ماذا تبقى من ديمقراطية الولايات المتحدة الأمريكية
ضرغام الدباغ
دون ريب أن الولايات المتحدة الأمريكية قد دخلت في عهد الرئيس ترامب مرحلة جديدة، لا يمكن وصفها مطلقاً بمرحلة صعود، بل هي وفق مؤشرا عديدة، في هبوط، وتراجع. والحق أن هذا التراجع لم يبدأ في عهد ترامب، فعملية التراجع تدور منذ ولاية الرئيس أوباما وربما حتى قبله، إلا أن الرئيس أوباما وهو المتعلم الأكاديمي تمكن ببراعة من ضبط التوازن لكي لا يبدو التراجع ظاهراً شاخصاً، ومتسارعاً، ولست ممن يضعون على كاهل الرئيس أسباب النكوص والتراجع، فالإدارة الأمريكية لها طبيعة عملها لصرف النظر عن أسم الرئيس، وانحداره السياسي (تقريباً) الفرقة الموسيقية (عناصر وقنوات الإدارة الأمريكية تعزف) و الرئيس يلعب دور قائد الفرقة (conductor)، وربما تلعب قدراته العقلية وثقافته دوراً في القرارات، وفي خياراته، إلا أن دور الرئيس بموجب القانون، والتقاليد السياسية ليس الحاسم في القرارات المصيرية الكبرى.
لماذا تتراجع أميركا …؟
الولايات المتحدة دولة عظمى بلا شك، ولمن يعرف أميركا جيداً، وسبق له زيارتها، يعلم أنها دولة عظيمة بكل معنى الكلمة، اقتصاد عملاق (أفضل أقتصاد في العالم)، مستوى تعليمي راق جداً (أفضل 10 جامعات في العالم، 8 منها أمريكية)، أقوى جيش في العالم (الوحيد القادر على التدخل في أي بقعة في العالم خلال ساعات)، ثم أنها أقوى كيان سياسي دولي تسيطر على الأمم المتحدة والمنظمات الدولية كافة. فلماذا إذن تتراجع ..؟
لا شك أن نتيجة كبيرة كهذه لها محصلة أسباب وعوامل، منها الموضوعية (الخارجية)، ومنها الذاتية (الداخلية) وأن عملية تفاعل ليست قصيرة الأمد قد أستغرقتها حتى بلغت هذه النتيجة الكبيرة. وليس هذا فحسب، بل أن الولايات المتحدة بلد يضم عدداً هائلاً من العلماء، وشخصياً قرأت منذ عقود كثيرة (منذ مطلع الثمانينات) أعمالاً وتقارير علمية لأساتذة وعلماء ومعاهد، تنبهه الحكومة الأمريكية من مخاطر الكارثة المقبلة، ومن ذلك مثلاً تقرير يحمل عنوانا مخيفا ” أمة في خطر (A nation in danger)، وأخرى غيرها، تنذر وتحذر من مخاطر الانهيار الأمريكي، والانهيار بالطبع له شكله الاقتصادي والاجتماعي الفلسفي قبل كل شيئ .. أن تنهار المرتكزات (fundament)التي تمثل قوام وجود الولايات المتحدة ككيان.
الولايات المتحدة هي عبارة عن تجمع شعوب، التجأوا إلى هذه المساحة مع القانعة التامة أنهم ليسوا أصحاب هذه الأرض …. حسناً، جاء الجميع إلى هنا لاجئين من ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية، ومن تميز طائفي وعرقي، ليؤسسوا كياناً يقدس حرية الفرد، وإنتماؤه العرقي والديني والسياسي، في توليفة يطلق عليها (الديمقراطية الغربية)، في جوانب منها تبدو غير مقنعة، ولكنها من جانب آخر تفتح الأبواب والشبابيك مفتوحة على مصراعيها للنجاح لكل من يريد أن يثبت كفاءته، وهكذا نشأ مجتمع الولايات المتحدة الذي ضم من كل شعوب الأرض، بما قيهم الرئيس ترامب نفسه، الذي جاءت أسرته مهاجرة من ألمانيا إلى كندا ثم الولايات المتحدة وامتهنت المهن الوضيعة جداً، ولكنها نجحت أخيراً، في تحيق نجاح اقتصادي، أهلها لنجاح سياسي، وترامب نفسه نتيجة كفاح شخصي، صنع من نفسه ملياديراً من العدم قبل أن يكون رئيساً ، ولكنه اليوم يريد أن يقلص من مساحة تلك الحريات.
