أ.د.قاسم حسين صالح
كنّا كتبنا منشورا اثر اغتيال الراحل هشام الهاشمي قلنا فيه (ان احزاب الأسلام السياسي تحولت الى الفاشية).وقد لامنا محبون وعتب علينا اصدقاء وانتقدنا معلّقون لأنهم فهموا الفاشية بأنها تعني القتل فقط،ما اضطرني الى ان اوضح بأن مفهوم الفاشية(وقصتها معروفة لدى اكثركم) برزت اكثر في ايطاليا عام 1920 اثر تظاهرات قام بها عمّال حاولوا الاستيلاء على وسائل الانتاج،وقيام موسوليني بتشكيل فرق مسلحة لأرهاب الأشتراكيين والشيوعيين.
والفاشية،تعني سياسيا :الاستفراد بالسلطة ،وتعني اقتصاديا الأستفراد بالثروة،ولا اظن احدا يختلف على أن احزاب الآسلام السياسي في العراق انفردت بهما طوال 17 سنة..وانها تعدت حزب موسوليني بان نهبت المليارات وافقرت شعبها واضطرت اكثر من خمسة ملايين عراقي لمغادرة الوطن..خوفا او تخلصا من حياة حولوها الى بؤس وشقاء وخيبات.
ويقولون،ما تكتبه يادكتور قاسم (تهم باطلة مستهلكة، وكان عليك الانتظار لحين اثبات التهمة ، وان القضاء هو الذي يحسم الأمر).
والحق معهم..ولكن دعكم من مقتل الهاشمي،ونسال:كم عدد قتلى (شهداء الكلمة) زمن حكم احزاب الاسلام السياسي..كم من الأكاديميين؟ من الأطباء( 4500 هاجروا دون رجعة)؟ من المثقفين..من قبل كامل شياع وبعده؟.وكم عدد الأعلاميين الذين قتلوا بدءا من طالبتي أطوار بهجت وعشرات بعدها؟.وكم قتلى تظاهرات اكتوبر/تشرين 2019 الذين (ارادوا وطن) وطالبوا بمحاسبة فاسدين حولوا حملة الشهادات الجامعية الى عمّال مسطر؟
ويقولون ان ممارسة هذه الأحزاب للقتل ..تهمة تحتاج الى أدلة..ولهم نقول:
في تظاهرات تشرين 2019،استخدمت حكومة أحزاب الأسلام السياسي قواتها الأمنية بأصنافها المتعددة، القوة المفرطة بما فيها الرصاص الحي،و اعلنت اللجنة الوزارية المكلفة بالتحقيق ان عدد القتلى في اول ثلاثة اسابيع بلغ 157 بواقع 149 مدنيا وثمانية عسكريا..تبعهم في 25 تشرين /اكتوبر تسعون شهيدا وأكثر من الف جريح..(وزاد عددهم فيما بعد على 700 شهيدا واكثر من عشرين الف جريحا) .
وفي لقاء ممثلة الامم المتحدة للسيد علي السيستاني (11 نوفمبر 2019)، أدانت المرجعية الدينية عدم جدية الاحزاب والحكومة في تلبية مطالب المتظاهرين، وحذّرت قائلة: اذا فقدت السلطة قدرتها على الاصلاح فلابد من طريق آخر..في تهديد صريح يوحي بانه يتضمن اجراءا يتفادى به تدخلا خارجيا او تدويل القضية العراقية.
وفي خطبة الجمعة (11 تشرين اول 2019)،حمّلت المرجعية الدينية على لسان الشيخ عبد المهدي الكربلائي،الحكومة العراقية مسؤولية اراقة الدماء ،وامهلتها مدة اسبوعين لكشف الجناة ومحاسبتهم..ولم تفعل. تلك ادلّة من مصدر موثوق محترم لا يحتاج الى المزيد.
وما كنّا نحن الذين وصفناهم بالحيتان،بل مرجعيتهم الدينية التي باركتهم في البدء،ولما ولغت هذه الأحزاب باكبر جريمة فساد في تاريخ العراق والمنطقة، وبح صوتها من نصحها لهم..تركتهم.ودليل (أقبح) أن قادة هذه الأحزاب يتبادلون تهم الفساد علنا..بينهم معممون!
