شابة جميلة ناصعة البياض ورئيسة شركة تختار موظفيها من حملة الشهادات وأهل المواهب، ولكنها ببساطة ترفض أن يعمل في الشركة أي رجل أسود البشرة مهما كان علمه ومواهبه، إنها ببساطة (عنصرية) وتكره سود البشرة مثل جورج فلويد.
إنها بطلة فيلم شاهدته مؤخراً وذكرتني به حكاية مصرع أسود البشرة الأمريكي جورج فلويد الذي قتله شرطي أبيض اللون، وكان مقيد اليدين مرمياً على الأرض في مدينة «منيا بوليس» الأمريكية.
الشرطي داس بركبته على عنق المسكين المقيد وقتله خنقاً (والرجل يحتضر: إني أختنق).
تصير سوداء البشرة، وتجد الحب مع أسود!
ولكن تلك الجميلة، بيضاء البشرة رئيسة الشركة والعنصرية كارهة السود، تصاب بمرض غامض وتلحظ يوماً بعد آخر أن بشرتها تتحول من بيضاء إلى سوداء حتى تصير سوداء تماماً، كالذين كانت تضطهدهم في شركتها!
وهنا تزعم للجميع أنها مريضة في إجازة، وحين تذهب للقاء صديقاتها العنصريات مثلها يتخلصن منها بتهذيب! لا، لن يذهبن للعشاء معها بعد اليوم في المطاعم لخجلهن من الظهور مع امرأة سوداء البشرة حتى ولو كانت ذات يوم (أعز) الصديقات لهن!
وتهيم (السوداء الجديدة) على وجهها في شوارع باريس، وتلتقي شاباً وسيماً داكن سواد البشرة مثلها، وتنشأ بينهما علاقة حب جميلة، فهو مدير مكتب لإيجاد عمل للسود وللدفاع عنهم ضد اضطهادهم بحجة لون بشرتهم. وهكذا تعمل معه وقد كانت ذات يوم ضده، ويدهشها أنها لم تكن أسعد مما هي عليه مع حبيبها أسود البشرة، ويلتقيان باستمرار على مقعد عام فوق جسر يطل على نهر السين.
ماذا عن الحبيب (الأسود) حين تعود بيضاء؟
ولكن يحدث لها أن تشفى من مرضها الغامض وتعود تدريجياً بيضاء البشرة كما كانت. وتعود إلى عملها بعد أن تدعي أن إجازتها انتهت. أما صديقاتها (الحميمات) اللواتي تخلين عنها حين صارت سوداء البشرة فتكف عن التعامل معهن وتنفر منهن. وحين يأتيها رجل أسود البشرة يطلب العمل ولديه الشهادات والمؤهلات لذلك، كأي شاب آخر أبيض، تختار الأسود ويدهش العاملون معها لذلك. وتظل مع حبيبها الأسود حتى بعدما عادت بيضاء بصرف النظر عن لون البشرة، فهي قشرة والمهم جوهر الإنسان.
جورج فلويد لا يختنق وحده، بل نختنق معه!
فلويد قيده رجل الشرطة ورمى به أرضاً ووضع ركبته وثقله كله على عنقه وقتله، لا مبالياً بحشرجة احتضاره: إني أختنق.. إني أختنق! وكثيرون مثلي يختنقون معه حين يشاهدون ما حدث، وذلك في فيلم التقطه أحد المارة على هاتفه الذكي (الآي فون) وشكراً للاختراعات العصرية كاشفة الأسرار للناس.
فلويد لحظة موته كان يعبر عن شعور الملايين من الأمريكيين السود الذين أحضروهم من زمان من إفريقيا ليكونوا عبيداً لهم ثم تحرروا وصاروا مواطنين أمريكيين كأي إنسان آخر، ولكن بعض البيض يريدون الأسوَد مواطناً من الدرجة الثانية!
حكاية زوجي أبيض البشرة ورفيقه س.ح
روى لي المرحوم زوجي اللبناني ناصع البياض أنه حين كان طالباً للدكتوراه في إحدى الجامعات الأمريكية، وكان صديقه الحميم وزميله فـي الدراسة س.ح مــــن دولة عربــــية، صار فيما بعد الرجل الحاكم الثاني في بلده، وصارت الولايات المتحدة تستقبله رسمياً وتفرش له البساط الأحمر من الطائرة حتى مدخل المطار.
س.ح هذا الصديق منعه سائق الباص الذي حاول ركوبه برفقة زوجي، أيام كانا من طلاب الجامعة هناك، وأرغمه على الجلوس في قسم خاص بسود البشرة، مع العلم أن س.ح لم يكن كذلك بل كان داكن السمرة كمعظم العرب. وحين صار س.ح شخصية سياسية كبيرة، تذكر دائماً احتقار بعض الأمريكيين لأصحاب البشرة السوداء والتوهم بأنهم ما زالوا عبيداً للأمريكي الأبيض. وللأسف، ما تزال تلك العقلية متوارثة بدليل (إعدام) جورج فلويد تحت ركبة رجل أبيض تصادف أنه شرطي.
فن السينما والأدب ضد العنصرية.. ولكن
السينما تحاول تبديل العقلية التي تتوهم (الأبيض) متفوقاً على (الأسود). وأذكر أنني شاهدت، حين كنت طالبة في لندن، فيلماً بعنوان: «احزرْ من القادم للعشاء الليلة». فالطالبة البيضاء ابنة الأسرة الثرية اللندنية تقع في حب أستاذها الوسيم الرصين أسود البشرة، وتدعوه إلى العشاء في البيت على الرغم من (عنصرية) والديها، والتفاصيل تطول. وهنالك أيضاً الكاتبة الكبيرة سوداء البشرة توني موريسون، التي حازت جائزة نوبل، وبعبارة أخرى تنبه الأدب، كما فن السينما، إلى المعاملة المهينة لبعض الأمريكيين البيض للسود على الرغم من انتصار باراك أوباما الأسود في معركة رئاسة الجمهورية. ولكن فترة ولايته انتهت للأسف وجاء الرئيس ترامب الذي يضع الفلسطينيين في الأرض المحتلة بمرتبة السود في بلده!
بعضنا كعرب عنصري!
حتى عندنا كعرب يحدث ذلك، ولن أنسى أن أستاذة جامعية في الولايات المتحدة أصلها من سوريا/حلب، أحبت زميلها في التدريس الجامعي وتزوجا وأنجبا، واصطحبته إلى وطنها للتعارف مع أهلها وربما للعمل في سوريا، لكنهم عادوها بسبب لون زوجها الأسود وعادا إلى U.S.A بعدما تم رفضهما، فهل من عرب من العنصريين على الرغم من أن معظمنا داكن السمرة؟ وهكذا خسرت سوريا دماغاً مهاجراً هو الأستاذة الدكتورة.
متى تبلغ الإنسانية سن الرشد؟
رفض الإنسان لمجرد أنه أسود البشرة نمط من أنماط المراهقة العقلية.
ترى، متى يبلغ البشر سن الرشد وتعي أن المهم هو (بياض) القلب والنفس لا سواد البشرة؟
ومتى يغادر البشر مهزلة رفض أهل البشرة السوداء لا لسبب إلا اللون؟ ولعل الدين الإسلامي كان أول عقيدة لا تميز بين الأسود والأبيض، وأفضلكم عند الله أتقاكم.