كتاب إسرائيلي يتساءل: هل أصابت لعنة الشهيد أبو جهاد ثلاثة من منفذي اغتياله؟
يكشف كتاب إسرائيلي جديد بعض التفاصيل الجديدة عن عمليات سرية نفذّتها وحدة عسكرية خاصة تابعة لهيئة الأركان العامة، ويشير إلى أن لعنة الشهيد خليل الوزير “أبو جهاد” لاحقت ثلاثة من المشاركين في اغتياله الذين لقوا حتفهم مبكرا بشكل موجع.
ويعالج الكتاب الذي ألّفه اثنان من خريجي هذه الوحدة السرية، أفنير شور وأفرهام هليفي، العمليات الاستخباراتية “الخلاقة والماكرة والجريئة” وعمليات كوماندوز متنوعة ضد ما يسمونه “الإرهاب”.
وفي الفصل الأول يروي المؤلفان في الكتاب أحداث عملية اغتيال الشهيد خليل الوزير “أبو جهاد” الرجل الثاني في حركة فتح التي كان يتزعمها الراحل ياسر عرفات، في بيته في تونس يوم 16 أبريل/نيسان 1988.
ويشير الكتاب إلى أن بيت “أبو جهاد” كان يقع في حي سيدي بوسعيد على بُعد خمسة كيلومترات من شاطئ البحر في العاصمة التونسية، وكان يسكن إلى جواره عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح محمود عباس، وأبو الهول (رئيس جهاز المخابرات الفلسطينية في حينه) وعدد آخر من القادة والدبلوماسيين.
الكتاب يفصّل كيفية الإعداد وتنفيذ عملية الاغتيال التي شارك فيها العشرات من أعضاء أجهزة الموساد والشاباك والمخابرات العسكرية. وفي نهاية السرد يكشف المؤلفان أن ثلاثة ممن شاركوا في العملية ماتوا وهم في ريعان الشباب بطريقة مروعة وهم: ناحوم ليف (44 عاما) وهو مخطط العملية وقائدها الفعلي، وأول من أطلق الرصاص على “أبو جهاد” حيث مات في حادث سير عام 2000 في شارع وادي عربة، حيث سقط عن دراجته النارية وهو يقودها بسرعة فائقة مما أدى لتقطيع جثته لعدة أجزاء.
كما مات إيال رغونيس (37 عاما) مهندس وضابط كبير في وحدة هيئة الأركان وأحد المشاركين في عملية اقتحام بيت الوزير واغتياله، بل هو من صمم بيتا من كرتون مطابقا لمواصفات بيت خليل الوزير تمت فيه محاكاة عملية الاقتحام والاغتيال، وقد مات رغونيس نتيجة جلطة في الدماغ، وتبعه الجنرال بالاحتياط عوديد رؤور ( 57 عاما) الذي مات بالسكتة القلبية عام 2014.
وتساءل الكتاب عن سر موت هؤلاء، ويقول بلهجة بين الجد والمزاح عما إذا كانت لعنة أبي جهاد قد لاحقتهم؟
وبالنسبة لعملية الاغتيال ذاتها، يشير الكتاب إلى أنها استغرقت خمس دقائق، وثماني رصاصات في الصدر، لكنها استغرقت عدة شهور من التخطيط بمشاركة نحو ثلاثة آلاف شخص بأشكال مختلفة، بدءا من موظفة الهاتف حتى جنود وحدة الكوماندوز.
ويشير إلى أن ناحوم ضغط على الزناد بإصبع متعرق على بندقية كاتمة للصوت من طراز “روجر”. ويقول المؤلفان: “يعرف ناحوم جيداً أن الطريقة الصحيحة لقتل الحارس هي إخراجه من السيارة، إذا ما أطلق النار عبر الزجاج الأمامي للسيارة فإن تحطيم الزجاج الأمامي سيؤدي لضجة من شأنها فضح العملية وتهديدها في ليلة مظلمة داخل دولة معادية، ولذا يقترب من الحارس داخل المركبة المظلمة وينقر على زجاج السيارة برفق ويبتسم فيخرج السائق فيسأله باللغة الإنجليزية عن كيفية الوصول إلى أحد الفنادق في المنطقة، وبمجرد نزوله تم إطلاق النار على رأس الحارس لتنطلق عملية دخول البيت المحصن”.
