صور مشتاق جابر عبد الله (منتصر) الذي قتل في جريمة غادرة بشعة مؤسفة…
لم يكن مجرد حادث مؤسف، فالقتل تحت التعذيب جريمة متعمدة وليس حادث مؤسف! أنها جريمة استثنائية وتورط خطير (ليست حادث مؤسف)، تحتاج إلى معالجة شجاعة كاملة، وترك العار والعيب والتردد والإنكار!
تمخض الجبل فولد تلفيق سخيف من جديد…
قتلنا منتصر بمجرد حادث مؤسف…
المراجعات الصحيحة تحتاج إلى موضوعية وشجاعة أدبية لقول الحقيقة كاملة كما هي، في الوقت المناسب، من دون هروب وتأخير (سيعود البعض لموضوع إن الوقت غير مناسب)، مهما كانت مؤلمة وصعبة أو محرجة، فقد وقعت وحصلت، ولا يمكن تدارك الخطأ أو الجريمة إلا بالاعتراف بهما والاعتذار عنهما، وما يترتب على ذلك من قضايا وتفاصيل أخرى، وليس بخطأ جديد. فهناك طرفان وروايتان وحقيقة واحدة.
بعد 36 سنة على حصول جريمة تعذيب وقتل منتصر في كهوف منطقة بارزان (3 آذار 1984)، وإخفاء قبره (الحزبي) وجثته في حفرة سرية، لا يعرفها أحد غير لجنة التعذيب والقتل والدفن، التي ترفض المساعدة في الوصول أليها واستخراجها وتسليمها إلى أهله، يخرج علينا مطبوع بائس يقوم بعلمية تلفيق جديدة، لكن بإصرار عجيب وغريب، يؤكد صفات وطبيعة ومستوى الملفق!
يقول مطبوع لجنة الشهداء للحزب الشيوعي العراقي، الجزء الثالث، عن أسباب موت وقتل منتصر (تحت باب الحوادث المؤسفة لشهداء 1984 ورد في ص 276 مشتاق جابر عبد الله ” منتصر ” تاريخ الميلاد 1958 المدينة: الثورة/ بغداد تاريخ الاستشهاد: 3 آذار 1984 المنطقة: منطقة بارزان/أربيل ظروف الاستشهاد: عجز في الكليتين). هذا النص من الكتاب كما وردني من رفيق وصديق عزيز!
اشعر بالاشمئزاز والقرف من هذا التلفيق الرخيص والرواية الرسمية الكاذبة باسم إدارة الحزب والمطبوع. فكما قلت فإن المراجعات تشترط وتحتاج إلى شجاعة أدبية لقول الحقيقة والاعتراف بالخطأ، كخطوة على طريق معالجته. أما القول بأن أسباب الوفاة هي عجر في الكليتين، فهو كذب وتلفيق ساذجين، وإصرار على استمرار الخطأ وتبرير الجريمة، مثلما هو إخفاء جثة منتصر في قبر حزبي مجهول إلى الآن، واعتبار الملف مغلق مقابل (التقاعد)، كما قال قيادي في الحزب!
لقد توقفت عن متابعة وإعادة نشر ملف منتصر وقضايا الخلاف الأخرى مؤقتاً (رغم أنها تقع ضمن النقد والحوار والمراجعات)، بسبب تطورات وأخبار ومتابعات الانتفاضة (رغم توجيه إدارة الحزب الداخلي ضد الانتفاضة) بالاتفاق مع عدد من الرفاق والأصدقاء، لكنهم عادوا للتلفيق التافه والساذج، مما يستدعي حق الرد والتوضيح.
منتصر لم يمت في فراشه، ولم يمت في المستشفى جراء عجر في الكليتين، وهو شاب في عمر السادسة والعشرين! لقد مات في كهف التعذيب بمنطقة بارزان، تحت التعذيب، بعد إن طلب الشرطي المحقق مهند البراك (صادق) من المعذبين ضربه على كليتيه كي يقتله، وصادق كان طبيب معالج له! هنا فرق جذري وحاسم بين الروايتين والسببين والمشهدين.
مات بحادث مؤسف، هو عجز في الكليتين! ما هي العلاقة بين الحادث المؤسف وفشل وعجر الكليتين؟ هل الموت بمرض هو حادث مؤسف؟ أنه مجرد فشل وارتباك في الصياغة لا غير. يذكرنا بصياغات طريق الشعب البائسة، التي كانت تنعي الرفاق ضحايا عمليات الاغتيال بالدهس بواسطة السيارات السريعة للأمن العام، بأنه مجرد حادث مؤسف أو عابر، كي لا نستفز الحليف القاتل فيزعل!
بعد انتظار طويل ومرير لأربعة عقود من الصمت المريب والخجل، عاد من يريد أن يكذب ويلفق ويبرر، كإخفاء أو إنكار للجريمة…
لا أدرى ما هو رأي وماذا كتبت الرفيقة الطبيبة التي فحصت الجثة في هذا التقرير، وحاولت إسعافه بإعطائه شيء من الدواء الشحيح وهي صامتة الآن؟! هناك من حاول أن ينكر جريمة التعذيب الشنيعة، لأنه لم يبحث عن الحقيقة الأكيدة من الرفاق، وكأنه لم يسمع بموقف الرفيق أبو الجاسم الذي عرض قميص منتصر المدمى (بسبب جرح كبير في رأسه) وأدوات التعذيب، على عزيز محمد، وقال له كيف نعمل هذا برفاقنا، وما هو فرقنا عن الفاشية التي ندينها؟ هنا لا قيمة لجواب عزيز محمد، فهو المسؤول عن قرار الاعتقال وصلاحيات التعذيب الكاملة، للوصول إلى نتيجة سريعة، حسب تهديد أطلقه الشرطي صادق!
لو استمر صمتهم المريب والمخزي (مع صمت من يصمت) لكان أفضل لهم من هذه الفضيحة الجديدة…
أدعو وأطالب برفع فقرة التلفيق هذه من الكتاب والرواية الرسمية، فلا أحد يحتاج أليها، وهي مجرد عار آخر، وإلا فإن القضاء الألماني والأوربي جاهز لملاحقة ومعاقبة الجناة (صادق وكل زملائه)، كذلك عائلة الشهيد الكبيرة، فجرائم القتل لا تسقط بالتقادم، وما دام من يدير الملف ينكر ويتهرب كل هذا الوقت الطويل، ثم يطلق رواية بائسة تافهة متهافتة…
*نسخة إلى صاحب وأصحاب (الحادث المؤسف) وموقفهم المؤسف…
أحمد الناصري .