كلمة أخيرة
الباحث عبد الحميد برتو .
يُمثل وَضْعُ النقدِ (أظهار العيوب والمحاسن) في موضع التحريض ظلماً للحزب أو الجماعة والناقد أيضاً. كما إن توهم إعتبار الناس والقوى السياسية والإجتماعية تملك معايير موحدة إتجاه النقد، لا ينم عن درجة مقبولة من الوعي. إن طريقة التعامل مع النقد وتقبله، خاصة (تبيان المعايب) تتعلق بالمَنْقود ومستوى حرصه واخلاصه وثقافته وعمق تجربته.
يُنظر الى النقد في الحالات الصحية على إنه عملية بناءة وضرورية. أما إذا كانت الحالة متراجعة أو متردية يكون النقد فيها مصيدة للناقد طيب السريرة. أعني أن صاحب الأمر يشجع النقد، ليكتشف أصحاب الرأي حسب، ويضعهم في بؤرة الضوء لتجميع الأخطاء. ويأتي لاحقاً الوقت المناسب لتصفية الحساب والبطش بهم. تنتعش في مثل هذه الحالات مَزْرَعَةُ الإنتهازيةِ في الأحزاب التقدمية والرجعية على حد سواء. هذا خطر قائم دائماً، وفي صميم طبيعة عمليات التنظيم، أي تنظيم كان. إذا لم تتوفر حالات سليمة من المحاسبة والمراقبة والإشراف.
في البدء لابد من تثبيت حقيقة واضحة في ظل الأوضاع الراهنة في بلادنا. هي إن الحزب الشيوعي العراقي لا يقارن بجميع الأحزاب المعروفة في الساحة السياسية، على صعيد الإخلاص للوطن والمواطنيين، ولا في التضحيات الجسام المقدمة. كما لا يقارن حتى من حيث حجم الأخطاء التي وقع فيها خلال مسيرته المديدة والمشرفة. كذلك الحال بالنسبة الى الشيوعيين الأعضاء داخل الحزب وخارجه على حد السواء. إن الإقرار بهذه الحقيقة يستند على المقارنة بين كل الأطراف دون استثناء. ومن المعلوم إن المقارنة جانب حيوي في أي بحث يتسم بالروح العلمية والصدق. ولكن هذا لا يعني أن الوضع كله برداً وسلاماً. فللحزب أخطاء ونواقص جدية، كما أن عضوية الحزب ليست من نوعية واحدة. وهذا أمر موضوعي لأنهم بشر، ومن بيئات مختلفة، ومستويات علمية وثقافية وإجتماعية وإقتصادية مختلفة أيضاً. هذا الأمر يحتاج الى الكثير من التحليل والأسانيد والأدلة والبحث الجاد.
يتطلب قياس حجم الأخطاء مقارنات بين أخطاء الأفراد والجماعة، والجماعات مع بعضها البعض. ينبغي الأخذ بعين الإعتبار أن مثل تلك المقارنات تتيح لنا فرصاً لأخذ الأخطاء الفردية بحجومها الحقيقية. لتلمس هذه المسألة يمكن القول: لاشك أن الفرق شاسع بين خطأ الإنشقاق عن الحزب، وبين أخطاء أو غضب العضو الحزبي على حزبه تنظيمياً أو سياسياً، مهما بلغت درجة ذلك الغضب أو حتى التمرد.
وإذا طُرِحَتِ مسألة خطر النقد على التماسك الداخلي للحزب. فإن الضبط الحديدي يقف عند حدود منع الخيانة الوطنية والطبيقية، وإفشاء أسرار التنظيم، ومحاولات عزل الحزب عن الناس. وليس لتحويل الضبط الحزبي الى أداة لتكميم الأفواه. بديهي أن تراعى بأعلى الدرجات الحذر الحالة السياسية الملموسة، وحجم ونوع هجمة العدو، ومسألة الحفاظ على أسرار الحزب. هناك تجارب وقواعد واضحة حول هذه الشؤون. خلال مسيرة الحزب مرت عليه العديد من الإنشقاقات والتكتلات. ومن المعايير السائدة في الحركة الشيوعية العالمية وتاريخياً، يعتبر الإنشقاق من الكبائر المدمرة والضارة. ولا يُقارن بغضب أو نقد رفيق ما للحزب أو أحدى هيئات أو أحد رفاقه، حتى ولو كان ذلك النقد جائراً.