قرأت مرة في بداية عصر تفكك الاتحاد السوفيتي (وليس انهيار) مثلا يشبه الموقف قطاران ثقيلان يسيران بسرعة هائلة، واصطدما ببعض وجهاً لوجه، القطار الأمريكي قوي تحمل الصدمة، أما القطار السوفيتي فلحقت به خسائر، آثر بعدها الانكفاء بهذا القدر وتصليح ما تسببه الاصطدام. ولكن القطار الأمريكي بدوره لم يخرج سليما متعافيا من الاصطدام، ولكنه مضى يكابر ويحاول أن يلعب دور السوبر باور رغم جراحه، يتدخل هنا، ويغزو هناك، ويلعب ألعاباً مكلفة، فكانت النتيجة أنه :
- التراجع الاقتصادي : أثقل الاقتصاد الأمريكي بالديون والعجز، وتراجع في البنى الارتكازية (Infrastucture)، وتراجع في مستوى التعليم، وهوة في التمايز الطبقي، واحتداد الشعور بالحرمان السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وحين حاول الرئيس أوباما أن يصدر قانون التأمين الطبي (مشابه للتأمين الطبي الأوربي)، جرى التفاف على المشروع وأفرغ من فحواه، فزاد من احتدم الموقف الاجتماعي / الطبقي. إذ جرى في عهد دونالد ترامب إلغاء لقانون الرعاية، وهو قانون كان يوّفر الرعاية الصحية بأسعار معقولة على الطريقة الأوروبية، بل أعلن بداية 2020 أنه سيخفض ميزانيات برامج الرفاه الاجتماعي كبرنامج “ميديكير” الموجه لكبار السن، إن فاز في ولاية جديدة، لأجل خفض عجز الميزانية الفيدرالية، ، اقترح ترامب تقليصًا بحجم 1.6 تريليون دولار على الرعاية الاجتماعية مستقبلا، بينها 451 مليار على “ميديكير”.. وأن الكثيرون من الأمريكيين أنهم قد بدأوا بالتخلي عن العلاج الضروري بسبب ارتفاع التكاليف.
- الفقر والصحة : وبالمقارنة مع كل دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية عام 2017، حلّت الولايات المتحدة في آخر القائمة كثاني دولة تملك معدلات فقر مرتفعة (الأخيرة إسرائيل)، بنسبة 17.8 % من مجموع السكان، أي أنها أسوأ من دول تتلقى مساعدات أمريكية كالمكسيك وتشيلي، وتشير إحصائيات “ستاتيكا” التي تشير إلى وجود 38 مليونا في أمريكا تحت خط الفقر، والفئات من الأصول الأفريقية هي في الغالب تقع في حالة الفقر. وجاءت كورونا لترفع من معاناة الأمريكيين السود، إذ أدى هذا الوباء إلى وفيات أكثر في صفوفهم، والمثال من ولاية إيلينوي التي لا يمثل فيها السود سوى 14بالمائة لكنهم يمثلون 42 بالمائة من الوفيات. وتتحدث عدة تقارير عن أن الأحياء الفقيرة حيث يقيم الأمريكيون من أصل أفريقي تملك مستشفيات أقل جودة ولديها عدد أقل من الأطباء. ولا تحصص من الناتج المحلي إلا القليل للغاية (ولا يكفي) لبرامج الرعاية الاجتماعية ومساعدة الفئات الهشة. وعدم وجود تأمين طبي عام في الولايات المتحدة الأمريكية. لذلك فالتأمين الطبي يقتصر على أصحاب الدخول العالية والأثرياء يمكن أن يمتلك تأمينا صحيا. وطبقا لدراسة صادرة في 2018 لم يكن لدى 11.5 % من الأمريكيين السود يملكون تأمينا صحيا، وتصل هذه النسبة بين الأمريكيين البيض إلى 7.5 % فقط. أضف إلى ذلك أن نظام الصحة الأمريكي هو الأعلى كلفة في العالم.
