لماذا نقرأ أو بالأحرى لماذا ندرس الوثائق الرسمية ؟
الدكتور ضرغام الدباغ .
الأمر بتقديرنا يتع?دى م?ا يعتق?د بأن?ه ت?رف ثق?افي إل?ى م?ا ھ?و أكث?ر م?ن ذل?ك بكثي?ر، وم?ن ھن?ا ول?د اھتمامنا بدراسة الوثائق البريطانية حول العراق، ث?ورة الراب?ع عش?ر م?ن تم?وز: 1959 ـ? 1958 التي جمعھا وترجمھا وله الشكر والتقدير على ذلك الأستاذ خلي?ل إب?راھيم حس?ين )الض?ابط الح?ر، العمي??د المھن??دس، وزي??ر الص??ناعة الس??ابق( بطريق??ة ت??دل عل??ى الح??رص، بالإض??افة إل??ى الدق??ة والموضوعية، ووضعھا في أجزاء ثلاث?ة تغط?ي المرحل?ة الممت?دة م?ن 2 / تم?وز ـ يولي?و / 1958 وحتى 9 / تموز / 1959وھي وثائق البعثات الدبلوماسية البريطانية في العراق والبلدان المحيطة ب??ه م??ع المرك??ز )وزارة الخارجي??ة البريطاني??ة بلن??دن( وس??فارات بريطاني??ا ف??ي واش??نطن وب??اريس
وموسكو أو غيرھا بقدر تعلق الأمر بالأحداث العراقية.
وق?دتض?منت550وثيق?ةامت?دتبع?دد 1117ص?فحة،وأغل?بالظ?نأنأيخل?لأوانقط?اعف?ي سلسلة التطورات، مرده أن بعض تلك الوثائق قد تعرضت للش?طب أو الحج?ب. أو ربم?ا أن ھن?اك تقارير ل?م تط?رح ض?من الوث?ائق المعروض?ة تح?ت أنظ?ار أو متن?اول الب?احثين وعلين?ا أن نعل?م أن الدوائر البريطانية ) وزارة الخارجية ـ أجھزة الإعلام (، على ما يعرف عنھا من موضوعية، إلا أنھا لا تتأخر بحجب ما يؤدي نشره إلى مضاعفات غير مطلوبة أو مرغوبة، أو ربما إلى فض?ائح سياس??ية مدوي??ة، ب??ل أن ھ??ذه الأجھ??زة الإعلامي??ة منھ??ا بص??فة خاص??ة، لا تت??وانى ع??ن المس??اھمة
بحملات تضليل منظمة بھدف حرف أبصار وأذھان المتلقي إلى محاور واتجاھات ثانوية.
وق??د مورس??ت ھ??ذه السياس??ة ف??ي مناس??بات عدي??دة أبرزھ??ا ح??رب الس??ويس / 1956 أح??داث ح??رب فوكلاند /1982، الأحداث العراقية / 1990 – 1991 وحتى 2003 وبعدھا، وغيرھا, كما يج?در ال??ذكر ب??أن وزارة الخارجي??ة البريطاني??ة ل??م تط??رح حت??ى الآن دلائ??ل أو وث??ائق تكش??ف غم??وض وملابسات رحلة نائب ھتلر، رودلف ھيس الجوية ف?ي طيران?ه م?ن ب?رلين إل?ى لن?دن أب?ان الح?رب العالمية الثانية )1941( رغم مرور ستون عاماً عليھا ووفاة اللاعبين الرئيسيين في القضية ھيس
وتشرشل.
وإذا ك??ان المت??رجم الأس??تاذ خلي??ل إب??راھيم، ال??ذي س??نعتمد بدرج??ة أساس??ية عل??ى إنج??ازه الممت??از بالإضافة إلى كتاب تأريخ الوزارات العراقية في العھد الجمھوري بحلته واتجاه العمل الجديد فيه، وھو بدوره إنجاز يس?تحق الع?املون في?ه التق?دير، نق?ول أن الأس?تاذ خلي?ل إب?راھيم ل?م يش?أ أن يعل?ق كثيراً )إلا فيما ھو ضروري( على التقارير، ولم يؤشر بما يعتم?ل ف?ي وجدان?ه ال?وطني والق?ومي، وھ??و الض??ابط المس??اھم ف??ي حرك??ة الض??باط الأح??رار والمطل??ع عل??ى الأح??داث، فأن??ه ق??د فع??ل ذل??ك مصداقًا لموضوعيته وأمانته ودقة إنجازه وحرفية عمله وحسناً فعل، وتركھا كمھم?ة لغي?ره، فأنن?ا بدورنا لا نريد التركي?ز عل?ى الوث?ائق ومناقش?تھا كمف?ردات، ب?ل اخترن?ا أن تك?ون دراس?تنا مرك?زة
على ثلاثة محاور رئيسية:
1 . محور التعريف بأھمية الوثائق البريطانية، درجة دقتھا، موضوعيتھا. 2 . مح??ور التعري??ف بأھمي??ة الاتجاھ??ات، وھ??ي الت??ي ترك??زت حولھ??ا الوث??ائق وتحلي??ل أبع??اد تل??ك الاھتمامات
4
3 . محور الملاحظات حول الجانب المھني والمعلوماتي، في الوثائق البريطانية وأھمي?ة ذل?ك ف?ي مجال صياغة المواقف والقرارات السياسية حيال الع?راق بص?فة خاص?ة والقض?ايا العربي?ة بص?فة عامة.
وأخيراَ وليس آخراَ، الاستفادة من عبر ودروس التاريخ، فأن الجھات التي تناوئ الأقطار العربي?ة والنامية بصفة عامة تعول بنسبة كبي?رة ج?داً عل?ى التناقض?ات الداخلي?ة، وھ?ي ثانوي?ة ف?ي الغال?ب، كثغرات فتستغلھا لإلحاق أفدح الأضرار بالس?يادة الوطني?ة والاس?تقلال السياس?ي، وتعمي?ق التبعي?ة الاقتصادية، وفرض أنماط غريبة على الثقافة الوطنية، وأخي?راً لجع?ل ھ?ذه الأقط?ار لواح?ق ت?دور في أفلاكھا كبلدان تابع?ه للمترب?ولات لا قيم?ة تاريخي?ة لھ?ا، كم?ا وتفق?دھا الأم?ل ف?ي إح?راز مواق?ع
أفضل في التبادلات الاقتصادية أو في مساھمتھا في مسرة الحضارة الإنسانية.
وسوف يدرك القارئ اللبيب ھذه المرامي بسھولة بمجرد أن يمنح ھذه الص?فحات الاھتم?ام الك?افي ثم ليجد في نھاية المطاف أمراَ آخر في غاية الأھمية: ھي أن أھداف المستعمرين ھي واح?دة )ف?ي معظمھا( وإن ما يتغير ھو الأساليب فقط دون الجوھر.
د. ضرغام الدباغ بغداد / برلين
5
الفريق الركن عبد الكريم قاسم
المشير الركن عبد السلام محمد عارف
6
1 . المحور الأول: التعريف و التثبيت
لا ش??ك أن دراس??ات الوث??ائق تعتب??ر م??ن المص??ادر المھم??ة ف??ي الدراس??ات التاريخي??ة / السياس??ية. فالوثيق??ة وإن ھ??ي ف??ي نھاي??ة الأم??ر تعب??ر ع??ن وجھ??ة نظ??ر شخص??ية سياس??ية أو مرك??ز سياس??ي أو مؤسس??ه سياس??ية، إلا أنھ??ا )الوثيق??ة( تتمت??ع بدرج??ة مص??داقية عالي??ة باعتب??ار أن ف??رص التلاع??ب والتزوير فيھا ضئيلة، كما أنھا تعبر عن موقف وقرار سياسي معين في مرحلة تاريخية معينة، قد تلاشت فيھا على الأقل آثارھا المباشرة، وإن ظلت تحتفظ ب?المغزى والمعن?ى ض?من الاس?تراتيجية
العامة.
وتسمح السلطات في المملكة المتحدة )بريطانيا( وبلداناً أخرى، بنشر الوثائق بعد م?رور فت?رة م?ن ال??زمن، كافي??ة لأبع??اد الت??أثيرات الس??لبية عن??د نش??رھا، وھ??ي لا تخل??و م??ن التف??اوت. فالظ??اھر أن السلطات المولجة بنشر الوثائق )ربما أن ذلك من اختصاص دوائر أداري?ه/ قانوني?ه( أو ب?الأحرى الس??ماح ب??الإطلاع عليھ??ا ونش??رھا، لا تتب??ع أس??لوبا موح??داً بص??دد الوث??ائق عل??ى اخ??تلاف أص??نافھا )ع?ادي ـ س?ري ـ س?ري للغاي?ة ـ س?ري وشخص?ي( أو تق?ارير ذات أبع?اد مھني?ة معين?ه )سياس?ية ـ استخبارية أمنية ـ عسكرية ـ تجاريه ـ ثقافية …الخ(. فھناك من الوثائق تجاز بعد مرور25 عاماً، وأخرى تجاز بعد مدة أطول. ولكن ليس ھن?اك م?ن قاع?دة نھائي?ة، ف?نحن نعل?م أن ھن?اك وث?ائق م?ر عليھ??ا أكث??ر م??ن 50 أو 60 عام??اً دون أن ي??رخص بنش??رھا، منھ??ا وث??ائق رحل??ة ھ??يس الجوي??ة إل??ى بريطانيا. أما ما يخص الوثائق المتعلقة بالعراق الحديث فأني أعتقد جازماً أن ما نشر منھ?ا ح?ول أح???داث وفص???ول مھم???ة م???ن ت???أريخ الع???راق، لا تغط???ي إلا ج???زءاً يس???ي ًرا للغاي???ة، أھمھ???ا أح???داث الثلاثينيات )وفاة الملك فيص?ل الأول ـ حرك?ة بك?ر ص?دقي ـ مقت?ل المل?ك غ?ازي ـ تفاص?يل أح?داث حركة مايس1941 وغيرھا( على أننا نلاحظ بدرجات متفاوتة من الوضوح، أن ھناك فجوات في التقارير، تدل على أن عدداً من الوثائق قد أستل، أو أن ھن?اك فق?رات أخ?رى ق?د تعرض?ت للح?ذف
أو الشطب مما يحمل على الاعتقاد أن ھناك معلومات قد حجبت، لأي سبب من الأسباب.
بي??د أن الوث??ائق، عل??ى ال??رغم م??ن ذل??ك، تظ??ل معين??اَ مھم??اَ للمعلوم??ات بمؤش??رات أس??تدلاليه يمك??ن الانطلاق منھا والتأسيس عليھا، برغم أننا لا يمكننا اعتبارھا دائماً حقائق نھائية خالصة ومسلمات لا شك فيھا، إذ أنھا تعبر عن رأي وموقف أص?حابھا ل?يس إلا، وھ?م: وزارة الخارجي?ة البريطاني?ة التي ھي أحد مصادر القرار السياسي في المملكة المتح?دة ولكنھ?ا ليس?ت المص?در الوحي?د. كم?ا أن البرلمان )النواب واللوردات( والأجھزة الاس?تخبارية تعتب?ر م?ن القن?وات الراف?دة للق?رار السياس?ي إلى جانب الحكومة البريطانية، بالإضافة إل?ى مج?اميع الض?غطPressure group وال?رأي الع?ام public openion ھي من الروافد المھمة الأخرى والتي لا تقل أھمي?ة ف?ي الت?أثير عل?ى ص?ياغة
القرار السياسي النھائي.
ولعل من أكثر ما يثير الدھشة لدى مطالعة الوثائق، وقوعھا أحيانا في أخطاء فادحة ) تقع الوثائق فيثلاثةأجزاء:الجزءالأول220وثيقة,الجزءالثاني:151وثيقة,الجزءالثال?ث:179 وثيق?ة وتغطي الفترة م?ن 12 / تم?وز/ 1958, و9 / تم?وز/ 1959(، ھ?ذا ونح?ن نعل?م أن بريطاني?ا عل?ى إطلاع نفترض أن يكون دقيقا بالش?ؤون العراقي?ة حت?ى قب?ل احتلالھ?ا للع?راق ف?ي الح?رب العالمي?ة الأولى )1914 – 1918( ، بل نحن نعل?م بالتأكي?د أن احتلالھ?ا للع?راق، ل?م يك?ن إلا نتيج?ة لدراس?ة طويلة معمقة لقدرات ومزايا العراق الاقتصادية ولمكانته الجغراسياسيه، وأھميته في استراتيجية
الشرق الأوسط.
7
وكان??ت بريطاني??ا ق??د توص??لت إل??ى ھ??ذه الحق??ائق نتيج??ة لاس??تطلاعات ميداني??ة كثيف??ة ق??ام بھ??ا أف??راد وجماعات، باحثون ورحالة ورجال اس?تخبارات وش?ركات ملاحي?ة وتجاري?ة وحم?لات استكش?اف وبعثات جيولوجية وأركولوجي?ة، وحت?ى مغ?امرون وش?ذاذ آف?اق، توص?لت بريطاني?ا بموجبھ?ا إل?ى حقيقة مفادھا: أن العراق ھو درة الشرق الأوسط الثمينة. وابتدأت منذ القرن التاسع عشر بصياغة الخطط )مؤامراتھا ودسائس?ھا(، وحياك?ة ش?بكة معق?دة م?ن العلاق?ات والاتص?الات ض?من المجتم?ع العراقي ودراسة زواياه وخفاياه حتى قبل نشوب الحرب العالمية الأولى، فقد كانت أوضاع تركي?ا العثمانية ” الرجل المريض ” تنبئ بانھيار قريب، وكان الأعداد والاس?تعداد لتل?ك المرحل?ة جاري?اً على قدم وساق، ولنا فيما نشر وترجم للعربية عن أعمال بعض ھؤلاء الرحال?ة والكش?افة ورج?ال
الاستخبارات، ما يؤكد ھذه التوجھات المبكرة.
وما أن اندلعت الحرب العالمية الأولى عام 1914، وھي أساساً حرب استعمارية ما قامت إلا م?ن أج??ل أع??اده تقس??يم الع??الم ب??ين الق??وى الاس??تعمارية القديم??ة )فرنس??ا وبريطاني??ا( والجدي??دة )ألماني??ا والنمسا( وكانت منطقة الشرق الأوسط، والعراق تحدي?داً إح?دى نقاط?ه الملتھب?ة، وموض?ع تباح?ث واتفاق بين القوى الاستعمارية كما تؤكد ذلك اتفاقي?ة س?ايكس بيك?و الس?يئة الص?يت. فألماني?ا الدول?ة الص??ناعية الناھض??ة المتوح??دة، المنطلق??ة إل??ى التوس??ع، كان??ت تض??ع الع??راق عل??ى رأس ج??دول مطامعھا، وقد عبرت عن تلك المقاصد بوسائل عديدة: ف?ي المقدم?ة منھ?ا ك?ان الس?عي نح?و تحقي?ق مكاسب نفطية / معادن عبر الأعم?ال المش?تركة م?ع حليفتھ?ا الإمبراطوري?ة العثماني?ة، الت?ي كان?ت تفتقر في واقع الأمر إلى الق?درات التكنيكي?ة أو المالي?ة عل?ى أداره اس?تثمارات عملاق?ة وكبي?رة ف?ي الع??راق أو ف??ي ال??دول العربي??ة، أو حت??ى الحف??اظ عليھ??ا ض??من ممتلكاتھ??ا دون ال??دخول ف??ي تح??الف
سياسي /عسكري مع ألمانيا والنمسا.