أقف هنا عند أهم إنشقاقين في تاريخ الحزب: إنشقاق راية الشغيلة عام 1953 وإنشقاق القيادة المركزية أواخر أيلول 1967. لإستخلاص العبرة من الكيفية التي تصرف بها الحزب أزاءهما. وهما حدثان خطيران لا يقارنان بالإنتقادات الحادة التي يمارسها رفيق ما، أو حتى تمرد عضو على قرار حزبي معين. بالنسبة للإنشقاق الأول ـ راية الشغيلة، قاد الرفيق الشهيد سلام عادل حواراً بناءً ومديداً وصبوراً من آب 1955 الى حزيران 1956 مع تلك الجماعة. تتوج بإقرار اللجنة المركزية للحزب في 17/6/1956 عودة جميع الرفاق الى حزبهم. هؤلاء الرفاق عندما عادوا كان عمري 10 أعوام. وبعد أن بلغت سن العضوية، وفي شبابي عملت مع قسم من هؤلاء الرفاق، الذين عادوا من راية الشغيلة، وشكلوا قوة أساسية في الحزب، ومنهم الرفيق عزيز محمد الذي إنتخبته اللجنة المركزية عام 1964 سكرتيراً للحزب. وأزاء إنشقاق 1967 تعامل الحزب بذات الصبر مع المجموعة المنشقة. كنت حينها في جامعة بغداد التي شهدت أوسع إنشقاق على الحزب، ولكن الصبر والتعامل بروح رفاقية، على الأقل من جانب الحزب، ساهمت بإعادة هؤلاء الى حزبهم. وها هم يعملون في مختلف هيئات الحزب، بما فيها اللجنة المركزية ومكتبها السياسي. من باب أولى أن تتوفر عناية مناسبة بالأفراد حين تقع مشاكل ما معهم، لأن خطرهم لا يقارن بخطر الإنشقاق.
أرى وجود رغبة عارمة فيما يتعلق بمسألة اليسار واليمين، لتنسيب فلان الى اليمين وعلان الى اليسار. هاتان المفردتان غامضتان في أساسهما، وحدودهما لا تملك الوضوح الضروري. ولا أرى وجود يسار أو يمين متبلور في قيادة الحزب سابقاً أو حالياً. إن مَنْ كان يمينياً بالأمس قد تراه يسارياً اليوم أو غداً والعكس صحيح.
لم ينل الجهد النظري حقه عند قادة الحزب. ربما تقف خلف ذلك ظروف القمع. يتم الإنتساب للحزب تحت مؤثرات شخصية أو عائلية في الغالب، أي التأثر بالأقارب والأصدقاء، أو الإعجاب بنموذج في الحالة الثورية أو الإستقامة أو التضحية، وما الى ذلك من القيم الطيبة والأصيلة. ثم يأتي بعد ذلك تعلم بعض جوانب النظرية ـ نظرية الطبقة العاملة. ليس لدي حكم متكامل في هذا الصدد، ولكن عند المقارنة والملاحظة لمسيرة العديد من الشخصيات الفاعلة في حزب، يظهر ذلك الأمر أو التقدير جلياً. ربما أستطيع القول: إن الرفاق القدمى في الحزب هم الأكثر تمسكاً بالحزب من التمسك بالمواقف “يسارية” كانت أم “يمينية”. عايشت عدداً من أولئك القادة التاريخيين للحزب، أغلبهم من المغضوب عليهم. ولكن حين تناقشهم بهموم الحياة الحزبية يتحدثون بلسان واحد: أريد أن أموت شيوعياً. إعتبر هذه الروحية من زراعة وتربية وتأثير الرفيقين الشهيدين فهد وسلام عادل وصحبهما.
ينبغي توفير التوزان الدقيق عند التصدي لتقديم أوصافٍ لشخص ما، بأنه يساري أو يميني النزعة، فهذا أمر يعوزه التدقيق الجاد. كما ليس من الموضوعية بشيء أن ننظر الى الخصال الحميدة أو المذموة فقط في هذا الرفيق أو ذاك. فهذا إذا وقع يُعَدُ إنحيازاً وحكماً مسبقاً لا يستقيم بإتجاهٍ مُفِيدٍ للشخص أو الحزب. أما الخيانة بالإرادة أو الإكراه، المعلومة منها أو غير المعلومة، فلها أحكامها وقواعدها، لأنها تنزل أضراراً مروعة بالحزب، وبأي حركة في جوانب عديدة تتعلق بالحاضر والمستقبل ومصائر العضوية وهيبة الحركة بين الناس وقوة تأثيرها السياسي والإجتماعي.
