الباحث عبد الحميد برتو .
ملاحظات سياسية أخيرة
على الرغم من أن الكتاب كله ينطوي على ملاحظات ذات طبيعة سياسية. أحب الكاتب أن يختتمه بفقرة تحت عنوان فرعي: “ملاحظات سياسية أخيرة” تحتل 16 صفحة. هذه الفقرة بدت لي وكأنها رسالة مفتوحة للحزب، تتداخل وتتشابك فيها الحالات. ولكن يمكن إلتقاط العبارة التالية التي يقول فيها:
“لم أكن يوماً من الأيام معادياً أو متنصلاً بل لازلت في الواجهة أقدم ما أستطيع تقديمه للقيم التي آمنت بها وعملت من أجلها سابقاً وحالياً في العراق أو الكفاح في كردستان”. (تجربتي ص 164) وفي نهاية الكتاب جاء عبارة أخرى أكدت ضني، يقول فيها: “والجدير بالذكر أن هذه الملاحظات قد أرْسِلَت إلى قيادة الحزب عبر موقع طريق الشعب في 21/8/2007 ولكن لم يتم الرد عليها أو حتى ذكرها، كما هو معتاد سابقاً”. (تجربتي ص 179)
مَنْ يقرأ العبارتين السابقتين بروحية متفحصة، يجد فيها رغبة ما لمد جسور التفاهم مع مَنْ يختلف معهم من منطلقات مخلصة. لقد قرأت خلال الأشهر الماضية عشرات الرسائل الممائلة من رفاق سابقين أو مازالوا في الحزب فيها قدر كبير مما يشبه الإستغاثة. تستحق إيلاءها عناية بناءة. هذا إذا وجد في صفوفنا كوادر تتحمل عبء مثل هذا الدور.
ينطوي التجاهل المترفع على ضعف في أحسن الأحوال. ومن خلال الإهتمام يكسب الحزب جملة من الميزات، ويترك إنطباعات طيبة تصب في مصلحته، منها: إكتساب صفة الحرص على كل مَنْ في دائرته، النظر الى عضويته على إنها شجاعة وتملك القدرة على مواجهة المهمات التي تطرحها الحياة عليها، لا تترك الشكوى تتوسع مثل صخرة ترمى في نهر أو بحيرة. وإذا كنّا حزباً للعمال والفقراء، لنأخذ بحكمتهم القائلة: كثر الدك يفك اللحام.
كيف نوقف الدَّكَّ الجائرَ منه، والمخلص أيضاً؟ يتم ذلك بالمواجهات الصريحة. فتلك المواجات تنتزع من الدَّكِّ قوته. تفرز النوعية أيضاً. فالعدو الطبقي نغمات دَّكِّه مبحوحة جداً، وذبذباتها لا تصل الى الأذن المحصنة بالوعي. يختار العدو الوقت المناسب للهجوم. وليس بيد الشيوعيين تحديد وقت إطلاق حملات العدو الدعائية. كذلك حال شن الهجمات العنفية. عندما يقرر العدو خوض الحرب لا يسمع نداءآت مَنْ يصرخ: سلمية سلمية. يَعتبرُ ذلكَ مجردَ غفلةٍ ممن لم يستفيدوا من تجاربهم.
تطلع صاحبنا أسوة بالأعداد الغفيرة من جماهير الشعب العراقي إلى التخلص من النظام الديكتاتوري على يد الشعب العراقي نفسه. وأضاف مستدركاً بأن العملية السياسية أدت إلى تكريس منهج المحاصصة الطائفية والعرقية، وتشابك المصالح الإقليمية والدولية على أرض العراق منذ الحرب العراقية ـ الإيرانية وما تلاها.
أشاد بدور المواطن الذي تحدى الإرهاب. وأشار بوضوح الى جميع المظاهر السياسة العامة وصور الفساد التي تعمقت في حياة المجتمع. ورأى إنه من الضروري والملح التوقف عند مسار العملية السياسية ذات الملامح الفاشلة، على حد وصفه. قال: “يجب أن تشمل التغيرات ليس الأشخاص القائمين على دفة الحكم (والذين هم في حقيقتهم لا زالوا ضمن دائرة مجلس الحكم السابق، بالرغم من تغير الصور) فحسب، بل وفي أساليب ومؤسسات الحكم نفسها، والتي أتت بأشخاص إلى مواقع أساسية في إدارة البلاد لم يكونوا يوماً من الأيام قد أداروا مؤسسة صغيرة في حياتهم المهنية والعملية سوى القليل منهم أو إنهم كانوا ضمن أحزاب (المعارضة) وأغلبهم لا تجربة لهم في هذه المجالات الحساسة.”. (تجربتي ص 166 ـ 167)
وعلى الرغم من أن الكاتب عبر عن رفضه لبعض التحالفات ونظام وطبيعة إدارتها وقوها المختلفة. لكنه إلتقط عن وجه حق التحالفات بمنطوقها وقواها الإجتماعية من خلال إعتبار القاعدة الجماهيرية هي صمام الأمان، وذلك عبر قوله: “إننا بحاجة ماسة لا تقبل التأجيل لبناء إئتلاف صلب لتحالفات سياسية تجذب لها أوسع قاعدة جماهيرية يكون ولاءها للوطن أولاً وهدفها التعمير والبناء وإرساء أسس الديمقراطية”. (تجربتي ص 167)
