أندريه جدانوف
ضرغام الدباغ
اندريه الكسندرو فيتش جدانوف (Andrei Alexandrowitsch Schdanow)، سياسي ومفكر ورجل دولة، تستحق أفكاره ونظرياته في العمل المراجعة. وينتمي جدانوف إلى مجموعة مثقفي الحزب الشيوعي السوفيتي، ويعد مفكراً عمل في مجال العسكرية والدبلوماسية، كما شغل العديد من المناصب الحكومية الرفيعة، منها : حاكم مدينة لينينغراد، ووزيراً للثقافة والإعلام، ومستشاراً ثقافيا خاصاً لستالين، كما لعب دوراً مهماً في مناقشة وإنضاج أفكار معاهدة عدم الاعتداء السوفيتية / الألمانية : مولوتوف / ربنتروب، وكان له دوره في صمود مدينة لينينغراد خلال الحرب العالمية الثانية.
بعد الحرب العالمية الثانية، تنبأ جدانوف بالموقف المقبل للعلاقات الدولية، بين الاشتراكية والعالم الرأسمالي وصاغ نظريته المشهورة بتشكيل المعسكر الثقافي لمواجهة الرأسمالية
والذي يقضي : ” تسخير كل الإمكانات الإبداعية من فنون وأدب وموسيقى لمواجهة الثقافة البرجوازية الغربية فضلاً عن توفير الدعم اللامحدود للأحزاب الشيوعية في العالم “. كان جدانوف مثقفاً موسوعياً، وكانت أرائه وأفكاره تحظى بالاهتمام، ويطلق عليها ” الجدانوفية” واعتبرت من الأساسيات في الماركسية اللينينية،.
وأسم جدانوف أرتبط بقضية التصفيات الحزبية في لينينغراد، وفي قضية الأطباء التي كان جدانوف أحد ضحاياها توفي جدانوف عام 1948 فيما عرف ب “مؤامرة الأطباء ” وقد أتهم حينها الأطباء اليهود بإهمالهم المتعمد لقتل القادة السوفيت.
ولد جدانوف في إحدى مدن أوكرانيا (ماريوبول) عام 1895، كان والده متعلماً، يعمل كمدرس، التحق بالحزب الشيوعي عام 1915، وكانت له علاقته الوطيدة بستالين، وتقدم في الحزب حتى بلغ منصب حاكم مدينة لينينغراد، بعد وفاة سيرغي كيروف عام 1934. وتولى جدانوف بأمر من ستالين بتطوير السياسات الثقافية، وله الفضل في إغناء مذهب الواقعية الاشتراكية، وتأسيس ” اتحاد الكتاب السوفيت ” ، بالتعاون مع الكاتب والأديب مكسيم غوركي. وبرز جدانوف على صعيد التنظير الفكري ــ الثقافي في الحزب، وشغل مناصب حزبية مهمة، وكان له دوره في رسم الخطط الإعلامية والدعائية، وكان له نشاطه المتميز في المؤتمرات الحزبية، وهنا برز عداؤه لتروتسكي وزينوفيف وبوخارين، وأصطف لجانب ستالين داعيا الحزب والشعب الوقوف وراء ستالين وخطه. وكان ستالين قد أوفده إلى أستونيا لإقامة النظام الشيوعي .
لعب جدانوف دوراً هاماً منذ بداية الحرب العالمية الثانية، فقد كان أحد الشخصيات المهمة في صياغة و إبرام معاهدة عدم الاعتداء السوفيتية / الألمانية الهتلرية، انطلاقاً من مبدأ اشتراكي : أن الحروب هي صناعة الرأسماليين، تدور من أجل إحراز مكاسب، يدفع ثمنها الكادحون، الاشتراكية لا تنمو إلا بالسلام. ثم أنه كانت من ضمن قيادة المدينة التاريخية لينينغراد في صمودها ضد الحصار والهجمات الهتلرية.