- تنامي نزعات اليمين : بسبب تنامي النزعات اليمينية المتطرفة، تتكاثف العنصرية وتتسلل إلى أجهزة الدولة ولأجهزة الشرطة تحديداً. وبحسب تقارير منظمة مراقبة الشرطة الأمريكية فى واشنطن تشير إلى أن المنظمة تستقبل في اليوم من 8 إلى 10 حالات تعذيب من الشرطة الأمريكية تجاه مواطنين سود سواء كانوا مجرمين أو مشتبه بهم. وكذلك تفيد هذه التقارير بوجود تمييز عنصرى داخل السجون الأمريكية، حيث يصل عدد المسجونين بسبب العرق إلى أكثر من 60% من إجمالي المسجونين داخل الولايات المتحدة، كما أن هناك من يقبع داخل السجون دون تهم أو محاكمة مسبقة.
- العنف المفرط الذي تمارسه أجهزة الشرطة الأمريكية، وتطلق الشرطة الأمريكية النار فوراً بقصد القتل، عند أول عدم استجابة بالوقوف والتفتيش المؤلم والمهين، وتشير الإحصاءات الحكومية أن الشرطة الأمريكية قتلت عام 2017 1147 أمريكياُ، نسبة كبيرة منهم من السود، وتعتبر الشطة الأمريكية أن المخالف للمرة الثانية يستحق السجن بين 5 إلى 10 سنوات حتى لو كانت مخالفته تافهة، وهذه موجهة أساساً للسود، وللمواطنين من أصول لاتينية أو آسيوية.
- ثغرات في نظام العدالة : وهذا يستتبع الإقرار بوجود خلل وثغرات في نظام العدالة الأمريكي، ما يخصّ السجون، إذ يصل عدد السجناء في البلاد إلى حوالي 2.3 مليون حسب أرقام 2020، فيما تشير إحصائية من عام 2017 أن نسبة التعبئة في السجون بلغت 99.8 %. وسبق للمرشحة الرئاسية هيلاري كلينتون أن صرّحت عام 2015 أنه بينما يعيش أقل من 5 % من سكان العالم في الولايات المتحدة، تملك البلاد تقريبا ربع سجناء العالم (احتسبت الواشنطن بوست النسبة وهي 22 %. و يشير تقرير الجريدة ذاتها أن ارتفاع أرقام السجناء لا يعود لارتفاع الجريمة، بل لتغيير القوانين والسياسات الخاصة بالجريمة. وهو ما يؤكده يشير إلى أن 74 % من المحكومين بالسجن النافذ كل عام لم تتم إدانتهم بعد. بعضهم يستطيع الخروج بكفالة، والبعض الآخر لا يملك المال لدفعها ما يجعله يبقى وراء القضبان. ومن المفارقات الأمريكية أن 13 ولاية لم تحدد السن الأدنى لمحاكمة القُصر، ما أدى إلى محاكمة أطفال بعمر 8 سنوات في عدة ولايات.
