أهديت الكثير من أعمالي الغنائية للعراق حباً بشعبه الأصيل
صلاح الربيعي فنان عربي مثقف التزم بالتراث الموسيقي العربي الأصيل سخر حياته ونشاطاته وأعماله الفنية لكل مايخدم قضايا الأمة العربية وهمومها الوطنية والانسانية والثقافية حيث يعتبر الفن مسؤولية كبيرة تقع على عاتق كل فنان ملتزم ورسالة مهمة لاستنهاض الشعوب نحو طريق الحرية والكرامة والسلام انه الفنان التونسي لطفي بوشناق الذي ولد في عام 1954 وعاش في حي الحلفاوين الذي يقع في احدى المدن العتيقة وسط العاصمة تونس ونشأ في عائلة كبيرة محافظة كان ترتيبه فيها التاسع من بين اخوته العشرة ومن المستغرب عند عائلته أن يتجه بوشناق الى المجال الفني سيما وان نظرة المجتمع تحط من مكانة وقدر الذي يعمل في هذا المجال وهي نظرة كانت سائدة بين معظم المجتمعات العربية المحافظة آنذاك وفي أواخر الستينات وعند الخامسة عشرة من عمره التحق بوشناق بالمدرسة الرشيدية البارزة في تونس والمغرب العربي لدراسة الموسيقى وتتلمذ على يد الموســـــيقار الراحل علي السريتي الذي يعــــــــتبر أحد أشهر الموسيقيين بتونس وخلال السبعيـــــــــنات التحق بدار ابن خلدون الثقـــــــــــــــافية المغــاربية تحت اشراف استاذه توفيق الذويوي الذي لمس فيه موهبة الغناء آنذاك وفي عام 1979 لحن له الموسيقار المصري أحمد صدقي اغنية جرى ايه للدنيا وهي أولى أغانيه ومنها كانت البداية لنطلاقته نحو الساحة الفنية العربية والتي حقق بعدها النجاحات المتواصلة وبما اننا نعيش الأيام المباركة في شهر رمضان الكريم الذي تصادف مع ظروف جائحة وباء كورونا الذي لم تسلم منه دولة في العالم وهذا الحال أجبر العديد من أصحاب الوظائف والاعمال والمهن المختلفة للبقاء في البيوت حرصا على صحتهم وسلامتهم من هذا الوباء قدر الامكان مما جعلنا نستثمر تلك الظروف التي تضمن لنا فرصة الحديث عبر الهاتف مع الفنان العربي التونسي لطفي بوشناق المتواجد اليوم بمحل اقامته الدائم في تونس مع الاخذ بنظر الاعتبار ان يكون وقت الاتصال عبر الهاتف مابعد الافطار ليتسنى لنا الحديث معه بشكل أفضل وقد جرت تلك المكالمة حتى بدأ بوشناق استقبالنا بالترحاب العربي الاصيل وبلهجته التونسية الجميلة الممزوجة بالكلمات العربية الفصيحة الرائعة وبنفس النغمة المميزة التي نسمعها منه في معظم اغنياته التي عرفناه بها معبرا لنا عن سعادته الكبيرة وهو يطل على جمهوره العربي الكبير والجمهور العراقي الذي يكن له كبيرالمحبة والاعتزاز مهنئا العالم الاسلامي بشهر رمضان الكريم وأيامه ولياليه المباركة. وجاء هذا في بداية حديثه لـ ( الزمان ) التي وصفها بالصحيفة المهنية البارزة المميزة بين كبريات الصحف في العراق والدول العربية الأخرى والعالم قائلا .. أكرر الترحيب بكم أيها الأحبة على قلبي دائما ورمضان خير وبركات على أهلنا العراقيين الذين اتابع اخبارهم باستمرار وأنا اتضرع بالدعاء عند الرب الكريم أن يفيض عليهم وعلى جميع شعوب العالم بكل الخيرات والمحبة والسلام .. ولأجل معرفة المزيد من التفاصيل سألنا الفنان بوشناق عن كيفية قضاء يومه في ظل التدابير الاحترازية الوقائية والصحــــــية التي فرضت على الجميع بسبب وجود وباء كورونا في عموم أنحاء العالم سيما البلد العربي الشقيـــــق تونس فأجابنا قائلا .. ان ماحل علينا من وباء اليوم هو ابتلاء وامتحان رباني للبشرية جميعا اذ لم يفرق بين كبير وصغير وغني وفقير قوي أو ضعيف وحاكم أومحكوم لذا يتوجب فيه على العباد ان يأخذوا درسا من هذا الابتلاء بمعرفة قدرة الله العظيمة وضعف الانسان وعجزه في ان يجد سبيلا لانقاذ نفسه من هذا الفيروس الصغير الذي لايمكن رؤيته الا بالمجهر وان هذا الوباء هو رسالة سماوية واضحة أراد الله عز وجل فيها ان يعود الانسان الى ربه العلي القدير وينظر الى حجمه الحقيقي أمام مقدرة الخالق العظيم بعد أن عجزت كل الإمكانات العلمية والطبية