بيان…
وقف كثيرا ينتظر التغيير على أرض بدلت معالمها الخارجية، وحين نظر إلى قَدَميه أدرك أنها قد تيبست من كثرة انتظار، لم يشعر حتى بلغ جفاف الثقة بالآخرين إلى وجهه أحس أن الحمى تأتي من الرجلين، فنحن أمة فطمت على الويلات بعد أن رضعت الآه من صدر الجوع، وعندما كبرت مزقت ثيابها لتبرر فقرها حتى تستجدي الحرمان دينا جديد..
تلك هي فاتحة حديثه في كل مرة يلقي بيان خطبته الى تلك المجاميع في مستشفى الطب النفسي بعد أن غطاه طوفان من مياه آسنه على أيدي سلطة همها إغراق نقاط الضوء الضعيفة بين أحراش مليئة بالثعابين..
غالبا ما ينصت له من ناله الآسن وَحلا، فتحلى بنزعة يتلطخ فيها بعنوان مجنون مع سبق الإصرار ثم عاد ليكمل… لا تستغربوا تكالبنا!!! فنحن لم نحظى بالانتباه من قبل لذا تجدونا ننكب على التصريحات بما نعلم أو بما لا نعلم، كما أننا لا نتعرض إلى اللوم لأننا من صنف البهائم وأظنها لا تفرق عن المجانين… هنيئا لكل الأصوات ذات النهيق والخوار العالي للانضمام معنا كوننا أصحاب تصريحات غير مسئولة، وأقول لكل من يسمع لا ترمي بأسرارك في المياه العكرة، فلابد أن هناك من يتصيدها ويشربها، ثم يخرجها فضائح يتقيأها بعفونة ما يحمل من حقد وكراهية لك، فعندما تكثر نفايات الولائم يكثر حولها الكلاب وفي اتون الحرب يزداد عهر الداعرات، يأتي من يمسك الكيس على ابوابها ساسة عرب و نصف عرب يمدحون الخراب في نشرة الاخبار، تظهر فضائحهم مثل ديوثي الفرص مرتادي سوح الوغى لكن عبر اعلام مزيف مفبرك تراهم رجال الصعاب لا جرم فنحن بتنا ساحات وغى يغنى على جراحنا ( جلاب الهوى جلاب )، لا زلنا نرثي انفسنا دون كلل دون ان نطرد اصحاب الولائم ومن بعدهم تلكم الكلاب.
هكذا أستحوذ عباس على كل من يعرفه، بات رمزا لعقلاء للمجانين، اختاط لنفسه جلباب أكبر من حجمه، فتق جوانبه ليجعلها جيوب أكبر يخبيء كل حياته فيها مع تأريخه، يجوب الشوارع بسرعة البرق، منتعلا نصف نعل، فأصابع اقدامه يخرج نصفها عن مقدمته كشخص تمرد على فم لُجِمَ عنوة فأخرج لسانه يلوط أرض شكت من كثرة المخصيين فيها، لم يكتري يوم لقمة عيش فجيبه الواسع هو خزانه ففيه الخبز والفلافل وحبات من الطماطم ولا يخلو من فحل بصل الذي يشمه بعد كسره كوردة الجوري، يدعو كل من حوله الى رغيف الخبز بعد ان يطويه عدة مرات ثم يُقطعه قطعا ليدسها الى جيوبه الأخرى ساعة جوع، كان يرقب مقرات السلطة التي تمتلئ بالحراسات رغم زوالها، تحولت نفسها مقرات بمسميات جديدة، حراسات كثيرة على صور جدارية نادرا ما ترى كلاب سائبة او قطط تتبول عليها فالخوف من عيون السلطة دعى الحيوانات ان تخاف سياط الجلاد فما بالك بالبشر!؟ عباس يردد بصوت عال كم أنت عفن وبائس يا وطني، هكذا في كل يوم لا يمل ولا يكل، واجبه حارسا مثل البقية حتى استشهد أخوته الثلاثة في حرب ضروس لم يوافق عليها لا عباس ولا أخوته، لكن نفوذ السلطة وتقارير رجل أمن مدسوس أنصاعوا للأمر خوفا من إبادة جماعية، في ذلك الصباح كان عباس في الواجب عندما نودي عليه من قبل مسئول الشعبة كي يخبره استشهاد أخوته، جن جنونه وهو يسمع المسئول يقول: لقد استشهد اخوتك يا عباس من اجل الوطن من أجل القائد ثم أخذ يسترسل بنفاقه حتى صرخ عباس فأمسك بالمسئول ضربا حتى أدماه وأطار عينه، لم يخلصه من بين يديه إلا الضرب المبرح الذي تلقاه من بقية منافقين السلطة، أطاحوا به سجينا سنين طوال، عَوَت عليه كالكلاب وهو في زنزانة موحشة تنهش به أيدي خفية في فترة ما أمسكت الحراسة معه لحماية صورة الجلاد الاكبر، فقد عباس عقله هكذا كتبوا في آخر تقرير بعد أن أخذ عباس يلقي بيانه على جميع من في المعتقل لا يعلم هل يسمعون أم لا؟ إلا أنه يلقيه، يضحك ويقول: أنا رب الصور الأعلى، أنا الواحد الاوحد، أنا القائد الفرد الصمد فهل من منازع…
خرج عباس وما زال يلقي بيانه في احدى المناسبات بعد ان صنف مجنون بكتاب رسمي لا يؤخذ عليه، هرعت الأيام تجر أذيال الانتصار خيبة، دخل الغزاة عبر بوابة الديمقراطية، شرعوا في وضع اسس جديدة، حلقوا شعر رأس الاوحد، فتقوا اللباس الذي كان يتبختر فيه وزبانية الزمن الأشتراكي، تبولوا على الصور، لطخوها بالبراز، صارت الكلاب والقطط تتجمع حول تلك الصورة تحديا مع عباس، هاهو الآن حتى بعد ان طار صاحب الصورة وملئت الشوارع بألاف الصور، طار الأوحد وجاءت التعددية، أختيط لباس الديموقراطية بعدد من الخيوط الملونة أهمها الخيط الأسود الذي يتسيد على العباد اما الاحمر والاخضر فذاك ما لا يمكن ان تخيط به سوى الرقع الكبيرة التي لا يمسها إلا المتطهرون، صعد كعادته رافعا يده بعد ان مسح وجهه بقطعة متهرئة… أيها الناس تغير عالمنا الى ألاسوأ بعد ان كان سيئا، ركبوا موجة الله أكبر رايتها السواد، سكبنا الأتراح مواقيت صلاة، أطلقنا الموت كلاب مسعورة، شئنا أم ابينا لا زال الأوحد يعيش في كل واحد فيهم بعد أن أغتسل بِذل بماءهم المقدس الذي جاء به الحاكم السامي، شرط توقيع وثيقة بيع شرف، سادتي حتى الآن حظيرتنا تسرح فيها الثعالب اما الجرذان فاتخذت من حظيرة الدواجن مورد غذاء… لا زال دجاجنا يبيض خوفا، أما الديكة أظنها غيرت صنفها بعمليات التغيير تلك التي اباحوها حتى تتساوى الديكة مع الدجاج، فعالمنا يا سادتي صوم وصلاة نباح ونكاح، فكلهم راع ونحن الرعية بتعددية وطائفية، هيا هلموا لتتعالى اصواتكم هيهات منا الذلة واللعنة على المنافقين.
القاص والكاتب
عبد الجبار الحمدي