ويتابع الكتاب: “ينظر ناحوم حوله وسط سكون تام، ويرى بطرف عينه زميله يوخاي يشير بإبهامه إلى موشيه يعالون قائد الوحدة والعملية للتقدم برفقة القوة نحو المنزل. يضع ناحوم بندقية “روجر” على الأرض للحظة جنبا إلى جنب مع صندوق الهدايا الذي كان يخبئ فيه البندقية إذ لم تعد لها حاجة في تحركاته، ويسحب بندقية رشاشة قصيرة من طراز “عوزي” الذي سيستخدمه من الآن وحتى نهاية العملية. وبحلول ذلك الوقت كان الجندي يوفال قد اقتحم بالفعل الباب الأمامي الرئيسي للمنزل بسهولة إلى عمق ساحة الاغتيال ويستدعى بقية القوة للدخول. عندما سمع ناحوم، المسؤول عن تأمين القوة من الخارج بعد أن أخذ مكان الحارس طلقات نارية دخل إلى المنزل فوجد أحد الحراس بشارب سميك يبعد عنه مسافة ستة أمتار فأطلق عليه رصاصات من رشاش عوزى وأرداه قتيلا. ويقولان إن الهدف من الرصاصة الأولى التي أطلقت من بندقية “روجر” كان القضاء على الحارس الأول، وبالتالي إعطاء إشارة البدء بالعملية، أما الرصاصة الثانية من بندقية رشاشة لجندى آخر فهى من المفترض أن تنهي حياة أبو جهاد”.
ويواصل المؤلفان سرد تفاصيل العملية: “وصل ستة أشخاص إلى الطابق الثاني من البيت بخطوات سريعة أثناء الصعود المتسارع للسلالم المضاءة جيدا من خلال أضواء الجنود فيتجه أحدهم إلى الممر الأيمن وحتى قبل الانتهاء من فحص شامل للممر بعينيه، يتعرف على أبو جهاد، الذي يقف أمامه على بعد أربعة أمتار بالضبط، بمسدس مشهر بيده اليمنى، وزوجته بجانبه وتنظر في رعب إلى ثماني رصاصات تخترق صدر زوجها تباعا مما يؤدي إلى انهياره ببطء على أرضية الرواق بجوار غرفة نومه مباشرة، وحينها يصل موشيه يعلون قائد العملية أيضا الذي يتعرف بسهولة على أبو جهاد، ويرسل الجندي خاي لمسح الغرفة التي غادرها الزوجان للتو وعندها يصل ناثان المقاتل الثالث في فرقة خاي على الجانب الآخر من الممر ممسكا بيد ابنة أبو جهاد البالغة من العمر ثماني سنوات باليد، حينها يعلن يعلون إن الوقت قد حان للإخلاء، وبينما يهرع خاي ورجاله إلى أسفل الدرج، يقوم هو ويوفال بسرعة بجمع المستندات من غرفة أبو جهاد، كما يركضون إلى الجزء الأمامي من المنزل وإلى السيارات التي كانت محركاتها لا زالت تعمل”.
يشار إلى أن كُتبا إسرائيلية سابقة قد أكدت أن يعلون تثبت من موت أبو جهاد بإطلاق عشرات الرصاصات على جثمانه أمام أنظار زوجته وابنته المذعورتين، وستروي أم جهاد ذلك في كتاب سيصدر في نهاية العام الجاري.