وق??د عب??رت ھ??ذه التوجھ??ات الألماني??ة ع??ن نفس??ھا بزي??ارة شخص??يه للقيص??ر الألم??اني إل??ى الش??رق )فلس?طين ـ س?وريا ـ تركي?ا( مب?دياً احترام?ه الش?ديد للع?رب وللديان?ة الإس?لامية، وبحل?ول الض?باط الألمان من المستشارين العسكريين في الفيالق المتواجدة في البلاد العربية ومنھا العراق، وتعزيز
قدراتھا القتالية بقطعات منتخبة من الجيش الألماني، بالإضافة إلى حدي?د ب?رلين ـ بغ?داد ـ بص?ره (Drangen nach Osten) الذي كان يجسد الأھداف الألمانية في سياستھا التي عرفت B.B.B بمواص?لة الزح?ف نح?و الش??رق وص?ولاً إل?ى من??اطق الخل?يج العرب?ي ال?ذي يت??يح لھ?ا نش?ر فعالي??ات اقتص??ادية وسياس??ية وعس??كرية محتمل??ة ف??ي المنطق??ة وحت??ى أواس??ط وجن??وب آس??يا، وكان??ت خطط??اً تفصيلية قد وضعت خطط عن مواص?لات بحري?ة وخط?وط ملاحي?ة ب?ين مين?ائي البص?رة العراق?ي
وھامبورغ الألماني.
وعلى أساس من ھذه الحسابات الاستراتيجية الألمانية، كما من البديھي القول أن بريطانيا ل?م تك?ن غافلة عن الفعاليات والأنشطة والنوايا الألمانية، عندما دخلت الحرب على أساس مخط?ط س?ايكس ـ بيكو، الذي يقسم ممتلكات الدولة العثمانية بين بريطانيا وفرنس?ا وروس?يا الت?ي انس?حبت م?ن ھ?ذا المخطط الاستعماري بعد قيام ثورة أكتوبر الاشتراكية 1917، وفضح تروتسكي وزير الخارجية الس??وفيتية لأھداف??ه. ولك??ن بريطاني??ا وفرنس??ا واص??لتا ق??دماً تنفي??ذ المخط??ط عل??ى أث??ر ھزيم??ة الدول??ة العثماني?ة ف?ي الح?رب، ف?تم التقس?يم عل?ى نح?و م?ا ع?رف بالمنطق?ة A والمنطق?ة B وفرض?تا نظ?ام الانتداب Mandate System وفق الفئة Category /A في عص?بة الأم?م وأباح?ت لنفس?ھا في?ه أقامه نظم استعمارية متعسفة نھاب?ة، ھيمن?ت في?ه عل?ى مق?درات البل?دان الخاض?عة للانت?داب بص?فة كليه ولم تعر فيه إلا قدراً ضئيلاً للغاية بمقدرات الشعوب، فيم?ا اس?تأثرت مص?الحھا الش?املة عل?ى
كل شيء.
8
وما يھمنا ھنا تأكيده في ھذا المجال، العلاقات العراقية ـ البريطاني?ة أن الع?راق ال?ذي وض?ع تح?ت نظام الانتداب المشار إليه كان يدار بصفة تفصيلية من قبل س?لطات الانت?داب الاس?تعمارية. وك?ان إل??ى جان??ب ك??ل وزي??ر، مستش??ار سياس??ي بريط??اني، ولك??نھم ك??انوا ف??ي واق??ع الأم??ر م??ن ض??باط الاس??تخبارات البريطاني??ة )ل??يس مدھش??اً أن أع??اد الأمريك??ان ھ??ذا الس??يناريو بالض??بط بع??د اح??تلالھم للعراق عام 2003(، وكان وجودھم في الوزارات أساسياً، وال?وزراء العراقي?ون ل?م يك?ن بوس?عھم على )الأرجح(، القيام ب?إجراءات ذات ط?ابع ج?وھري دون أستحص?ال موفق?ة المستش?ار السياس?ي البريطاني الذي يھيمن بصورة مباشرة على كافة الخطوط العامة والتفصيلية للفعالي?ات والأنش?طة الإدارية والسياسية والاقتصادية وغيرھا، بل أن تدخل ھذه المؤسسات الانتدابي?ة ك?ان يط?ال حت?ى
مفردات حساسة تمس السلامة والوحدة الوطنية للبلاد.
فكان الضباط السياسيون )م?ن الاس?تخبارات البريطاني?ة( يقوم?ون بج?ولات واس?تطلاعات ميداني?ه إلى أرجاء ال?بلاد كاف?ه ومنھ?ا المراك?ز الديني?ة ويقيم?ون الص?لات الحميم?ة برج?ال ال?دين ورؤس?اء القبائل والفعالي?ات الاجتماعي?ة، والع?زف عل?ى أوت?ار التك?تلات الطائفي?ة والعرقي?ة ومحاول?ة إث?ارة الفتن والبغضاء والدسائس بينھم، ودفع المواقف باتجاه إثارة التناقضات عم?لاً بسياس?ة اس?تعمارية معروفة )فرق تسد(، كما كانت ص?لاتھم وفعالي?اتھم تعم?ل عل?ى تفري?ق وح?دة ال?بلاد والم?واطنين، ولم تكن لتس?تبعد اللع?ب عل?ى ورق?ة الأقلي?ات القومي?ة والديني?ة فك?انوا يقيم?ون الص?لات المش?بوھة ب??دوافع الفتن??ة بأبن??اء ال??وطن م??ن الأك??راد، ل??يس بھ??دف تفھ??م الحق??وق القومي??ة، ب??ل ف??ي اس??تخدامھم كعناص?ر ف?ي إقام?ة توازن??ات تكف?ل ھيمن?تھم عل??ى ال?بلاد، وإيق?اع الض??غط عل?ى الس?لطات الوطني??ة وجعلھا بحاجة دائمة إلى النفوذ البريطاني وكذلك في إبق?اء قن?وات الاتص?ال مفتوح?ة م?ع الأقلي?ات الدينية والعرقية الأخرى كالاثوريين مثلاً واستخدامھم ل?ذات الأغ?راض، وك?ان الھ?دف الع?ام لھ?ذه الأنشطة أن تط?رح الس?لطة البريطاني?ة نفس?ھا كراعي?ة لھ?ذه الأقلي?ات، وإقام?ة ش?بكه م?ن العلاق?ات والخيوط تكون س?لطات الانت?داب ممس?كة ومتحكم?ة بعق?دة الرئيس?ية تض?من م?ن خلال?ه ولاء كاف?ة الأطراف للسلطة الاستعمارية واستبعاد وإضعاف محاولات القوى الوطني?ة العراقي?ة ف?ي المض?ي
قدماً صوب تعزيز الاستقلال السياسي ووضع العراقيل في سبيله.
بيد أن تلك المحاولات كانت تصطدم بالتناقض الرئيسي ال?ذي ك?ان يطغ?ي عل?ى التن?اقض الث?انوي ويھزمه بسھوله في المواجھات، ذلك أن الشعب العراقي بالأغلبية الساحقة من ق?واه أدرك?ت أبع?اد ھذه السياسة الاستعمارية الخبيثة، فكانت تواصل بإص?رار س?عيھا إل?ى الاس?تقلال واس?تبعاد النف?وذ الأجنبي البغيض، بما في ذلك فئات كثي?رة م?ن الإقط?اع وبورجوازي?ة الم?دن الناش?ئة والمؤسس?ات
الدينية التي لم تجدي معھا محاولات السياسة البريطانية في إذكاء التفريق الطائفي فتيلاً.
وبعبارة أخرى، ف?أن الش?عب ك?ان متح?داً ف?ي ھدف?ه حي?ال المحت?ل الأجنب?ي ال?ذي ل?م ي?تمكن م?ن أن يكسب إلى جانبه سوى رقائق بسيطة من عملاء محليين وسياسيين ربط?وا مص?ائرھم م?ع الخط?ط الاس??تعمارية الت??ي ب??دت لھ??م بأنھ??ا لا تقھ??ر، وفئ??ات م??ن الك??ومبرادور مثل??ت الامت??داد الاقتص??ادي للمصالح الاستعمارية التوسعية. وفيما عدا ذلك وقف الشعب بكافة قواه وقف?ة واح?دة تجل?ت مبك?رة ف???ي ث???ورة العش???رين الت???ي وإن ل???م تحق???ق أھ???دافھا كامل???ة، إلا أنھ???ا أوض???حت عل???ى نح???و ك???اف
للمستعمرين، إن من المستحيل تجاھل وقھر إرادة الشعب.
وحقاً كانت ثورة العشرين الحدث الأكبر والأكثر أھمية في تأريخ العراق الحديث، وحجر الزاوية في وحدت?ه الوطني?ة إذ ان?دلعت الث?ورة ف?ي أرج?اء الع?راق كاف?ة، ف?ي الم?دن والأري?اف، س?اھم فيھ?ا المثقف والبورجوازي ورجل الدين وزعماء العشائر على ح?د الس?واء، فق?د ك?ان الاس?تقلال مطلب?اً يمثل تطلع الشعب بأسره، ومنھا )من ثورة العش?رين( أيق?ن البريط?انيون، أن مك?وثھم ف?ي الع?راق
أنما ھي عملية محفوفة بالمخاطر والخسائر الجسيمة. 9
وتأسيساً على ذلك، فأن نفوذ المستعمرين أستمر في انحسار متواصل، ثم اشتدت ھذه العملي?ة بع?د إنھاء الانتداب في 1932، ولكن النف?وذ البريط?اني أس?تمر موج?ودا ف?ي ال?بلاد م?ن خ?لال المعاھ?دة البريطانية / العراقية التي كانت تتيح لبريطانيا نف?وذاً ش?املاً ف?ي ال?بلاد تجع?ل م?ن الاس?تقلال أم?راً شكلياً تقريباً، وعن?دما أض?حى تجدي?د ھ?ذه المعاھ?دة عس?يراً م?ن خ?لال الانتفاض?ة الوطني?ة الكبي?رة )الانتفاضة ض?د معاھ?دة بورتس?موث 1948(، كان?ت ال?دوائر الاس?تعمارية ق?د أع?دت حل?ف بغ?داد ليكون البديل الأكثر ملائمة للتطورات السياسية الحاسمة بعد الحرب العالمية الثاني?ة، ض?منت في?ه بق??اء الع??راق ض??من من??اطق النف??وذ الاس??تعمارية. وم??ن جھ??ة أخ??رى، ض??منت ب??دخول الع??راق إل??ى منطق???ة الإس???ترليني، الھيمن???ة الاقتص???ادية والتجاري???ة، فيم???ا تواص???لت ھيمن???ة بريطاني???ا وال???دول الرأسمالية الأخرى على نفط العراق، التي ھي ثروت?ه الوطني?ة الرئيس?ية. وق?د أس?تمر الأم?ر عل?ى ھذا المنوال حتى ان?دلاع ث?ورة 14 تم?وز1958، الت?ي س?ددت ض?ربة خطي?رة للنف?وذ الاس?تعماري بكاف??ة أش??كاله، السياس??ي والاقتص??ادي والعس??كري ووض??عت ال??بلاد فع??لاً عل??ى طري??ق الاس??تقلال
والھيمنة على مصيره ومقدراته.
وتتيح لنا ھ?ذه المداخل?ة الس?ريعة، أدراك أھمي?ة ث?ورة الراب?ع عش?ر م?ن تم?وز، وم?دى ت?أثر النف?وذ البريطاني)تدھوراً(، الأمر ال?ذي سيفس?ر لن?ا أس?باب تش?نج الدبلوماس?ية البريطاني?ة، وأدراك ردود أفعالھا ومواقفھا حيال العراق.
وما تؤكده الوثائق البريطانية فعلاً، وبلا غموض، أن ث?ورة الراب?ع عش?ر م?ن تم?وز كان?ت مفاج?أة لھم. وإذا كان ثمة توقع أو تنبأ لأحداث ثورية فما ذلك إلا بسبب ثورة 23 تموز1952 في مص?ر، والمد القومي التحرري في عموم الساحة العربية وفي سورية خاصة لا سيما بعد العدوان الثلاث?ي )البريط?اني ـ الفرنس?ي ـ الص?ھيوني( عل?ى مص?ر 1956، والوح?دة المص?رية ـ الس?ورية 1958 وتص??اعد م??د التي??ار الحرك??ة الوطني??ة والقومي??ة ف??ي الع??راق تواص??لاً من??ذ انتفاض??ة بورتس??موث والانتخابات النيابية المزيفة 1954، وانتفاضة 1956، ھذا بالإضافة إلى دخول الشأن الفلس?طيني كعنصر مھم على أجن?ده النض?ال الث?وري العرب?ي، كان?ت ھ?ذه المؤش?رات قوي?ة تنب?أ باحتم?ال قي?ام أحداث ثورية كبيرة، ولكن من المؤكد، وينبغي تسجيل ذلك، أن حركة الضباط الأح?رار كان?ت ق?د استطاعت أن تخفي بمھارة مقاصدھا وأھدافھا وك?ذلك التنظيم?ات والاتص?الات، داخ?ل الع?راق أو م??ع عناص??ر وجھ??ات رس??مية وش??عبية ف??ي س??وريا ومص??ر والأردن، رغ??م أن المنطق??ة كان??ت تع??ج
بنشاط شبكات استخبارية، بريطانية وأمريكية وغيرھا.
ومن المؤكد أن الأنش?طة الدبلوماس?ية / السياس?ية البريطاني?ة ف?ي الع?راق دخل?ت ط?وراً جدي?داً كم?اً ونوعاً بعد قيام ونج?اح ث?ورة الراب?ع عش?ر م?ن تم?وز / 1958 بس?بب فق?دان العلاق?ة ل?ذلك ال?دفء الذي كانت تتمتع بھا في العھد الملكي، ولكن لابد من تسجيل أنھ?ا، )البعث?ة الدبلوماس?ية( اس?تعادت قابليتھا على الحركة بعد فترة قصيرة نسبيا وواصلت تزويد المركز )وزارة الخارجية البريطاني?ة بلندن( بالمعلوم?ات والتحل?يلات بس?رعة، بع?د أن تعرض?ت إل?ى مش?كلات ومتاع?ب منھ?ا اص?طدام السفارة وجھازھا العامل بالمتظاھرين من أبناء الشعب العراقي ال?ذين س?ارعوا إل?ى تحط?يم تمث?ال للجن??رال م??ود )القائ??د البريط??اني ال??ذي احت??ل بغ??داد ف??ي الح??رب العالمي??ة الأول??ى( وإب??داء مش??اعر الكراھي?ة للس??فارة البريطاني??ة المتواج??دة ف??ي نف??س الموق?ع، كم??ا أدى إط??لاق ن??ار لا مب??رر ل??ه عل??ى المتظ??اھرين إل??ى ح??رق بع???ض مراف??ق الس??فارة ومقت??ل ض???ابط بريط??اني برتب??ة عقي??د، وج???رح بريطانيين آخرين، ثم اضطرارھم إلي أقفال السفارة لبضعة أيام وإقامة مركز ط?وارئ ف?ي إح?دى الفنادق )فندق بغداد(، إلا أنھم استطاعوا إقامة علاقات مع عدد من شخصيات الثورة التي ل?م يك?ن
في وارد خططھا إثارة صراعات مسلحة مع الغرب عامة وبريطانيا خاصة. 10
وم??ا أن اس??تطاعت البعث??ة الدبلوماس??ية البريطاني??ة م??ن اس??تعادة نش??اطھا ت??دريجيا والاس??تفاقة م??ن الصدمة، حتى واصلت ببطء وصبر ممارس?ة دورھ?ا ولك?ن بطبيع?ة جدي?دة. وعل?ى الأرج?ح ف?أنھم تمكنوا م?ن أن يلعب?وا أدوارا خفي?ة وعلني?ة ف?ي الحي?اة السياس?ية العراقي?ة ف?اعلين أو محرض?ين، أو كعناصر تعمل م?ن وراء الس?تار ولك?ن البعث?ة الدبلوماس?ية البريطاني?ة ل?م تس?تطع ق?ط م?ن اس?تعادة
دورھا القديم في الھيمنة على الحياة السياسية العراقية الرسمية.
