الكتابة
المقالة الرابعة
الدكتور عبد الحسين أحمد الخفاجي .
يتساءل المرء أحياناً لماذا نكتب نحن العرب من اليمين الى اليسار؟ وبطبيعة الحال فإنّ أول جواب يتبادر لذهننا هو بما أننا نستخدم يدنا اليمنى فسيصبح من البديهي أن نكتب من اليمين لليسار . وهذا الجواب وإن كان صحيحاً في بعض جوانبه ، لكن سنكتشف بعد برهة أن هناك أناسا يستخدمون اليد اليمنى ولكنهم يكتبون عكسنا أي من الشمال باتجاه اليمين وأحيانا من الأعلى للأسفل .إذن يبدو واضحاً بأن الأمر لا يرجع لاختيار اليد فقط في تحديد اتجاه سير خط الكتابة ، وإنما أيضاً لأسباب أخرى منها : الطبيعية ، والثقافية ، والعملية ، وأيضا المتعلقة بأدوات التدوين وباختيار شكل الحروف وطرق كتابتها . فاليد اليمنى طبيعياً وعند الغالبية العظمى من الناس أكثر مهارة وقوة من الشمال ، إلاّ إذا كان المرء أيسرا.
وأما من الناحية الثقافية ، فهي مفضلة عند الكثير من الشعوب ومنها العربية ، بل وتكتسي عملية التفضيل هذه أحياناً نوعاً من الطقوس الدينية ، والاجتماعية عندما يتعلق الأمر باختيار اليد اليمنى للمصافحة والسلام ، أو الأكل والشرب والتشهد ، ولما كانت الكتابة في الشرق القديم تعدّ نشاطاً مقدساً وخطيراً لما لها من أهمية ، وارتباط بنسخ النصوص الدينية ، وأيضا السحر ، أو القوانين والتشريعات ، والأحكام الصادرة من السلطة أصبح من البديهي أن يبدأ بها من اليمين لأهميتها في نظر الناس ، وكذلك كل تلك النشاطات الحياتية المهمة التي يراد أن يعود مردودها بالخير والبركة على أصاحبها ، ذلك ان اليد اليمنى يعهد اليها بالأمور النبيلة دون اليسرى التي يعهد لها بأمور حياتية أقل شأناً .
أما الأسباب العملية فهي متنوعة ، وقد جعلت الحروف العربية تتطور تدريجياً لتكتب من اليمين الى الشمال ، فأنت لو حاولت كتابتها من الشمال الى اليمين لوجدت صعوبة واضحة . الشيء الآخر هو أنّ الكتابة العربية تتميز بحروف قابلة للصق فيلاحظ وجود رسم معين لحروف بداية الكلمات وتلك الوسيطة ، ولآخر الكلمة في حين أن الحروف اللاتينية والتي هي أصلا حروفا منفصلة ، ويجوز لصقها فقط حين الكتابة اليدوية ، تخلو بطبيعة الحال من الحروف الوسطية ، أو الأولية ، أو الأخيرة ما دامت لا تلصق حروفها في الكلمة الواحدة .
