كاظم حبيب
زيارتان في بغداد لا تبشران بالخير للشعب والوطن!
منذ أن شكل مصطفى الكاظمي مجلس وزراءه واكد سعيه لتلبية مطالب الانتفاضة، ثم كرر في خطبه العديدة: “كافي أقوال الآن وقت الأفعال”، خفَّ النقد المركز والموجه الذي كان يوجه لحكومة الجزار السابقة، وتنامت المطالبة العادلة والمشروعة بتحقيق أهم الوعود التي أطلقها رئيس مجلس الوزراء الجديد في تصريحاته وبرنامجه، رغم علم الكتاب والنقاد والإعلاميين والسياسيين الديمقراطيين، ومعهم قوى الانتفاضة الباسلة، الطريقة التي تم بها استيزار الكاظمي والمساومات التي تمت بينه وبين الكتل الشيعية أولاً، والضغط المتواصل لقوى الانتفاضة والضحايا الغالية التي قدمت على طريق التغيير ثانياً، والظروف الصعبة التي يمر بها العراق ثالثاً.
حتى يومنا هذا تنتظر القوى الوطنية النظيفة أن يقوم الكاظمي بما وعد به، وتؤمل نفسها بما يمكن أن يبدأ بتحقيقه على أكثر من صعيد. ويبدو إن الانتظار سيطول، لاسيما عند معرفة بعض ما يجري خلف الكواليس، وما يطفح منها على سطح الأحداث ودور وباء كورونا في التأثير المباشر على سير وفعل قوى الانتفاضة.
والغريب إن أول زيارة قام بها الكاظمي، كرئيس لمجلس الوزراء، كانت إلى مقر قيادة الحشد الشعبي ورئيسها فالح فياض، المعروف بانتمائه لإيران قلباً وقالباً، فقدم المديح الكبير لهذه القوى التي يعرف الشعب بأن لها جوانب مشرقة برزت في بسالة جمهرة كبيرة من قواها النظيفة التي قدمت أغلى التضحيات في سبيل الدفاع عن العراق وشعبه من جهة، كما لها جوانب مظلمة جداً، إذ أن أغلب قادتها الذين هم في الوقت نفسه قادة الميليشيات الشيعية الطائفية المسلحة التابعة في أكثر من 90% منها لإيران من جهة ثانية، ويعرف الشعب جيداً أفعال هؤلاء القادة وميليشياتهم خلال الأعوام المنصرمة حتى الآن، وما يمكن أن يفعلوه بأوامر من خارج العراق أيضا.
في مقابل هذه الزيارة لم يقم فالح فياض ورهطه برد الزيارة لرئيس مجلس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة والمسؤول والقائد العام الرسمي للحشد الشعبي، بل قام بزيارة نوري المالكي، الذي قال هو لا غيره وبشحمة لسانه: أنه المؤسس الفعلي للحشد الشعبي، وتبعية هذا المؤسس الدعّي والداعية لولاية الفقيه الإيراني، لعلي خامنئي، معروف ولا لبس فيه، والتزامه بتنفيذ ما يصدره من فتاوى وتعليمات، فنوري المالكي مُقلِد لدى خامنئي على وفق تقاليد المذهب الشيعي. وقام فالح فياض بتقديم تقرير عن أعمال الحشد الشعبي للمالكي لا لرئيس الوزراء، كما لا شك في تناولهما دور الحشد الشعبي على وفق تصوراتهما، وكما يبدو، أخذ منه التعليمات بصدد الموقف من حكومة الكاظمي وما يجب فعله في الفترة القادمة! وهي زيارة وعلامة لا تبشران بالخير بأي حال، إذ يبقى نوري المالكي، كما تشير مجريات الأمور، المسؤول الفعلي غير الرسمي عن الحشد الشعبي، شئنا ذلك أم أبينا، قبلنا به أم رفضناه!!!
والأمر الغريب الآخر، إذ لم تمض سوى فترة قصيرة حتى قام رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي بزيارة لنوري المالكي، بدلاً من أن يقوم الأخير بزيارة رئيس مجلس الوزراء مثلاً! إن هذه الزيارة لمثل هذا الرجل المعروف عراقياً وعالمياً بدوره المشؤوم والكارثي في كل ما حصل للعراق وللشعب العراقي خلال فترة ولايته 8 أعوام، هي الأخرى لا تبشر بالخير الذي ينتظره الشعب من الكاظمي. ولكن هناك احتمال أخر من زيارة الكاظمي للمالكي. إذ تتوارد الأخبار عن مؤامرة انقلابية يحيكها جزء مهم من البيت الشيعي الأكثر تطرفاً، والميليشيات الشيعية الأكثر تبعية لإيران، بالتعاون مع القيادة الإيرانية بطهران، بقيادة المالكي، لإزاحة الكاظمي وعودة المالكي إلى السلطة التي طرد منها شر طردة في عام 2014، حيث أعلن هو ذاته عن عدم صلاحيته والطبقة السياسية الحاكمة لحكم العراق! والسؤال العادل هو: هل زيارة الكاظمي للمالكي جاءت لجس نبض المالكي، لاسيما وأن الكاظمي ما يزال المسؤول الأول عن جهاز المخابرات الذي يمكن ان يكون قد نقل له خبر المؤامرة التي حُبكت خيوطها في طهران، على وفق الفيديو المنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي حالياً، وبمشاركة القوى الشيعية الرافضة للكاظمي. إن ميزان القوى الراهن في العراق ما يزال لم يتغير بما يسهم في إيقاف مناورات القوى المناهضة للتغيير ويلجمها، وربما يشجع الكاظمي على تنفيذ إجراءات ينتظرها الشعب.
