حين قرر الأمير جابر أخيراً القيام بزيارة رسمية للعراق (23 أيلول من عام 1989)، جرى إستقباله بجو ودي ، لأنَّ القيادة العراقية سعت إلى إعطاء الوفد الكويتي الانطباع عن نية العراق الجدية بتسوية الخلافات المستدامة وإقامة علاقات حسن جوار تتسم بالديمومة. وفي إستقبال رسمي، قلّد صدام حسين أمير الكويت أعلى وسام عراقي، تقديراً للدعم الذي كان العراق قد تلقاه من الكويت في حربه مع إيران , وفي سياق إحدى المداولات، إقترح أحد أعضاء الوفد الكويتي إمكانية إبرام ميثاق عدم إعتداء على غرار الاتفاق العراقي السعودي بوصفه بادرة لحسن النية بين البلدين , وقد أدلى سعدون حمادي، الذي انيطت به مسألة الحدود، بملاحظة مفادها ان إبرام ميثاق كهذا بعد التوصل إلى إتفاق بصدد الخلاف الحدودي سيكون امراً مناسباً , وغني عن القول، فلم يُبرم ميثاق عدم إعتداء ولم يتم التوصل إلى إتفاق يخص الخلاف الحدودي. ويبدو ان زيارة الأمير جابر قد أعطت الانطباع في بغداد بأن الخلاف الحدودي كان من المتوقع التوصل إلى حل له في المفاوضات الوشيكة. ومع ذلك، فحين قام سعدون حمادي بزيارة الكويت، بعد ثلاثة أيام من زيارة الأمير إلى بغداد، لم يكن الخلاف الحدودي المسألة الوحيدة التي تشغل ذهنه. وقد إلتقى بالشيخ صباح الأحمد، وزير خارجية الكويت، وإقترح مناقشة ثلاثة موضوعات : الأول . . الخلاف الحدودي , و الثاني . . تذبذب أسعار النفط العالمية , و الثالث . . طلب قرض بعشرة مليارات دولار للاعمار والتنمية الاقتصادية. وبينما كان الشيخ صباح قد توقع مناقشة الخلاف الحدودي حصراً، بات يواجه الآن مسائل أُخرى معقدة , وقد أشار حمادي إلى ان المقترحين الخاصين بالنفط والقرض عاجلان للغاية , وقد أكد الشيخ الأحمد ان هذين المقترحين اللذين أثارهما حمادي سيتوجب في البدء تقديهما إلى مجلس الوزراء الكويتي للموافقة عليهما قبل الدخول في مفاوضات. وبعد شهر واحد، قام الشيخ صباح بزيارة إلى بغداد لاستئناف محادثاته مع حمادي , وفي ما يتعلق بالحدود، يبدو انهما قد إتفقا على تعيين لجنة مشتركة للخبراء تتولى إعداد مقترحات على أساسها قد تفضي المفاوضات إلى تسوية , ويبدو ان لا حمادي ولا الشيخ صباح قد أعلنا عن ماهية الهدف من تشكيل لجنة مشتركة , وقد إعتقد حمادي ان الهدف من تشكيل اللجنة هو دراسة كامل الخلاف الحدودي الذي لم يصل الطرفان إلى حل له , وكان أمراً مفروغاً منه للشيخ الأحمد ان وظيفة اللجنة هي “ترسيم” الحدود على الأرض، لأنَّ “تحديد الحدود” قد جرى التعامل معه في إتفاقيات سابقة. ولم يُكشف النقاب عن هدف اللجنة حتى أشار الشيخ صباح، في رسالة إلى حمادي، ان هدفها هو “ترسيم” الحدود، على النقيض من فهم حمادي بأن مهمة اللجنة تكمن في دراسة المسائل المتعلقة بتحديد الحدود وترسيمها بالكامل. وفي ما يتعلق بطلب العراق الحصول على قرض بقيمة عشرة مليارات دولار، أشار الشيخ الصباح إلى ان العراق كان قد حصل على قرض (في تلميح إلى القرض الممنوح إلى العراق اثناء حربه مع إيران)، ولذا فأن نصف مليار دولار فقط بالإمكان إضافتها إلى ذلك القرض. وقد نظرت الحكومة العراقية إلى الرسالة التي بعثها الشيخ صباح إلى حمادي على انها أمر غير مرضٍ بالكامل لأنها لم تحل حاجة البلاد المالية ولا متطلبات العراق الأمنية , وفي ما يتعلق بالخلاف الحدودي، أوضح سعدون حمادي على نحوٍ تام ان العراق لم يقبل قط أية إتفاقية ملزمة تخص تحديد الحدود، وان الاشارة إلى مهمة اللجنة على انها تتحدد حصراً بترسيم الحدود هي إشارة غير مقبولة جملةً وتفصيلاً. وفي واقع الأمر، فثمة لجنة مشتركة تكونت من خبراء يمثلون الطرفين، عقدت إجتماعاً في وقت سابق يعود إلى عام 1967، كانت قد رفضت مزاعم