كتاب (محو العراق)/ مايكل اوترمان و ريتشارد هيل و بول ويلسون
ترجمة: مظهر كرموش
……………………………………….
مراقبة المدنيين
في رواية جورج اورويل 1984 ينظر الى [ اللا شخص] على انه أي انسان اعتبرته الدولة انه لا يوجد اصلاً ولم يسبق له ان وجد ابداً ، هو ذلك الفرد الذي يشكل مجرد وجوده تهديداً للوضع القائم. ولقد افترض الغرب، والى حد بعيد ، المنزلة الضبابية للعراقيين على انهم : “لا شعب “، الذين ـ وبكلمات المؤرخ البريطاني مارك كورتس ” يعتبرون لا قيمة لهم ،قابلين للنفاذ والاستهلاك في السعي نحو السلطة والربح التجاري ” .هذا التصميم لم يحدث بالصدفة .فالحكومة ووسائل الاعلام اسكتت أصوات العراقيين المحيطة في الشتات والكلفة البشرية للعدوان الأمريكي هي جزء من خطة الاستبعاد .ولكسر الصمت يتوجب على المرء دراسة الميكانيكية التي وضعت في الميدان. [بحسب تعريف قاموس اللغة الإنكليزية لونغمان للكلمة ـ هو ذلك الانسان الذي لا يعترف به اما لاسباب سياسية او أيديولوجية {وهو الانسان الذي جرد من هويته}ـالمترجم]
الموضوعية المناسبة
في عام 1983 نشر الرائد المتخصص في البحرية الامريكية [ أرثور هامبشاير] مقالة ذات تاثير حول حرية الصحافة في زمن الحروب صاغت سياسة الولايات المتحدة الامريكية لعقود قادمة. ظهرت المقالة في عدد مايو /حزيران في دورية كلية الحروب البحرية ,حيث حدد [ هامبشايرٍ] ترابط “المشاكل ” حول حرية الصحافة والوسائل لتامين “الموضوعية الملائمة “لفرقة الصحافة الامريكية ” .كانت لهذه المقالة اثر بعيد على رقابة البنتاغون في أوقات الصراع ، من غرانادا
1983 الى العراق اليوم .
” ان ما ارهق كاهل “هامبشاير هو نظرية او عقيدة وسائل الاعلام الامريكية انها “خسرت الحرب ” في فيتنام اضعفت معنويات الراي العام الأمريكي.فطبقا له
“[حين يرى أقارب المجند ان ولدهم او أي جندي يمكن ان يكون ابنهم قد أصيب بجروح او اصبح مقعدا سواء في الواقع الحي ,او من خلال تخيله امام اعينهم ، فان ذلك يؤول الى تآكل تضامنهم إزاء اهداف حكوماتهم من الحرب. وهذا ما حصل اثناء حرب الفيتنام. نعرف ما الذي حصل في الراي العام كنتيجة من الجرعات المتكررة للدماء والاحشاء التي كانت تضخ للرأي العام والذي لم يكن مهيئاً للتعامل معها .المسألة تبقى اذن : ما الذي تستطيع الحكومة فعله إزاء مشاكل كهذه آخذين في الاعتبارامكانيات التقنية العالية لوسائل الاتصالات الحديثة واعتياد الراي العام العالمي على حرية المعلومات ؟
شاهد “هامبشاير نموذجا مثاليا في سياسة بريطانيا خلال حرب الفوكلاند، حين فرض البريطانيون الرقابة الكاملة على وسائل الاعلام .فقد سمح البريطانيون لوحدة من 29 صحفيا فقط لمرافقة القوات الى جزيرة جنوب المحيط الأطلسي .هذه الترتيبات مكّنت الانكليزمن السيطرة وباحكام على تحركاتهم وعزل المراقبين الناقدين عن المشهد. فئة قليلة فقط هم من شاهدوا اشتباكاً حقيقياً.اضافة الى ذلك مارست بريطانيا التحكم الكامل على نسخ مراسلات وتقارير الصحفيين والمخبرين وتدقيقها
قبل النشر. متاثرا بتلك الإجراءات ، كتب “هامبشاير”في دورية كلية الحروب البحرية :
“بالرغم من فهم الاختيار في المجتمع الديمقراطي فقد كشفت لنا حرب الفولكلاند التأكد من ان طريقة تغطية الحرب لا يجب ان تنسف سياسة الحكومة .
ان هناك الامكانية في جنوب الأطلسي لكي نبين للناس في الوطن صورة زاهية ،واقعية ، تجري الان لرجال ينتمون الى امتين مختلفتين حول جزيرتين اعتياديتين ولذلك غير مهمتين يفعلان أشياء دائمة وقبيحة لبعضهم البعض. بعد هجوم الفيتنام الشمالية عام 1968شاهد الراي العام الأمريكي وبهذا الخصوص العالم كله ،شاهد نموذجا اسلوب فيتنام الجنوبية في تنفيذ الإعدام ـ الإعدام الحقيقي لجندي من الأعداء من خلال أجهزة التلفاز في بيوتهم . وهذا النوع من الأشياء لا ينتج دعما للحرب في الوطن.واذا كنت تريد المحافظة على الدعم الشعبي لا يتوجب على جانبك ان ينظر اليه على انه همجيا ووحشيا .
لقد اعطى نموذج الفولكلاند الحل “آلية التحكم في مراقبة القتال , اعتماد الرقابة ،حشد التاييد على شكل حب الوطن في الداخل وفي مناطق القتال . وقد أظهرت لنا كل من الارجنتين وبريطانيا العظمى كيف تعمل هذه الحكمة “.
وبينما ثمن “هامبشاير “نهج بريطانيا العام غير انه عاب عليهم بانهم كانوا اغبياء. فقد فشل البريطانيون في تقدير ان إدارة الاخبار هي اكثر من الرقابة الأمنية على المعلومات .فهي تعني أيضا تزويد الصور “فوسائل الاعلام يجب ان تدار بعناية ” يشرح موضحا ، ولا يجب ان تغلق بشكل كامل .