وأضاف: “إنه لا يمكن إرساء الديمقراطية والعدالة كممارسة ومنهج بدون نضج حركات وأحزاب بقيادات سياسية مدركة وواعية لهذه العملية الصعبة والمعقدة فهي ليست لباس يرتدى في أي زمان ومكان، ولهذا تقع على جميع الأحزاب الوطنية ولا سيما اليسارية منها مراجعة نفسها لتصحيح مسارها لتتمكن من أداء دورها بنجاح وإلاّ فإنها ستبقى في مؤخرة المسيرة وعامل معرقل” (تجربتي ص 168)
حذر من مخاطر نشوء دكتاتورية جديدة. داعياً جميع الأطراف والشخصيات الوطنية والديمقراطية، واليسارية منها بصفة خاصة، الى: العمل على إعادة وترسيخ الروح الوطنية، العمل على توسيع الوعي الجماهيري حول الأساليب الديمقراطية الحقة، إعتماد الوطنية منهجاً أساسياً في إشراك الجميع لإعادة بناء العراق إجتماعياً وإقتصادياً، الإلتزام بمبدأ الكفاءة والوطنية، إعتماد الحوار وإلغاء نزعة التفرد، إشاعة روح التوافق الوطنية في المرحلة الراهنة، الإبتعاد عن أساليب العنف عبر إنهاء المليشيات المسلحة وغير المسلحة، القضاء على بنية إنتشار السلاح بقوانين وإجراءات فاعلة وعدم الإكتفاء بالتصريحات والوعود.
لكي تتمكن الدولة من بسط القانون والنظام والقضاء على الإرهاب بكل أشكاله. ينبغي إعادة بناء مؤسسات البلاد العسكرية والأمنية على أساس مهنية، والنظر إلى تاريخ الجيش العراقي نظرة موضوعية، وإعتماد الولاء للوطن والكفاءة والإخلاص والنزاهة. تلك المواصفات هي المعيار الحقيقي في مهمة بسط القانون. ينبغي العمل على ترسيخ مبادئ حقوق الإنسان والمواطنة لكل العاملين في تلك المؤسسات، وتأكيدها شرطاً أساسياً في بنائها. إعطاء التعليم والبحث العلمي الأولوية، وإشاعة روح المبادرة الخلاقة والإستفادة القصوى من الكوادر العلمية وتجاربها وفسح المجال أمامها لا كما يجري حالياً حيث وضع العراقيل المتعمدة ضدها.
تضمنت هذه الفقرة ما يشبه برنامجاً لحكومة أو حزب سياسي. برنامج يجسد تصور الكاتب للإصلاحات السياسية والإجتماعيه. وهو قريب من برامج الحزب المعتمدة حالياً.
يَنْتَقِلُ فجأة الى شغله الشاغل، وهو الهم الحزبي، وكأن ما تقدم برنامجاً للحزب. يقول: “لم تكن المعايير التي أكد عليها الحزب في فتراته الصعبة المتعاقبة في مجال إختيار الكادر الكفء، قد طبقت بشكل صحيح، وكما كُتِبَ في إجتماع اللجنة المركزية في تشرين الثاني 1981 ما نصه: (أن حزبنا يحتاج إلى عملية مستمرة بتقديم الكادر على شتى المستويات، تتم بالمراعاة الدقيقة للمقاييس المبدئية التي إعتمدها حزبنا في التقديم وثبتها كتقاليد في الحياة الحزبية …… وينبغي أن تبرز في المقدمة مقاييس صلابة الكادر وقدرته في مواجهة الظروف الصعبة، والإستعداد للنضال حيثما تقتضي مصلحة الحزب).”. (تجربتي ص 172)
يواصل الكاتب تقديم ما يعتقد أنه ممارسات غير مبدئية في حياة الحزب الداخلية. وإن التوقف عندها يخدم عمليات الإصلاح الفكري والتنظيمي. يلاحظ القارئ شعوراً بالمرار يجتاح الكاتب عند تناوله لتلك المؤشرات لا يتفق مع مَنْ يقول أن مثل تلك الإنتقادات تضغف مواقع الحزب بل عدم معالجتها هي التي تضعف قدرات الحزب، وتحد من قدراته النضالية وموقعه بين الناس، وبل حتى داخل عضويته. ويبدي حرصاً على الرفاق الذي ظلوا على هامش الحزب دون أدنى عناية بل في حالة إهمال متعمد.
ذكر أمثلة بالإسم تشير الى أخطاء في السياسة التنظيمية، وفي الخط السياسي للحزب. يعتقد فيما يطرحه أكثر من مجرد ملاحظات ووجهة نظر شخصية. ذلك من خلال تعبيرها عن آراء عدد كبير من الرفاق.
يرى الكاتب عن وجه حق ضرورة عدم تعلق الإخفاقات على شخص واحد أو مجموعة معينة. هذا دون إعفاء الأشخاص الذين تميزوا في تأثيرهم الكبير على عمليات صنع القرارات والتوجهات التنظيمية والسياسية. أنصف الكاتب بعض الرفاق، وأنحى باللائمة المركزة على آخرين، ربما أكثر مما ينبغي.
يتبع …