تقديس الزعامات
المقال الرابع
إنّ الفهم الخاطئ للدين الذي روجه أدعياء التدين ممن تزعم قيادة (رعاية) الناس (الرعية) على اختلاف مشاربهم وفرقهم ومذاهبهم ، وما شرعوه من قدسية السلطة الرعوية في المخيال الديني ، وحقوق مترتبة في ذمة الرعية خلافاً للنصوص التشريعية السماوية لتجذير قدسية سلطتهم هذه ، ليصبحوا رعاةً وملوكاً مكلفون بصفة مباشرة من الله ، كرب الغنم لرعايتها ، ولو بحثت عن أصل لذلك لوجدت الخلاف منه فيما ورد من صفات ومؤهلات ممن يؤخذ منه أحكام الدين وتشريعاته ، وخير مصداق على ذلك ما جسّده النبي المصطفى صلى الله عليه وآله في ممارسته للحاكم الديني لأكثر من عقد من السنين ، حتى أنّه كان لا يميز من بين جلسائه عندما كان يبحث عنه الأعراب الذين يأتون للمدينة بحثاً عنه للسؤال وغيره ، فيقولون في سؤالهم للجماعة الذين يجلس معهم : أيكم محمد !؟ . واشتهر أنّه كان يعمل قبل الدعوة لنبوته وفي أثنائها وبعد أن صار حاكماً للدولة الإسلامية خلافاً لما جسده أدعياء التدين من الرعاة لقرون من الزمان وهم بلا عمل ، هم وأبنائهم وأصهارهم فصار رجل الدين لا يمتهن أي مهنة إلاّ من رحم ربي ، خلافاً لما كان عليه أئمة الدين وأصحابهم من العلماء والفقهاء حتى عام 329هجري قمري .
إنّ فكرة (رعوية) الحاكم ، أو (رجل الدين) في الماضي قد وجدت سندها في العوامل الأسطورية والدينية ، ومع دخول الدين الجديد في مضمار السياسة وتبني صيغ التعالي والتنزيه البشريين ، تمحورت حول شخصية (الزعيم ـ الراعي) الذي أفاضت كتب الآداب السلطانية بالإشارة لمناقبه وفضائله بلحاظ مثالب (رعيته) ورذائلها ، ولذا قد تجد بعضهم يقول (·) : أنت إذا رجعت إلى كثير مما ألف العلماء ، ولاسيما بعد القرن الخامس الهجري ، وجدتهم إذا ذكروا في ، أو كتبهم أحد الملوك ، أو السلاطين رفعوه فوق صف البشر ، ووضعوه غير بعيد عن مقام العزة الإلهية ، فالله هو الذي يختار الخليفة ويسوق إليه الخلافة ، والسلطان هو (ظله) في الأرض .
وسنرى كيف جعل المنظرون المتزلفون من الرعية قاصرة سفيهةً لا يمكن لها إلاّ أن يولى عليها الحاكم ، أو الزعيم (الراعي) الذي يقوم برعياتها وإدارة شؤونها تفضلاً منه ومنةً عليها .