- معالجة الخلل : يرى بعض الباحثين أن إخفاق الحكومات الأمريكية المتعاقبة في معالجة الاختلالات الاجتماعية يعود إلى طريقة تشكيل الدولة التي ركزت على تقليل التدخل المركزي في المجال الاجتماعي. ويعود كذلك إلى طبيعة البلاد المكونة من 50 ولاية، إذ إن “كل ولاية تعمل كأنها جمهورية قائمة بذاتها، ما يجعل الحالة الاقتصادية والاجتماعية والقانونية تختلف من ولاية لأخرى، لكن المسؤولية الفيدرالية مهمة في تقديم الدعم المالي للولايات الفقيرة، وفي وضع تشريعات مركزية لا يمكن للولايات تجاوزها، وهو ما يعتريه الكثير من التقصير”.. في السنوات العشر الأخيرة كان متوسط الدخل للأمريكيين السود في الولايات المتحدة الأمريكية أقل بنسبة 20 إلى 25 % من متوسط دخل مواطنيهم البيض. وفقط القليل من السود من عائلات فقيرة ينجحون في الخروج من هذا الوضع. فالأمريكيون السود ذوو الآباء الذين يحتلون الخمس الأخير في سلم الرواتب يرتقون وظيفيا إلى مراتب الدخل الأعلى فقط بنسبة 50 % مقارنة مع الأطفال البيض كما كشفت عن ذلك دراسة لمؤسسة بروكينز.
- إنعدام المساواة : تجذر وتعمق عدم المساواة واشتداد الفجوة الاجتماعية، تبلغ لدرجة أن قاض أمريكي يصرح ” أن يكون المرء أسوداً ليس سبباً لقتله “. ومن أشكال التميز أن المواطن الأسود لا ينال الوظائف الجيدة حتى لو كان يمتلك تأهيلاً مماثلاً للأبيض. ومنذ صدور قانون الحقوق المدنية عام 1064، أصبح الأمريكيون من وجهة نظر القانون متساوون في الحقوق، ولكن الأمر هذا محض نظري، وما تزال الغالبية من السكان البيض تتمتع (كمتوسط) برفاهية وتكوين أعلى ورعاية صحية أفضل. وتتداخل العناصر ببعضها، فهناك ارتباط بين مقر السكن والصحة والتعليم، إذ يعيش السود في الغالب في أحياء بها نسبة تلوث مرتفعة للهواء، وليس بمقدورهم شراء غذاء صحي، فهم يأكلون في الغالب الوجبات الجاهزة المجمدة. وهذا سبب رئيسي في إصابتهم في الغالب بأمراض مزمنة. والأمريكيون السود يعانون بنسبة مضاعفة مقارنة مع البيض من مرض السكري. والوضع الصحي السيء في المتوسط ينعكس في فرص حياة أقل. وهذا ما يتضح من حقيقة أن الأمريكيين السود يموتون بنسب أكبر نتيجة وباء كوفيد 19 بسبب الرعاية الصحية السيئة في أحيائهم.
- عنصرية بنيوية : تشير مجموع المعطيات والمؤشرات، إلى عنصرية بنيوية لها تقليد طويل في الولايات المتحدة الأمريكية. فعندما اعتمدت الحكومة في 1935 التأمين الاجتماعي، استثنت عمال الزراعة والخدم في البيوت والعمال اليوميين، وهي مجموعات مهنية بدخل متدني تكون فيها النسبة الكبرى للأمريكيين السود، أو للاتينيين والآسيويين. وكمثال على ذلك في سياسة مكافحة المخدرات: ” حيث ارتكاب جنحة تعاطي المخدرات من قبل السود تلقى عقوبة أشد من تناول المخدرات الاصطناعية التي تُستهلك بالمقام الأول في مناطق البيض”. وهذا سبب تعرض السود لدخول السجن بمعدل ثلاثة أمثال مقارنة مع البيض ما يؤثر على فرص التعليم والتطور المهني. لذلك فإن أسباب التمرد والثورة هي كامنة ومتواصلة، سيستمرون الأمريكيون السود، وربما ستلتحق بهم أقليات عرقية أخرى، في عدم المشاركة في الرفاهية الأمريكية وبمستوى معيشي أقل من البيض، وقلما ستكون لهم إمكانيات الترقي وسيكونون مجبرين على إرسال أطفالهم إلى مدارس سيئة، ونادرا ما يتوفرون على تأمين صحي، وسيكون لهم متوسط عمر أقل وسيزج بهم بسهولة وبسرعة ولفترات أطوال في السجون ـ فقط لأنهم ليسوا بيض. وليس هو الحال، كما كتب أحد المعلقين بأن السود يحتجون بالعشرات في المدن الأمريكية، لأن لهم الشعور بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية. بل هم كذلك.