” انه من الضروري ان الحكومة وفرعها العسكري ان يعطوا بانتظام تصريحات مختصرة الى كل ممثلي منظمات الاخبار كممارسة لكي يضمنوا علاقة الثقة ، ولرعاية مجرى صحة المعلومات و يجب ان تتضمن الخطط معايير دمج وسائل الاعلام في منظمات الحرب ..ان تهمل السلطة دعم مواصلات المحطات غير المهمة وتذهب الى تلك التي تتسم باتساع حزمة اخبارها ولها السبق الصحفي أولا.
ان وسائل الاعلام يمكن ان تكون أداة نافعة ، بل وحتى سلاح في تنفيذ الحرب سايكولوجيا ،بحيث ان منفذي الحرب لا يحتاجوا لاستخدام أسلحتهم الأشد فتكا.”
تركت مقالة هامبشاير اثرها على كل العاملين في إدارة ريغان بخصوص معارضتهم لاطلاق حرية الصحافة اثناء الحروب ـفلا يجب على الاطلاق السماح للصحافة مرة ثانية بنشر [ الحيرة ] عند الجمهور حول اهداف الحكومة عن الحرب .وطبقا ل [تيد كالن كاربنتر] مؤلف كتاب [ الصحافة الاسيرة ]:ازمة السياسة الخارجية والتعديل الأول فان مقالة [ هامبشاير ] هي خطة عمل للوصول الى السيطرة على وسائل الاعلام في مناطق الاشتباك ونشرات الاخبار التي تظهر في النهاية .ومن الواضح انها استقبلت باهتمام معتبر من لدن كبار القادة العسكريين وكبار الموظفين الرسميين. ومنذ ان غزت الولايات المتحدة بنما كان البنتاغون يتابع توصيات “هامبشاير” وبنتائج مختلطة .
إدارة غرانادا ،بنما ،حرب الخليج الأولى
في الثالث والعشرين من شهر اوكتوبر عام 1983 قامت الولايات المتحدة بغزو غرانادا في “خرق فاضح للقانون الدولي طبقا للجمعية العمومية
للأمم المتحدةـ للإطاحة بالحكومة الماركسية بقيادة “هيدسون اوستن “.فقبل ذلك بايام احكم اوستن قبضته على السلطة وقام باغتيال رئيس وزراء غرانادا ” موريس بيشوب “. وطبقا لمعايير “هامبشاير ” كتب ” جون ار ماك ارثور”مؤلف كتاب[ الجبهة الثانية :الرقابة والدعاية في حرب الخليج الأولى عام 1991] فان معلومات البنتاغون عن العملية في غرانادا لم يجر التعامل معها بكفاءة. فقد كان هناك القليل جدا من نشرات الاخبار العامة
ورقابة عامة.ومثل ما فعل البريطانيون في جزر الفوكلاند قامت واشنطن بغلق الطريق امام وسائل الاعلام ومنعت الصحفيين من الدخول الى الجزيرة الى ان مضت 48 ساعة بعد الغزو الاولي. وحاول بعض المغامرين من الصحفيين ايجار سفن وطائرات قامت القوات الامريكية باجبارها على العودة او حجزها .وقد حذر العميد البحري قائد فرقة العمل المشتركة “جوزيف ميتكالف مخاطبا الصحفيين” من منكم أيها الشباب قد جاء على ظهر مراكب الصحفيين ؟ حسنا ،انا اعرف كيف امنع قوارب الصحافة هذه ، كنا نصرخ فيهم ، لم نغرق أي سفينة لحد الان ، ولكن كيف لنا ان نعرف من هو على ظهر هذه القوارب . وفي النهاية سمح للصحفيين بالدخول الى الجزيرة، واخذهم الضباط الرسميون في جولة على المواقع التي تقع بعيدا عن اهوال الحرب ، واذا ما عثروا على احدهم وقد ترك المجموعة المتجولة فانه سيمنع من المشاركة لاحقا.واثناء التعتيم الإعلامي ، اختلق البنتاغون سير المعارك وتزويد وبطريقة وحشية ارقام غير صحيحة عن اعداد الجنود الكوبيين وكمية السلاح الروسي على الجزيرة .وكما سنرى في الفصل الرابع مع تقليل عدد الضحايا المدنيين الى الحد الأدنى.وفي عام 1985عثرت مؤسسة صندوق الاستثمار للقرن العشرين على تقرير عن الرقابة يظهر فشل الحكومة فشلا ذريعا في غرانادا مطالبا السماح للراي العام الاطلاع على سيرالعمليات العسكرية الرئيسية والتي لم يسبق لها مثيل في التاريخ الأمريكي .”ورغم التعتيم الإعلامي فان بعض المشاهد سربت خلسة من الجزيرة .فقد نجح مصور فوتوغرافي شجاع ، مستخدم عند شركة سيغما الفرنسية في الانفصال عن مجموعة فرقة الصحافة والتقط الصورة الوحيدة عن هذا النزاع وهي لجندي من البحرية الأميركية ـ صورة سوف تنشرها لاحقا مجلة التايم .” فقد لاحظ [ماك ارثور] ان شريحة المخمس البنتاغوني قد لوحظ على الجثة “بحيث انهم
اكدوا لنا ان ذلك لن يحدث مرة أخرى.
