إنقاذ إيران من ملالي إيران
ضرغام الدباغ
هل هذا العنوان واقعي أم به شيئ من الاستخدام الأدبي للمبالغة السياسية ..؟
سأضرب مثلاً أقرب فيه ما أريد قوله. ألمانيا خرجت من الحرب العالمية الأولى بعقوبات وتعويضات فادحة، واقتطاع أراض، وغدت معاهدة فرساي عنواناً للظلم الكبير الذي لحق بالشعب الألماني، بحيث صارت شعارات التخلص من تبعات مؤتمر فرساي، تقود من يطلقها إلى الحكم، وأوصلت هتلر فلعلاً عبر صناديق الانتخابات إلى الحكم، وهتلر تمكن بسياسة الضغط والابتزاز والتلويح بمخاطر انتزاع الكثير جداً من المكاسب، (أستعاد منطقة الروهر، الوحدة مع النمسا، استعادة السوديت من جيكوسلوفاكيا) ولكن التوسع لا يعرف الحدود، ولكنه حين أراد التهام بولونيا (خلافاً للاتفاقات)، أعطى البرهان الصادق أنه أطماعه لا تعرف الحدود، وانتهى إلى تدمير بلاده وخسارة كل شيئ.
الكيان الصهيوني إسرائيل محبوب الغرب ومدللهم، يؤثروه ويغدقون عليه بأفضل ما لديهم من سلاح ومعدات وعلوم وتقنيات، عدا الأموال بلا حساب، ويقفون خلفهم بالحق والباطل، إلا أنهم لم يستوعبوا معنى أن تقضم إسرائيل الضفة الغربية، فإسرائيل التي لم تتمكن رغم كل ما فعلته ورغم الدعم، لم تتمكن من حيازة شرعيتها، والسلام يبدو بعيداً، بل وأزداد بعداً بعد أن عبرت عن أطماع جديدة للتوسع، إن ما تحتاجه إسرائيل ليست بضعة كيلومترات جديدة، بل سلاما ليعيش فيه شعب عاش مشتتاً، وهذا يبعدها عن السلام، لذلك رفع قادة أوربيون في اجتماع علتي شعار : ” أنقذوا إسرائيل من إسرائيل “.
الثورة الإيراني مضى عليها 41 عاماً والحصاد لحد الآن مآسي داخل إيران نفسها، انتفاضات وثورات واحتجاجات وتظاهرات، انتفاضات للشعوب المقهورة العرب، والكرد، والآذريون، والبلوش، والتركمان …هذا عدا نضال الحركات الوطنية والديمقراطية الفارسية. الإيرانيون غير مرحب بهم أينما حلوا، ليس لديهم خطاب سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي، وحتى خطاب ديني مقنع، ويحل بدل الإقناع سلاح الإرهاب والقتل والتجريف.
الشيعة هم أقلية صغيرة جداً في اليمن ولبنان، وسورية وأفغانستان، وفي كل مكان حتى في إيران ليسوا أغلبية كبيرة، عدا في جمهورية أذربيجان الشمالية، ورطوا الشيعة الأفغان في مواقف سيئة في أفغانستان، وأحرجوا موقفهم .. الآن ينقلونهم إلى سورية، تصور طائر من جبال هندكوش يعيش في بلاد الشام، أي خيال مخرف هذا فاصطدموا بالسكان هناك وسينزحون مستقبلاً الله أعلم إلى أين .. وجلبوهم إلى النجف وكربلاء، ولكن استقرارهم هناك مشروع خيالي .. إيران تريد إشراك كل شيعة العالم بمشاكلها … والحصاد باهظ التكاليف.
هناك أتفاق أمريكي ــ إسرائيلي بتفاهم ملعون : ماسوني صهيوني وغيرها من الجمعيات السوداء، أتفاق على قتل أكثر ما يمكن من العرب والمسلمين، وأوكلوا هذه المهمة القذرة للفرس مقابل صمت مطبق عن حقوق الإنسان وجرائم الحرب … ومساندة إيران في مواجهة مشكلاتها ..
41 عاماً متواصلة من حصاد للخيبات والمشاكل مع الجيران، ومع المحيط والمنطقة .. لماذا لا تعرفون أن تتفاهموا .. لماذا يكرهكم كل الجيران، وحتى الأوربيون والغرب، مع أنهم يقدرون لكم خدماتكم بقتل العرب والمسلمين، ولكنهم يعلمون أنكم حليف مشاغب وينتابه الخرف كثيراً … وحتى وكالة أنباء أوربية كبيرة نشرت تحقيقاً مطولاً عن احتفال ديني بعنوان ” الجهل المقدس “.