بات من الراسخ وفق محصلة التجارب المتحققة. إن الفرق شاسع بين سمو النظرية وإندفاعات التطبيق. فالإنتقال من التجريد النظري والقواعد النظامية الى وقائع الحياة، يقترب فيها الأمر من حالة وضع الولادة، قد تكون طبيعية أو قيصرية، أو ما يشبه زراعة البذور في موسمها أو بغير مواسمها. إن ذلك الإنتقال عملية موضوعية معقدة للغاية. تدخل فيها مؤثرات هامة وجانبية، منظورة وغير منظورة، عامة وخاصة، وغير ذلك كثير.
كما إن المواقف التي توسم من قبل الهيئات الحزبية إتجاه الأعضاء بعدم الموضوعية، أو عكس ذلك، يكون ذكرها ومواجهتها بطريقة مخلصة وصادقة أفضل ألف مرة من تجاهلها، وإعادة إستخدامها في غير مواضعها وطبيعتها. إن فتح باب المناقشات الرصينة وتسلط الأضواء على مختلف القضايا التي يدور التساؤل حولها، يعمم الفائدة ويعمق الإطلاع ويرصن صفوف الحزب. ويقلل من مخاطر وعبودية التسليم بالآراء دون تمحيص، حتى ولو كان ذلك من باب الثقة بالقائل أو المصدر.
يجد المناضل في طريقه الكثير من الإشكاليات الموضوعية والمصنعة. لا ينبغي أزاءها الإستهانة بها أو بتأثيرات الخصوم، لأن ذلك هو أمر خطير، بما فيها تلك التأثيرات المصدرة الى شعوب بلدان الجنوب. وهناك أمثلة لا حصر لها. فمن أجل حرمان الحزب الثوري من عمليات تواصل الأجيال، وتواصل الخبرات، يروج علم الإجتماع البرجوازي لمسألة صراع الأجيال. وهو مفهوم يسعى في جوانب منه للتعتيم قدر الإمكان على جوهر الصراع الإجتماعي. وتعمل المؤسسات الرجعية على وضع العديد من الحالات الإنسانية في غير مواقعها الصحيحة، مثل مصطلحات: الإغتراب، الضياع، اللاجدوى، اللاأمل، الرتابة، الملل والإستلاب… الخ.
يدخل المناضل الى الحزب، وهو يحمل صورة رومانسية عنه. من المناسب أن تذوب تلك الصورة تدريجياً. وأن يُحاكم الحياة الداخلية من حوله، وفق المعايير الواقعية المعترف بها والمعلنة. وقد تتولد لديه بعض الإعتراضات، ومن الممكن أن تتحول الى سلسلة من إعتراضات. لا ينبغي أن تُعامل تلك الإعتراضات على إنها العتبة الأولى في سُلَّمٍ تصاعدي.
عندما يكون حجم الإعتراضات عند العضو المخلص أوسع من أن تتحملها الحياة الحزبية، علينا التفتيش عن مواطن الخلل. وبذل كل الجهود الممكنة من الهيئات والأعضاء على حد السواء، من أجل ألّا يكون الإتجاه صوب مغادرة صفوف الحزب. متى تزايد عدد الخارجين، وحين يصبح أكثر من الباقين، ينبغي في هذه الحالة وضع حد للتزمت، والعمل على تحقيق وقفة جدية ومفتوحة. يشارك فيها كل مَنْ عُرَّفَ عنهم أنهم يتمتعون بقدر وافر من الإستقامة السلوكية والفكرية الى جانب الحرص.
ينبغي تعويد الرفاق على القراءة المنفتحة لكل الحالات التي تُطرح أمامهم. إن الإقتراب من الحقيقة في الحالات قيد الدراسة، بإخلاص مع الذات ومع الآخر ومع الحزب ككل، يستدعي البحث عن الجوانب الإيجابية في كل رأي. ووضع السلبيات بحجومها الطبيعية، دون زيادة أو نقصان. إن العمل على تفكيك الجوانب المتشددة أو المغلقة أو الأناوية أو الذرائعية يخدم الحاضر والمستقبل.