بعد غرينادا اوصت لجنة من البنتاغون حول حريات الصحافة في زمن الحرب ، ترأسها الجنرال “ديانت سايدل “بانشاء طاقم قومي لوسائل
الاعلام ـ مجموعة صغيرة من المراسلين يسمح لهم بمصاحبة القوات الامريكية خلال المراحل الأولية لاي فعالية عسكرية .على ان يحذف أي شيء يعتبر تهديدا لامن المهمة قبل ان ينشر.اضافة الى ذلك فان البنتاغون نفسه يقوم باختيار وكالات الانباء المشاركة .وطبقا ل “تيد كالن كاربنتر ”
“فان التاثير العملي كان لتامين احتكار الانباء لاعضاء التيار السائد في الصحافة من الذين من غير المحتمل ان يكونوا خصوما عنيدين لسياسة التدخل الخارجي الأمريكي” .وحين استخدم الطاقم القومي خلال عمليا ت البحرية الامريكية في عامي 1987و1988 قامت رقابة البنتاعون بإلغاء العديد من المراسلات وقامت بتاخير نشر بعض التقارير لاكثر من 24 ساعة . ان نظام الفرقة الصحفية استخدم أيضا اثناء الغزو الأمريكي لبنما عام 1989 .كان الهجوم الاولي يرمي الى الإطاحة ب مانويل نورييغا وتسليمه للعدالة ، غير ان الوحدة الصحفية كانت قد أخفقت والى حد كبير .اذ ان الفرقة الصحفية قد وصلت متاخرة مدة ساعتين قبل ان بدأ الهجوم وعندما وصل تجمع الصحفيين تم اعتقالهم في قاعدة أمريكية الى ان انتهى الهجوم الرئيسي.وعلى عكس غرانادا لم نعثر ولو على صورة واحدة من الضحايا وجدت طريقها الى موجات الهواء او الصحف.
بعد ذلك بسنوات استخدم نظام الفريق الصحفي خلال حرب الخليج الأولى لتصوير ” الحرب النظيفة ” مع القليل جدا من من الضحايا .كانت التقييدات على حركة الصحفيين وعلى ارسال التقارير.وكما سجلتها آنذاك صحيفة لوس انجلز تايمز:
رغم ان اعتماد 1400 مخبرصحفي في المملكة العربية السعودية فان مائة منهم فقط عينوا لكل مرة في وحدة الصحافة والتي يجب ان يصاحبهم ضباط من الجيش. وخلال 35 يوما من أيام الأولى للحرب فان نصف هذا العدد تقريبا ممن شاركوا في أي وقت لكل مرة اما البقية فقد بقوا في فنادقهم في الرياض وفي الظهران. حيث تعقد التصريحات الإخبارية المختصرة على مسافة 300 ميل من ساحة المعركة. لقد اندهش الصحفيون المتطوعون بهذه الترتيبات” ان هذا النظام يجعل من المستحيل معرفة فيما اذا كانت هذه الصيغة من الحرب التي يتلقاها الامريكيون موثوق بها” وصحيحة ام لا “يقول” والتر كرونكايت”
وطبقا لستانلي كلاود”رئيس مكتب التايم السابق في واشنطن” لقد افترض البنتاغون ان هناك طريقة للسيطرة على كل جانب من تغطيتنا الصحفية فقد حددوا لنا وصولنا الى المعلومة الصحفية الى الحد بحيث انه لم يكن بوسعنا ان نقوم بتغطيتنا الصحفية. كانوا يغذوننا بنفس الطعام من المؤتمرات الصحفية والتي يقرروا فيها أيا من الاخبار التي ستنشر ، واذا ما قام صحفي بتغطيته الصحفية لمؤسسته الصحفية بحيث لا يعجبهم ذلك ، يمكن ان يخضعوه للمراقبة التي يمكن ان تصل الى حد تطويع صحافته في الجيش الزاميا .
هيمنت لقطات الأفلام عن القنابل “الذكية” وهي تدك أهدافها معظم المؤتمرات الصحفية المختصرة في العربية السعودية .وبينما شكلت الأسلحة الموجهة بالليزر سبعة في المائة فقط من الذخائر التي اسقطت على العراق ، صور لنا فيديو اطلقه البنتاغون ضربات ناجحة اصابت بها الصواريخ أهدافها بدقة متناهية فتحات المداخن والشبابيك .” وحتى هذه اللحظة هناك لقطات من الأفلام لم يسمح البنتاغون باطلاقها.تلك الحرب شنت في عصرالفيديو ومشاهدة قدم واحدة من الفيلم تصور لنا شيئا لا يشبه القتال الذي سبق للبشر ان خاضوه سابقا “. هكذا كتب مراسل صحيفة نيوز ريبوبلك ” كريك ايستربروك ” في سبتمبر من عام 1991, ويتذكر “ايستربروك ” لمحة موجزة عن الكلفة البشرية . يقول ” ايستربروك ”
” الرقيب العسكري تملكه الجنون عندما سمح آمر الموقع للصحفيين بمراقبة فيديو لسلاح ذو آلة تصوير صور من طائرة ” الاباتشي” التي تسللت الى تجمع من الشبان العراقيين . في الفيديو نشاهد مجموعة من المراهقين العراقيين وهم يندفعون في كل الاتجاهات وقد تملكهم الرعب حين دار بهم المدفع في الطائرة دورته فيهم وطبعا لم يكن بامكانهم مشاهدة المدفع ، قطع أجسادهم الى نصفين . وقد سحب الفيديو بسرعة من التداول.
وحينما سالت احد المسؤولين الكبار في البنتاغون لماذا اجابني ” اذا ما سمحنا لناس مشاهدة هذا النوع من الفيديو فلن تكون هناك حرب أخرى مرة ثانية والى الابد “.
