الأساسي في الشرق الأوسط. وأما وكالة الأنباء العراقية فكانت تزيف الخبر وتحاول أن تسمم فكر العراقي بالاتجاه المضاد، وهؤلاء كانوا هم عملاء فكريون لنظام معادٍ لأبناء الشعب العراقي…”. (https://youtu.be/fgjvi3tLi3s). في هذه المقطع من مقابلة علي الأديب التلفزيونية يجد القراء والقارئات الكرام الإجابة الشافية عن السؤال الوارد في عنوان هذا المقال.
لأول مرة يعترف القيادي الثاني في حزب الدعوة علي الأديب، والأقدم في عضوية الحزب حتى من مسؤوله الحالي نوري المالكي وقبله الجعفري، بأن الحزب كان مسؤولاً عن كل تلك التفجيرات التي ذهب ضحيتها مواطنون عراقيون ومواطنات عراقيات ليسوا جميعاً كانوا عملاء لحزب البعث أولاً، وبعمليات انتحارية بسيارات مفخخة، وهي عمليات إرهابية محرمة دولياً، بغض النظر عمن يكون ضحية هذه العمليات، ثانياً، وإن السبب وراء القيام بهذه العمليات هو قيام هؤلاء بتسميم فكر العراقيين بالاتجاه المضاد لحزب الدعوة الإسلامية ثالثاً. هذه الجرائم ارتكبها حزب الدعوة عندما كان في المعارضة وحين وجد أن تلك المؤسسات التي فجرها تمارس نشاطاً فكرياً وتجسسياً ضد حزب الدعوة والمعارضة. والغريب أنه لا يريد أن يعترف بأنهم هم من كان وما زال يسمم فكر الإنسان العراقي، ويسرق أمواله وحتى لقمة عيشه بفسادهم، وهم من يمزق وحدة الشعب العراقي “بشوفينيتهم” الفارسية الهوى وطائفتهم الصفوية المقيتة! (راجع في هذا الصدد خطبة هاشم الحيدري https://youtu.be/i49C3eOEU08) والسؤال هو: ماذا فعل هذا الحزب حتى الآن؟ وماذا يمكن أن يفعل الآن كحزب وكميليشيات مسلحة تابعة له ولأحزاب إسلامية أخرى مماثلة له خرجت من تحت عباءة حزب الدعوة والنظام الإيراني الطائفي المستبد، مثل فيلق بدر، كجزءٍ من فيلق القدس، والذي تشكل في إيران وبقيادة إيرانية، أو المنظمات الأخرى التابعة لإيران في العراق كثأر الله وحزب الله وعصائب أهل الحق والعشرات الأخرى من ذات القطعان الميليشياوية المتوحشة، ضد من يعتقدون بأنهم يتأمرون ضد نظام سياسي طائفي فاسد هو حكمهم، الذي هيمنوا عليه بمساومة أمريكية-إيرانية مقيتة؟ إن ما يمكن أن يكونوا قد قاموا به خلال السنوات المنصرمة كثير وكثير جداً. ينبغي التحقيق فيه والتحري عنه. فهناك من يؤكد بأن قوى الإسلام السياسي الطائفية والفاسدة المتحكمة بالحكم والدولة العميقة لم تمارس الاغتيال الفردي والاختطاف والتغييب ورمي المعتقلين في سجون سرية وممارسة التعذيب حتى الموت والدفن في ذات السجون السرية، والتفجيرات وتوجيه الصواريخ ضد مواقع وأهداف مدنية وعسكرية فحسب، بل ومارست أيضا القتل الجماعي للناس الأبرياء في السنوات المنصرمة في الانبار وصلاح الدين وديالى وغيرها في عام 2011، ثم في أحداث البصرة وفي انتفاضة الشعب الأخيرة، خاصة وأن القادة الذين أمروا بتفجير تلك المؤسسات أثناء المعارضة هم الآن قادة الأحزاب الحاكمة والمشاركة في الحكم بل وعلى رأسه، ومعهم السفاح عادل عبد المهدي، وهم في مجلس النواب أيضاً، وهم في المواقع الأساسية للمؤسسات الحكومية. إن قتل الناس الأبرياء بذريعة العمل الفكري والذهني دون محاكمات يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون أشد العقوبات، وهي جرائم لا تتقادم مع الزمن بل تبقى جرائم يجب أن يحاكم عليها فاعلوها والذين أعطوا الأوامر بتنفيذها. وقادة حزب الدعوة هم مسؤولون مباشرة عما اُرتكب من جرائم قبل وأثناء وبعد احتلال الموصل ونينوى، إذ كان هذا الحزب ورئيسه على رأس الحكومة العراقية التي قررت سحب القوات العراقية من الموصل ونينوى وتسبب ذلك في الإبادة الجماعية ضد الإيزيديين وجرائم ضد المسيحيين والشبك والتركمان، إضافة إلى مسؤوليته عن قتل 1700 إنسان في مجزرة معسكر سپایکر، وكلهم كانوا طلاباً من “عائلات شيعية”، حيث استبعد نوري المالكي وجماعته العسكرية كافة المجندين السنة وغيرهم من هذه الدورات التدريبية العسكرية.
