لعبت الصحافة الشيوعية في العراق دوراً كبيراً في نشر الوعي الوطني والثقافة التقدمية، ورغم انها كانت سرية، لكن توزيعها كان واسعاً، وبمختلف الوسائل والأساليب لايصالها الى مختلف فئات وطبقات الشعب العراقي، ولاقت القبول الاستحسان والإقبال عليها من الأوساط التي كانت تصلهم، وكانت هذه الوسائل الإعلامية الشيوعية السرية تتميز بشكل واضح عن الصحافة العلنية من حيث تسليط الأضواء على الواقع السياسي العراقي والمشاكل التي تواجهها الأغلبية الساحقة من بنات وأبناء الشعب، وتقدم الحلول العملية للتصدي والتقليل من معاناة الجماهير، بعكس وسائل الاعلام الرسمية والتي كان همها الوحيد الاشادة بالنظام السياسي القائم، ومحاولة تلميع السياسات الاقتصادية والاجتماعية، وكان الكذب والتلفيق وتزييف الوقائع والأحداث هو الصفة البارزة للأعلام الرسمي والأهلي، وذلك لخدع الأغلبية الساحقة من شغيلة العراق.
كانت هناك مصاعب ليست بالقليلة في تهيئة مستلزمات طبع صحيفة الحزب الشيوعي، ومن ضمنها الحصول على أجهزة الطباعة، وأتذكر اننا كنا ثلاثة رفاق نعيش في غرفة في أحد المناطق بالقرب من شارع الرشيد، وكان لكل واحد منا واجبات ومسؤوليات حزبية، وفجأة تلقينا قراراً حزبياً بأعفاء رفيق معين من مهامه الحزبية، بسبب تكليفه بعمل حزبي معين، لقد حاولنا ومن باب حب الاطلاع معرفة المهمة الجديدة لرفيقنا، ولكن كان يرفض، لكن فجأة سألنا قائلاً هل تريدون معرفة مهمتي الحزبية، أنني أخذ الأوراق البيضاء معي وأعود بأوراق سوداء…!!، وللتوضيح فأنه كان يذهب الى مطبعة الحزب السرية برزم الأوراق وبعد الطبع يقوم بتوزيعها على المنظمات الحزبية، والتي لم تكن عملية سهلة بسبب المراقبة الأمنية من قبل الأجهزة القمعية، ومع ذلك كانت الصحافة الشيوعية تصل الى أوساط واسعة.
لقد تم تكليفي بإيصال صحيفة الحزب “كفاح الشعب” الى أحد معلمينا في المدرسة وكنت على علاقة جيدة معه، وهو الشاعر شاذل طاقة، وعندما أعطيته الجريدة أخذها ووضعها بسرعة في جيبه قائلا: أعرف أنك شيوعي. في اليوم التالي طلب مني تزويده بكل عدد جديد يصدر من الصحيفة، وبالطبع قمت بتنفيذ ذلك.
ان المثقفين والمتعلمين كانوا يقبلون على قراءة صحافة الشيوعيين العراقيين، لأنها كانت في الحقيقة تعبرعن آرائهم ومشاعرهم ومواقفهم من نظام الحكم القائم، لذا استطاعت الصحافة الشيوعية خلق وتكوين رأي عام تقدمي في البلاد، وأنعكس ذلك في ظهور كتاب وأدباء ومثقفين لهم وزنهم في الحياة العامة، من هؤلاء عبد الملك نوري وصلاح خالص ومحمد مهدي الجواهري ومحمد صالح بحر العلوم والمثقف الكردي كوران وعبد الوهاب البياتي وبدر شاكر السياب وعبد الجبار وهبي “أبو سعيد” وكاظم السماوي وعبد الرزاق الشيخ علي ومحمد ملا كريم ومظفر النواب وحسين مردان والمئات من الذين كان لهم دور في مسيرة الثقافة الوطنية العراقية، كان تأثير الصحافة الشيوعية كبيرا جدا، وظهرت صحف علنية كانت تدعو للفكر التقدمي وسيادة الديمقراطية والاهتمام بمشاكل العراق وتلبية مطالب الشغيلة وأعطاء المرأة حقوقها، ومن هذه الصحف، “صوت الاحرار” و “الرأي العام” وغيرها.