إضافة الى الصور الانتقائية ، من تجربة سنوات حرب الفيتنام انتشرت التعبيرات اللطيفة والتأنق اللفظي في حرب الخليج الأولى .الصحفي الاستقصائي ” مارتن يانغ ” استذكر ” التوصيفات الأقل حساسية للضحايا من المدنيين ك [ اضرار جانبية ] ، اما ضحايا الامريكان ك[ استشهد في الاشتباك ] والقتل كنوع من [ الاستنزاف ]. وفي مارس من عام1991 وجدت دراسة ميدانية ان هذه المصطلحات أخفت او قنّعت اهوال الحرب بشكل فعّال .فطبقا لخلاصة الاستفتاء الذي أجرته شركة ” تايمس ميرور”فان
“سئل نصف من شملهم الاستطلاع السؤال عن ما اذا كانوا قلقين عن مقدار [ الاضرار الجانبية الناجمة] عن قصف الحلفاء.عندما تم طرح السؤال باستخدام هذا التعبير الجبري عن الخسائر المدنية ، أجاب 21 بالمائة انهم قلقون للغاية و 34 بالمائة اجابوا بانهم قلقون الى حد ما .ولكن تم صياغة السؤال للنصف الاخر من العينة ، وكان التباين ملفتا للنظر .والسؤال اذا كانوا قلقين بشأن عدد[ الضحايا المدنيين ] وغيرها مثل [اضرار غير مقصودة في العراق]، ابلغ 49 بالمائة منهم عن قلقهم البالغ و 33 بالمائة منهم بالقلق الى حد ما ”
بالإضافة الى ذلك فان 58 بالمائة من الأمريكيين شعروا ان الصحفييين “ذهبوا بعيدا جدا “عندما غامروا بالابتعاد عن الفرقة الصحفية للبنتاغون
ـ فقط حفنة من عشرات الصحفيين المغامرين فعلوا ذلك ، بينما كان تسعة من كل عشرة اشخاص على قدر كبير او لا باس به من الثقة في دقة التقاريرالرسمية للجيش عن الحرب . و شعر ،وبشكل ملحوظ ، ما يقارب من ثلثي جميع الأمريكيين ان الرقابة العسكرية هي اكثر أهمية من ق
قدرة وسائل الاعلام على تغطية التقارير الصحفية . وفي ضوء هذا التسامح الجماهيري مع الرقابة ـالى جانب الطفرة في الوطنية في اعقاب هجمات 11 سبتمبر ـ فان قضية الضحايا المدنيين كانت اكثر غموضا خلال الصراعات الامريكية .
سيف ذو حدين
بداية ،لا يوجد مكانا رسميا للضحايا المدنيين في حرب أمريكا على الارهاب ـ مبادرة تركزت حول “حرب الأفكار ” فوفقا للاستراتيجية الوطنية الامريكية لمكافحة الإرهاب :
“سنشن حرب افكار جنبا الى جنب مع المجتمع الدولي لتوضيح ان جميع اعمال الإرهاب غير شرعية، لضمان
ان الظروف والايديولوجيات التي تروج للارهاب لا تجد لها ارضا خصبة في أي امة ، لتقليل الظروف الأساسية
التي يسعى الارهابيون الى استغلالها في المناطق الأكثر تعرضا للخطر ، واشعال الآمال وتطلعات الحرية لتلك
المجتمعات التي يحكمها رعاة الإرهاب العالمي . ”
لكن قتل وتشويه المدنيين الأبرياء ـجوانب الحرب التي لا يمكن تجنبهاـ تتعارض مع هذه الأهداف المعلنة لان ” جوهر الإرهاب
هو النقص العابث في الاهتمام بحياة المدنيين .” وقد لاحظ [ سليت سكوت شوجر]، “ان اظهار عدم الاهتمام بنفسك يعني
ان الجهد كله لا يبدو للعيان انه معيبا ولكنه كذلك .” كيف حل البنتاغون هذه المشكلة ؟ الهبوط في مسالة الضحايا المدنيين
في طبقات الدوران الاعمق والسفسطة .اشبه بغصن الزيتون في امتداده الى مدراء الاخبار التنفيذيين مباشرة بعد حرب الخليج الأولى،وقد
تعهد البنتاغون بانه ” سيتمكن الصحفيون من الوصول الى كافة تخصصات الوحدات العسكرية ” وان “ضباط الشؤون العسكرية العامة يجب
ان تعمل كجهات اتصال ولكن لن تتدخل في عملية التقارير الإخبارية.” هذه الوعود سرعان ما تلاشت عندما غزت الولايات المتحدة
أفغانستان. وبدأت الحرب دون تفعيل تجمعات الصحافة ، بينما هدد دونالد رامسفيلد بمقاضاة أي مسؤول عسكري يسرب معلومات الى
الى وسائل الاعلام حول الهجوم . وفي نهاية شهر شباط من عام 2002 بعد أربعة أشهر من الغزو الاولي ــ قام البنتاغون بتفعيل اول تجمع صغير
للصحفيين .وسعت بعض المنظمات الإخبارية الى شراء التصاوير عبر الأقمار الصناعية لسد النقص الذي تواجهه على الأرض في
أفغانستان ــ التكتيك الذي سرعان ما داسته الاقدام.
في أكتوبر من عام 2001، انفق البنتاغون الملايين من الدولارات لشراء الحقوق التجارية للاقمار الصناعية التي تدور فوق أفغانستان .
كان الجيش الأمريكي يوجه آنذاك بالفعل على الاقل سبعة أقمارتجسس صناعية عالية الوضوح، ولكن لا يزال يشتري حصريا البث الذي يبثه القمر
الصناعي المدني “ايكونوس ” وبالتالي منع منظمات الاخبار والافراد من الحصول على صوره. ان قرار عرقلة الوصول الى الصور من هذه الأقمار الصناعية ، كما تقول صحيفة الغارديان ،وقعت بعد ورود “تقارير عن خسائر فادحة بين المدنيين جراء القصف الليلي لمعسكرات التدريب بالقرب من مدينة “دارونتا “الى الشمال الغربي من جلال آباد ، وتضيف الصحيفة، سيكون من الممكن ان نرى الجثث ملقاة على الأرض بعد تفجيرات الأسبوع الماضي .”
في أعقاب نموذج حرب الخليج الأولى ، غذى العاملون في البنتاغون صورا انتقائية للصحفيين في أفغانستان من خلال مراكز الاخبار الخاضعة للرقابة المحكمة .” كان لدينا حرية اكبر في تغطية الاخبار العسكرية السوفيتية عنها مقارنة بمعسكر ” رهينو ” يشكو “والت روجرز” الصحفي من سي ان ان ، في إشارة الى معسكر قاعدة بحرية أمريكية. اما الناقد” ادوارد.اس.هيرمان” فاضاف ” ان المراسلين الأمريكيين محاصرون في قاعدة باغروم مع جلستين يوميا للاحاطة الصحفية …والصحفيون مطيعون بشكل أساسي في نسخ ونقل هذه الاخبار .” خارج قاعة الإحاطة الصحفية
كان الصحفيون في أفغانستان مهددين اثناء محاولة الإبلاغ عن الخسائر البشرية. وعندما حاول ” دوغ ستراك” ، من الواشنطن بوست ، زيارة الموقع الذي قصفته الولايات المتحدة والذي اودى بحياة العشرات من المدنيين اخبره القائد الأمريكي قائلا ” اذا ذهبت ابعد
من ذلك فاننا سنطلق عليك النار” وقد لاحظ ” ستروك” ذلك مؤخرا كيف ان الحادثة أظهرت التطرف العسكري للحفاظ على سرية هذه الحرب ،
و لمنع المراسلين من معرفة ما يجري .