ولكن اليوم بلغ مستوى التراكم في العجز عن تقديم صورة محترمة لدوله محترمة تستطيع التخلي عن الإرهاب وتصديره، وتوزيع التخريب والقتل والاغتيالات حيثما أمكن لها ذلك، في نشاط لم يسبق أن مارسته دولة في الماضي، بحيث أصبح اليوم بقاء هذه الدولة عنصراً مهدداً للسلام والأمن والعيش الآمن. وهذه الحقيقة يتحدثون بها سراً وعلناً في أوربا. الأمر صار مفضوحاً أكثر مما يمكن احتماله.
الغرب يعلمون الفائدة والخدمة التي يقدمها النظام الإيراني للغرب، والأمر لا يتعلق بنظام الملالي فقط، بل بسلسلة الأنظمة والأسر المالكة التي حكمت إيران منذ العهد الصفوي وحتى الآن، فهي الأداة التي يستخدمها الغرب للتدخل وإثارة المشاكل ليتسنى لها مد أذرعها الاستخبارية والاقتصادية والعسكرية في المنطقة. لذلك لن يتخلى الغرب عن هذه الأداة المثالية، ولكن حانت الضرورة التاريخية استبداله بنظام يكون أكثر مقبولاً وأوفر احتراماً.
هناك من أقنع إيران أنها يمكن أن تلعب دوراً قيادياً في الشرق الأوسط، وفي الواقع إقناع إيران لتلك الجهات ليست معضلة لأن التوسع هو مبدأ راسخ في التوجه الإيراني ، ففيه تصدير لأزمتها وهي تعاني من أزمة هوية، ولكن الجهات تلك أقنعوها أن تكون فاتيكان الشيعة في المنطقة كمرحلة أولى، ولتدور صراعات لا تنتهي (بدلاً من التنمية) .
وفوق هذا، إيران لا تمتلك شيئاً من وسائل الانتشار والتوسع، وهذه علة قديمة تصاحب الطموح الفارسي عبر التاريخ، فالفرس لا يمتلكون شيئاً لتقديمه للشعوب الأخرى … لا شيئ البتة ..! فلا اقتصادهم قادر أن يكون اقتصاد محيطي، فليست هناك صناعات ولا حتى منتجات زراعية، ولا ثقافة محترمة، ولا تقاليد سياسية واجتماعية … لا شيئ من كل هذا .. فالتوسع قائم بقوة السلاح والقتل اليومي بدون أفق .. والدليل الساطع أن حصاد 41 عاماً من سياسة تصدير الثورة لم ينجم عنها سوى التخريب وشبان مهوسيين يربطون رؤوسهم بخرق سوداء يقفزون في الشوارع بأيدهم السلاح .. حسناً وماذا بعد .. !
نعم هذا التخريب مطلوب من الغرب، بل هو هدف اللعبة، ولكن التخريب بلغ مداه الأقصى، وبعد قتل الملايين، وتهجير عشرات الملايين، والآن وبعد ومرور 41 على المجزرة الفارسية ..إلى متى ..؟ لنفترض أنهم سيحولون هذه الأرجاء كلها إلى فارسية وهو حلم خرافي… ولكن لنقبل بهذه الفرضية ..حسناً، إيران نفسها تمور وتفور بانتفاضات وثورات وتعد بالكثير في بطن التاريخ المقبل ..هناك من يفكر من العقلاء حتى بين السفلة والمجانين لديهم ما تبقى من العقل ليتسائلوا … وماذا بعد ؟
الحل هو الإتيان بحكومة (إيرانية) قادرة على العيش والتعايش …أن تكون مقبولة داخلياً، وأن تمارس دورها المطلوب والمقبول في المنطقة، ولكن بتكاليف أقل … كان الشاه يمارس هذه الدور لهم بأناقة (نسبياً) يتدخل هنا وهناك، في الخليج والعراق، بل وحتى في أفريقيا.. ولكنه حين بالغ في تقدير نفسه وأراد أن يتحارش بالدول العظمى، قالوا له .. كفى .. ودبروا له الثورة الإسلامية ليموت كأبيه في الخارج مريضاً مهموماً.
هناك مؤشرات عديدة تدل أن الدور هذا بلغ غايته في عهد الملالي .. ولكن هناك من يريدها سكرة حتى الثمالة ..