وشهادة مشعان الجبوري:(لا بو عكال ولا ابو عمامه ولا الافندي ولا لجنة النزاهة ،كلنا نبوك نسرق من القمة الى الأدنى)..ولم يحاسبه قضاء احزاب الاسلام السياسي على اعتراف هو سيد الأدلة.واعترافات الراحل احمد الجلبي الذي ذكر رقما مهولا يبني العراق سرقته احزاب الأسلام السياسي،ودفع حياته ثمنا كما اشيع،وتوكيد (بومبيو) بامتلاك هذه الأحزاب(840) مليار دولار!
ان كانت احزاب الاسلام السياسي غير متورطة في كل هذا فانها مسؤولة بالكشف عن القتلة،لأن السلطة بيدها، ومسؤولة عن ارواح الناس،وصمتها ادانة لها..فلماذا سجّلت ضد مجهول؟ ومتى كان القضاء مستقلا زمن حكمها؟.وكيف لمن يدّعي انه يقتدي بالأمام علي ويقول علنا (لديّ ملفات للفساد لو كشفتها لأنقلب عاليها سافلها)،ويعلم أن الحاكم هو المؤتمن على مال الرعية ،ومن يسكت عن محاسبة فاسدين ينهبون المليارات ويفقرون الملايين يكون قد خان الذمة.
والفاشية تعني التعصب والدوغماتية..ولكم ان تتذكروا أن زعيم اكبرها الذي تولى حكم العراق ثمان سنوات صرح علنا (صارت عدنا وما ننطيها!)،وان قادتها اعتبروا (العلمانية) كفرا والحادا.ولكم ان تتذكروا كم عدد الضحايا الابرياء الذين فقدناهم بين 2006 و2008 لأسباب تعصبية سخيفة (لأن اسمه عمر او حيدر او رزكار!).
بهذه المعاني..نعم..احزاب الأسلام السياسي في العراق تحولت الى الفاشية..ولا اعني بذلك صيغة الأعمام بجميع المنتمين اليها (وعن هذه تحديدا اعتذر وما كنت أقصد)..ولكن اقصد قيادات فيها حماة لفاسدين ولديها افراد مسلحون مهمتهم القتل،وارتباطات بميليشيات تعتبر من لا يؤمن بعقيدتها فهو عدوها..وان من يعارضها بمنطق العلم تعتبره زنديقا!
والسلوك الفاشي كانت قد انتهجته الاحزاب الدينية والجماعات الاسلامية بدءا من الخلافة الأموية،واعتمده العديد من خلفاء المسلمين، واحزاب علمانية ايضا..فلماذا استفزهم المنشور عن كشف حقيقة يدعمها اكثر من دليل وثقناه، بينها أن السلوك الفاشي يثير الرعب وتوقع الشرّ وقلق الخوف من المستقبل..يعيشها العراقيون من سبعة عشر عاما؟!.
أخيرا
هناك اتهامات كثيرة وخطيرة تطال تاريخ الراحل هشام الهاشمي(1973- مدينة الفجر- ذي قار)،بما فيها تغييره للقبه ومذهبه..وأخرى تخص ارتباطاته الأخيرة. وسواء كانت صحيحة ام مزيفة،فاننا ندين القتل السياسي ضد اي انسان مهما كان ،وضد أي حزب يمارسه تحت أي مسمى،وضد أية سلطة تمارس السلوك الفاشي بكاتم الصوت،او اختطاف مثقفين سلاحهم الكلمة، آخرهم توفيق التميمي ومازن لطيف..كنا رجونا قادة احزاب الآسلام السياسي بمذكرة حملت توقيع اكثر من 300 شخصية وطنية..وما استجابت.
ان لم يكن ما جرى في العراق سلوكا فاشيا (سياسيا،اقتصاديا،فكريا ،أمنيا،وسيكولوجيا)..فعلى الذين لاموا وعتبوا وانتقدوا ان ينحتوا لنا مفهوما او مصطلحا ينطبق على سلطة احزاب الاسلام السياسي في العراق.