في الرابع من آذار ،عام 2007 ، بعد حوالي خمس سنوت استمرت تهديدات مماثلة ، حيث اجبر جندي امريكي اثنين من صحفيي اسوشيتد برس على حذف الصور ولقطات الفيديوفي مشهد للتفجير الانتحاري واطلاق نار في شرق أفغانستان اسفر عن مقتل ثمانية أفغان وجرح34. وقد دافع مسؤولو البنتاغون عن تصرفات الجندي مشيرين الى ان الصور الفوتوغرافية او الفيديوالذي التقطاه هذان الصحفيان “شخصان غير مدربان”على التقاط التفاصيل البصرية التي لم تكن كما كانت في الأصل. كما انتقد البنتاغون أيضا التغطية الإعلامية للضحايا الأفغان التي قامت بها شبكة العربية للاخبار مساوية بين هذه الشبكات بالارهابيين انفسهم . وعادة ما تورد شبكة الجزيرة على تغطيتها الإعلامية عن الإصابات بين المدنيين جراء القصف الأمريكي.ففي الثالث عشر من نوفمبر عام 2001 ، سقط صاروخ امريكي على مقر محطة راديو أفغانستان في كابول ، “هذا المكتب كان معروفا من قبل الجميع والطائرات الامريكية تعرف موقع المكتب ، ويعرفون اننا نذيع من هناك “ويعتقد الصحفي الممثل لشبكة الجزيرة ، محمد جاسم العلي ، ان المكتب استهدف عمداُ ـ وهي تهمة نفاها البنتاغون بشكل قاطع.” انتشرت ودارت رقابة البنتاغون في أفغانستان وارتفعت تعزيزات الرقابة الذاتية بعد احداث 11 سبتمبر الإرهابية.بعد 9/11 صمم مديرو الاخبار شكل الخبر لكي يتناسب لنداء الموجة الوطنية التي اجتاحت البلاد .فطبقا ل “رينا غولدن “النائبة التنفيذية والمديرة العامة لشبكة سي ان ان العالمية آ نذاك ان وسائل الاعلام الامريكية والدولية هي مشوهة وبشكل صارخ في تغطيتها لغزو أفغانستان عام 2001 . “ان أي شخص يزعم ان وسائل الاعلام الامريكية لم تخضع للرقابة فهو يمازحك.”كما صرحت به في أغسطس من عام 2002 .لم يكن الامر ضغوطا حكومية ، لكنه كان ترددا في توجيه الانتقاد لاي امر يخص
الحرب والتي هي مدعومة بشكل واضح من لدن الغالبية العظمى من الناس. وثانيا ان هذه المسألة لا تخص ال سي اس ان لوحدها بل كل صحفي معني بما حدث في الحادي عشر من سبتمبر ويعتبر نفسه مسؤولا.
تعليقات إضافية على الانترنت وتعليق الناشط كورت نيمو
في حين اشتكى العديد من الصحفيين من فرض الرقابة العسكرية خلال حرب الخليج الأولى قبل عقد من الزمان ، يبدو الان ان شركات الاعلام الكبرى قد قررت بمفردها مراقبة الاخبار بدون تحديدات خارجية مفروضة من قبل البنتاغون ، أي بكلمات أخرى ، ان شركات وسائل الاعلام اصبح في جوهره دعاية قصيرة النظرلادارة بوش وهم يعزون هذا التحول الى الرغبة في عدم الإساءة الى الراي العام وهو ما يفترضونه وبنوع من الغطرسة انه متآلف تماما ويبدو لي ان وكالة ال سي ان ان هي الوكالة الرسمية للحكومة .
وقد لعبت الرقابة الذاتية على التلفاز والمطبوعات على حد سواء في تأطير الاخبار المرئية : درست “شهيرة فهمي هجمات الحادي عشر من سبتمبر والحرب على أفغانستان في الصحف العربية والإنكليزية من 12 سبتمبرالى 15 نوفمبر من قبل صحيفتين انترناشونال هيرالد تريبيون وجريدة الحياة اللبنانية وحسب ” شهيرة فهمي ” :
أظهرت الدولية هيرالد تريبيون تغطية إخبارية اكثر كياسة وتختلف اختلافا كبيرا عن نظيرتها العربية.فقد نشرت هيرالد تريبيون عددا قليلا جدا من صور الدمارــ5 صور بدلا من 20 صورة في جريدة الحياة .وفي حين نشرت جريدة الحياة 6 صور للضحايا والموت ، فانه من الملفت للنظر ان صحيفة الهيرالد تريبيون لم تنشر شيئاً.وعلى نفس المنوال تختلف صحيفة الحياة التي لم تنشر أي صور عن المساعدات الإنسانية الامريكية التي تم تم تحديدها في التسمية التوضيحية. في حين نشرت صحيفة الهيرالد تريبيون ثلاث صور .اضافة الى ذلك تقترح النتائج ان صحيفة الحياة حاولت اشراك قراءها بعرض صور من الحياة اليومية في أفغانستان اكثر بكثير ــ 36 صورة بينما الصحيفة الأخرى لم تنشر سوى 3 صور فقط. وعندما تحولت انظار إدارة بوش من أفغانستان الى العراق فان السيف ذو الحدين للغرب ـ الرقابة الذاتية لوسائل الاعلام والرقابة الصريحة من قبل البنتاغون استبعد وبشكل منهجي الرواية العراقية .