يشير الكتاب أيضا إلى أن هذه الوحدة الخاصة قد نفذّت عام 1965 عملية “ليلة الآبار” في منطقة قلقيلية الفلسطينية، حيث قام أفرادها بتفجير 11 بئرا، وبعد انتهاء العملية وزّع المنفذون (ومعظمهم من مزارعي الكيبوتسات) منشورا باللغة العربية أعربوا فيه “مشاطرتهم المزارعين الفلسطينيين حزنهم” نتيجة دمار آبارهم وعدم قدرتهم على ريّ مزروعاتهم.
عملية فاشلة في عمق الأراضي المصرية
ومن ضمن العمليات التاريخية التي يرويها الكتاب الإسرائيلي بحذر ورقابة، عملية تمت عام 1969 في عمق الأراضي المصرية، وفيها تم نقل جنود وحدة هيئة الأركان العامة بواسطة مروحيتين بهدف خطف ضباط في الجيش المصري واستخدامهم ورقة مساومة لإطلاق سراح طيارين إسرائيليين وقعا في الأسر خلال حرب الاستنزاف.
وتم توكيل نائب رئيس وحدة هيئة الأركان إيهود باراك بهذه المهمة كقائد للعملية ومعه بنيامين نتنياهو كجندي مشارك وعميرام لفين ورئيس الموساد الأسبق داني ياتوم ورئيس مجلس الأمن القومي السابق عوزي ديّان، وقائد سابق للواء الشمال في الشرطة الإسرائيلية أليك رون وآخرون بلغ مجمل عددهم 20 جنديا.
وتم نقل هؤلاء إلى عمق الأراضي المصرية وسط مغامرة كبيرة، وعادوا من هناك مع 11 أسيرا مصريا، وبعد التحقيق معهم، تبين أنهم سائقون وعاملون في الفوسفات وهم بعيدا عما استهدفته العملية. ومع ذلك اعتبر قائد الوحدة الخاصة مناحم ديغلي أن نتيجة العملية جيدة كونها تمت في عمق الأراضي المصرية دون إصابة جندي إسرائيلي واحد.
ويشير الكتاب إلى أن هذه العملية تظهر أنه حتى في الوحدات الخاصة، هناك نتائج متواضعة لكنها تحمل فرصة لتعلم الدروس.
ويستعيد الكتاب عدة عمليات شهيرة أخرى، منها عملية يونتان عام 1976 المعروفة بـ”عملية عينتيبي” وفيها قتل يونتان نتنياهو، شقيق رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو.
كذلك عملية “أيزوتوب” عام 1972 لتخليص رهائن طائرة سابينا، وعملية “تخليت” لاغتيال الشهيد خليل الوزير(أبو جهاد) عام 1988، وعملية “أرغاز” عام 1972 لخطف ضباط سوريين في لبنان كورقة مساومة. وفي هذه العمليات يروي الكاتبان تفاصيلها من وجهة نظرهما كمن شارك فيها وليس من خارجها.
ويشمل الكتاب قائمة بأسماء العمليات الخاصة التي قامت بها وحدة هيئة الأركان منذ أسسها الضابط أفرهام أرنان، إلى جانب أسماء كل الجنود والضباط المشاركين فيها.
وينوه الكاتبان إلى أن الكتاب صدر بعد خضوعه لمصفاة الرقابة العسكرية ورقابة الوحدة التي تلزم عناصرها بالسرية التامة، وأنه ثمرة استعادة ذكريات وتحقيقات ومحادثات مع زملائهما في الوحدة.
وحدة هيئة الأركان
وتُعرف وحدة هيئة الأركان بـ”الوحدة” وهي وحدة عسكرية مختارة في الجيش الإسرائيلي وخاضعة مباشرة لهيئة الأركان العامة، وتصنف مع دائرة المخابرات، وهدفها الأساسي والمركزي القيام بتجميع معلومات استخبارية من عمق البلاد العربية، وفي الوقت ذاته القيام بتدريب أفرادها على كافة أنواع القتال البري، وخاصة ما تسميه إسرائيل “محاربة الإرهاب”.
