الدكتور عبد الحسين أحمد الخفاجي .
الكتابة
المقالة الثامنة
إن شكل الحروف وطريقة كتابة الخط العربي لم يأتيا من فراغ ، وإنما كانا قد تطورا وقطعا أشواطاً بعيدة قبل ظهور الإسلام بقرون ، وقرون طويلة ، وهما من دون شك سليلا الخطوط والكتابات العربية الأقدم بجذورها ومصادرها العميقة سواء أكانت سومرية ، أم أكدية ، أم آشورية ، أم بابلية ، أم هيروغليفية ، أم فينيقية ، أم آرامية . فتصور البعض أو ايحائهم بأنها تطورت من بعض الخطوط والكتابات التي وجدت في شمال الجزيرة على الطريق التجاري ، والتي تؤرخ ما بين القرنين الثاني والثالث الميلادي يجانب واقع تاريخ تطور لغات وكتابات شعوب المنطقة الذين ينتمون لعائلة لغوية وعرقية واحدة . فكأن اللغة العربية والكتابات العربية ومن ضمنها النبطية لم تربطها علاقات عضوية مع الكتابات ، والحروف ، والخطوط التي استنبطت ، واستعملت في العراق وسوريا ومصر ، وأنحاء الجزيرة ، حيث كانت الكتابة ممارسة يومية واسعة في كافة الأنشطة المدنية بسبب المستوى الحضاري والريادي الذي تميزت به هذه المنطقة ، والتي لم يكن شعاعها محجوبا أبداً عن أهل الجزيرة المتواصلين معها منذ القدم . فبالرغم من قلة المراكز المدنية الكبيرة في الحجاز ، وغلبة الحياة البدوية حولها ، فأن هذا لم يمنع من وجود من يهتم بشؤون الكتابة ، وتطورها سواء في الجانب العملي كالتجارة مثلا ، أو الأدبي ككتابة الشعر مثلا ، والكل يعرف أن شعراء العرب كانوا يعرضون معلقاتهم على جدران الكعبة لتقرأ ، فهل يعقل أن تعرض هذه المعلقات دون وجود من يقرئها ، ولماذا تم تدوين القرآن وانتشار صحائفه بين الناس على عهد الرسول صلى الله عليه وآله وبعده إذا لم يكن هناك من يستطيع قراءته ، وهو الذي أول كلمة فيه تقول أقرأ . صحيح ان الأمية كانت منتشرة بين الناس في البادية ولكن سكان المدن الكبيرة في الجزيرة لم تكن نسبة الأميين فيها لتزيد كثيرا عن نسبتها بين سكان مدن العراق وسوريا ، أو مصر ، أو اليمن آنذاك .
في النهاية يمكن القول ان الكتابة من اليمين هي محصلة نهائية لسياق طبيعي وثقافي في مواقع نشأة الكتابات الأولى في بلاد المشرق ، وقد واكب الاستعمال الواسع لها في مجالات عديدة متنوعة إبان عهود تطور المراكز الحضارية الفريدة عبر فترات طويلة من الزمن مما حتم ظهور أدوات أهمها القلم الذي عبر بفن التدوين من مرحلة نقش الكتابة الى مرحلة خط الكتابة من اليمين الى اليسار.