إن حزب الدعوة وبقية الأحزاب الإسلامية السياسية العراقية لا تختلف قيد أنملة عن تنظيمات الإخوان المسلمين الإرهابية ولا عن الميليشيات السنية المسلحة التابعة للدواعش أو غيرها، فكلها متطرفة وتكفيرية، وأن بدت أحياناً مسالمة ومهادنة، ولكنها تنتظر الفرص، وهي ذات ذهنية وقاعدة فكرية واحدة مناهضة لجميع أتباع الديانات والطوائف الأخرى، وضد جميع الأحزاب غير الإسلامية السياسية وطائفية، وضد الحريات العامة والديمقراطية، إنها أحزاب شمولية قمعية واستبدادية فكراً وممارسة ولا يمكن تجاوز هذه الحقيقة المرَّة بأي حال.
أما المسلمات والمسلمون المؤمنون الاعتياديون فهم الذين يتحملون وزر هذه الأحزاب وما تفعله بأتباع الديانات الأخرى وبأصحاب الفكر والعقيدة الأخرى. لقد عاش الشعب هذه الجرائم في الأشهر المنصرمة منذ انطلاق انتفاضة الشبيبة والشعب الباسلة التي بدأت في الأول من تشرين الأول 2019 ومستمرة حتى الآن والتي تعرض فيها المواطنات والمواطنون إلى ابشع الجرائم حيث استشهد المئات برصاص النظام الحاكم وميليشيات الدولة العميقة في العراق وجرح وعوق عشرات الألوف من الناس الأبرياء، كما اختطف أو غيب أو اغتيل كثير من الناس المدنيين الديمقراطيين والإعلاميين في فترات مختلفة، منهم كامل شياع وهادي المهدي وعلاء المشذوب وفاهم الطائي وأحمد عبد الصمد وصفاء الغالي وسعاد العلي والدكتورة رفيف الياسري ورشا الحسن وكرار نوشي، واخيراً وليس آخراً اختطاف مازن لطيف وتوفيق التميمي. إنهم يمارسون هذه الأفعال بذريعة الانحراف الفكري عن الإسلام، إنها موجهة ضد المدنيين والمدنيات. ولم يجرِ في كل هذه الجرائم أي تحقيق جاد وحقيقي، بل ذهبت أدراج الرياح وسجلت ضد مجهول، لأن الحكم هو جزء من هذه القوى أولاً، ولأن المجلس النيابي خاضع لها ثانياً، ولأن القضاء مسيس وساكت عما كان وما يزال يجري في العراق ثالثاً.
لقد حدث في العراق تغييب الألوف من الذكور العراقيين من أبناء العراق لاسيما من مدينة الصقلاوية والرزازة، اولئك الذين نزحوا من المناطق التي كانت تحت احتلال داعش، وعبروا السيطرات الحكومية وفيها قوى الأمن والجيش والحشد الشعبي. وهي الجهات التي قامت بفصل النساء والأطفال عن الرجال وتسجيل أسماء الرجال والتحقيق معهم. ومنذ ذلك الحين حتى اليوم تم تغييب جميع الرجال، ولا يعرف عنهم شيئاً، في حين ما تزال العائلات تطالب برجالها. هناك أكثر من 12000 مغيب. فمن المسؤول عن تغييبهم؟ هل قتلوا جميعاً؟ أم إنهم في معتقلات سرية أو في معتقلات شبه رسمية لا يفصح عن المعتقلين فيها؟ …الخ. لقد طلب رئيس مجلس الوزراء الجديد مصطفى الكاظمي إجراء تحقيق بكل المغيبين والمختطفين في العراق. فهل يأمل الشعب الحصول على نتائج ملموسة بصددهم بعد أن مرتَّ أعوام عدة على تغييبهم؟ لقد كان نوري المالكي وحزبه وميليشياته يخوضون “معركة أصحاب الحسين ضد أصحاب يزيد”، أي “الشيعة ضد السنة!”، هكذا تصور الصراع في العراق في خطبته المجنونة في مدينة كربلاء، وهكذا برزت عواقب هذا التفكير العدواني أثناء حكمه في مختلف أنحاء العراق، لاسيما في الأنبار وعموم غرب العراق وفي الموصل وعموم نينوى وضد سنة كردستان وبقية الديانات.
إن إنقاذ العراق من هذه القوى يأتي من خلال التطبيق الفعلي لهذا الدستور، رغم نواقصه، إذ يحرَّم تشكيل أو وجود أحزاب سياسية على أساس ديني وطائفي من جهة، كما يحرَّم تشكيل أو وجود ميليشيات مسلحة في البلاد، ويؤكد أن يكون السلاح حصراً وحكراً بيد الدولة من جهة ثانية. إن السائد حالياً في العراق وجود دولة عميقة داخل الدولة العراقية الهشة، ووجود جيش ميليشياوي أقوى من الجيش العراقي الرسمي داخل هذا الجيش أو بجواره ومشاكس له. إن الحل يكمن في وجود دولة مدنية ديمقراطية حديثة وعلمانية، في دستور ديمقراطي وقانون انتخابات ديمقراطي عادل ومفوضية انتخابات نظيفة ومستقلة حقاً، وفي مجتمع مدني ديمقراطي وهوية مواطنة متساوية مشتركة وموحدة، إن الحل هو في الخلاص من النظام الطائفي الفاسد الذي تسبب في موت عشرات الألوف من الناس الأبرياء في العراق وتابع لإيران، جوَّع الشعب وأنهكه، ومارس كل الموبقات والرذائل ضد هذا الشعب المستباح والمحروم والمقموع. الخلاص يأتي من خلال النضال الذي تخوضه قوى الانتفاضة الشعبية واستمرارها إلى حين تحقيق المطالب العادلة والمشروعة: “نازل أخذ حقي، وأريد وطن مستقل وغير تابع!