فخبرة هيلين توماس التي تعتبر اعظم شخصية من فيلق صحافة البيت الأبيض .فقد غطت كل الرؤوساء منذ عهد الرئيس جون اف كينيدي لكنها كانت مكروهة وبشدة من قبل إدارة بوش بسبب توجيهها الأسئلة وفي عام 2003 تم نقلها الى الصفوف الخلفية جنبا الى جنب مع[ دوت كوم وبعض غريبي الاطوار] ،وقد أشار المتحدث باسم البيت الأبيض “اير فيشر”.وحسب ما يذكره فيشر فان الصحفيات مثل هيلين توماس التي طرحت أسئلة صعبة كانت تجلس في ” سيبيريا في حين أولئك الذين يتمتعون بعلاقات صداقة مع الإدارة يجلسوا امام شبكة الرئيس. لكن في 21مارس من عام 2006 ولأسباب لاتزال مجهولة لحد الا ن ـدعا” بوش” هيلين توماس لأول مرة خلال ثلاث سنوات ووجهت له سؤالا مباشرا حول الحرب في العراق والتبادل الساخن الذي تلا ذلك:
هيلين توماس ؛ اود ان اسالك، سيدي الرئيس ، قرارك بغزو العراق قد تسبب في مقتل الالاف من الامريكان والعراقيين وجرحى ومعوقين من الاميركيين والعراقيين لمدى الحياة.وكل الأسباب قيلت في العلن على الأقل تبين انها عارية عن الصحة .سؤالي هو لماذا حقا تريد ان تذهب الى الحرب منذ اللحظة التي دخلت فيها الى البيت الأبيض؟ من مستشاريك ومن مخابرات البيت الأبيض الخ ، ماذا كان السبب الحقيقي وراء ذلك؟سبق
وان ذكرت انه ليس النفط او السعي للبحث ، وانه لم تكن إسرائيل ،او أي شيء اخر .ماذا كان ؟
الرئيس : اعتقد ان فرضيتك ـ مع كل الاحترام الواجب لسؤالك ولك كصحفية مدى الحياة ـ هذاـ لم اكن اريد الحرب .لا نفترض كنت ارغب ان تكون
الحرب خاطئة تماما ، هيلين ، مع كل الاحترام الواجب
هيلين توماس : كل شيء
الرئيس :انتظري لثانية واحدة من فضلك
هيلين توماس : ـ كل شيء سمعته ـ
الرئيس :اسمحي لي، اسمحي لي ل الرئيس يريد الحرب. كل ما قد تكوني سمعت به هو،لكنه ببساطة ليس صحيحا. لي تغير الموقف من الدفاع عن هذا البلد في سبتمبر الحادي عشر.نحن ـ عندما تعرضنا للهجوم ، تعهدت آنذاك وهناك لاستخدام كل الاصول تحت تصرفي لحماية الشعب الامريكي
دفع تبادل المحادثات العديد من المعلقين المحافظين بما في ذلك” بيل اورالي” مراسل وكالة اخبارفوكس لمهاجمة هيلين توماس على الهواء واطلق اورالي على سؤال هيلين بانه ” سخيف” وانه “خارج الحدود بل وذهب الى حد القول انه لو كان في مكان بوش لكنت طردتها.اما كارين هانريتي من ام اس ان بي سي فقالت موبخة “هيلين توماس هي تجسيد لهورد دين ، جورج سوروس، سندي شيهان وكل ما هو لاذع واصراري .واعلن تاكر كارلسون من نفس الشركة لمتابعيه ان هيلين توماس ان الصحفية أصبحت مراسلة للدعاية لوجهة نظرها السياسية واستخدام المؤتمر الصحفي للبيت الأبيض لبثها السياسي” .وبكلمات شخصية المذيع شوك دون ايموس الصادمة” لتصمت الحقيبة القديمة وتخرج فانا سئمت منها .
وبينما كانت هيلين توماس تتلقى الضربات من الخبراء اليمينيين الا انها حفظت غضبها لزملائها .فطبقا لها فان 11 سبتمبرتسببت في جعل فيلق صحفيي البيت الأبيض ليصبح خائفا من ان يكون غير امريكي وغير وطني “. يجب على المراسلين ان يسألوا:انظر ، قلت هذا بالأمس وانت تقول هذا الان.. كيف يمكنك الاقتراب من الشعب الأمريكي بهذا ؟” من المفترض ان نكون أشخاصا مطلعين . نحن نستطيع تدبر الحقيقة.انضمت هيلين توماس الى مجموعة متزايدة من الصحفيين والمراسلين المطلعين من الذين حددوا كاتجاه مقلق خائف من الرقابة الذاتية. وبحسب سكوت مكليلان السكرتير الصحفي السابق لبوش والذي تحول الى ناقد : من المحتمل ان تكون هيئة الصحافة الوطنية اكثر تقبلا للبيت الأبيض وللادارة فيما يتعلق
باهم قرار تواجهه الامة خلال سنواتي في واشنطن حول ما اذا كان لنا ان نذهب الى الحرب مع العراق ام لا.
