تقديس الزعامات
المقال العاشر
من هذه الأساطير والكرامات التي نسجها الخيال الرعوي ، أو المتزلفون للحاكم (الراعي) أسطورة أن الزعيم عبد الكريم قاسم رحمه الله في القمر ، وكم من حدقات دققت النظر في القمر المسكين وخدعت نفسها وأقنعت عقلها بأن الزعيم في القمر ! ، ولربما يقسم نفر من هؤلاء بأغلظ الإيمان بصدق ذلك !. ومن هؤلاء من مات بعد عمر ناهز الثمانين ، وبعد ما لا يقل عن أربعة عقود من مقتل الزعيم عبدالكريم قاسم وهو على قناعة تامة منتظراً له ليعود ويحكم العراق مرة أخرى ! .
هل توقف الأمر على ذلك ؟ أبداً أبداً ، فقد تكرّر هذا مع نفر ما يزال على قناعة راسخة بأن صدام حسين حاكم العراق السابق حيٌ يرزق وسوف يعود ويحكم العراق مجدداً ! .هذه الأساطير وليدة من أساطير الحاكم (الراعي) التي زينت مساوئه ، وجعلتها من أحسن المحاسن ، فقتله للمنتفضين على حكمه يجعله بطلاً يفتك بالغوغاء ، ليخلص الشعب منهم ! . وغدره برفاق الدرب يصبح استئصالاً لورم خبيث يجب التخلص منه ! ، وهكذا دواليك في سير ومسيرات هؤلاء الحكام (الرعاة) التي جعلتهم الرعية زعامات لها تتغنى بها قولاً وسلوكاً بإصرار يكشف جهلها المركب الذي تتبرأ منه حتى ولو قدمت لها أطناناً من الأدلة والحجج والبراهين على خطأها وخداعها وجهلها .
وهل توقف تقديس الزعامات في حلبة الحكم والزعامة والمرجعيات الدينية فقط ؟ يبدو أن هذا الأمر سرى إلى كل المفاصل والمؤسسات والكيانات والتجمعات ، فصار في كل مكان هناك زعيم مقدس محاط بكسور الرجال ممن أتقن فن التزويق والتلميع واختراع الأكاذيب والكرامات والأساطير ينسون له الأمجاد ، ويرمون الفشل والاخفاق على الرعية التي دجنت شيئاً فشيئاً ، واعتادت على أن تكون رعيةً منقادةً حتى ولو كان زعيمها ربع متعلّم ، وفي الرعية من يعد من العلماء ! .
إخال أن الخلاص في الوي الناقد ، والعلم النافع ، والفكر المستنير الذي لو شاع في الرعية لصار مصير الخلاص من هذه الزعامات … كل الزعامات ، ولا ينفعها كل التقديس بعد أن ينكشف للرعية حقيقة هذا التدنيس .
الدكتور أحمد عبد الحسين الخفاجي .