وك?ان الوج?ود الدبلوماس??ي البريط?اني الرس??مي ف?ي الع?راق يتمث??ل أساس?ا بالس??فارة البريطاني?ة ف??ي
بغ??داد،ووج??ودث??لاثقنص??لياتعام??ةف??يألوي??ة)محافظ??ات(الموص??ل ـالبص??رة ـكرك??وك،
بالإض??افة إل??ى وج??ود عناص??ر م??ن الس??لاح الج??وي الملك??ي ف??ي قاع??دة الحباني??ة الجوي??ة )ف??ي إط??ار
التع??اون العس??كري / حل??ف بغ??داد(، وش??ركة ال??نفط العراقي??ة )I.P.C( ومق??ر فعالياتھ??ا الرئيس??ي
كركوك، ومراكز نفطية أخرى في عين زالة والقيارة )الموصل( وخ?انقين )دي?الى( وف?ي البص?رة
وتواج??د ع??دد كبي??ر م??ن الخب??راء والفني??ين والع??املين بعق??ود م??ع الدول??ة العراقي??ة ف??ي مؤسس??ات
ووزارات عراقي??ة عدي??دة: الس??كك الحديدي??ة، الم??وانئ العراقي??ة، وزارة المع??ارف، وزارة الص??حة
ً
…الخ، ومراكز ثقافية في بغداد والموصل والبصرة )لتعليم اللغة والثقافة البريطانية أساسا(.
ودون ريب فأن ھ?ذا يمث?ل توج?داً كثيف?اً عل?ى الص?عيد السياس?ي والاقتص?ادي والعس?كري والثق?افي واتجاھات أخرى. وربما يبلغ العدد الإجمالي)2000 بريطاني( حسب برقية السفير الأمريكي إلى وزارة الخارجي??ة ف??ي واش??نطن بت??اريخ 15 تم??وز 1958، وھن??اك بق??درھم تقريب??ا م??ن الم??واطنين
الأمريكيين )1(
وبرغم ھذا التواجد الكثيف )بمقاييس تلك العھود وعدد السكان في العراق حوالي 5 مليون نسمة( والتطور الحضاري، فأن البصمة الحضارية البريطانية في العراق لم تكن تتناسب مع ھ?ذا الحج?م من الحضور، الأمر الذي يعني أن العمل وتق?ديم خدم?ة للمؤسس?ات العراقي?ة وللش?عب العراق?ي ل?م
يكن الشغل الشاغل لتلك المجاميع الكبيرة من الھيئات والأفراد.
وكان??ت الاتص??الات ب??ين المرك??ز)ال??وزارة ف??ي لن??دن( وبعثاتھ??ا الدبلوماس??ية ف??ي الع??راق ت??تم عب??ر وسيلتين رئيسيتين:
آ . البرقيات: المفتوحة منھا وھي عادية، والمشفرة منھا)بالشفرة( وھي سريه. ب . البري??د الدبلوماس??ي: وھ??و م??ا يع??رف بالحقيب??ة الدبلوماس??ية وتنق??ل بوس??ائل متع??ددة )ج??واً عب??ر الطائرات في العصور الحديثة( وھي تحمل عادة:
• تقارير مكتوبة وأخبارا ومعلومات ونتائج اتصالات دبلوماسية / سياس?ية واقتص?ادية بالدرج?ة الأولى، وملاحظ?ات وردت إل?ى الس?فارة ببغ?داد م?ن دوائ?ر بريطاني?ة و دبلوماس?ية عامل?ة ف?ي المنطقة، أو من واشنطن أو باريس أو موسكو أو من الأمم المتحدة في نيويورك.
• تق??ارير نص??ف ش??ھرية، تتض??من خلاص??ة للموق??ف ف??ي منطق??ة عم??ل البعث??ة )خلاص??ة الموق??ف والمعلومات والفعاليات(.
• تقارير سنوية وھي تعبر عن الموقف الإجمالي لمدة سنة كاملة منصرمة وھي تعد وتقدم عادة مطلع كل سنة جديدة.
• يقدم القناصل البريط?انيون الع?امون ف?ي الموص?ل والبص?رة وكرك?وك تق?اريرھم إل?ى المرك?ز )كعادة عمل القناصل العامون عادة(، ويحيل المركز المھم منھ?ا إل?ى الس?فارة ببغ?داد للتش?اور حول دقة المعلومات الواردة فيھا.
11
وبالطبع سوف لن يكون بوسعنا معرفة فيما إذا كانت ھ?ذه التق?ارير المنش?ورة ھ?ي ج?ل م?ا تداولت?ه المراكز الدبلوماسية البريطانية، مقر ال?وزارة والبعث?ات ح?ول م?ا ل?ه ص?لة ب?العراق. وربم?ا يك?ون المترجم قد أحجم عن ترجمة ما اعتقده غير ذات أھمية سياسية مباشرة بأحداث ثورة 14 تموز أو أن السلطات البريطانية قد حجبت بعضاً منھا. فمن المؤكد أن ھن?اك ق?دراً م?ن الحج?ب ولك?ن ت?رى ما ھو الكم الذي حجب عن النشر…؟ وعلى ھذا الأساس سوف لن نتمكن إلا من تحلي?ل اتجاھ?ات
التقارير المسموح بنشرھا فحسب !
كما أن من المؤكد أن ھناك تقارير رفعتھا السفارة ببغداد إلى المركز في لندن، قد يكون فحواھا لا يمس الأحداث السياس?ية بص?ورة مباش?رة، إلا أن?ة ك?ان يمك?ن أن تك?ون ذات نف?ع كبي?ر ف?ي معرف?ة اتجاھات عمل البعثة الدبلوماسية البريطانية في بغداد ومن تلك تقارير الملحق التجاري أو الثقافي أو الملحق العسكري والصحفي. وقد لاحظنا في سياق تقارير السفارة أو الكادر الدبلوماس?ي فيھ?ا، إشارات إلى موضوعات ق?د تم?ت تغطيتھ?ا ف?ي التقري?ر الص?حفي مم?ا ي?دل أن ھن?اك حتم?اً تقري?راً صحفياً يرسل بانتظ?ام، ض?من فت?رة زمني?ة مح?ددة )أس?بوعية ـ نص?ف ش?ھرية ـ ش?ھرية( أو القي?ام
بذلك كلما استدعت الحاجة إلى ذلك.
ونجد من المھم الإشارة من قبيل توخي الدقة في العمل الدبلوماس?ي، أن البعث?ة )الس?فارة( تخاط?ب الوزارة فيما إذا كان أسلوب التقارير النصف شھرية والذي جرى العمل بموجبة قبيل ثورة الرابع عش??ر م??ن تم??وز بفت??رة قص??يرة )يب??دو أن ذل??ك ق??د ح??دث بس??بب زخ??م الأح??داث وتج??دد المواق??ف
واتجاھات العمل( وواصلت البعثة العمل بھا طيلة سنة كاملة.
ففي خطاب يتس?م ب?الحرص والدق?ة ف?ي أداء المھم?ات، والإجاب?ة عل?ى ھ?ذا الخط?اب أس?تغرق 22 يوماً م?ن مق?ر ال?وزارة ف?ي لن?دن بع?د دراس?ة دقيق?ة، يش?ير عل?ى الس?فارة الاختص?ار بالجھ?د مقاب?ل إرسال تقارير أكثر تركيزاً، ومع أھمية القناة المعلوماتي?ة، ف?أن التركي?ز الأس?اس ھ?و عل?ى نوعي?ة العمل وتوخي الدقة. مع أن مركز الوزارة لا يوعز بصراحة إلى إيقاف التق?ارير النص?ف ش?ھرية )أجمالي الموقف(، بل يشير ضمناً إلى ذلك وعبر فقرة التركيز والدقة، ولكننا نلاحظ أن الس?فارة استمرت بإرسال أجمالي الموقف )التقري?ر النص?ف ش?ھري( إذ لاب?د أنھ?ا كان?ت تش?عر بض?رورته
وأھميته. )2(
ومما يثير الدھشة حقاً، في إطار تحليل دقة المعلومات، أنھا كانت غالباً ما تقع ف?ي أخط?اء فاحش?ة رغ??م أن الس??لطات والمؤسس??ات البريطاني??ة، دبلوماس??ية كان??ت أو غيرھ??ا، عل??ى اخ??تلاف دوائرھ??ا وقدم عھد تعاملھا في العراق كما أسلفنا )منذ أواخر القرن التاسع عشر( وعلى سعة انتش?ارھا ف?ي العراق كما بينا، قبل الانتداب وخلال الانتداب وبعده. وحتى عق?ب ث?ورة الراب?ع عش?ر م?ن تم?وز، يحمل المرء لأن يفترض بحق، إنھا كانت تعلم بدقة ماذا يكمن تحت أي صخرة في العراق، وإنھا في غضون ھذه المدة الطويلة والتي تنوف على الستين عاماً، يفترض أنھا كانت ق?د تعرف?ت عل?ى فئات وشخصيات لا حصر لھا، بل أن ھناك مؤسس?ات عراقي?ة كامل?ة حديث?ة قام?ت وتأس?ـست ف?ي عھود السـيطرة الاستعمارية وبأشراف البريطانيين أنفس?ھم، منھ?ا مؤسس?ات حساس?ة مث?ل الج?يش والش??رطة والأم??ن العام??ة تقريب??اً )تأسس??ت ع??ام 1957 ( بالإض??افة إل??ى دوائ??ر الداخلي??ة والعق??ار والزراعة وغيرھا، وإن كانت ھذه المؤسسات قد أنشأت أساساً في إط?ار جھ?ود المس?تعمر بإنش?اء البناء ألارتكازي Infrastructure، لتسھيل نھب البلاد، لذلك كان اھتمامھ?ا مرك?زاً عل?ى الس?كك الحديدية ـ النفط ـ الموانئ. وكانت تأمل من تأسيس الجيش والشرطة العراقية أن تك?ون لھ?ا عون?اً عل??ى قم??ع أبن??اء ال??بلاد ورديف??اً لھ??ا ف??ي ف??تح وإلح??اق بل??داناً أخ??رى كم??ا ك??ان يفع??ل م??ع الھن??ود والأستراليون والنيوزيلنديون والكنديون وغيرھم، ولكن ھذه المؤسسات كان?ت مخلص?ة لج?ذورھا
12
الوطنية والقومية، أصبحت سلاحاً بيد الشعب في المعارك الحاسمة لا بيد الإنكليز، وتلك ھ?ي م?ن عبر الحياة لمن يعتبر من المستعمرين والإمبرياليين، سابقاً والآن وفي المستقبل.
ثم أننا نلاحظ على سبيل المث?ال لا الحص?ر، أن ھ?ذه ال?دوائر الت?ي كن?ا نفت?رض نح?ن وغيرن?ا أنھ?ا تعمل في غاية الدقة، بحيث كنا نطلق على أي عمل دقيق )شغل إنكليز.. !(، إذ بھا تقع في أخط?اء كبيرة لا تغتفر. فھل يعقل مثلاً أن يخطأ الملحق العسكري البريطاني في السفارة ببغ?داد أو وزارة الخارجية البريطانية في معرفة شخصية قائد الثورة العميد الركن عبد الكريم قاسم على أنه خريج كلي??ة الأرك??ان البريطاني??ة )ك??امبرلي(، ف??ي ح??ين أن قاس??ماً ل??م يتب??ع س??وى دورة قص??يرة للض??باط الأقدمين في تشيرليس ببريطانيا، ث?م ھ?ل يعق?ل أن س?فيراً بمرتب?ة الس?ير مايك?ل راي?ت Michael Wright أن يبعث تقريراً إلى وزارة الخارجية البريطانية في لندن يتضمن معلومات خطيرة عن الوضع السياسي والأمني اعتمادا على أقوال بستاني عراق?ي يعم?ل ف?ي ح?دائق الس?فارة، ربم?ا ھ?و أمي على الأرجح، وذا عقلية سياسية بسيطة، ھذا إذا استبعدنا أن يكون الرج?ل عل?ى ص?لة ب?دوائر أمني??ة ف??ي ب??لادة، ف??الأمر ي??دل ف??ي النھاي??ة عل??ى ض??عف مص??ادرھم المعلوماتي??ة وتش??ير الوق??ائع أن أفضل تل?ك المعلوم?ات الت?ي حص?لوا عليھ?ا، كان?ت عب?ر المص?ادر الرس?مية العراقي?ة، الت?ي كان?ت تبلغھم وغيرھم من ممثلي الس?فارات الأجنبي?ة ف?ي بغ?داد تط?ورات الموق?ف وم?ا ي?ودون الحص?ول
عليه من معلومات.
ويثي??ر الاس??تغراب م??رة أخ??رى الجھ??ل البريط??اني المطب??ق )كان??ت معلوم??اتھم ش??كلية وبعي??دة ع??ن التحس???س العمي???ق لمعان???اة الش???عب العراق???ي ومش???كلاته( ع???ن التي???ار ال???وطني والق???ومي المع???ادي للاستعمار ضمن الجيش العراقي، وقد لاحظنا أن مفاج?أتھم ب?الثورة كان?ت كامل?ة، رغ?م أن حرك?ة الض?باط الأح??رار كان?ت تعم??ل بنش?اط ودأب من??ذ ع??ام 1948، حي?ث ابت??دأت الخلاي?ا بالعم??ل عق??ب حرب فلسطين التي دقت جرس الإنذار: الخطر القومي !..عندما قررت الجيوش العربية التصدي للت??آمر الاس??تعماري ف??ي إقام??ة الكي??ان الص??ھيوني، وت??وج ھ??ذا النش??اط ف??ي مص??ر بث??ورة تموز??ـ يوليو/1952، مع أنھم كان يفترض بھم أن يتعظوا من حركة مايس /1941 التي قادھا الوطني?ون والقومي??ون ف??ي الج??يش العراق??ي وم??ن خارج??ه، والان??دفاع الق??ومي للجن??ود والض??باط ف??ي ح??رب
فلسطين.