استعارت الصحفية “جيسيكا ايلين” “مراسلة شبكة “” سي ان ان” التي غطت البيت الأبيض لشبكتي “أي بي سي” نيوز و “ام اس ان بي سي”
اراء الصحفي “مكليلان ” والقت باللوم على مديري الرقابة على الاخبار قائلة
“عندما بدأت الفترة التي سبقت الحرب كانت هيئة الصحافة تحت ضغط هائل من المديرين التنفيذيين لشركات الاخبار ،للتاكد من ان هذه كانت حرب تم تقديمها بطريقة تتفق مع الحمى الوطنية ومقاييس الشعبية العالية للرئيس”
” وتجربتي الخاصة في البيت الأبيض كانت، انه كلما ارتفعت معدلات تاييد الرئيس ، كلما زاد الضغط الذي يمارسه المديرون التنفيذيون للاخبار ـولم اكن في هذه الشبكة في حينها ـ ولكن كلما زاد الضغط الذي تلقيته من المدراء التنفيذيين لوضع قصص إيجابية عن الرئيس …. كانوا سيدفعونني في اتجاهات مختلفة. يرفضون القصص التي كانت اكثر أهمية ومحاولة وضع مقالات اكثر إيجابية … تلك كانت تجربتي ”
” ومثل ايلين ، ناقشت ” كاتي كوريك” من سي بي اس كيف شعرت ب ضغوط الشركات ” لتجنب انتقاد إدارة بوش” ” اعتقد ان هناك الكثير من الضغوط الداخلية كي لا يهتز القارب ولأسباب مختلفة سواء لاسباب الشركات نفسها ام لاعتبارات أخرى.”هكذا تكلمت عام 2007 .وقد طرد بالفعل مذيع التلفزيون الأمريكي من وظيفته في “ام اس ان بي سي” بسبب انتقاده لمسالة حرب بوش على العراق.ووفقا لخبر سربته شبكة ان بي سي حول الرقابة على المدنيين انه تم الغاء برنامج [دوناهو ]لانه كان سعيدا في استضافة جمهور معادي للحرب على العراق و من المتشككين في دوافع الإدارة الامريكية فاقيل من وظيفته واستبدل” بميخائيل سفاج” وهو مؤيد شرس لادارة بوش.اما الصحفية” اشلي بانفيلد” فقد لاحظت ان تغطية الحرب على العراق لم تكن صحافة لان هناك رعب كبير تركته تلك الحرب لم ترصده الصحافة، وأضافت ” يعد التعبير الحر امرا رائعا، انه ما نحارب من اجله ، ولكنه في اللحظة التي يكون غير مستساغا نقوم بمحاربته لسبب ما .وهذا يبدو اتجاها ظهر مؤخرا وانا قلقة ان يكون ذلك انعكاسا عن ماذا كانت الاخباروكيفية وصولها لنا .ما الذي تم استبعاده بالتحديد من التغطية؟ وفي حين كان هناك بعض الاستثناءات فان معظم الصحف الغربية تنفق القليل من الوقت للكشف عن تاثير الحرب على المدنيين العراقيين واللاجئين. فكما لاحظت هيئة مراقبة وسائل الاعلام الامريكية غير الحزبية [عادل ] [ الانصاف والدقة في التقارير] ” على الرغم من سماع الأمريكيين عن المواجهة مع العراق الا ان الصحافة تقول القليل جدا عن حقائق الحرب الأساسية: ان أناسا مدنيين سيقتلون والبنى التحتية سوف تدمر مع نتائج كارثية على الصحة العامة بعد ان تضع الحرب اوزارها.
وفي استطلاع أجرته هيئة مراقبة وسائل الاعلام الامريكية غير المنحازة قبل الغزو على العراق من 1 يناير الى 12 مارس 2003
وجدت ان لا جهة من شبكات الاخبار التلفزيونية الرئيسية الثلاث التابعة ليلا “ا بي سي نيوز” و ” سي بي اس نيوز”و ” ان بي سي الليلية ” قد درست ما هو تاثير الحرب على المدى الطويل على الوضع الإنساني في العراق وقللت من شان الوفيات المدنية الفورية التي سوف يسببها الهجوم الأمريكي .هل قامت الشبكا ت بالإشارة الى الإصابات بين المدنيين؟ ، ولكن سرعان ما استبقت أي اسناد لمسؤولية الولايات المتحدة ” اذا كان هناك عدد كبير من الضحايا المدنيين فسيكونون كذلك وقالت ان بي سي نيوز ان السبب الرئيسي في ذلك هم العراقيون انفسهم . اما الصحفي “كامبل براون” من” أي بي سي” فيؤكد ان صدام حسين شخص سعيد بقتل شعبه ” مضيفا انه قد “يقوم بتجويع الالاف من شعبه ،وتدميرالبنية التحتية الخاصة بهم حتي المدن من اجل ابطاء القوات الامريكية ، ثم القاء اللوم على الولايات المتحدة” . ووفقا لمراسل “أي بي سي” جون دونافان ” حتى لو كان صدام هو المصدر الرئيس لمشاكل الشعب العراقي ، فانه من المحتمل جدا أي يضع العالم اللوم على الولايات المتحدة .وتغطية صحفية كتلك تعزز الملاحظة ان الصراع في العراق سيكون “حربا نظيفة” وان الضحايا لن يكونوا خطيئة الولايات المتحدة.
منظورات مدمجة
كانت الروايات الدموية التي قدمها البنتاغون ووسائل الاعلام الرئيسية التي اندمجت معها ” جزءاً لا يتجزأ”من الصحافة كانت مندمجة مع القوات الامريكية الغازية .كان برنامج الجيش للتضمين قد سمح للصحفيين ” مصاحبة”الجنود عن قرب في مهامهم. والبعض كان ينظر الى الممارسة كتمرين في الصحافة الحربية .ويقدر “جوناثان التر “من “النيوزويك” على سبيل المثال ان هذا التضمين اعطى للصحافة المزيد من الحرية للوصول الى المعلومة في أي صراع منذ الفيتنام”. مضيفا “ان البنتاغون يستحق الفضل في ابتكار حل جيد للوجستيات التغطية القتالية التي تتمناها الصحافة”. كما ان التضمين تقدم لصحفيي مناطق الحرب المزيد من الامن المادي ، متجنبة العديد من الجوانب السلبية .وكما لاحظ “دافيد ميلر” في بداية الحرب 2003 ان التضمين ” لن يسمح للصحفيين بالسفر بشكل مستقل.. هذه القواعد الجديدة تعنى ان عليهم ان يرتدو الزي العسكري والملابس الواقية ، ويأمل البنتاغون ان هذا الاجراء يبدأ ان يتماشى مع الجيش.
ولم يختر كل صحفي ان يكون جزءا لا يتجزأ من قوات الولايات المتحدة ، أي مدمجا ، ولكن معظمهم فعل ذلك. ففي بداية الغزو كان هناك “903”من الصحفيين المدمجين وهم جزء لا يتجزأ من قوات الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، في حين كان هناك ما يقدر ب 150 صحفيا يعملون بشكل مستقل يجوبون شوارع بغداد. وقد قامت دراسة عام 2006 بتحليل 452 مقالة من الصحف الامريكية ووجدت ان هؤلاء المراسلين كانوا مدمجين هم اكثر تعاطفا مع الجيش ولهم ثقة اكبر ازاء الجيش مقارنة بالصحفيين غير المرتبطين. وفي دراسة اخر قامت بتحليل ” 742 “من المقالات كتبت بين19 آذار 2003 و 1 أيار 2003 وجدت تحيزات مماثلة .
