تقديس الزعامات
المقال الثاني
الدكتور عبد الحسين أحمد الخفاجي .
الواقع إنّ مفهوم المجتمع (القطيعي) المشتق من عالم الحيوان نابع من تصور مفاده : أنّ الأفراد والجماعات المحكومة في البلدان المتخلفة ، مبتلية بالعجز والسلبية لدرجة أنّها تفتقر لأي مظهر من مظاهر الحكمة المعرفية ، أو الرشاد الأخلاقي ، وبالتالي فإنّ كل ما يقع عليها من شر فمن نفسها ، وإنّ كلّ ما يحصل لها من خير فهو من الحاكم ، طالما إنّ هذا الأخير مفوض من عند الله ومندوب من قبله ليقيم مملكته فوق أرضه . إنّ الجمع بين الحاكم والإله هنا من خلال إطلاق لفظة (الراعي) على كل منهما شيء يفرض نفسه ؛ لأنّهما يقومان معاً بالدور نفسه ، فالرعية التي يرعيانها هي هي ، والحاكم هو راع بمعنى أنّه يسهر على تدبير شؤون مخلوقات الراعي الأكبر : الإله ، ولذلك كانوا يخاطبون الإله في أدعيتهم قائلين : (أيها الرفيق المعظم ، أنت الذي تتولى صيانة الأرض وحفظها وإطعامها ، أنت رفيقنا إلى المرعى ، إنّك أنت الراعي لكل خير ) ، ومن مصاديق ذلك واقعة تأليه نابليون الذي بعدما أصبح رجلاً عظيماً زادت هيبته بسبب قوة مجده ووصل إلى حدّ الإلوهية بالنسبة للمتشيعين والأنصار . وكان الجنرال فاندام المرتزق الثوري أكثر فظاظة وقوة من الجنرال أوغيرو ، وقد قال عن نابليون للجنرال دورنانو في يوم من أيام 1815م وكانا يصعدان سوية درج قصر التويلري : يا عزيزي ، إنّ هذا الشيطان الصغير يمارس عليّ سحرا وجاذبيةً لا أستطيع أن أفهم سرهما ، فأنا الذي لا يخشى الإله ولا الشيطان يصل بي الأمر إلى حدّ أني أرتجف كطفلٍ عندما أقترب منه ، ويستطيع أن يسلكني في ثقب الأبرة ويرميني في النار دون أن أحرك ساكناً .