- بسبب الوضع الاقتصادي المتراجع، تقلصت ” المساعدات الأمريكية ” وكانت الولايات المتحدة تستخدمها كسلاح سياسي / اقتصادي.
- اهتزاز الزعامة الأمريكية للعالم “الحر” الرأسمالي، وتراجع إداءها لأسباب اقتصادية، وتورطات سياسية في أماكن شتى في العالم، وبالتالي تراخي التحالف بين “ضفتي الأطلسي” وهي القاعدة السياسية المؤسسة لحلف شمال الأطلسي “الناتو”. فقبل نحو 15 عاماً، وقف وزير الخارجية الألمانية في البرلمان مطالباً بعض النواب تخفيف لهجتهم المعادية للولايات المتحدة، قائلاً ” يجب أن لا نسمح لأنفسنا أن تسري بيننا موجة عداء للأمريكان “. تقدم وكالة الأنباء الألمانية تصريحات وزير الخارجية “ وزير الخارجية الألمانية يشجب تهديد ترامب باستخدام القوة “.
وأدناه نص مقتطع من وكالة الأنباء الألمانية (DW) حول الأحداث الأمريكية:
” بإمكان الرؤساء الأمريكيين إعطاء الأوامر إلى أكبر جيش في العالم، لكن لا حول ولا قوة لهم أمام العنصرية اليومية تجاه مواطنيهم. وبالطبع وجب عليهم نبد الظلم وإبداء التفهم لضحايا عبث الشرطة ـ وحدها فقط من أجل عدم شحن الغضب والمشاعر. والرئيس ترامب يفشل ، كما هو متوقع حتى هنا بشكل فظيع. فالرئيس ليس أمام أعينه إلا إعادة انتخابه، ويعتقد أنه بإمكانه بواسطة الكلمات الحماسية تحقيق نقاط لدى الناخبين البيض. وسيكون من السيئ بما فيه الكفاية للولايات المتحدة الأمريكية إذا نجحت حساباته.
وحالة جورج فلويد للأسف ليست حالة استثنائية. يوجد آلاف الحوادث المشابهة. والأحكام المسبقة تجاه السود لا توجد فقط في صفوف رجال الشرطة والمدعين أو القضاة، بل أيضا عند المعلمين وأرباب العمل. إنها العنصرية اليومية التي تُوجه ضدها الاحتجاجات. وبما أنها موجودة في الحياة اليومية، فإنه من الصعب محاربتها. ومنذ سنوات يطالب حقوقيون بتكوين أفضل لرجال الشرطة الأمريكيين. ومنذ عقود يطالبون بمراقبة مستقلة لعمل الشرطة والمدعين وفرض قوانين صارمة لحيازة السلاح. ولم يحصل إلا القليل إلى حد الآن. ”
الاضطرابات في الولايات المتحدة الأمريكية تنال حيزا في تعليقات صحيفة “غازيتا فيبورتشا” البولندية اليسارية الليبرالية:
“أمريكا تحترق. والحكام يضربون الاحتجاجات بقساوة أكبر. ويبحثون عن متهمين. والرئيس دونالد ترامب الذي يجب عليه في مثل هذه الأوقات حث السكان على الهدوء والوحدة يلقي باللوم على من يصفهم باليساريين الراديكاليين في ممارسة العنف في الشوارع. ورسميون في ميناسوتا يشيرون في المقابل إلى فوضويين وعنصريين بيض ومتطرفين غير معروفين… وفي هذا الغضب المتأجج تتضافر سنوات من الإذلال الذي يعاني منه الأمريكيون من أصل أفريقي في الولايات المتحدة الأمريكية. وإذا أرادت أمريكا تفادي هذا النوع من المشاهد في المستقبل، فعليها أن تتغير. يجب عليها أن تعاقب الساديين داخل الشرطة ومكافحة العنصرية وتبدأ في إلغاء التناقضات الاقتصادية”.