(الصورة: جدانوف على غلاف مجلة التايم الأمريكية بتاريخ 9 / 12 / 1946، ومعطيات من الناشر الألماني، عن مكان وتاريخ ولادته، وانضمامه للحزب الشيوعي السوفيتي، 1930 عضويته في اللجنة المركزية، 1934 ــ 1944 سكرتارية الحزب في لينينغراد، 1939 عضويته في المكتب السياسي للحزب، 1948 وفاته في موسكو / النص باللغة الألمانية)
ورغم أن جدانوف كان متعدد المواهب، بوصفه مثقف موسوعي، إلا أن جهوده تركزت في المجال الثقافي وكان ينظر إليه بوصفه من المنظرين المهمين في الحزب، لذلك كانت توكل إليه مهام اللقاء والتحادث مع الأحزاب الشيوعية والعمالية من مختلف أرجاء العالم. ولاسيما أنه كان من دعاة تنشيط ودعم الحركات والأحزاب الشيوعية والعمالية في أرجاء العالم.، كما كانت له مداخلاته الهامة حول وظائف الأدب والفن في الدولة الاشتراكية، وبهذا المعنى كان يواجه الانحرافات الذي يبديه بعض الكتاب والأدباء، وبهذه الصفة من العمق الفكري، شارك في مؤتمر بوخارست عام 1948 للوقوف بوجه أفكار الزعيم اليوغسلافي تيتو بوصفها انحراف عن الماركسية. ولذلك كانت له أهميته السياسية أيضاً.
جدانوف يحتل موقعاً متميزاً بين الكادر الفكري المثقف في الحزب الشيوعي السوفيتي لا يقل عن بوخارين وتروتسكي وزينوفيف، وأذا كان معظم الكادر الفكري قد أنفضوا من حول ستالين، إلا أن جدانوف ظل المنظر للستالينية، عنصراً أساسياً فيها، وتولى التنظير بدرجة أساسية لنظرية المعسكرين التي تبلورت وتواصلت طيلة الحقبة السوفيتية : المعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفيتي يتكون أساساً من:
1, البلدان الاشتراكية (التي تقودها أحزاب شيوعية وعمالية).
- الطبقة العاملة والحركات الديمقراطية في البلدان الرأسمالية.
- حركات التحرر المعادية للأستعمار والإمبريالية في البلدان النامية.
وعلى الصعيد النظري أيضاً، كان يتفق تماماً مع ستالين في رؤيته للفن وخدمته لقضايا التحول الاجتماعي، ومنها تنامت نظرية ” الفن لخدمة المجتمع ” المضادة للفكرة البورجوازية ” الفن للفن “. وأعتبر أن الحزب هو المرجع لتقييم العمل الفني وصلاحيته. والجدانوفية (Zhdanovism) في الأدب والفن وجدت تعبيراتها ” التأطير الصارم للعمل الإبداعي من خلال هيمنة المضمون على الشكل، وخلق أبطال إيجابيين من أوساط العمال وعدّ العمل أسمى معيار، والتركيز على آفاق الثورة الاشتراكية في العالم. لقد أدى الظرف الجديد الذي نشأ في روسيا بعد ثورة أكتوبر 1917 إلى ضرورة ظهور فن من نوع جديد تحددت خطوطه ومهامه وأهدافه في مؤتمر الكتّاب السوفييت في عام 1934. وحدد مكسيم غوركي وأندريه جدانوف في هذا المؤتمر مفهوم الواقعية الاشتراكية بأنها مدرسة أدبية فنية تتطلب تصويراً صادقاً وتحديداً تاريخياً للواقع في تطوره الثوري، وإن الصدق والدقة التاريخية في مجال تصوير الواقع هو شرط أساسي لخلق أي عمل إبداعي. وإذا كان غوركي وجدانوف قد شاركا في وضع أسس هذا التوجه على أن غوركي يمثل الوسط الإبداعي وجدانوف يمثل الحزب، فإن وجهات نظرهما كانت متباينة في كثير من النقاط المهمة والحساسة “. (*)
ولجدانوف الكثير من المداخلات في قضايا الثقافة والتعليم، تطلق عليها الجدانوفية فقد كانت له الرؤية في الانتشار السريع في التعليم دون التركيز على المستوى المتقدم جداً، باعتبار أن المجتمع يحتاج وعلى نحو عاجل إنقاذه من الجهل والتخلف وزجه في العالم والثقافة الاشتراكية. وعلى هذا النحو تقريباً صاغ ماوتسي تونغ نظريته في التعليم، مبتدعاً نظرية ” الأطباء الحفاة ” وتقضي بتخريج ألاف الفلاحين من دورات طبية سريعة وإرسالهم إلى الأرياف التي بحاجة حتى إلى أبسط المعارف الطبية التي تنقذ حياة ملايين من الفلاحيين.