والتكنولوجية في العالم عن التصدي لهذا الفيروس ومعرفة سر ظهوره واما بالنسبة لي فاني كبقية المسلمين الصائمين أسعى جاهدا بأن استثمر الوقت لأداء الفرائض الرمضانية المباركة المعروفة والاستفاضة من كرامة ساعات هذا الشهر الفضيل بالصلاة وقراءة القران تقربا الى الله الكريم وطمعا في نيل مغفرته ورحمته ومرضاته سبحانه وبما أقدر عليه من الطاعات وفي بقية الأيام وقبل اجراء الحظر كنت أقضي معظم وقتي في الاستوديو مكان عملي الذي أعشقه كثيرا حيث أنجز فيه اعمالي الفنية الغنائية والموسيقية واما في هذه الظروف ووجودنا الاجباري للبقاء في البيوت احاول ان لاأتوقف عن العمل وقد أتاحت لي هذه الظروف بان انظم اعمالي وفقا للاجراءات الوقائية الحالية التي منعتني وبقية الاخوة الموسيقيين والفنيين من أن نجتمع سوية في الاستوديو وذلك لصعوبة تنقلهم الى المكان الذي نعمل فيه كما كان سابقا كما لم يعيقني هذا الظرف من انجاز بعض النتاجات الفنية التي كانت ضمن جدول اعمالي الحالي وقد عوضت ذلك من خلال التواصل عبر الانترنت والهاتف لغرض التنسيق بشأن بعض الأعمال الفنية التي كنا نحضر لها قبل ظهور الوباء الذي لاسلطة لأحد عليه حتى الآن وأنا في كل الظروف لايمكن أن أتوقف عن العمل الذي أعتبره عبادة وبهذا أقول رب ضارة نافعة باذن الله. { وعن بعض الأعمال الغنائية التي قدمها بوشناق خلال سنوات عمله الماضية أجابنا قائلا .. - بعد أغنية جرى ايه يا دنيا قدمت الكثير من الأعمال الفنية والموشحات الدينية والأناشيد الوطنية كانت لكبارالملحنين في تونس والوطن العربي أمــــــثال سيد مكاوي وفتح الله أحمد وأنور ابراهم وأشهرها أغنية ليلى التي لحنها لي الفنان اليمني أحمــــــــد فتحي وقد حظيت هذه الاغنــــــــية بنجاح وانتشار كبيرين في الوطن العربي . رسالة انسانية { وفي اجابة عن اسباب شهرته الفنية قال بوشناق - ان الفنان أو المطرب اضافة الى أغنياته العاطفية والمنوعة وسعيه للشهرة والنجاح فهو صاحب رسالة انسانية ويجب أن يعمل على ايصال تلك الرسالة للعالم من خلال اعمال فنية رصينة هادفة ومعبرة عن هموم الناس وقضاياهم المصيرية ومدافعة عن حقوقهم المشروعة سواء في الوطن العربي أو في أرجاء العالم وبهذا النهج كانت لي الحصة الكبيرة في الأغاني التي قدمتها دعما لأطفال العراق وفلسطين وشهداء الثورات العربية كان أشهرها اغنية أخويا الإنسان واعتذار ونشيد السلام وسراييفو وأغانٍ وطنية وانسانية أخرى عن شهداء قانا وجنين والعراق وهنالك أغاني أخذت طابعا سياسيا مثل أغنية أنا مواطن والسياسي والكراسي وغيرها من الأغنيات وفي عام 2014 ودعما لأبطال المقاومة الفلسطينة وصمود رجالها الشجعان بوجه الاحتلال الإسرائيلي قدمت أغنية غزة اصمدي وغنيت لكبار الشعراء في الوطن العربي أمثال أحمد فؤاد نجم وآدم فتحي كما طرحت عددا من الألبومات أهمها البوم أسماء الله الحسنى الذي أخذ مني جهدا كبيرا وفي المدائح النبوية قدمت مقطوعة لا تسأل غير الله وموسيقى الحلفاوين وعش يا بلدي وريتك ما نعرف وين وليلى اضافة الى ذلك وفي عام 2012 كانت لي بصمة في التمثيل من خلال المشاركة في الموسم الثالث من المسلسل التونسي مكتوب كذلك مشاركتي في أوبريت عناقيد الضياء وهو عرض غنائي ديني يتحدث عن القيم الإنسانية في الاسلام وخلال مسيرتي الفنية حصلت على عدد كبير من الجوائز في الوطن العربي والعالم ومنها جوائز وشهادات تقديرية وأوسمة عالية قدمت لي من قبل عدد من الملوك والزعماء ورؤساء دول عربية وشخصيات أجنبية وأممية كانت تثمينا لما قدمته من اعمال فنية هادفة على مدى السنوات الماضية من ضمنها جائزة أفضل مطرب عربي عام 1997 وجائزة معهد العالم العربي في باريس وفي عام 2004 اختارتني الأمم المتحدة سفيرا للنوايا الحسنة في تونس بعدها التقيت الزعيم الأفريقي الراحل نيلسون مانديلا الذي أعتبر الفن رسالة توعية انسانية مهمة في حياة الشعوب المحبة للتحرر