وبشأن الاضطرابات في الولايات المتحدة الأمريكية كتبت صحيفة “فولكسكرانت” الهولندية تقول:
“بنزعاته الغاضبة المستمرة تجاه خصومه السياسيين وإهاناته وهجماته ضد الصحافة أوجد دونالد ترامب أجواء مسمومة يعيش فيها الأمريكيون باستمرار في حالة حرب. وبذلك لم يعد المعارضون السياسيون الآن بشرا لا نتقاسم معهم نفس الأفكار، بل خونة وأعداء. ولذلك تصعب عليه الآن استخدام كلمات المصالحة الضرورية حاليا. الانقسام والكراهية هي الوقود الذي يقود به ترامب حملته من أجل إعادة انتخابه. والمزيج بين وباء كورونا وانهيار الاقتصاد والاضطرابات السياسية لا يبدو بالضرورة طالع موات لترامب”.
إجمالي وأستنتاجات :
والسؤال الأعظم هنا، هل حقاً لم تتمكن الولايات المتحدة الزاخرة بالخبرات السياسية والإدارية والعلمية التي تمتلكها من عدم إيجاد حل لفيروس العنصرية، بل هو يتفاقم تحت القيادات اليمينية الأمريكية ولا سيما في أوساط الحزب الجمهوري منذ عهد الرئيس بوش الأب، وأبنه والرئيس ترامب. فيما تثار نزعة فيها عودة للبيوريتانية (Puritans)، وحديث عن منظمات سرية، تحكم من وراء الستار، ويطلق الرئيس ترامب بين الحين والآخر نداءات يمكن اعتبارها عنصرية، بمحتوى سياسي / اجتماعي كتلك التي تطلقها أحزاب وحركات اليمين الأوربي في: ألمانيا، هولندة، فرنسا، النمسا، وفي مسار تطور محتمل كهذا، ربما ستبلغ درجة معاداة الأجانب، والديانات الأخرى، كما هو الحال عند أحزاب اليمين الأوربي، واليوم يشارك الكثير من البيض تظاهرات الاحتجاج، لدواع وأسباب إنسانية وثقافية، واجتماعية، آنذاك سينقسم المجتمع الأمريكي طولاً وعرضاً وهذا هو ما حمل وكالة الأنباء الألمانية من وضع عنوان لإحدى نشراتها الإخبارية من ” الاحتجاجات ” ” الثورة “، ” تمرد ” وكان عنوان نشراتها ” العنصرية والانقسام والحملة الانتخابية.. “أمريكا تتفكك ؟ “. ليس من المحتمل أن تسقط التظاهرات النظام الأمريكي المؤسس قانونياً على القوة البوليسية، بحيث يقتل الشرطي المواطنين دوم مساءلة، ولكن بالمقابل ستنتهي أمريكا كقوة أخلاقية كما أعتبرها العالم ذات يوم وتتحول إلى نظام يحكم بالقوة الغاشمة مثله مثل بلدان العالم الثالث (مع الفرق الشكلي لا الجوهري).
الرئيس ترامب أطلق (16 / حزيران ــ يونية / 2020) تصريحاً يهدد فيه أي فريق رياضي بكرة القدم الأمريكية أو أي رياض آخر، يتخذ وضع البروك رمزاً للاحتجاج، سوف يحرم من مزاولة الرياضة، ويخسر الفريق المباراة، والغريب أن الولايات المتحدة، على الصعيد الرسمي ووكالاتها، والأفق الإعلامي العالمي العريض، تعتبر نفسها حامي حقوق الإنسان، وإذا كان هذا هو حال الإنسان في داخل أميركا، وفي خارج أميركا يندر أن تجد شعباً لا تحمل جلودهم آثار القنابل والتعذيب الأمريكي، وهنا يحق لنا حقاً أن نطلق اليوم التساؤل : ” ماذا تبقى من ديمقراطية الولايات المتحدة ….؟ “.