أزقة الحب
هناك حيث نافورة الفونتاين رأيت وجهك مصادفة لا أدري شيء ما استوقفني اكثر من تماثيل الفونتاين، إنه أنت يا إلهي!!! كم أنت جميلة تلك هي المرة الأولى التي رأيتك فيها، وكانت المرة الأولى لي في إيطاليا بعد ان هربت وأحلامي من إتون حرب كادت ان تقتلني دون مبالاة كوني سهل الاستغناء عنه، فأنا من وطن جميل جردوه ثيابه ثم باعوه عبدا في سوق الرقيق لمن يريد اللواط به كمتعة.. هربت وأنا اراه قد ذُُل وكُسِر كبريائه… هربت لأتنفسه بعيدا عن عيون ترغب ان تراه مهضوما يشعر بخيبته من ولاء ابناء ساقتهم المصالح لأن يجعلوا من يمسكوا به لاعقِ أحذية.. لا عليك لا أريد أن اسود المساء الذي وقفتِ وظهركِ الى النافورة تطرحين سر أمنيتك الى تلك القطعة المعدنية التي تحاكيها شفاه مرتجفة مع عينان تبحث عمن ترغبين أن يراك تفعلين ذلك… سارعت أنا لأقف حيث يمكنك رؤيتي، ابتسمتي ما أن رأيتني أقف أين ما تتطلعين، حتى الناس لا حظوا ذلك، شعروا بالفضول لأن يتابعوا ماذا سيحدث؟ لكنك ما ان أحسستِ بأن اعينهم سلطت عليك سارعت برمي القطعة المعدنية ثم دلفت الى ذلك الزقاق الممتد طويلا … دفعني شيء ما لان اكون ظلك في ذات اللحظة من المساء، دخلت الزقاق معها بالكاد فيه أحد، اسمع وقع حذائها وهو يتثائب نعسا في السير كأنه قد أوهنتِه… دفعت بنفسي قليلا كي ألحق بك لأكون قريبا إليك، لا حظتِ ذلك توجستِ خيفة مني ظننت شيئا لم يكن في خاطري، فابتعدت عنك وقلت معتذرا لم اقصد إخافتك لكن شيئا ما جذبني نحوك فسارعت لأنال ردا عن قولي… عمت مساء يا حورية النافورة… جنون ان اقول لك ما تسمعين لربما يخيفك هذا لكن صدقيني لم اضمر اي شر سوى اني أرغب بالتعرف عليك، لعلِ أخفتك كون سحنتي عربية هذا باد وانا لا اجيد الإيطالية بل الانجليزية فقط والتي اتمنى ان تكوني ان تتقينها لأني اجدك واجمة تبحثين بعينيك عن فسحة للهروب… اعتذر منك مرة أخرى سأقف بعيدا لترحلي وانت تخطفين قلبي معك، لا ضير سأبقى بعيدا لكن سأعود الى النافورة أنتظرك هناك في نفس الوقت كما اليوم في كل مساء,إن لم ترغبي بالمجيء سأتفهم فأنا معتاد على ان يرفضني الناس كما رفضتني الحياة، بت متشردا عن وطني لأني لا احب الدمار او الدماء فمن منا يحبها سوى مصاصي الدماء الجدد اصحاب العيش على حياة الآخرين إني من العراق الى اللقاء..
أدرت ظهري عائدا من حيث جئت احمل خيبتي معي وجنوني يسير امامي وهو يقول: هكذا انت لا تعرف كيف تنصب شراك لفتاة رغبت بها ان تكون لك حبيبة!؟ يا صديقي ان العالم الذي تعيش هو عالم مجنون مثلي لا تعيل لبعض المباديء فعالمكم هذا يزيح الستائر عن كثير من المسارح، يدع الممثلين يرتجلون الحوار كي يُسَلط الضوء عليهم كي ينالوا مبتغاهم، لكنك استسلمت… إلتفتت رأسا الى الصوت الذي يناديني أيها الغريب أنتظر لحظة.. كنت قد تسمرت وقلت لقد طلبت المساعدة من احدهم!! سينالون مني اردت أن اطلق لساقي الريح لكن جنوني دفع بي أن أقف غير مبال بما ظننته سيحدث… اقتربت يا ربي!!! إنها تتحدث إلي فقلت: نعم سيدتي الحورية هل لك من حاجة؟ تبسمت عندما سمعت ما لقبتها به فردت حورية… أنا!