والعيش بسلام مؤكدا على ضرورة دعم الفنانين الذين يحملون تلك الرسالة كما حصلت على جائزة مهرجان الموسيقي العربية الذي تقيمه دار الأوبرا المصرية بالقاهرة وفي عام 2006 نلت جائزة الرباب الذهبي المقدمة من ادارة مهرجان مراكش الدولي للفنون الشعبية كما حصلت على وسام الاستحقاق الثقافي في تونس عام 2009 وكل ذلك أعتبره وثائق محبة انسانية وجسورا للتواصل الفاعل والحي مع الشعوب أينما كانوا { وعن أهداف مسيرته الفنية والانسانية أجابنا بوشناق قائلا .. - لقد كنت صادقا في نهجي وعملي وأحاول أن أكون شاهدا أمينا على الحقبة الزمنية التي نعيشها بكل ما فيها من أفراح وأحزان وأحداث وأزمات واخترت أن أكون امتدادا للماضي الأصيل وأتعايش مع الحاضر وأن تكون لدي رؤية للمستقبل وهدفي من عملي الفني أن اترك بصمة انسانية طيبة مميزة في حياتي الفنية يمكن أن يتذكرها الناس لسنوات طويلة ورغم كل ماقدمته من اعمال فنية والتي وصفها البعض بأنها سياسية فأقول انني مازلت في البداية وأكرر دائما بأني لاأتبنى أي نهج أيديولوجي أو سياسي وأريد أن أكون وأبقى فنانا حرا لا أنتمي لأية جهة الا لوطني وإنسانيتي وفني وعندي الأغنية أهم من جميع الخطابات السياسية وأكثرها تأثيرا في حياة الناس وأغنياتي تحمل قيما ومضامينا فكرية أريد لها الخلود والبقاء في ذاكرة الأجيال دائما وأعرف جيدا كيف أختار الأغنية البعيدة عن الإسفاف وأحاول أن أكون مرآة تعكس الواقع الذى نعيشه بكل مصداقية . اعمال فنية { وعن التعاون الفني مع الشاعر العراقي وليد خالد الشطري تحدث الفنان لطفي بوشناق قائلا .. - من دواعي الفخر والاعتزاز أن أقدم أعمالا فنية للعراق لذلك جرى بيني وبين الشاعر العراقي المعروف وليد الشطري تواصل وتعاون بشأن انجاز أعمال فنية عديدة كان أهمها انشودة هنا العراق التي كتبها الشطري وقمت بانتاجها وغنائها وهي من الحان المايسترو العراقي الكبير علي خصاف هذه الانشودة لاقت صدى واسعا في العراق وجرى البحث فيها من قبل بعض المعنيين في الثقافة العراقية بأن تكون نشيدا وطنيا للعراق اضافة الى عمل فني حديث أخر وهو غناء قصيدة للشاعر الكبير الراحل خالد الشطري بعنوان ماللمدينة أغلقت أبوابها وهذا القصيدة لحنتها وانتجتها وقدمتها اغنية مهداة مني لشهداء العراق وثورة تشرين الأبطال شارك فيها مهندس الصوت الماسترينغ محسن الماطري كذلك قدمت اغنية بعنوان سلامي لبغداد تلحينا وتسجيلا وانتاجا وهندسة الصوت للماسترينغ محسن الماطري أيضا وأهديتها للشعب العراقي الحبيب وهي قصيدة للسيدة الشاعرة المحامية المغربية سميرة فرجي ولي مشاريع فنية أخرى قادمة مع الشاعر وليد الشطري من المؤمل أن ترى النور قريبا ان شاء الله . { وعن دور وتأثير الفن والفنان في حياة الشعوب والمجتمعات قال بوشناق .. - ان الفن والثقافة هما من أسمى المسارات والعوامل الانسانية التي تصنع الخير والمحبة والسلام بين الشعوب ومن خلالهما يمكن القضاء على الارهاب والجهل والتخلف في عموم أرجاء العالم وهذا أهم دور للفنان الملتزم الذي يسعى الى ايجاد اعمال فنية هادفة قادرة على توعية الشعوب والتأثير الايجابي في بنيتها الاجتماعية ونحن كفنانين لانملك سوى ثقافتنا وصوتنا وانسانيتنا لمواجهة الارهاب والتطرف والكراهية والافكار الرجعية الخطيرة ومن جانبي أتمنى أن أكون جديرا بحمل صفة أولقب فنان فهذه أمانة ومسؤولية كبيرة أمام الله والتاريخ وبعونه تعالى سأكون مخلصا وملتزما في اداء تلك الأمانة والرسالة وأن أكون شاهدا على العصر وامتدادا للماضي ومتعايشا مع الحاضر والنظر الى المستقبل بتفاؤل كبير واقول مهما قدمت من أعمال فنية على مدى السنوات الطويلة الماضية فاني مازلت في البداية ولاأبحث عن موقع ما في الساحة الفنية العربية بقدر ما أبحث عن عمل يذكره لي التأريخ لأضيف ولو النزر القليل في هرم الموسيقى العربية والعالمية وكل هذا يحتاج الى الصدق والمثابرة والاصرار .