ث??م أنن??ا نلاح??ظ أن ارتباك??اً ش??ديداً وجھ??لاً وتخبط??اً يس??ود أوس??اط الدبلوماس??ية البريطاني??ة، وأخط??اء فاحش?ة ت?تحكم ف??ي تط?ورات وتق?ديرات ھ??ذه الدبلوماس?ية العريق?ة، للاحتم??الات القادم?ة. فق?د كان??ت الثورة وأسماء قادتھا مثلاً، مجھولة!.. ولا سيما الضباط بالدرجة الأولى ويا للعجب!!
وكذلك أسماء العناصر المدنية، وما ي?دعو للاس?تغراب أكث?ر ف?أكثر، ھزال?ه التص?ور وقي?اس حج?م وأبعاد وأستمكان الحركة الوطنية والقومية التقدمية العراقية، فنلاحظ مثلاً في أول تقرير تفص?يلي للس??ير مايك??ل راي??ت )الس??فير البريط??اني( بت??أريخ 20 تم??وز 1958، أي بع??د أس??بوع كام??ل عل??ى الثورة، أن ينطوي تقريره عل?ى معلوم?ات وتص?ورات س?اذجة ع?ن الق?وى السياس?ية الرئيس?ية ف?ي العراق: البعث / الشيوعي /الاستقلال / الوطني الديمقراطي، وأبرز ما يدل على بساطة وسطحية تص??وراتھم السياس??ية، أنھ??م ل??م ي??دركوا مطلق??اً ق??وة التي??ار ال??وطني والق??ومي التق??دمي ف??ي ص??فوف
الشعب العراقي، لذلك كانت تصوراتھم السياسية الشاملة على خطأ واضح وجلي.
وھذا يعني ضآلة العناصر التي كانوا يتعاملون معھا سياسيا واستخباريا. ولاب?د م?ن الاعت?راف أن ھذه الحقائق سببت لنا الدھش?ة، فق?د كن?ا نتوق?ع أن بريطاني?ا ق?د اس?تطاعت خ?لال عق?ود طويل?ة م?ن العمل، أن تحقق أكثر من ھذه الص?لات الھزيل?ة )تك?رر س?يناريو ھزال?ة المعلوم?ات بع?د 45 عام?اً أب??ان ح??رب الع??راق واحتلال??ه 2003(. فدق??ة المعلوم??ات إذن ھ??ي مس??ألة لا يع??ول عليھ??ا ف??ي كاف??ة
13
التق??ارير. أم??ا التحلي??ل )وھ??و موق??ف ورأي الس??فارة( فھ??و الآخ??ر ينط??وي بس??بب الجھ??ل والخط??ل بمفردات الموقف السياسي الميداني على استنتاجات خاطئة، فعلى سبيل المثال: على مدى دراس?ة 550 وثيقة تضمنتھا ثلاث مجلدات مجموع صفحاتھا1117 صفحة، لم نج?د ولا م?رة واح?دة تنب?ؤ مص??يب، وتحل??يلا مس??بقاً يتوق??ع أح??داثاً مھم??ة حت??ى ل??و كان??ت واض??حة جلي??ة، مث??ل الأح??داث الت??ي بتراكمھا قادت إلى حركة الشواف في الموصل )1959(، ناھيك أنھم لم يكونوا على بينة من نوايا الحكومة العراقية في الانسحاب من حل?ف بغ?داد ومنطق?ة الإس?ترليني، ومواق?ف وق?رارات أخ?رى
كثيرة.
أم?ا ع??ن موض?وعية الأحك??ام والمواق??ف، فم?ن المثي??ر للاس?تغراب حق??اً، أن بريطاني??ا ل?م تك??ن يوم??اً حريصة، حتى في العھد الملكي يوم كانت القيادات العراقية الرسمية متحالفة مع بريطاني?ا وت?ربط معھا بوشائج الصداقة والتح?الف عل?ى كاف?ة الأص?عدة، إذ ل?م نلم?س ف?ي أي م?ن التق?ارير الح?رص على الصداقة وعلى الصديق، ولم يتولد لدينا الشعور بأن البريطانيين ال?ذين رغ?م تناقض?نا معھ?م، فھم يستحوذون على ثرواتنا، ثم يجعلون بلداننا، العراق والبلاد العربية المجال الرئيسي لفعالياتھم الاقتص??ادية بالإض??افة إل??ى الارتب??اط الثق??افي والتعليم??ي، ل??م نلح??ظ حرص??اً بريطاني??اً عل??ى أي م??ن
المصالح العراقية إطلاقا.
ومن حيثيات التقارير البريطاني?ة نلاح?ظ أيض?اً بوض?وح، ع?دم رغب?ة الحكوم?ة البريطاني?ة تس?ليح الجيش العراقي بمعدات وأعتده حديثة وفعالة حتى في مراحل قبل الث?ورة، ب?ل ھ?ي تح?اول عرقل?ة حص??ول الع??راق عليھ??ا م??ن مص??ادر أخ??رى )م??ن ال??دول الاش??تراكية خاص??ة(، أو إقام??ة ص??ناعة عسكرية عراقية ولو بسيطة، أو مساعدة العراق )ضمن دورھم كص?ديق وحلي?ف مفت?رض( عل?ى أح?داث نھض?ة دراس??ية وعلمي?ة وھ?و أم??ر م?دھش ومح?زن ف??ي ذات الوق?ت، فق?د ك??ان مطلوب?ا م??ن العراق أن يقدم كل شيء مقابل لا شيء، أفلا يثير الدھشة والأمر كذلك ألا تتوقع بريطانيا غض?ب
يقود إلى ثورة وطنية…؟ تطيح بمصالحھم وعملائھم ليقرر الشعب العراقي مصلحته؟
ونلاح?ظ بدھش??ة أن الموض?وعية والأنص??اف وإعط?اء ك??ل ذي ح??ق حق?ه ھ??ي مب?ادئ مس??تبعدة ف??ي السياسة الاستعمارية قديماً وحديثاً، التي تھدف إلى أمر واحد، ھو الاستيلاء على المزيد، والمزي?د م??ن الأرب??اح والمزاي??ا والمكاس??ب وإح??راز النف??وذ عل??ى كاف??ة الأص??عدة، السياس??ية والاقتص??ادية وعسكرية والثقافية، بصرف النظر عن الوسيلة، وليس ھناك شيء مھم سوى تكديس المزيد منھا. والبريطانيون ھم أص?حاب القاع?دة السياس?ية المبتذل?ة المعروف?ة ) ل?يس ھن?اك أص?دقاء دائم?ين ولا
أعداء دائمين، ھناك مصالح دائمة( .
ومن شاء الإطلاع على المذاھب السياس?ية البريطاني?ة الحديث?ة، فأن?ة س?يجد ف?ي م?ذكرات ونس?تون تشرشل وأنطوني أيدن )الشخصيتان السياسيتان المعروفتان:عمل كلاھما رئيساً للوزراء في حقب سياسية مھمة وحاسمة( الكثير مما يدل على أن المذاھب السياسية الاس?تعمارية تعم?ل أساس?اً وف?ق قاعدة تحقي?ق المص?الح بص?رف النظ?ر ع?ن الأس?اليب، وعل?ى ھ?ذا الأس?اس ك?رس العل?م السياس?ي
البورج?وازي الاس?تعماري مذاھب?ه عل?ى قاع?دة الأفك?ار الميكافيلي?ة )أنطوني?و ميك?افيلي1527 ـ? 1469 الإيطالي من عصر النھضة الذي تعتبره بعض الأوساط مؤسس علم السياسة الحديث(.
وقد أجرى العلم السياسي الاستعماري الحديث تعديلاً، ولكنه ليس بتع?ديل ج?وھري عل?ى أي?ة ح?ال ب??ل ھ??و ض??رب م??ن أح??داث ملائم??ة ومس??ايرة للعص??ر ومتطلبات??ه تمثل??ت بالفلس??فة البراغماتي??ة Pragmatism، وھي فلسفة تستند أساساً إلى قواعد رجعية إنتھازيه واعتداءيه، تعتبر أن النت?ائج العملية تبرر أس?اليب الوص?ول إليھ?ا، عل?ى ھ?ذا النح?و ف?أن بريطاني?ا الاس?تعمارية أقام?ت أمجادھ?ا وثرواتھ?ا اعتم?ادا عل?ى الاعت?داء عل??ى ش?عوب أخ?رى، ب?ل ھ??ي اس?تخدمت أبن?اء المس?تعمرات ف??ي
14
الحروب الاستعمارية ضمن سياسة الضم والإلحاق، واستنكرت وقاومت وقمعت أي عملية تحرر ومقاومة أبدتھا الشعوب المستعمرة، وم?ن تل?ك عل?ى س?بيل المث?ال، الح?رب العدواني?ة عل?ى مص?ر 1956، بالاشتراك مع فرنسا والكيان الصھيوني على أثر استعادة مص?ر لإح?دى مص?ادر ثروتھ?ا الوطنية )تأميم قناة السويس( من أجل إنماء البلاد، بعد رفضوا إقراضھا، ومنعوا حتى المؤسسات الدولي???ة م???ن إق???راض مص???ر لتش???يد الس???د الع???الي ف???ي أس???وان، ولك???ن كت???اب ومحلل???ين سياس???يين واقتصاديين إنكليز أقروا واعترفوا، ب?أن ذل?ك ك?ان الس?بيل الوحي?د الممك?ن لتنمي?ة مص?ر وإن ذل?ك كان من حقھا الشرعي. ولكنھا )تلك الأوساط( لم تفعل ذلك إلا بعد مرور عقود طويلة على التأميم والعدوان الثلاثي وعلى بحر من ال?دماء والآلام والتض?حيات الغالي?ة الت?ي ق?دمھا ش?عبنا ف?ي مص?ر وفي أقطار أخرى وغيرھا في العالم. أو لم تكن 84%، من مساحة اليابس?ة ف?ي الع?الم حت?ى مطل?ع القرن العشرين تدار استعماريا، وإذا كانت الأس?اليب الاس?تعمارية ق?د أرغمتھ?ا عل?ى التراج?ع، إلا أن جوھرھا م?ا زال ع?دوانياً نھاب?ا ويفتق?ر إل?ى الأخ?لاق والش?رعية القانوني?ة، ولن?ا ف?ي ذل?ك أمثل?ة كثيرة لا حصر لھا، ففي كل بقعة من الكرة الأرضية ھن?اك ش?واھد شاخص?ة تط?ل عل?ى الإنس?انية وھي تحمل آثار جروح أو نزف مستمر بسبب الأنشطة الاستعمارية: سياسياً واقتصاديا وعسكرياً وثقافي??اً، ف??ي أميرك??ا اللاتيني??ة وأفريقي??ا وآس??يا، وف??ي اس??تخدام مف??رط للق??وة المس??لحة ف??ي العلاق??ات الدولي??ة، وفيم??ا يتع??رض ل??ه الع??راق وفلس??طين وليبي??ا والص??ومال وأفغانس??تان ونيك??اراغوا، اب??رز ش??واھد وأدل??ة ف??ي العص??ر الح??ديث عل??ى ذل??ك، وم??ا ھ??ذه العولم??ة Globalisation، إلا اس??تعمار
وإمبريالية الألفية الثالثة ونسخة حديثه عنھا لنھب وجلد شعوب العالم.
*****
15
2 . المحور الثاني : التعريف بأهم الاتجاهات في الوثائق وتحـليل تلك الاهتمامات
لا شك أن الدبلوماسية البريطانية التي درسنا وثائقھا المتعلقة بالعراق على مدى سنة وبضعة أيام، كان?ت واس??عة، اش??تملت عل?ى 550 وثيق??ة ب??دأت ف?ي 2 تم?وز1958 وحت??ى9 / تم??وز / 1959، بالإضافة إلى موضوعات عديدة تركزت على :
• المعلومات عن الثورة ورجالھا والأنباء عن الأيام الأولى للثورة وتط?ورات الموق?ف ال?داخلي وحتى الشائعات .
• إمكاني??ة إع??ادة التض??ام الملك??ي، والاھتم??ام برج??ال العھ??د الملك??ي ومص??يرھم ومح??اولات غي??ر حاسمة من أجل إنقاذھم.
• ردود الفعل العربية وفي المنطقة)تركي?ا وإي?ران بص?فة خاص?ة(، وردود فع?ل الق?وى العظم?ى )الاتحاد السوفيتي ـ الولايات المتحدة ـ فرنسا ـ ألمانيا(.
• الشؤون الإدارية للسفارة، طبيعة عملھا واتصالاتھا مع نظام الحكم الجمھوري ورجال الحك?م الجديد .
• متعلقات فنية واقتصادية عديدة في العراق.
ومع ھذه الاتجاھ?ات، كان?ت ھن?اك ثم?ة قض?ايا اعتبرتھ?ا الدبلوماس?ية البريطاني?ة، والغربي?ة بص?فة عام??ة، نش??اطات تقليدي??ة، وھن??ا لاب??د أن نس??جل أن الولاي??ات المتح??دة الأمريكي??ة أنھ??ا كان??ت تعتب??ر العراق ضمن قطاع عم?ل واھتم?ام بريطاني?ا ونفوذھ?ا التقلي?دي، وإن كان?ت أع?وام م?ا بع?د الح?رب العالمية الأولى والثانية قد جلبت سحباً أمريكية إلى العراق على ھيئة استثمارات وخبراء وب?رامج عمل وحت?ى تس?ليح وي?دل عل?ى ذل?ك وج?ود رعاي?ا الولاي?ات المتح?دة الأمريكي?ة بع?دد ي?وازي ع?دد البريطانيين تقريباً )2000( فرد تقريباً، لكننا سنركز في جھدنا على أھم المحاور التي عملت فيھا
الدبلوماسية البريطانية بصدد العراق وقضاياه الرئيسية.