وقد أعتبر خط جدانوف متشدداً ولقي تجاوباً متفاوتاً بين التأييد والتحفظ، بيد ان بعض أراء جدانوف كان لابد من تطويرها وتعديلها، فجدانوف في نظرية المعسكرين، كان يرى كل من لا يلتحق بالمعسكر الاشتراكي، هو من المعسكر الإمبريالي، دون أي أطرافاً في وسط المسافة، أو أنها تحث الخطى إلى الاشتراكية. وبعد نصف قرن أو أكثر، كان لابد من إدخال تعديل يؤدي إلى توسيع المعسكر الاشتراكي.
وقد عمل جدانوف والأديب ماكسيم غوركي على تكريس مبدأ الأدب والفن في الاتحاد السوفيتي وفق النظرية الماركسية ــ اللينينية، بمقولة ستالين ” إن الكتاب السوفيت هم مهندسوا النفس البشرية “، ووفق هذه الرؤية : أعتبر جدانوف أن جوهر الواقعية الاشتراكية ومهمات الأدباء السوفيت هي : خدمة الشعب وقضية وحزب لينين وستالين وقضية الاشتراكية “. وأهتم جدانوف وعمل على إعادة البناء الفكري والثقافي والتربوي في الاتحاد السوفيتي بما يلائم والفكر والمجتمع الاشتراكي، وإعادة النظر في المناهج الدراسية.
وبعد الحرب العالمية الثانية أهتم جدانوف بموضوعات التربية والتثقيف الحزبي، ومكافحة الأفكار البورجوازية والانحرافات عن الفكر الماركسي اللينيني، مع مواصلة التأكيد على الخط النظري في الأدب والفن. وأكد على فحص النتاجات الفكرية والأدبية بدقة، والعمل بما يفيد النهوض الاقتصادي، وأن على الكتاب السوفيت أن يعملوا وفق هذا الخط وليس سواه,
توفي هذا القائد والآيديولوجي المهم، بسبب قصور في القلب، وذلك لتناوله لفترة طويلة أدوية ضارة توصف له من مجموعة أطباء (فيما شخصت لاحقاً بمؤامرة الأطباء التي قتلت شخصيات هامة في الاتحاد السوفيتي لصالح الغرب وكان جلهم من اليهود)، ساهم في ذلك إدمانه على الكحول. ووصف المؤتمر التاسع عشر للحزب (5 / أكتوبر ــ تشرين الأول / 1952)، وصف أندريه جدانوف بأنه أحد النابغين في الحزب الشيوعي.
كان جدانوف متزوجاً ولدية ولد واحد يوري، تزوج من سفيتلانا ابنة ستالين، ولكن زواجهما انتهى بالطلاق عام 1950
- الصراع الوحيد المسموح به في الثقافة السوفيتية هو الصراع بين الجيد والأفضل
- يجب ان تكون معرفتنا فعالة وان نحسن استخدام سلاح النظرية الثورية بشكل كامل – يجب تحطيم العدو به تحت أي قناع يخفى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) من الموسوعة الألمانية