وبغض النظر عن هذه الأخبار فأن الشعب العراقي كان وما يزال لا ينتظر مثل هذه الزيارات أي خير، بل كان وما يزال ينتظر تحقيق 6 مسائل جوهرية عاجلة من رئيس مجلس الوزراء على التوالي:
أولاً: التهيئة للانتخابات الجديدة لمجلس النواب والتي تستوجب: أ) تعديل قانون الانتخابات على وفق المطالب العادل لقوى الانتفاضة؛ ب) تغيير بنية وأسس عمل المفوضية المستقلة للانتخابات التي لم تكن مستقلة ولا نظيفة، ج) تحديد موعد مناسب للانتخابات بما لا يتجاوز الموعد المقرر، د) الإشراف الدولي والمنظمات الحقوقية الدولية والإقليمية والمحلية على مجرى الانتخابات ونزاهتها. وأن تكون الانتخابات قي أعقاب:
ثانياً: تقديم المسؤولين عن كوارث الموصل ونينوى والأنبار وقتل المئات من قوى الانتفاضة وجرح واعتقال الآلاف منهم، إلى المحاكمة لينالوا الجزاء العادل لما اقترفوه بحق هذا الشعب المستباح. إذ عندها ستكون الأجواء أكثر مناسبة لانتخابات أكثر نزاهة.
ثالثاً: البدء بمحاكمة الفاسدين الكبار والمسؤولين عن سرقة المال العام والتفريط به وعمليات الإفساد المستمرة، وتأمين الإجراءات القانونية الدولية مع مجلس الأمن الدولي والمنظمات الدولية المسؤولة، ومنها الإنتربول-منظمة الشرطة الجنائية الدولية-، ومنظمة محامون بلا حدود.. الخ، من اجل استعادة الأموال المنهوبة، وتجميد حسابات المسؤولين وأملاكهم في الخارج والداخل لحين انتهاء القضاء من المحاكمات وصدور قراراته النهائية.
رابعاً: نزع سلاح الميليشيات الطائفية المسلحة بالكامل ومنع وجودها وإبعاد قادتها عن القوات المسلحة العراقية وعن العمل السياسي ومحاسبتها عن الجرائم المرتكبة باسمها، وتعزيز القوات المسلحة العراقية وتثقيفها بالعقيدة العراقية الوطنية الصارمة وبحقوق الإنسان والوعي بمسؤوليتها الوطنية إزاء الشعب والوطن. كما يفترض إيقاف التدخلات الخارجية في الشأن العراقي من أية جهة جاء.
خامساً: المعالجة الجادة والعقلانية، ومن منطلق الحرص الكامل على وحدة الشعب العراقي بكل قومياته، للمشكلات القائمة بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان العراق على وفق أسس العدالة والدستور والمصالح المشتركة وبعيداً عن المساومات الفردية التي لا تنهي الخلافات بل تؤجلها وتعقدها وتفجرها من جديد بشكل أكثر دراماتيكية.
سادساً: العمل على توفير الخدمات الأساسية والضرورية للمجتمع والتي أخلَّت بها جميع الحكومات السابقة منذ إسقاط الدكتاتورية البعثية الغاشمة حتى الآن، وتأمين الرواتب للمتقاعدين والموظفين والعمل للعاطلين.
أما بقية المهمات الكبيرة، بما في ذلك تغيير بنية الاقتصادي وتوفير مصادر أخرى للدخل القومي.. الخ، فلا يمكن تحقيقها خلال سنة واحدة لمرحلة انتقال أولية، بل هي مهمات السنوات القادمة للحكومة التي ربما يمكن أن تتشكل عبر المجلس النيابي الجديد الذي ربما يكون غير طائفي وغير فاسد وعقلاني، وهو الذي ينتظر الشعب قيامه، في حين لا توجد ضمانات فعلية للسير بهذه الوجهة حتى الآن!
كلي ثقة بأن قوى الانتفاضة الباسلة لن تتخلف عن إعلان موقفها الحازم إزاء ما يجري في العراق إن تبينت بأن وجهة العملية لا تجري على وفق إرادة الشعب، بل حسب المساومات التي تمت عند تشكيل مجلس الوزراء الجديد وفي غير صالح