ھيمن???ت الث???ورة، أح???داثھا، رجالھ???ا، اتجاھاتھ???ا، وبالدرج???ة الأول???ى اس???تقرارھا السياس???ي عل???ى الاھتمامات الدبلوماسية البريطانية وبالتالي على نشاطاتھا بحيث استغرق ھذا الأمر الش?ھر الأول من عمر الثورة تقريباً، لاح فيه لبريطانيا منذ اليوم الأول للثورة، أنھا قد تواج?ه الفش?ل بس?بب م?ن ضعف مفترض، أو مقاومة قد تواجھھا من الجيش، أو العشائر أو قطاعات م?ن الش?عب. ولم?ا ب?دا أن ھذا الاحتمال بعيد الحدوث، تصاعدت درجة احتمال التدخل الخارجي في الي?وم الأول والث?اني للثورة، حين أصدرت الأوامر إلى اللواء المظلي البريطاني المتواجد في قبرص بالتھيوء للحرك?ة في أي لحظه للتدخل في الأحداث العراقية. كم?ا أن ھ?ذه الفك?رة )الت?دخل الخ?ارجي( يمك?ن أن تنف?ذ
بالتداخل والإسناد أيضاً مع:
1 . الإسناد المباشر من القوة الجوية الملكية البريطانية في قاعدة الحبانية بالعراق 2 . ت??دخل سياس??ي/ عس??كري م??ن قب??ل الأردن ) ف??ي اس??تعادة لملام??ح س??يناريو الح??رب العراقي??ة ـ البريطاني??ة أث??ر حرك??ة م??ايس/ 1941 ( حي??ث يض??طلع المل??ك حس??ين ب??دور نائ??ب رئ??يس الاتح??اد
الھاشمي فيتقدم لقمع )التمرد العسكري(، وقد أبدى الملك استـعدادا قـوياً للعـمل بـھذا الاتجاه.)3(
ولكن ھذه الاحتمالات سرعان ما بدأ تتھاوى الواحدة تلو الأخرى، فقد بدا الأمر كالمثل المع?روف )لم تنطبق حسابات الحقل على حسابات البيدر( فالتف?اف الج?يش والش?عب ح?ول الث?ورة قل?ص م?ن
16
فرص إيجاد قاعدة يستند عليھا التدخل الخ?ارجي، كم?ا أن البريط?انيين والغ?ربيين بص?فة عام?ه ل?م يكونوا كثيري الاھتمام بمصير الاتحاد الھاشمي ولا بطموح المل?ك حس?ين، فيم?ا ب?دا لھ?م الان?دفاع التركي صوب العراق وسوريا ليس سوى أطماع إقليميه متھ?ورة غي?ر قابل?ة للتحقي?ق، وق?د ت?ؤدي إلى توتير في العلاقات الدولية على حساب معادلات الحرب الباردة، ث?م اس?تقر الموق?ف عل?ى ھ?ذا
الأساس ولكن لفترة وجيزة جداً.
كان الحكام في القي?ادات العربي?ة )الأردن ـ لبن?ان ـ ليبي?ا( بالإض?افة إل?ى موق?ف تركي?ا التواق?ة إل?ى التدخل كما أسلفنا، تمارس ضغطاً ش?ديداً عل?ى بريطاني?ا والولاي?ات المتح?دة الأمريكي?ة، فق?د ب?دأت ھذه الأنظمة العربية تستشعر الخوف غريزي?اً عل?ى مص?يرھا، وب?الھلع م?ن أن تت?رك وجھ?اً لوج?ه
أمام شعوبھا لتواجه مصائرھا المحتومة.
ولكن ھذا الشعور لوحده ليس كافياً لإنضاج المواقف البريطانية والأمريكية، بل أن ما دفعھ?م إل?ى التحرك فعلاً ھو انتش?ار الم?د الث?وري المع?ادي للمص?الح الغربي?ة ف?ي المنطق?ة كالن?ار ف?ي الھش?يم. وكان ھناك فعلاً ما يستدعي ھذا التصور، فالثورة الش?عبية ف?ي لبن?ان كان?ت عل?ى وش?ك أن تخط?و صوب تحولات تكتسب فيھا ملامح ثورة قومي?ة، وربم?ا راديكالي?ة واس?عة النط?اق معادي?ة للغ?رب أكثر من كونھا مج?رد ص?راعات داخلي?ة. وك?ان ال?رئيس اللبن?اني كمي?ل ش?معون يواج?ه ص?عوبات جمة في السيطرة على الأوضاع، فيما رفض الج?يش اللبن?اني تنفي?ذ الأوام?ر بالتص?دي للجم?اھير، لذلك كان ال?رئيس ش?معون يطال?ب بإلح?اح، الإس?ناد وإن?زال قطع?ات أمريكي?ة ف?ي لبن?ان. كم?ا ك?ان الموقف في الأردن لا يبدو مستقراً وبدا أن الملك يواجه ظروف?اً عص?يبة، فم?ن جھ?ة ك?ان الموق?ف السياسي والعسكري في الع?راق م?اض إل?ى الاس?تقرار فيم?ا ك?ان احتم?ال قي?ام فعالي?ات ثوري?ة ف?ي الأردن يبعث على القل?ق والخ?وف الش?ديدين. وك?ان عل?ى البريط?انيين أن يفعل?وا ش?يئاً يح?ول دون
انتشار مد الثورة وإيقاف التداعي من جھة أخرى، وإرضاء وتطمين الأنظمة الحليفة.
وبالفعل، كان الإنزال الأمريكي، المؤلف من مشاة الأسطول السادس في لبنان يكف?ي لع?دم ح?دوث تح?ولات مھم?ة ف?ي مج??رى الث?ورة اللبناني?ة وتطم??ين ك?اف لل?رئيس ش??معون ليش?عر بالأم?ان لح??ين انتھ??اء ولايت??ه القريب??ة عل??ى أق??ل تق??دير، وترتي??ب رئاس??ة الل??واء ف??ؤاد ش??ھاب للجمھوري??ة اللبناني??ة والخروج بصيغة لا غالب ولا مغلوب، كما أن إنزال قوات مظليين بريطانية في الأردن يمكن أن ي?ؤدي ذات المھم?ة، فيم?ا تلق?ت الأس?رة الحاكم?ة السنوس?ية ف?ي ليبي?ا تطمين?ات بريطاني?ة وأمريكي??ة كافية من خلال الوجود العسكري المباشر ھناك في قاعدتي ويلس الأمريكية وطب?رق البريطاني?ة، وب??نفس الوق??ت مثل??ت إش??ارة مھم??ة لبغ??داد بع??دم المض??ي بعي??داً ف??ي تح??دي الغ??رب بوج??ود ق??وات
بريطانية وأمريكية في مواقع غير بعيدة عن العراق.
وب???دا أن ھ???ذا الموق???ف: الاس???تعداد والترق???ب المش???وب بالح???ذر ال???ذي توص???لت إلي???ه الدبلوماس???ية البريطانية بالتشاور مع الأمريكان، ھو أفضل ما يمكن اتخاذه بعد أي?ام قليل?ة عل?ى الث?ورة. وكان?ت الدوائر الدبلوماسية في الدولتين )ونحن ھنا بصدد التركيز على الدبلوماسية لبريطاني?ة( م?ن حي?ث المعطيات المتوفرة بين أيديھم تشجع على مث?ل ھ?ذه الموق?ف. ولع?ل أفض?ل م?ا توص?لوا إلي?ه ك?ان: حسناً، أنھم خسروا العراق ولك?ن أع?دائھم )مص?ر وعب?د الناصر?ـ والاتح?اد الس?وفيتي( ل?م يكس?بوه
بدورھم، وسوف لن ندعھم يكسبوه.
ومضت ھذه الآراء والقناعات تتعزز بم?رور الوق?ت عل?ى ض?وء تط?ورات الموق?ف السياس?ي ف?ي العراق، والتحولات في التوازن الدولي. وربما لم يطل الوقت لتدرك البعثة الدبلوماسية البريطانية في العراق، أن خلافاً خفياً يتطور إلى ص?راع علن?ي ي?دور ب?ين قطب?ي الث?ورة، العمي?د ال?ركن عب?د الكريم قاسم والعقي?د ال?ركن عب?د الس?لام ع?ارف، وأن المس?رح السياس?ي العراق?ي يع?د ب?الكثير م?ن
17
المفاجئات وأن قائدي الثورة يتعاملان مع القيادات السياسية السائدة، بدرجات متفاوتة من المھ?ارة والحنكة. فقد بدا أن عبد السلام عارف ممثلاَ للتيار القومي الوح?دوي ال?ذي ك?ان يھ?دف ف?ي نھاي?ة المطاف إلى أقامه الوحدة مع سوريه ومصر ضمن ج.ع.م بزعامة جمال عبد الناصر. وكان ھذا الخيار ھو أسوء ما يمكن أن تقبل به الدبلوماسية البريطانية، ب?ل المعس?كر الغرب?ي بأس?ره. ونقط?ة الخطر في ھذا التيار تتمثل في انه يستنھض الأم?ة العربي?ة كلھ?ا بوج?ه أع?دائھا واس?تعادة أجزائھ?ا السليبة ومصالحھا الاقتصادية المنھوبة، النفطية منھا في المقدمة، أو لم يفعل ذلك عبد الناصر في قناة السويس؟..لذلك كان الوقوف ضد ھذا التيار ممثلاً بزعيمه المفترض )عبد السلام عارف(، أو بأحزابه وحركاته السياسية وعلى رأسھا حزب البع?ث العرب?ي الاش?تراكي والتي?ار الق?ومي عام?ة،
ھو في مقدمة جدول الأعمال وجوھر الدبلوماسية البريطانية.
وإذا كانت بريطانيا تكن عدا ًء تقليدياً للشيوعية، فأن الدبلوماسية البريطانية توصلت )وق?د أس?تھلك ذل??ك منھ??ا جھ??داً ووقت??اً غي??ر بس??يط( إن عب??د الك??ريم قاس??م ل??م يك??ن منظم??اً ف??ي الح??زب الش??يوعي العراقي، ولكنه يحاول )بأساليب لا تخلو من الخط?أ( أن يبل?ور تي?اراً مس?انداً ل?ه يق?ف بوج?ه التي?ار القومي ـ الناصري ـ البعثي، فوجد ف?ي الش?يوعيين وعناص?ر م?ن الح?زب ال?ديمقراطي، ومس?تقلين
وانتھازيين، ما يمكن به تشكيل معسكر مساند له ولسياسته.
وفي الواقع، فأن بريطانيا والمعسكر الغربي الاستعماري عموماً، لم يكن ليفضل أياً من الج?انبين، القومي أو الشيوعي، فكلاھما شر مستطير بالنس?بة إلي?ه، ولك?نھم اكتش?فوا أن حل?ول الش?يوعية ف?ي العراق أمر لا يلوح في المنظور القري?ب، ف?الخطر ال?داھم بالنس?بة لھ?م ك?ان يتمث?ل بالتي?ار الق?ومي المتصاعد مھدداً المص?الح السياس?ية والاقتص?ادية، ويص?في أنظم?ة حك?م متحالف?ة معھ?م )ملكي?ات: مصر ـ الع?راق( ويق?وم بث?ورات مس?لحة بھ?دف التح?رر وتص?فية وإبع?اد النف?وذ الاس?تعماري ف?ي: الجزائرـ اليمن ـ لبنان، ويھدد مصالحھم الاقتصادية بقوه )تأميم قناة السويس ـ التھديد بتأميم النفط (، وإنھاء وجودھم وقواعدھم العسكرية من المنطقة )القواع?د البريطاني?ة ف?ي الس?ويس ـ ع?دن ف?ي ال??يمن ـ الش??عيبه ف??ي البص??رة( . فيم??ا ب??دا وج??ود الع??راق ف??ي حل??ف بغ??داد ومص??ير قاع??دة الحباني??ه
الجوية الاستراتيجية /غربي الفرات، معلق بخيط واھن.
وثم??ة أم??ر آخ??ر، فق??د ب??دا للإنكلي??ز وللغ??رب عموم??اً، أن المزي??د م??ن الض??غط عل??ى حرك??ة التح??رر القومية سيدفع بھا إلى المزي?د م?ن الالتح?ام م?ع الاتح?اد الس?وفيتي والمعس?كر الاش?تراكي)4( ال?ذي استطاع أن يجد له موطئ قدم لفعالياته في الوطن العرب?ي م?ن خ?لال دع?م حرك?ة التح?رر القومي?ة بوجه الغرب والاستعمار، وھكذا بدا أن الأمر معقد وبحاج?ة إل?ى اس?تقراء دقي?ق لعناص?ر الموق?ف
وتنفيذ سياسة مرنة.
وبالفعل فأننا نطالع سيلاً من التقارير والمذكرات والبرقيات المتبادلة بين العواصم الغربي?ة وكلھ?ا تبحث في الموقف الامثل الذي يضمن مصالحھا، كم?ا يوق?ف التھ?ور والت?داعي ف?ي المنطق?ة، لك?ن دون دفع الأوض?اع إل?ى حاف?ة المواجھ?ات الح?ادة. فق?د ك?ان لاب?د م?ن تطم?ين حك?ام لبن?ان والأردن وليبيا، وبذات الوقت توجيه رسالة إلى حركة التحرر العربية بأنھم سوف لن يسمحوا بالمزي?د م?ن الانھيارات. وما حدث في العراق يمكن أن يكون مقبولاً ومفھوماً في ھذه الحدود، وما ل?م يتج?اوز بع?د الخط?وط الحم?ر. ولك?ن م??ا ھ?ي الخط?وط الحم?ر ف??ي ع?رف الدبلوماس?ية البريطاني?ة والغربي??ة
عموماً ؟.. أنھا الأھداف الاقتصادية والسياسية، والاستراتيجية بدرجة رئيسية.)5( * الأھداف الاقتصادية
18
أول??ى تل??ك المص??ابيح الحم??راء ھ??ي مس??ألة ال??نفط، وج??ود الش??ركات، ض??مان الض??خ، اس??تقرار الأسعار)حسب القاموس الغربي = البيع الرخيص(. ونلاح?ظ أن ھ?ذه الفق?رة ھ?ي أول م?ا يح?رص عليه المسؤولون البريطانيون في مباحثاتھم مع المسؤولين العراقيين وتستحوذ على الحي?ز الأكب?ر
من الاھتمام في تقاريرھم. * الفعاليات الاقتصادية الأخرى:
ومن تلك مسألة العملة )ارتباط العراق بكتلة الإسترليني( والمدفوعات والمشتروات العراقية، قيام الشركات البريطانية أو الغربية بالمشاريع في العراق.
إن التطمين الذي تلقته الدبلوماسية البريطانية وإن كان بدرجة مقبول?ة، إذ أن الت?داخل الكثي?ف ب?ين السياسة والاقتصاد في عالم اليوم، لكنه يجع?ل م?ن المس?تحيل انتھ?اج خ?ط سياس?ي مع?ين، وس?لوك منھج اقتصادي معاكس له. أو لنقل يتناقض معه !. وبالطبع أن البريطانيون يعرفون حق المعرف?ة أبعاد ھذه القواع?د، ل?ذلك ف?أنھم قبل?وا عل?ى مض?ض التطمين?ات العراقي?ة ولك?نھم ك?انوا م?دركين أن الع??راق م??ا ٍض إن ع??اجلاً أو آج??لا إل??ى الخ??روج م??ن حل??ف بغ??داد )رغ??م أنھ??م ك??انوا يش??جعون الاستمرار فيه( كما أنه سينسحب من كتلة الإسترليني، كما على الأرجح فأنه سوف يتزود بأسلحة من ال?دول الاش?تراكية لأن أع?اده تس?ليح الج?يش العراق?ي بأس?لحة حديث?ة وقوي?ة كان?ت م?ن أھ?داف الثورة الرئيسية وذلك ما لم تكن بريطانيا لتفعله حتى مع الحكومة الملكية رغم الارتب?اط بعض?وية
حلف بغداد الذي كان مقره وأسمه في بغداد … !