من الضروري جداً العمل بيقظة خلال دراسة النص (رسالة)، أو الكلام المباشر (مقابلة)، للتعرف على ما يشغل الرفيق المعني بصورة رئيسية. فمهما يحاول الإنسان إخفاء محركات موقفه الذاتي، فهو ينساب دون أن يشعر به. لا توجد كلمة في موقف ما تخلو من مؤثرات محددة وضيقة أو مسببتات. ولكن حذاري من إستخدام مثل هذا الموقف للإبتزاز. لأن مثل هذا الإستغلال يهيج كوامن التخلف في كل إنسان على وجه البسيطة. إن الفرق الحضاري والثقافي يكمن أو يتجلى في شكل رد الفعل حسب. مهما تكون درجة الإنحراف والتشويه وفقدان البوصلة عند مَنْ يملكون ناصية الحركة لا ينبغي عليهم إحتضان اليأس أثناء المعالجات. ينبغي النظر الى اليأس عند أي فرد ضمن أي جماعة كفاجعة. فالخسائر في المعارك وعلى يد العدو أو الخصم تشد العزم. ولكن يأس فرد من جماعته ينبغي أن ينظر إليه كخطوة نحو نهاية مقلقة.
ينبغي النظر في التفاصيل أيضاً. كأن لا تدع مَنْ حظه في الثقافة أو التحصيل الدراسي ضئيل، أن يتحكم في الحزب بمسألة تقرير مصير مثقف أو حامل لشهادة عليا. إن نوع وحالة التحصيل الدراسي تلاحق كل الإنسان حتى آخر يوم في حياته. تتحكم في بعض ردود فعله، وحتى في بعض عباراته من حيث يدري أو لا يدري.
تتولد أحياناً رغبة بالإنتقام في بعض الحالات حتى من دون أن يشعر بها صاحبها. في الشرق والغرب، خاصة في المجتمعات المتقدمة، ينظر الى العائد المادي قبل طبيعة المهنة. وكثيراً ما يكون عائد نادل أكثر من إستاذ جامعي. ولكن بعد التحري عن الحقيقة يتبين أن ذلك في ظاهر الأمر فقط. فالنظرة الإجتماعية لا تتجاهل القيمة المعنوية للتعليم رفيع المستوى وللثقافة العالية. وهذه الحقيقة يشعر بها النادل والأستاذ الجامعي معاً.
يفترض بالحزب الثوري أن يكون مدرسة للمتعلمين وغير أو شبه المتعلمين. ينبغي أن يَنْصَبَ الحذرُ على مَنْ تظهر عندهم ملامح إنتهازية لأنهم هم الخطر الحقيقي على الحزب. جاء في حِكم وتجارب الشعوب القول التالي عنهم: ” عندما يكون الإنسان مثل قطعه النقود بوجھين، فإنه يقضي كل عمره متنقلاً بين جيوب الناس”. أعم تعريف للإنتهازية في فكر الطبقة العاملة: إنها متاجرة بالمبادئ.
يوجد نوع من التحاسد في كل الحركات السياسية والإجتماعية، بما فيها حتى ذات الطبيعة الإرهابية ـ الإنتحارية. ولكن يختلف ذلك التحاسد في درجاته ودائرة إنتشاره. ينبغي على الحزب الجذري الذي يملك مشروعاً إجتماعياً، أن يحذر غاية الحذر من الإمتيازات التي يحصل عليها بعض قادته عبر الحزب أو الإنتساب السياسي عامة. وأن لا يكون مَنْ يحمل صفة قيادية في الحزب الثوري جزءً من مؤسسات السلطات الحاكمة، إذا كانت تلك السلطات جائرة أو عميلة. لأن مثل هذا التصرف لا يسقط هيبة الفرد السياسية فقط، إنما يسقط هيبة الجماعة التي يمثلها أيضاً.
نحن من بلاد النخيل فلا غرابة، ولا ينبغي أن يزعجنا، بأن يتسم بعض رفاقنا بشموخ النخيل. الإنسان من صنع ظروفه الموضوعية بكل أنواعها، من الطبيعية الى قمتها الحياة الإنتاجية. والشموخ ليس نظير للعجرفة والإستعلاء الفارغ. إنه القوة الضرورية في مواجهة ظلم السلطات وأخطاء الحياة الداخلية للحزب العمالي. ينبغي إستثمار إلتصاق الرفيق بحزبه لتقوية سماته الإيجابية. وليس لإضعافها في أي حال. من الضروري أن تتوفر الروحية المناسبة لتحبيب الناس بالحزب من خلال تقديم المثل. والحذر كل الحذر من التفريط بالعضوية. إن العجالة في مثل هذه الشؤون تخلق أضراراً فادحة. كما إن عزل عضو متمرس في الحياة الحزبية دون مبررات حاسمة، يكون ضرره خطيرة على الحزب. ليس من الناحية الكمية بل قد تطال صورة الحزب وسمعته بين الناس.