تأسست هذه الوحدة عام 1957 بمبادرة من الرقيب أفرهام أرنان، ودَمجت في صفوفها محاربين سابقين في سلاح المخابرات ومُسرّحي الوحدة 101 ووحدة المظليين.
ولم تصادق الحكومة الاسرائيلية أو قيادة الجيش رسميا ونهائيا على هذه الوحدة إلا في نهاية الثمانينات من القرن الماضي، وخاصة في أعقاب انطلاق الانتفاضة الفلسطينية الأولى.
أما خطط وفعاليات الوحدة فبقيت طي الكتمان حتى اليوم، إلا ما أُجيز نشره. ورفعت قيادة هذه الوحدة شعار “الجريء هو الذي ينتصر”.
وما زالت عملية قبول الجنود في هذه الوحدة من الأصعب بين بقية وحدات جيش الاحتلال. أما الذين يقبلون فينتظمون في قواعد هذه الوحدة ليوم واحد في البداية، حيث تُجرى لهم خلاله فحوصات واختبارات للتأكد من سلامة أجسادهم، ثم، وفي حال عبورهم هذا الفحص، يتم تحويلهم إلى اختبار نفسي عند أخصائيين نفسيين يضعون مقاييس أساسية للتأكد من ملاءمة هؤلاء للوحدة، وأخيرا يتم اجتياز المجموعة سلسلة من الفعاليات التي تهدف إلى بلورة الأفكار وتوحيد التوجهات الأولية.
وتجري هذه الفعاليات في المعهد الرياضي “فينغيت” بالقرب من مدينة نتانيا لمدة أسبوع تقريبا، يُعرض الجنود خلاله على مجموعة من الأطباء لفحص شامل. ويوضع تقرير شامل في نهاية كل هذه المراحل لكل مشارك من بين الجنود، يُحول إلى قيادة هيئة الأركان العامة في الجيش التي تقوم بدورها باتخاذ قرار القبول النهائي للوحدة أو رفض القبول، وتحويل المرفوضين إلى الوحدات العادية في الجيش.
يتم تدريب الجنود المقبولين في نصف السنة الأولى ضمن إطار سلاح المظليين، ثم يجتازون دورة خاصة في التنقيب والبحث عن الجهات وتحديد الأماكن، والذين ينهون هاتين المرحلتين يُقبلون نهائيا في الوحدة.
أما نشاطات الوحدة خلال فترات الهدوء العسكري، فتتمحور في جمع معلومات استخباراتية أو القيام بعمليات عسكرية محددة هدفها “مكافحة الإرهاب”.
ولم تظهر الوحدة نشاطا أو إنجازا مميزا خلال حرب 1967 أو حرب 1973، إلا في ميادين محدودة للغاية، لكون الوحدات الأخرى في الجيش الإسرائيلي قد أنجزت شطرا كبيرا من العمليات قبل وصول الوحدة التابعة لهيئة الأركان إلى ميدان القتال.
إلا أن الوحدة قامت، وما تزال، بعمليات حربية في عمق المواقع القتالية، كما حصل ويحصل في الأراضي الفلسطينية أو في لبنان (خلال حرب تموز 2006 – عملية بعلبك، حيث تم اختطاف عدد من المواطنين اللبنانيين، وحين تبين أنهم ليسوا الهدف المنشود، تم تحريرهم وأعلنت قيادة الجيش والحكومة الإسرائيلية عن فشل العملية).
ومن أبرز العمليات العسكرية التي قامت بها هذه الوحدة والتي أعلن عنها رسميا فيما بعد: الهجوم على جزيرة غرين أثناء حرب الاستنزاف عام 1969، والانقضاض على طائرة “سابينا” المختطفة في مطار اللد عام 1972.
عملية “ربيع الشباب” (هكذا سمتها قيادة هذه الوحدة) في لبنان في نيسان 1973، والتي قادها إيهود باراك وتم خلالها اغتيال قياديين بارزين في منظمة التحرير الفلسطينية، وهم الشهداء أبو يوسف النجار وكمال ناصر وكمال عدوان.