ومن نافل?ة الك?لام الق?ول أن البريط?انيين لاتھمھ?م الأس?ماء كثي?راً، فم?ا يھمھ?م ھ?ي المص?الح وس?ير العمل ولا شيء غي?ر ذل?ك، أول?م يس?بب لھ?م المل?ك غ?ازي مش?كلات جم?ة بس?بب طموح?ه ال?وطني والقومي، أولم تكن نغمة مزعجة لھم تلك التي كان يرددھا عبد الإله) الأمير وولي العھد( في ضم سوريا وتوحيدھا مع العراق، أولم يكن رجل الدولة ن?وري الس?عيد مقب?ولاً ل?ديھم، ولكن?ه غ?دا غي?ر مقبول عندما طالب بالكويت العراقية..! وحتى ص?يغة الاتح?اد الھاش?مي ل?م يك?ن الإنكلي?ز راض?ين عنھ??ا أو مبھ??ورين بھ??ا ول??م يع??دونھا ص??يغة مثل??ى كحل??ف بغ??داد للتع??اون السياس??ي والعس??كري ف??ي الشرق الأوسط، سواء بين العرب أو بين غيرھم، فھم يفضلون صيغاً تضمن العم?ل كفري?ق تح?ت إشرافھم وإيعازاتھم ضمن حركه يكونون ھم ضابطي الإيقاع فيھا، يتح?رك فيھ?ا ك?ل واح?د حس?ب دوره ف??ي الخط??ة. وص??يغاً اقتص??ادية ككتل??ة الإس??ترليني، حي??ث تض??من فيھ??ا بريطاني??ا والولاي??ات
المتحدة التفوق والھيمنة.
ولكنھم بلا شك كانوا يدركون أن الظروف في العالم قد تغيرت منذ نھاية الح?رب العالمي?ة الثاني?ة، وستھب الشعوب للدفاع عن مصالحھا )وھا ھي قد ھبت فعلاً في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية(، وان عليھم تعود التعامل مع حكام وطنيين وديكتاتوري?ات عس?كرية ب?درجات متفاوت?ة م?ن الص?دق في النوايا وف?ي التوجھ?ات، وم?ع حكوم?ات لم?ا تتبل?ور فيھ?ا بع?د أش?كال دس?تورية تض?من الانتق?ال السلمي للسلطة، والمستقبل يعد دائماً بالمفاجئات وفي ھذه البلدان لا يبقى أمر على حاله طويلاَ، و
والتغيرات ھي صفة الأحوال، فالصبر مطلوب أذن إلى جانب التعامل بروية .
وباعتبار أن النفط ھو الموضوع الأساسي في الشرق الأوسط ومنھا البلاد العربية ل?ذلك ك?ان وم?ا يزال في مقدمة المصالح البريطانية والغربية في الوطن العربي، لذلك فأن أي موقف ف?ي المنطق?ة لابد أن يأخذ بنظر ا ْلاعتبار إم?داد ال?نفط أولا، ث?م الأس?عار عل?ى ض?وء المتغي?رات السياس?ية الت?ي جعل??ت من??ه س??لعه أساس??ية إس??تراتيجيته )الأس??عار، تزاي??د الاعتم??اد علي??ه كمص??در أساس??ي للطاق??ة، احتم??الات النض??وب(. وكان??ت ھ??ذه موض??ع الاھتم??ام ال??رئيس ف??ي المحادث??ات والمش??اورات ب??ين
19
بريطانيا والولاي?ات المتح?دة. فف?ي محادث?ات واش?نطن: 17 ـ? تموز?ـ 1958 ب?ين وزي?ري خارجي?ة أمريكا وبريطانيا توصلا إلى قرار: أن أي انقلاب أو تغير سياسي في المنطقة )في تلك الظروف، كان العراق ھو المقصود وما يتأثر به الموقف في الكويت(، فأن على الولاي?ات المتح?دة أن تك?ون مس??تعدة للت??دخل حت??ى ف??ي المملك??ة العربي??ة الس??عودية، ف??إذا س??يطر ناص??ر )جم??ال عب??د الناص??ر والحرك?ة القومي?ة(عل??ى الس?عودية وحق??ول ال?نفط، ف?أن الموق??ف س?يكون عس??يراً وأنھ?م س??يواجھون شروطاً قاسية لتجھيز النفط. لذلك كان السير مايكل رايت، السفير البريطاني ف?ي الع?راق يري?د م?ا ھو أكثر من التطمين عل?ى اس?تمرار ض?خ ال?نفط، فق?د ك?ان يھ?تم بالمس?تقبل وبدرج?ة أساس?ية بع?دم
المساس أو تأميم الصناعات النفطية.)6(
والدبلوماسية البريطانية وإن تأكدت أن النظام الثوري الجديد لا يريد استبدال ھيمنة بأخرى مؤكداً بذلك استقلالية القرار السياسي العراقي ولكنه بالمقابل، فأنه سوف يتجه حيث يجد له مص?لحة ف?ي ذلك، دون أن يبالي أن كانت مصلحته شرقاً أو غرباً وتلك لم تكن من توجھات م?ن النظ?ام الملك?ي الذي كان ملتصقاَ بالغرب رغم كل شيء، وبصرف النظر ع?ن أي ش?يئ. كم?ا أنھ?م )البريط?انيون والغربيون( بدءوا يسمعون من المسؤولين الجدد ما يدل على الحرص على الأم?وال العراقي?ة م?ن
النفط وعن انحياز الغرب لإسرائيل وقمع فرنسا للجزائر.
وقبل أن يمضي شھر واحد على الثورة )كان?ت بريطاني?ا ق?د اعترف?ت بالنظ?ام الجمھ?وري ف?ي 30 تم??وز، والولاي??ات المتح??دة ف??ي 2 آب(، حت??ى كان??ت الرؤي??ة والمواق??ف ق??د أص??بحت واقعي??ة، ب??ل وأخذت تبحث وتجد حتى الثغرات في النظام الملكي الزائل. )7(
وعلى الرغم أن قيادة الثورة والحكومة العراقي?ة ل?م تص?رح بش?يء م?ن خططھ?ا المس?تقبلية بص?دد ال??نفط، إلا أن تلميح??ات غي??ر رس??مية كان??ت كافي??ة لتجع??ل الدبلوماس??ية البريطاني??ة تتنب??أ بح??دوث مش??كلات أو أزم??ات، أو م??ا أطلق??ت علي??ه ف??ي حين??ه )ترتيب??ات جدي??ده( وف??ي ھ??ذا التقري??ر الش??امل المط??ول ال??ذي يحت??وي عل??ى تس??عة فق??رات ويحم??ل توقي??ع الس??فير، أحت??ل ال??نفط والموض??وعات الاقتصادية على سبعة فق?رات من?ه، ف?ي إش?ارة واض?حة عل?ى أن ال?نفط ك?ان الموض?وع الأھ?م ف?ي العلاق??ات البريطاني??ة ـ?? العراقي??ة، وس??يكون الواج??ب الأھ??م للدبلوماس??ية البريطاني??ة وفعالياتھ??ا ف??ي
العراق.
وف?ي 23 / تم?وز، كان?ت ق??د تبل?ورت ف?ي الدبلوماس?ية البريطاني??ة العامل?ة إمكاني?ة حض?ور الع??راق
ً
اجتماع حلف بغداد وما يلي نصا: )لا تتضمن فكرتنا إغلاق الباب أم?ام الع?راقيين، وعل?ى العك?س
من ذلك، ينبغي جعل الباب مفتوحاً أمامھم للمستقبل، وحت?ى أنن?ا لا نري?د إلغ?اء الميث?اق، وبوص?فنا للاجتماع المقبل كونه اجتماعا لرؤساء حكومات بعض أقط?ار ميث?اق بغ?داد بالاش?تراك م?ع وزارة خارجي??ة الولاي??ات المتح??دة الأمريكي??ة، ينبغ??ي ت??رك مس??ألة الع??راق ف??ي المس??تقبل مفتوح??ة بدرج??ة
واسعة(.)8(
ومما يستحق الملاحظة، أننا نشاھد تصاعد وجھ?ات النظ?ر م?ن واقعي?ة وص?واب، فھن?اك إش?ارات واضحة من أجھزة بريطانية حساسة مثل الاس?تخبارات العس?كرية البريطاني?ة )لاح?ظ وثيق?ة ب?رقم 133068 /ص:55 الجزء الث?اني( تش?ير إل?ى إخ?لاص الض?باط الع?راقيين ل?وطنھم وش?عبھم وال?ى أخطاء بريطانية في الإجراءات، بل أن عميد الدبلوماس?ية البريطاني?ة ف?ي الع?راق )الس?فير( يكت?ب تقري???را إل???ى رئ???يس ال???وزراء البريط???اني )وك???ان ھارول???د م???اكميلان( )وثيق???ة رق???م /2371/ف???ي 18/آب/1958 ص:57 الجزء الثاني(عن فحوى مقابلته لوزير الخارجية العراق?ي الجدي?د )د.عب?د الجبار الجومرد( وأنه قد بدا متأثراً من دعوة الجومرد للاستفادة من دروس التأريخ، عندما قال له ال??وزير العراق??ي: )أن الثق??ة ھ??ي حال??ة عقلي??ة متبادل??ة، ف??إذا كان??ت نواي??ا بريطاني??ا ودي??ة، ف??أن م??ن
20
الطبيعي أن يكون رد فعل العراق مماثلأ (. وسرعان ما عبر وزير الخارجية البريط?اني )س?لوين لويد( عن رغبته بسحب القوات البريطانية من الأردن بس?رعة واس?تئناف العلاق?ات عل?ى أوس?عھا مختتماً تقريره بجملة معبرة أخيرة )وأنني أعتقد أن من الأحس?ن أن ن?ذيب الجلي?د بينن?ا( وك?ل ذل?ك
بعد شھر وأربعة أيام فقط على قيام ثورة الرابع عشر من تموز.
وبالفعل، فأن الدبلوماسية البريطانية ويشاركھا الرأي شركات النفط البريطاني?ة، كانـ?ـت ف?ي 27 / 8 / 1958 على بينة من الموقف الحالي واحتمالات المستقبل. فق?د ك?ان ھ?ريج Herridg، رئ?يس شركة نفط العراق قد قام بزيارة إلى حقول النفط في الموصل والبصرة وكرك?وك، وك?ان ق?د قاب?ل رئيس الوزراء )قاسم( ووزيري الاقتصاد والمالية )إبراھيم كبة ومحم?د حدي?د( وأدل?ى بانطباعات?ه
في تقرير شامل.)9(
وخلاص??ة ھ??ذا التقري??ر التفص??يلي المھ??م، أن الموق??ف م??ا زال مح??تملاً وتح??ـت الس??ـيطرة، إلا أن العراقيين يثيرون تساؤلات مثيره، ويناقشون في الأرباح والعوائ?د بتفص?يل أكث?ر، وطلب?اتھم قوي?ة حول استثمارات وطنية في مجال النفط وليست خجولة ومترددة كما كانت في العھد الملكي ويريد العراقيون مساھمة أكبر للعناصر العراقية في فعاليات الشركة ويتنبأ ھريج مبكراً )ويا للدھش?ة أن يفعل ذلك رجل أعمال وليس دبلوماسي ..!( إن الع?راق س?يقوم ذات ي?وم بتأس?يس ش?ركة وطني?ة
لاستخراج النفط أو بتأميم الصناعة النفطية.
وبعد ي?وم واح?د م?ن ھ?ذا التقري?ر المتش?ائم، تلق?ت ش?ركة نف?ط الع?راق طلب?اً تحريري?اً م?ن الحكوم?ة العراقي??ة بالتن??ازل ع??ن امتي??از التنقي??ب ف??ي المي??اه الإقليمي??ة العراقي??ة، كم??ا تلق??وا مقترح??ات عراقي??ة بتطوير إنت?اجھم وتص?ديره عب?ر س?وريا إل?ى البح?ر الأب?يض المتوس?ط. وھك?ذا كان?ت س?اعة ال?نفط العراقي قد دقت مؤذنة بعودته إلى أھلة بعد أيام وجيزة من ثورة الرابع عشر م?ن تم?وز، ص?راعاً ماراثونياً سوف يتكلل بالتأميم الكامل الشامل وبنصر كبير على الاحتكارات في حزيران / 1972
.
على أننا نلاحظ في سياق التقارير السياسية والدبلوماسية، أن الھواجس الاقتصادية )عدا النفطي?ة( حاضرة أيضاَ بنسبة كبيرة، س?واء كان?ت متعلق?ة ببق?اء الع?راق ف?ي كتل?ة الإس?ترليني، أو الأرص?دة العراقية، أو المشاريع الاقتصادية )م?ن المحتم?ل ت?رك منطق?ة الإس?ترليني، م?ا ل?م تواف?ق الحكوم?ة البريطانية على زي?ادة مطال?ب الع?راق م?ن العم?لات الأجنبي?ة(. وكان?ت الس?احة العراقي?ة ق?د ب?دأت تشھد تنافساً من شركات الدول الاشتراكية وغيرھا، فلم تعد بريطانيا )بص?فة خاص?ة( تن?ال حص?ة
الأسد من الاستثمارات العراقية. * الأھداف السياسية: والغري?ب المثي?ر ف?ي الأم?ر، ھ?و ح?رص بريطاني?ا أو الغ?رب عام?ة عل?ى اس?تغلال أي فرص?ة ف?ي
ًً
العراق وفي البلاد العربية، سياسيا واقتص?اديا وعس?كريا. وم?ع مع?رفتھم بالإمكان?ات الكبي?رة الت?ي
تزخ??ر بھ??ا ال??بلاد العربي??ة، ف??أنھم بالمقاب??ل، ك??انوا )وم??ا زال??وا( لا يت??رددون لحظ??ة ف??ي دع??م أع??داء العرب لا سيما الكيان الصھيوني، مع علمھم الأكيد أن ھذه ھي نقطة الضعف في السياسة الغربية وھي سبب تراجع مكانتھم في البلاد العربية، بل ويبدو حتى المطالبة بوقوفھم موقف الحي?اد بي?نھم وب??ين الكي??ان الص??ھيوني، بعي??د المن??ال. فالانحي??از كام??ل وھ??و موق??ف م??دھش يس??تحق الدراس??ة
والتمعن!…
21
وسرعان ما بدأت ثورة الرابع عشر من تموز تستقر وھي تفرز وتبلور مستجدات، وكان الإنكليز والأمريك?ان مس?تعدون للتعام?ل م?ع غم?وض عب?د الك?ريم قاس?م النس?بي عل?ى قب?ول التح?ديات الت??ي يطرحھا التيار القومي: وحده عربية، تأميم للنفط واستثمارات، تثوير للطاقات العراقية والعربي?ة،
مساندة الثورات العربية المعادية للاستعمار، معاداة إسرائيل ……الخ.
وكان على الدبلوماسية البريطانية أن تتكيف وتتعامل مع ھذا الواقع الموضوعي )الجديد(، بمعن?ى الجديد الذي لم تعتد عليه في العراق منذ احتلالھا في الح?رب العالمي?ة الأول?ى وحت?ى ث?ورة الراب?ع عشر من تموز، ولا بد من الاعتراف أن الدبلوماسية البريطانية قد نجحت في التأقلم والتكيف م?ع الأج??واء الجدي??دة ف??ي العاص??مة العراقي??ة، وب??دأت تتعام??ل م??ع مفرداتھ??ا فھ??ي تس??تخدم ال??دھاء حين??اً والخبث وسياسة النفاق وإثارة التناقضات الثانوية حين?اً آخ?ر، تمھي?داً لان تحت?ل لنفس?ھا موقع?اً ف?ي عقل وقلب القائد العسكري/السياسي عبد الكريم قاسم، وھي في ذلك تحاول أن ض?من سياس?تھا أن
تستبعد خياران أحلاھما مر: الأول: أن ينضم العراق إلى ج.ع.م ليساھم في رفد مسيرة الثورة العربية الوحدوية.