أكتفي بهذا القدر من الملاحظات العامة بصدد التعامل مع قراءة كتاب (تجربتي) للنصير السابق د. محمد الحجاج. لا أظن أن هدف الكاتب كان مجرد عملية دفاع عن الذات أو للإضرار بالحزب. لاشك في أن الحدية قد طغت على الكتاب من بدايتة الى نهايته. ومنها القسوة إتجاه رفيق بعينه أحياناً، وتحميله القسط الأوفر من المسؤولية، كما بينت سابقاً. إن تلك الحدية إذا جرى التعامل معها على أساس الملاحظات السابقة، فإن ذلك سيساعد في خلق فهم مفيد لتلك التجربة الحزبية في الكفاح المسلح. خاصة وإن سفر العمل الأنصاري للحزب يقدم الكثير من الدروس الهامة. إذا نظر إليها بروح موضوعية بعيدة عن التسرع في إطلاق الإحكام. هذا الى جانب السيل العارم للتضحيات البطولة للرفاق والأصدقاء الأنصار التب تثير الإعجاب والإحترام.
إنطوى الكتاب على إنصاف لبعض الرفاق، والتعريف بقدرهم الكبير في نظر عامة عضوية الحزب. أشاد بدور الرفيق الراحل الكريم، رمز التواضع الشيوعي والشجاعة الشخصية والحزبية الرفيق الكبير ثابت حبيب العاني ـ أبو حسان ودوره في شد العزائم بعد مذبحة بشت آشان. ومساهمة في الحفاظ على التماسك الحزبي والإجتماعي بين أنصار ومقاتلي الحزب بعد تلك الجريمة. كما بين بعض صور المضايقات التي تعرض لها بعض قادة الحزب خلال العمل الأنصاري، ومنهم الدكتور كاظم حبيب.
ربما كانت الفائدة أوسع لو وَضَّحَ بقدر أوسع بعض الحوادث خلال تجربته. مثل حادثة إعتقال النصير أبو مكسيم ـ د.سلمان شمسة من قبل الشرطة السورية. وطرده الى داخل الحدود العراقية. ثم عودته والتحاقه بالأنصار مجدداً بمساعدة الرعاة في المنطقة. مثل هذه الحادثة تتطلب بعض التجسيد، مثل: موقع الطرد، صيغة إقناع الرعاة، تحديد الإتجاه في منطقة بمعظمها صعبة بإستثناء مناطق صغيرة لا تتجاور بضعة كيلومترات من حدود طولها نحو 600 كيلومتر.
وربما يساعد في خلق صور أدق عن توجهات وطبيعة العمل في الداخل العراقي، خارج المناطق الوعرة من كردستان. لو أنه تناول بعض تفاصيل لقاءاته وأحاديث الشهيد حامد الخطيب معه. وهو عسكري سابق، وكادر مركزي متقدم، وأحد شهداء مذبحة بشت آشان. كان موقف الشهيد غاية في الشجاعة حين تقرر نزوله الى الداخل، ولم تصله الوثائق التي كان من المقرر أن يستفيد منها في نضاله ببغداد وغيرها. إن صور الشجاعة عند الشيوعيين العراقيين ومسيرتهم التاريخية في التضحية والنضال لا ينكرها أشد أعداء الحزب وتاريخه.
كما إن الكاتب لو أنه إتبع سرداً مختلفاً للأحداث في سيرته حسب التسلسل التاريخي، أو حسب موضوعاتها، لكان حقق للقارئ متابعة وإمتاعاً أفضل. بدلاً عن تناثر العديد من الأحداث في الإستذكارات كثيرة. مما قد يشتت تركيز القارئ.
وأخيراً، أعتقد أن كتاب (تجربتي) كان ثمرة طيبة لجهد وتجربة شخصية وعامة تصب مجرى تكثيف الجهود من أجل عراق أفضل.