الدكتور عبد الحسين أحمد الخفاجي .
الكتابة
المقال السابعة
إنّ فن الكتابة في أوربا لم يتطور بما فيه الكفاية ليصبح فناً كتابياً خطياً ، إلاّ في الكتابة اليدوية الملصقة في حين ظلت الحروف المطبعية كما هي تنسخ نفس تلك الحروف اللاتينية التي نقشت أولاً على الصخر.
إن اختراع القلم والمداد في المشرق وربما تحديداً في مصر كان نقلة عملاقة بالنسبة لفن الكتابة الحقيقية بمعناها العملي ، وليس النقش ، والتي بدأت على الجلود والقماش وغيرها من المواد ، ثم ترسخت على الصحف المصنوعة من البردي ومن ثم الورق الذي جاءت صنعته من الصينيين الذين كانوا يستخدمون الفرشاة بدل القلم.
ولقد أنتشر استعمال الورق وجودت صناعته في المشرق العربي بشكل واسع والسبب يعود لاستعمالهم القلم في الكتابة الذي التقى وتناغم مع الورق القادم من الصين أولاً. ولقلم جعل الكاتب ينتقل من النقش إلى الكتابة ، أي مكنه أن ينزلق خطياً على الصحيفة بعد أن كان ينقش الحروف نقش الشيء الذي جعل الحروف تأخذ أشكالاً مرنةً وجديدةً تتواصل بها مع القلم . وقد كانت الحروف العربية قد بدأت هذا التطور منذ اكتشاف القلم والمداد لفترة طويلة تسبق ظهورالورق ، فالكتابة العربية على عهد الرسالة كانت قد وصلت لمرحلة متقدمة حتى أنها لا تختلف كثيراً عن الكتابة في الوقت الحاضر سوى بالتفاصيل الثانوية كالنقاط وأنواع الخطوط .
ولا ننسى أن نشير ونحن بصدد الكلام عن القلم كيف تحدث أول آية قرآنية أنزلت بفضل القلم على الأنسان. في حين أن تأخر استعمال الورق في أوربا ، والذي أنتقل إليهم تدريجياً فيما بعد من طريق العرب في الأندلس ، ومن طريق التجارة البينية أومن طريق الحروب الصليبية ، وكذلك بسبب استعمالهم للاتينية كلغة دينية ومعرفية ، وهي لغة شبه ميتة أدى الى بقاء الحرف اللاتيني ، وإلى يومنا هذا جامداً غير متساوق مع استعمال الورق والقلم ، أي بكلمة أخرى لايزال الحرف اللاتيني يكتب كما كان ينقش على الحجر واقفاً على السطر ، ومنفصلا الواحد عن الآخر ، إلاّ في حالة الكتابة اليدوية . وهذا هو السبب الرئيس الذي جعل الكتابة عند الأوربيين هي من الشمال لليمين كما كان عهدها عند ناقشي الحجر اليونانيين واللاتينيين .إنّ ظهور الطباعة لم يسعف الحرف اللاتيني ، بل زاد في تثبيت جموده ذلك أنهم طبعوا الإنجيل بهذه الحروف كأول مطبوعة واسعة الانتشار.