الكويت بالترسيم , ولذا تأجل النظر في المسائل الخاصة بالحدود والأراضي إلى فترة غير محددة , وقد استأنفت وسائل الاعلام العراقية والكويتية، ربما بالهام من السلطات العليا في البلدين، حملة الاتهامات والاتهامات المضادة حيال المسؤول عن الاخفاق بالتوصل إلى إتفاق بشأن الحدود مما عكر الاجواء بالشك والريبة , المفاوضات المتعلقة بالحصص وأسعار النفط لعدم قدرته على إقناع الكويت ودول خليجية أُخرى للاسهام بموارد مالية كبيرة تُكرس لإعادة الاعمار . كان العراق ملزماً بالاعتماد على دخله من النفط. غير ان الدخل المتأتي من النفط كان يتناقص، لأنَّ بعض الدول الخليجية، بضمنها الكويت، كانت قد ضاعفت الانتاج، الأمر الذي تسبب بانخفاض في أسعار النفط العالمية , ولحل هذه المشكلة، سعى العراق إلى إقناع الدول الخليجية المنتجة للنفط بالاتفاق على مستوى أعلى للاسعار وذلك بتخفيض الافراط في الانتاج , غير انه كيف نشأت مشكلة الافراط في الانتاج اساساً . . ؟ اثناء الحرب العراقية . . الايرانية، إنخفض الانتاج النفطي لكلٍ من العراق وإيران إنخفاضاً مفاجئاً، جراء الدمار الذي لحق بجميع الحقول النفطية تقريباً (عند بدء الحرب، كانت صناعة النفط العراقية قد أصابها الدمار الكامل تقريباً) الأمر الذي أعطى فرصة لدول خليجية أُخرى بزيادة إنتاجها النفطي زيادة كبيرة. وعقب الحرب، حين استأنف العراق إنتاجه النفطي، كانت معظم دول الخليج الأُخرى، بضمنها الكويت، رافضة بشدة لتخفيض حصصها العالمية من الانتاج النفطي. وبسبب هذا الوضع، إنخفضت أسعار النفط بالضرورة إلى مستوى متدنٍ وصل إلى ثمانية دولارات للبرميل الواحد في تناقضٍ حاد مع السعر الذي كان سائداً قبل إندلاع الحرب العراقية . . الايرانية حيث كان قد وصل إلى مستوى عالٍ بلغ (25) دولاراً للبرميل الواحد , وفضلاً عن العراق، فأن دولاً خليجية أُخرى، كالمملكة العربية السعودية وإيران ، كانت تفضل أسعاراً أعلى. وقد إقترحوا (18) دولاراً للبرميل الواحد , وقد إقترح العراق، المتعطش للنقد، (25) دولاراً للبرميل الواحد ومع ذلك ، أصرت الكويت على الحفاظ على حصتها من الانتاج النفطي التي كانت سائدة خلال الحرب ولم تكن حتى مستعدة لتقديم وعد بأنها لن تنتج أكثر من الحصة التي خصصتها لها الاوبك (منظمة الاقطار المصدرة للنفط) على أساس أنها تلبي الطلب جراء الضغط في السوق. وفي أجتماع للاوبك في حزيران من عام 1989، حين جرى إتخاذ خطوة جادة لتحديد حصة الكويت من الانتاج النفطي إلى (1,037,000) برميل يومياً، طالب وزير النفط الكويتي بضرورة منح بلاده حصة تبلغ (1,350,000) برميل يومياً بغية تلبية متطلبات ميزانيتها , وفي حقيقة الأمر، لم تكن الكويت تصدر آنئذ، كما وارد في الاعلام، أقل من (1,700,000) برميل يومياً. وصحيح ان للكويت مشكلاتها الداخلية الخاصة، على شاكلة تكلفة بناء قوتها الجوية، والمدفوعات لمعالجة الانهيار المفاجئ لسوق البورصة المعروفة بالمناخ (يتحمل مسؤولية هذا الانهيار مضاربون كويتيون أثرياء، بضمنهم أعضاء من أُسرة الصباح)، ومستلزمات إقتصادية أُخرى. ومع ذلك لم يتأثر موقف الكويت المالي في السوق العالمية بإعبائها الداخلية جراء إحتياطيها المالي العالي المقدر بــ (100) مليار دولار في عام 1990 وعلى النقيض، كان إحتياطي العراق، الذي لم يكن يساوي في العادة سوى أقل من ثلث الاحتياطي الكويتي، قد أُنفق فعلياً , وفضلاً عن ذلك ، كان ثمة دين يزيد على السبعين مليار دولار قد تراكم خلال الحرب مع إيران وبعدها. ولهذا السبب، كان العراق مستعداً لاقتراح زيادة معقولة حظيت بقبول الاعضاء الآخرين في الاوبك. بقلم د. مجيد خدوري / د. أدموند غريب ترجمة : مصطفى نعمان أحمد |