قلت: اجل انتِ فنافورة الفونتاين ما أن ألقيت أمنيتك حتى ألبستك ضيائها يعدها اطلقت عليك حورية الفونتاين… صدقيني لقد سمعتها تناديك بذلك..
ههههههههههه يبدو لي أنك مجنون فعلا… عموما أنا اسمي ماريا سأكون في الغد عند السلالم الاسبانية اتعرفها؟ أجبتها دون تردد نعم فبعد تشرد في شوارع روما وجمال ازقتها وناسها عرفت اغلب الامكنة الرائعة لكنها ليس بروعتك وجمالك… ماريا يا له من اسم لحورية نافورة أسمى كريم أي بمعنى جواد في العطاء في كل شيء ساثبت لك مع الأيام وعندما تعرفيني جيدا أني كريم حد الرمق الأخير…
دارت دون ان أكمل حديثي وهي تقول: كان بودي البقاء معك أكثر لكني لتزمة بموعد سأراك في الغد يا كريم
يا إلهي كم أنت رائع!!! لقد نلت أمنيتي تلك التي طلبتها عندما رميت بقطعة نقدية عراقية قديمة تمنيت ان أحظى بمن أحب دون مقدما اراها وتراني دون سابق معرفة وكانت هي ماريا شكرا لك يا رب…
سارع كريم وهو يصرخ ماريا حورية النافورة سأدخل بحرك سندبادا عراقيا يحمل في عينيه عذوبة دجلة والفرات وبين خافقية وطن مهموم، سأغوص في اعماقك كي أعيد لحياتي طمأنينتها، ساقص لك عن الزقورة وأحكي لك عن بيت ابراهيم عن عمر وطني وحضارته عن شوارعه وأزقته.. أما أنت سأدعك تحكين لي عن الفاتيكان عن تماثيل مايكل أنجلوا عن يولويوس قيصر وعن الكولوسيوم وعن لا سكالا دار الاوبرا عن ليل يمتد لا ينتهي على ضفاف نهر تفيري الى كل ركن وزقاق فكل الطرق تؤدي الى روما مدينة الحياة والحب..
كانت ماريا جالسة في المكان الذي اعتادته وهي ترسم بعلب السبري الملونة الكثيرة التي تحيط نفسها بها مع صناديق صغيرة تخطف أنظار من يحومون فوقها مذهلين إبداعها… أصوات فلاش الكامرات لم يتوقف أما هي ففي عالم آخر ملون بالفن تصيغ رؤيتها إبداعا فنيا… توقفت دون ان اسمح لنفسي بإلهائها أو تراني فعالمها ملكها وحدها الآن أما أن فأتكأت على الجدار المقابل لها أخرجت الناي الذي أعشق، عزفت لحن وجع غربتي لم أبالي بعد أن تلبسني ملكوت الحنين سوى أني سرحت في حزني وهو يحمل رفات بقايا طموح وطن بعد ان أحرق وبات رمادا… لم أعي ان الجميع قد شده العزف توقفوا عن الحركة، فاللحن غريب شرقي سمته وجع عراقي وشجن غربة، أذقته ألمي ودموعي وانا أتطلع الى حوريتي التي توقفت هي الأخرى، أقتربت مني بهدوء مبهورة بما تراه… وهي تقول: هذا كريم صديقي من العراق يا إلهي!! لم أكن اعلم أنك بهذا الجمال والشجن… لم أكمل فقد أغرورقت عيناي وأنا أشاهد عالما آخر يعشق الحياة، يعشق الحب، يعشق السلام… لم أشعر بالغربة بعدها لم يكترثوا كوني عربي مسلم او مسيحي، صابئي أو هندوسي فقط احبوا عزفي لأنني إنسان شعروا بمعاناتي، البعض ربت على كتفي والبعض حياني… اما ماريا فقد اقترب مني الى حد أني شعرت أنفاسها تلفح وجهي قبلتني وانا واجم قائلة: يبدو أني سأحبك كريم.. هيا دعني ألملم عدتي ونذهب لنمرح…
مرت الشهور مسرعة وأنا وحوريتي نقيم في نفس المكان.. أما عملنا فهي ترسم وانا اعزف، حياتنا بسيطة غير أننا لا نعير للوجع أو الألم فسحة، لقد أخذنا عهدا أن نعيش قصة حبنا رسالة نترجمها للآخرين فعالم الحب لا يعرف جنسية أو حدود، لقد الله أوجد الحب كي يسعد الإنسان لا أن يكون حطاما لعبدة شياطين الأرض.
القاص والكاتب
عبد الجبار الحمدي