الثاني: أن يحصل الشيوعيون على مكانة متقدمة في العراق وبالتالي سـيكون موقـعاً لنفوذ الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي.
وبعد أن تأكدت الدبلوماسية البريطانية والأمريكية، بأن عب?د الك?ريم قاس?م )بع?د أن نج?ح ف?ي أبع?اد الخط القومي في ثورة تموز( سوف لن يتقارب مع ج.ع.م كما أنه سوف لن يقدم على تأميم النفط، باش??روا بتأيي??ده. وق??د عب??ر مبع??وث الأمريك??ي )أيزنھ??اور( روب??رت م??ورفي ع??ن ذل??ك ف??ي إح??دى تقاريره مختصراً الموقف بقوله: )أنني أستطيع أن أجد في عبد الكريم قاسم منافس?اً لناص?ر أكث?ر مما أرى فيه صديقاً له، وإن الوحدة بعيدة المنال وال?نفط بأم?ان وإن التعام?ل م?ع الس?وفيت ن?اجم
عن الشعور بالعزلة(.)10(
ومن المؤكد أن دور الدبلوماسية البريطانية ل?م يك?ن غائب?اً ع?ن ھ?وامش الأص?طراع ال?داخلي، فق?د كانت اتصالاتھم برجال الحكم وخلق العديد من التصورات والإيحاءات لديھم وأح?داث الض?غوط، فقد كان على سبيل المثال واضحاً إلى أقصى حد دفع الدبلوماسية البريطانية والأمريكي?ة التن?اقض بين اتجاھات الثورة. وتجسيم مخاوف وأوھام، وتغليب الاتجاھات الجانبية والفردي?ه والتناقض?ات الثانوية على حساب التناقضات الجوھرية، وكل ھذا يدور من أج?ل أيج?اد م?وطئ ق?دم للت?دخل ف?ي السياسة العراقية الداخلية وتص?عيد للمش?كلات الداخلي?ة وإقحامھ?ا ف?ي الث?ورة مم?ا لا ي?دع الفرص?ة والمجال للنظام السياسي وللحكومة الانصراف إلى المشكلات الأكبر، وإبقائھ?ا ف?ي حال?ة قل?ق مم?ا يسھل التدخل في الشؤون الداخلية، وحرف مـسارات تطوير الاقتصاد الوطني والتخطيط من أجل إبقاء الاقتصاد العراقي في حالة التبعية لھا. فقد كان واضحاً ولا سيما في الخمس?ينات والس?تينات، أن بل??دان الكتل??ة الاش??تراكية، رغ??م دخولھ??ا المي??دان كش??ريك تج??اري، إلا أنھ??ا ل??م تك??ن ف??ي وارد النھوض بكافة الاحتياجات العراقية أو العربية، فالحاجة إلى الغرب سواء كمجھ?ز للس?لع الج?اھزة أو كاس??تيراد للتكنولوجي??ا س??يبقى قائم??اَ، ويج??ب أن تتعم??ق وتتط??ور بتط??ور ق??درة الس??يولة النقدي??ة المتوفرة لدى العراق انطلاقاً من مصادر ثروته الطبيعية، وإن الإبقاء على التبعية الاقتصادية ھي
من أولى مستلزمات الإبقاء على التبعية السياسية.
ھكذا صاغت الدبلوماسية البريطانية أولى حلقات أنشطتھا في العراق على أساس أن ما حصل ھو أمر واقع وعليھم التعامل مع ھذا الأمر الواقع، بواقعية طبعاً، وليس بأحلام ما قبل صبيحة الراب?ع عشر من تموز.
22
أم??ا عل??ى الص??عيد السياس??ي، فق??د اس??تقرت الدبلوماس??ية لبريطاني??ة عل??ى قاع??دة عم??ل اعتبرتھ??ا )رصينة(، وھ?ي إث?ارة تن?احرات وتناقض?ات ب?ين اتجاھ?ات الث?ورة الوطني?ة، ب?ل والس?عي الحثي?ث لخلق المزيد منھا، وأحياء ما قد اندثر منھا. فق?د ب?دا للدبلوماس?ية البريطاني?ة بع?د فت?رة قص?يرة م?ن الثورة، أن الاتجاھات القومية الوحدوية ھي خطر بق?در الش?يوعية، ب?ل وأكث?ر م?ن ذل?ك، وھ?ذا م?ا يجسده تقري?ر عمي?د الدبلوماس?ية البريطاني?ة ف?ي الع?راق )الس?فير( إل?ى مرك?ز ال?وزارة بلن?دن: )إن سياسة الاحتفاظ بقاسم ھي من مص?لحة الغ?رب( و)أن مص?لحتنا ھ?ي ض?مان بق?اء الع?راق مس?تقلاً عن ج.ع.م وعن الشيوعية وھو )قاسم( في الوقت الذي يستند في?ه إل?ى الش?يوعية، يتخ?ذ إج?راءات مضادة ل ج.ع.م، وي?دعم عناص?ر معتدل?ة ف?ي الج?يش، وإذا س?قط عب?د الك?ريم قاس?م، ف?أن احتم?الا
كبيرا بأن يخلفه نظام متطرف(.)11(
وقد لاحظنا إيحاءات وإيماءات من الدبلوماسية البريطانية لعبد الكريم قاسم بان أبعاده لعبد الس?لام
ع?ارف س?وف يص??ب ف?ي مص?لحته، وھ??و عم?ل س??يلقى المس?اندة م?ن الغ??رب وبريطاني?ا و أمريك??ا
تحدي??داً، ث??م إنن??ا نلاح??ظ م??رة أخ??رى أن الس??فير البريط??اني يح??رض عب??د الك??ريم قاس??م عل??ى إع??دام
ً
الضباط القوميين)رغم أنھ?ا كان?ت غلط?ة دف?ع ال?زعيم قاس?م ثمنھ?ا باھض?ا(، ولكن?ه يطل?ب الرحم?ة
لعناصر النظام الملكي.)12(
وباختصار كانت أھداف الدبلوماسية البريطانية في الع?راق قائم?ة عل?ى أس?اس المعطي?ات الجدي?دة ولا بد من الاعتراف بأنھم تمكنوا من إجراء تح?ويرات ناجح?ة ف?ي أس?اليبھم السياس?ية لت?تلاءم م?ع الظروف والمعطيات الجديدة، ولكنھا ظلت تحتفظ بذات الج?وھر السياس?ي الق?ديم ف?ي الس?عي نح?و
الھيمنة ونھب المزيد من الأرباح دون الاكتراث لأي ھدف عدا مصالحھم التوسعية.
وم??ن الوس??ائل الخبيث??ة الت??ي اتبعوھ??ا ف??ي الع??راق )كم??ا ف??ي أم??اكن أخ??رى( الع??زف عل??ى الأوت??ار الطائفي??ة، وتل??ك مفارق??ة لاب??د م??ن رص??دھا بدق??ة. وف??ي الواق??ع ل??م نج??د عب??ر دراس??اتنا السياس??ية / التاريخي??ة، ص??ديقاً أو محب??اً لبلادن??ا وش??عبنا يح??اول إث??ارة مث??ل ھ??ذه النع??رات، ب??ل عل??ى العك??س، فالص??ديق يح??اول تش??جيع اتجاھ??ات الوح??دة الوطني??ة والتأكي??د عل??ى ھمومن??ا ومعاركن??ا المش??تركة، ومصالحنا وأھدافنا الواحدة. ولكن بالمقابل كان ولا ي?زال ك?ل مس?تعمر أجنب?ي غي?ر مح?ب لبلادن?ا وشعبنا، لا مصلحة له في مواجھة العراق واحداً متوحداً، يحاول من جھ?ة إث?ارة تناقض?ات ثانوي?ة وسطحية وكذلك التأكيد على إثارة العنصريات، والى ك?ل م?ا م?ن ش?أنه تمزي?ق النس?يج السياس?ي / الاجتماعي / الثقافي للشعب والبلاد، وھذا بالض?بط م?ا نلاحظ?ه بوض?وح ظ?اھر ف?ي كاف?ة الوث?ائق
البريطانية على امتداد الأجزاء الثلاثة.)550 وثيقة-1117صفحة(
وإذا كانت أحلام الدبلوماسية البريطانية خاصة بأحياء فكرة الأحلاف قد اندثرت وتلاش?ت، بس?بب شعورھم الأكيد بأن تكتيل ھذه الدول باتجاه أھداف موھومة ھو أمر لا يخدم مصالح ل?يس الع?راق والبلاد العربي?ة فحس?ب، ب?ل وحت?ى ش?عوب المنطق?ة بأس?رھا. فبع?د انس?حاب الع?راق الرس?مي م?ن حلفبغداد)مطلع1959(وتحولأسمهإلىحلفالمعاھدةالمركزيةCENTO ومقترحاتفي أحي?اء فك?رة م?ا يس?مى بالنط?اق الش?مالي THE NOTHERN TIER ولك?ن ك?ل ذل?ك ل?م يط?ل كثي??راً فس??رعان م??ا لف??ظ الحل??ف )الس??نتو( أنفاس??ه الأخي??رة بع??د أن فق??د مغ??زاه الرئيس??ي م??ن وج??ود الع??راق ض??من أعض??اؤه. ول??م يع??د الح??ديث ع??ن معاھ??دات عس??كرية واردا، أو عل??ى الأق??ل بس??حب الدول العربية إليه، بل كان ق?د غ?دا معلوم?اً أن انض?مام أي دول?ه عربي?ة إل?ى أي معاھ?ده عس?كرية أجنبية بقيادة الدول الاستعمارية مجازفة كبيرة لا تحمد عقباھا. وعلى ھ?ذا الأس?اس أحجم?ت حت?ى
حكومات دول صديقه لبريطانيا وأمريكا في المنطقة من دخول مغامرات كھذه، ولكن ..! 23
ومن المؤكد أن الدبلوماس?ية البريطاني?ة والأمريكي?ة س?وف ل?ن تك?ف ع?ن محاولاتھ?ا للتوص?ل إل?ى أھدافھا بوسائل شتى. والأھداف الواضحة المعلنة ھي: مكافحة حركة التحرر العربية و محاصرة الاتحاد السوفيتي ومنعه من إقامة صلات سياسية / اقتصادية في الوطن العربي والش?رق الأوس?ط عامه، حيال الأنظمة العميلة المتواطئة مع الاستعمار وضمان حماية أمن الكي?ان الص?ھيوني، وق?د
كانت ھذه الأھداف قديماً وحديثاً ھي عماد السياسة الاستعمارية في المنطقة، بل في العالم بأسره.
والدبلوماسية البريطانية تعلم علم اليقين أن سياستھا ھذه تناقض مصالح شعوب المنطقة: الع?راق، الدول العربية والدول الأخرى)إيران ـ باكستان وغيرھما( وبدقه أكبر، تعلم أن انحيازھ?ا ودعمھ?ا للكيان الصھيوني، إنما ھي سياسة بغيضة عامة وغير مقبولة حتى ل?دى الحك?ام المت?واطئين معھ?ا ال??ذين يقبلونھ??ا عل???ى مض??ض، وتل??ك مس???ألة مؤش??رة ف??ي كاف???ة المراس??لات الدبلوماس??ية بص???دد الموضوع دون استثناء، وكانت المؤامرات وإثارة الدسائس بين ال?دول العربي?ة وغيرھ?ا م?ن دول المنطق??ة، وب??ين ال??دول العربي??ة نفس??ھا وداخ??ل المجتمع??ات العربي??ة ھ??و الأم??ر الش??اغل للجھ??از الدبلوماسي اليومي. فنجد أسماء لشخصيات عراقية كثي?رة ج?داً، بعض?ھا يت?ردد عش?رات أو مئ?ات الم?رات. ودرج??ة قب??ولھم لھ??ذه الشخص??ية أو تل??ك، ھ?و بمق??دار قبولھ??ا الخ??ط السياس??ي/ الدبلوماس??ي البريطاني، وعلى قدر التقاء المصالح، فقد ب?دت لھ?م بع?ض الشخص?يات العراقي?ة مقبول?ة لأنھ?ا ل?م تكن وحدوية الاتجاه بعمق، ودرجة قبولھم أو سخطھم ھو بھذا المقياس، ولكننا ل?م نلم?س ولا م?ره
واحدة قبولھم لشخصيات بعثية أو شيوعية أو قومية، أو وطنية.
بل تستخدم الدبلوماسية البريطانية مصطلح )وطن?ي متط?رف(. وعل?ى س?بيل المث?ال، نج?دھم عل?ى
مدى صفحات ينشغلون بشخصية الوزير إب?راھيم كب?ة، وق?د ع?انى الدبلوماس?ي البريط?اني المت?ابع
لھذه الأخبار في السفارة البريطانية الع?ذاب ف?ي معرف?ة م?ا إذا ك?ان الس?يد كب?ة منظم?اً إل?ى الح?زب
الشيوعي أم لا، وكذلك شخصية عب?د الك?ريم قاس?م. كم?ا ت?ردد كثي?راً أس?م ف?ؤاد الرك?ابي)أم?ين س?ر
القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي(عل?ى أس?اس أن?ه بعث?ي وق?ومي متعص?ب، وك?ذلك
ً
شخص??ية الض??ابط الق??ومي )الح??ر( الل??واء ال??ركن ن??اجي طال??ب )ال??وزير ورئ??يس ال??وزراء لاحق??ا(
بوصفھم قوميين لا يلتقون مع مصالح الغرب مطلقاً، وأسماء كثيرة أخرى لسياس?يين وض?باط م?ن الج?يش العراق??ي، وأن??ه لم??ن الس??ھولة للق?ارئ ملاحظ??ة إدراك الدبلوماس??ية البريطاني??ة الت??ام وطني??ة الجيش العراقي وقادته، وإن معظم ضباطه مخلصون للعراق والأمة العربية.
ورغم أن الدبلوماسية البريطانية كانت تم?ارس وبس?عي حثي?ث، محاول?ة ) احت?واء ( الع?راق )من?ع اش??تداد التوج??ه الق??ومي أو الش??يوعي ( ومع??رفتھم أن الحكوم??ة العراقي??ة س??وف تتج??ه إل??ى ش??راء الأسلحة من المعسكر الاشتراكي، لأن تسليح الجيش العراقي كان من أھداف الث?ورة المعلن?ة، وق?د أبدى الغرب استعدادا لتس?ليح الج?يش، ولك?ن ض?من ھ?ذا الھ?دف: أبع?اده ع?ن المعس?كر الاش?تراكي وبسلاح لا يكفي لمواجھة الكي?ان الص?ھيوني أو حت?ى الت?وازن مع?ه. وم?ن الم?دھش الق?ول أن ھ?ذه
السياسة كانت متبعة حتى مع الحكومة العراقية الملكية … !.