وقد وجد “اندرو ام لندور “مؤلف الدراسة ان الصحفيين المدمجون استخدموا عادة كجنود وكمصدر في 93 بالمائة من المقالات وضعف هذا العدد عادة في كثير من الأحيان مقارنة بالصحفيين غير المدمجين وتقريبا ثلاثة اضعاف من مجموع الصحفيين المتواجدين في بغداد. بدوره فان 12 بالمائة فقط من قصص الصحفيين المدمجين احتوت على ذكر للقتلى مدنيين مقارنة مع نصف تلك التي كتبها المراسلون المتمركزون في بغداد و 30 بالمائة مع تلك التي كتبها صحفيون مستقلون .علاوة على ذلك ، استخدم الصحافيون المستقلون ثلاثة اضعاف المصادر العراقية في تغطيتهم الصحفية من الصحفيين المدمجين ،وكتبوا أربعة اضعاف المقالات التي تؤيد التطلعات الإنسانية ذات المصلحة العراقية مقارنة بالصحافة المدمجة .
في حين ظهرت قصص من قبل الصحفيين المدمجين استخداما اقل للمصادر العراقية، وقصصا تظهر اهتماما اقل بالجانب الإنساني العراقي واقل تغطية للوفيات العراقية ، وتلك الصحف كانت الأكثر طباعة بين الصحف الأميركية .كما تبين دراسة “لندر “ان 71 بالمائة من القصص الصحفية المنشورة على الصفحات الأولى في اهم الصحف الأميركية جاءت من صحفيين مدمجين. وبتحليل الأرقام وجدت دراسة “لندر” ان 60 بالمائة من قصص “لوس انجلس تايم جاءت من صحفييين مدمجين ، و 40 بالمائة كتبت من قبل المراسلين المتمركزين في بغداد، ولم توجد أي تقارير من صحفيين مستقلين .اما صحيفة الواشنطن بوست ، تظهر دراسة “لندر ” ان 29 بالمائة جاءت من صحفيين مستقلين و 15 بالمائة من الصحفيين العاملين في بغذاد. كانت صحيفة نيويورك تايمز هي الصحيفة الوحيدة في تحليلها التي تستخدم غالبية القصص [ 52 بالمائة] من مصادر مستقلة، جنبا الى جنب مع “7 بالمائة من تقارير الصحفيين المدمجين و 12 بالمائة من المجموعة المتركزة في بغداد.
ان هذا يتناقض بشكل صارخ مع ارقام حريدة أمريكا الأكثر مبيعا “يو اس توداي” ، فقد جاءت مائة بالمائة من التقارير خلال فترة التحليل من الصحافة المدمجة ، طبقا لدراسة “لندر”فان تقارير الصحافة المدمجة انتج “تغطية شددت وبشكل أساسي على تجارب الجندي من الحرب في نفس الوقت التقليل من آثار الغزو على الشعب العراقي. وهكذا نحن امام إدارة كانت تأمل في بناء الدعم للحرب بتصويرها كمهمة ناجحة وبتكاليف محدودة كانت قادرة على القيام بذلك من خلال برنامج التضمين وبدون بعض الدعاية الثقيلة لجهود عملية عاصفة الصحراء .
ان قدرة الصحافة المدمجة على تغطية الكلفة البشرية للحرب تعتمد والى حد كبير على أمانة الصحفي .ومراسل واحد عاش بين القوات الامريكية ـ لكنه نجح في رؤية تاثير هذه القوات على الشعب العراق هو الصحفي ” ايفان رايت ” من صحيفة ” الرولنغ ستون ” والذي كان ” مضّمنا ” مع كتيبة الاستطلاع التابعة لفرقة مشاة البحرية الأولى كتب خلال تقدم المارينز نحو مجموعة من البيوت الطينية الواقعة على الجانب الاخر من تمركز الفصيل عن نسوة كبار في السن يقفن خارجا” وهن يحدقن في مؤخرة جندي المارينز الشاحبة البيضاء والذي كان عاريا من وسطه الى الأسفل وهو “يتغوط “في الفناء الامامي لمنزلهم” .احد المارينز علّق بعدئذ على “رايت ” متسائلا ” هل يمكنك ان تتخيل لو تم عكس هذا ، لو جاء بعض الجيش الى الضواحي وكان ان اشتهى احدهم ان يتغوط في المروج الامامية امام اعين الجميع ؟ انها وحشية سخيفة “.
بعد أيام ، في اعقاب هجوم المارينز على الناصرية ، قام “رايت “بفهرسة القتلى بدقة شديدة. على الطريق المؤدي خارج المدينة ، “لاحظت الجثث وكثير منها مشوهة بواسطة قافلة عابرة .الجثث” كما كتب” قد سوّيت بالأرض انسحاقا”. أضاف ” عبرنا حافلة محطمة ومحترقة ، مع بقايا بشرية متفحمة جالسة تستقيم في بعض النوافذ.هنا رجل في الطريق بلا راس وفتاة صغيرة ميتة ، أيضا،حولي ثلاثة او أربعة جثث، ملقاة على ظهرها ، انها ترتدي فستان وليس لديها ساقين” .ووفقا لرايت” كان اطلاق النار على المدنيين مبرراً بمعنى ان هناك بعض الباصات لديها انتحاريين داخلها …لكن عندما ترى فتاة طفلة في ملابس جميلة ، شخص ما قد البسها إياها وقد دهست على الطريق وبترت ساقاها ، فانت لا تفكر ، حسنا ،هناك انتحاريين على المقربة وهذه هو الضرر غير المتعمد”.وقال رايت ” في وقت لاحق ، انه يعتقد ان تقاريره عن الحرب تتفق مع وجهة نظر معظم الأمريكيين عن الحرب وانها [ مطهرة للغاية ].