ويمتعض القادة والسياس?يون ف?ي الغ?رب )بريطاني?ا وأمريك?ا خاص?ة( م?ن طلب?ات التس?لح العراقي?ة والعربية. ونجد مثال على ذلك في مفاوضات وف?د سياس?ي/عس?كري عراق?ي يرأس?ه المل?ك فيص?ل الثاني، بحديث فظ خال من التھذيب لوزير الخارجية الأمريكية)جون فوس?تر دلاس( حي?ال طل?ب سلاح عراقي)13( مع أن العراق كان ضمن حلف بغداد، بوقاحة تش?به وقاح?ة ال?رئيس الأمريك?ي
بيل كلنتون في خطابه إلى الرئيس حسني مبارك، رئيس جمھورية مصر العربية.)14(
ونلاح??ظ اھتمام??ا محموم??اً مدھش??ا حي??ال تش??كيل الع??راق للفرق??ة الخامس??ة م??ن جيش??ه ف??ي مطل??ع عام1959، فنراھم يھتمون بتفاصيل عن تسليحه وقدراته وتعداده وعناصره، من الضباط خاصة،
24
ثم عن قائد ھذه الفرقة، معلومات عن شخصية ھ?ذا الض?ابط وتأريخ?ه. ودب?ت الراح?ة ف?ي نفوس?ھم قليلاً عندما علموا أنه ليس من العنصر القومية الوحدوية، ثم أنه ليس بشيوعي، ولكنھم علموا أن?ه ضابط محترف كفء، فابتدأ القلق ھذه المرة صوب الكيان الصھيوني الذي سيواجه فرق?ة عراقي?ة
جديدة وبقائد كفء …!
ولكن إذا شئنا، في قراءة إجمالية وتحليل لمجموع الوثائق الدبلوماسية البريطانية، وھي تمت?د لع?ام واحد فقط 1959-1958، فھن?اك حق?اً نت?ائج تس?تحق التأم?ل. ونعت?رف أنن?ا ق?د ازددن?ا عمق?ا وثقاف?ة بق??راءة ھ??ذه الوث??ائق، وك??م ھ??و رائ??ع الجھ??د المب??ذول فيھ??ا، وأدركن??ا عظ??م النت??ائج الكبي??رة لنض??ال الحرك??ة الثوري??ة العربي??ة الت??ي انطلق??ت من??ذ الأربعين??ات، عارم??ة وحقق??ت نت??ائج كبي??رة ينبغ??ي أن نقدرھا ح?ق ق?درھا، وق?د علمن?ا م?ا أح?دثت م?ن قل?ق وذع?ر وي?أس ف?ي ص?فوف م?ن تزعج?ه التق?دم والتطور العربي، وفي الوقت نفسه ن?درك معن?ى ھ?ذه الفعالي?ات المعادي?ة للام?ه العربي?ة، وال?ى م?ا تھدف والضربات التي توجه إلى نقاط معينه، والى ب?ؤر الث?ورة والتق?دم ف?ي ج?ـسد الأم?ة العربي?ة. نقدرھا دون استصغار، بأنھا يائسة، وأنھا استخدام فظ وھمجي للقوة ليس إلا. فبع?دما ك?ان الھ?دف وضع الأقطار العربية كحلق?ات ف?ي اس?تراتيجية اس?تعمارية: أص?بح الآن مح?اولات يائس?ة محك?وم عليھا بالفشل في التصدي لمشروع الآم?ة ف?ي النھ?وض وتك?وين ق?وة سياس?ية / اقتص?ادية عالمي?ة،
وتخطي مشكلات التنمية وإزالة عقبات التقدم من أمامھا.
****
25
3 . المحور الثالث : ملاحظات حول الجانب النظري والمهني والمعلوماتي
وف?ي س?ياق تحليلن?ا عب?ر الص??فحات الس?ابقة، تطرقن?ا إل?ى أس??س نظري?ة وأخلاقي?ات ومب?ادئ عم??ل الدبلوماسي )15( ونحن نعتقد أن من الضروري أن يتضمن بحثنا ھذا المح?ور: المب?ادئ النظري?ة الأساسية في الدبلوماسية البريطانية وفي الوثائق البريطانية بصفة خاصة، وأھمية ذلك ف?ي مج?ال
صياغة المواقف والقرارات السياسية حيال العراق بدرجة أساسية وبلدان وقضايا أخرى.
نحن نعلم أن بريطانيا ھي دول?ة قديم?ة، أتاح?ت لھ?ا الث?ورة البورجوازي?ة الإنكليزي?ة ع?ام )1640( إقامة دولة حديثة قادت في تفاعلاتھا اللاحقة إلى الثورة الصناعية، في بريطانيا بالذات أولاً وقب?ل غيرھ??ا م??ن الأم??م الأوربي??ة وأدت الث??ورة الص??ناعية إل??ى تص??اعد الحاج??ة للم??واد الخ??ام وبمق??ادير كبيرة، وعندما أمكن توفير ذلك بواسطة التجارة حينا والمستوطنات التجارية / الاستعمارية حيناً، قامت مشكلة جدي?دة: تك?دس الإنت?اج الھائ?ل للمص?انع وغ?دت الحاج?ة إل?ى الأس?واق ماس?ة وملح?ة، فلابد من الفتوحات التي ق?ادت إل?ى فتوح?ات جدي?دة، وابت?دعت ال?دول الاس?تعمارية بدع?ة اس?تخدام أبناء المستعمرات أنفسھم في حروب استعمارية جديدة قائم?ه عل?ى التوس?ع عب?ر الض?م والإلح?اق، وكان ھ?ذا النش?اط الاقتص?ادي يج?ري بق?وة م?ع أتس?اع ق?وة ونف?وذ الدول?ة وتع?اظم ھيب?ة مؤسس?اتھا واكتمال ملامح الدولة الحديثة، وتعاظم مكانة البورجوازية المصرفية / الصناعية التي اس?تحوذت على الحك?م بص?فة تام?ة، فأبع?دت أولاً وقب?ل ك?ل ش?يء: نف?وذ وس?لطان الكنيس?ة، ث?م قي?دت المل?وك بدساتير أصبح الملك في الغالب بمقتضاھا رمزاً للدولة. وفي ظل الحكومات الحديثة، كانت ھن?اك وزارة الخارجية التي لعبت دوراً مھم?اً ف?ي ص?ياغة الق?رار السياس?ي اعتم?ادا عل?ى أس?اليب العم?ل الدبلوماس??ي. ولك??ن حت??ى مطل??ع الق??رن العش??رين ك??ان 84% م??ن مس??احة اليابس??ة ف??ي الع??الم ي??دار استعماريا، فعلى س?بيل المث?ال، كان?ت ق?ارة آس?يا خالي?ة م?ن أي دول?ة مس?تقلة ع?دا الياب?ان، وكان?ت أفريقيا بأكملھا مستعمرة، وكذلك أميركا اللاتينية ) عدا دولة أو اثنتين ( فأي دبلوماسية كانت ومع
من تمارس..؟
قبل كل شيء، فأن علم السياسة الحديث الذي تتراوح المصادر الغربية ح?ول مؤسس?ة، فھن?اك م?ن يؤكد أن الإيطالي نيكولا ميكافيلي )1469 – 1527( ھو مؤسس علم السياس?ة الح?ديث وھ?و أح?د علماء عصر النھضة ال?ذي يق?يم مبادئ?ه بص?فة إجمالي?ة، عل?ى أن السياس?ة لا علاق?ة ل?ه ب?الأخلاق، وأن كل شئ مباح حتى استخدام كل الأساليب م?ن أج?ل الوص?ول إل?ى الغاي?ات، ولك?ن ھ?ذه الفك?رة أدينت على نطاق واسع لبشاعة تصورھا ولفضاض?تھا حت?ى قي?ل أن السياس?يون ينك?رون ق?راءتھم لكت??اب الأمي??ر لميك??افيلي م??ع أنھ??م يحرص??ون عل??ى دراس??ته، ولك??ن عل??م السياس??ة تط??ور )بتق??ديرنا
وبرأي جمھرة من العلماء( في أفكار مونتسيكيو ) شارل مونتسيكيو / 1689 – 1756 ( العالم الفرنسي الذي استطاع حق?اً أن يع?زل الأخ?لاق ع?ن السياس?ة ولك?ن دون
ذلك الانحدار عند ميكافيلي الذي ليس بوسع أحد أن يدافع عن انحط?اط مبادئ?ه فھ?و القائ?ل م?ثلاً: ) أنني ومنذ زمن بعيد لا أفك?ر فيم?ا أق?ول، ولا أق?ول فيم?ا أفك?ر وإذا ح?دث م?رة أن قل?ت الح?ق ف?أني أغلف??ه بحزم??ة م??ن الأكاذي??ب حت??ى يص??عب بل??وغ كنھ??ه(. وب??الطبع لا يستس??يغ علم??اء السياس??ة ف??ي الغرب، تنسيب فكر سياس?ي عمي?ق قدم?ه الع?رب إل?ى الإنس?انية عل?ى ي?د علم?اء ع?رب أف?ذاذ ك?أبن خلدون، أو أبن الأزرق وأبن أبي الربيع والماوردي وأبن تيميه والطرطوشي وأبن رشد وغي?رھم
كثير من علماء السياسة العرب في عالم الفكر والفلسفة.
ولكن لنضرب صفحاً عن ھذا الجانب، ونظل في مجال الفك?ر السياس?ي ببل?دان الغ?رب فنق?ول، أن ھذه أفكار)ميكافيلي( وجدت تطويرھا) الأمثل( أو لنقل الأكثر تھذيباً على أيدي علماء السياسة في
26
ما بعد عصر الليبرالية والتنوير، ثم في مرحلة ما بعد الاستعمار، حيث صار من الضروري منح غط???اء فلس???في/ فك???ري يس???بغ الش???رعية و)التحض???ر(عل???ى فعالي???ات اعتداءي???ه واس???تباحة أرواح وممتلكات أمم أخرى.
في أمريكا )الولايات المتحدة ( بالذات وجدت المناخ المناسب )وتلك ليس?ت مص?ادفة…!( لتط?وير الأفك?ار البراغماتي??ة Pragmatis ، حي?ث دارت عل??ى الأراض?ي الأمريكي??ة وعل?ى م??دى س??نوات طويلة صراعات سياسية استعمارية، بريطانية / فرنسية / أسبانية، ثم لظ?روف وأس?باب لا مج?ال لھا ھنا، تأسس مجتمع رأس?مالي ح?ديث )دون مق?دمات تاريخي?ة س?ابقة( يمتل?ك ق?درات الانط?لاق، كان وليم جيمس)1910 1842( James William أحد أبرز مفك?ري ھ?ذه المدرس?ة الت?ي أطل?ق عليھ??ا البرغماتي??ة، أي الم??ذھب العمل??ي. وق??د وج??دت ھ??ذه الأفك??ار إيض??احا لھ??ا عن??د الفيلس??وف الأمريك?ي تش??ارلس س?اند بي??رس )1914 / 1839( ال??ذي أعتب?ر العم??ل مب??داً مطلق?اً ب??إعلان ھ??ذه القاعدة )أن تصورنا لأي موضوع ھو تصورنا لما قد ينتج عن ھذا الموض?وع م?ن آث?ار عملي?ة لا
أكثر( .)16(
مضى علماء آخرون في منح ھذا المذھب الانتھ?ازي، الاعت?دائي الق?ائم عل?ى مب?ادئ الق?وة والغلب?ه في منحه أبعاد فلسفية عميقة باستعارات من فلسفات أوربية مثل جورياروس الأمريكي) – 1855 1916(،والاھ??مك??انالأمريك??يج??وندي??وي)1952 – 1859(.وتص??فالموس??وعةالألماني??ة )Duden( مذھب البراغماتية باختصار )أن حقيقة كل الأفك?ار والنظري?ات تق?يم بدرج?ة نجاحھ?ا( )17( فھي أذن عملية تجميل للميكافيلية، على أن روحھا الانتھازية مازالت تبدو واضحة ودقيقة، ولك??ن ھ??ذه النظري??ة )وھن??اك م??ن ينتق??دھا ف??ي الع??الم الغرب??ي الرأس??مالي( كان??ت العم??اد النظ??ري / الفلسفي للسياسات التي أتبعتھا ال?دول الرأس?مالية الاس?تعمارية الت?ي أباح?ت لنفس?ھا فع?ل ك?ل ش?يء مقاب??ل الحص??ول عل??ى أھ??دافھا الاس??تعمارية التوس??عية، والأخ??لاق مس??ألة نس??بية تمام??اً ولا أھمي??ة واقعية لھا. فنظام عصبة الأمم الذي وضعته الدول الاستعمارية المنتصرة ف?ي ح?رب اس?تعمارية، في إطار اقتسام جديد للعالم، أباحت لنفسھا فيه صراحة تسلطھا )حق الشعوب المتقدم?ة م?ن الآخ?ذ بيد الشعوب المتخلفة….الخ( والتخلف ھنا لم يكن يعني سوى ھزيمتھا )الدول الصغيرة والمتخلفة ( في الحروب الاستعمارية مقابل الدول الصناعية، وھذا الحق المزعوم أخ?ذ اس?تلابا ول?يس اتفاق?اً
أو بالاستشارة.
وبالطبع فأن ال?دول الاس?تعمارية مارس?ت ك?ل م?ا ف?ي وس?عھا، وارتكب?ت آلاف المج?ازر وحم?لات الإبادة في العالم، وھناك مئات من الكتب والمصادر تحدثنا عن مئات ألوف من الھنود م?اتوا وھ?م يحفرون أنفاق المترو في لندن، وملايين من العبيد الأفارقة م?اتوا تح?ت الس?ياط وھ?م يستص?لحون أراض??ي الغ??رب الأمريك??ي، وك??ذلك الإب??ادة الش??به تام??ة للھن??ود الحم??ر ف??ي أمريك??ا، وقات??ل ع??رب وسنغاليون وأفارقه آخرون في جيوش فرنسا الاستعمارية، وھنود وباكستانيون ) ض?من الجي?وش الھندية( ونيوزيلنديون وأستراليون وكنديون وأقوام أخرى كثيرة ضمن الجي?وش البريطاني?ة، ھ?ذا عدا عن الاعتداءات التي شنتھا دول استعمارية على شعوب آمنة فقتلت مئات الألوف بل الملايين من تلك الشعوب، وھذا م?ا فعلت?ه بريطاني?ا وفرنس?ا وأس?بانيا وإيطالي?ا وھولن?ده والولاي?ات المتح?دة
واليابان.
أما على الصعيد النظ?ري )اس?تطراداً( وتخصيص?اً، ف?أن الدبلوماس?ية البريطاني?ة ھ?ي م?ن ابت?دعت قاعدة )ليس ھناك أصدقاء دائمين أو أعداء دائم?ين، ھن?اك مص?الح دائم?ة( وف?ي عص?رنا الح?ديث، نعلم أن أحد شھراء الدبلوماسية ومؤرخيھا، وھو البريطاني ھارول?د نيكلس?ون، ص?احب المؤلف?ات الشھيرة في الدبلوماسية وتأريخھا، فمن بعض ما يبديه ھذا الم?ؤرخ الب?ارز، ھ?و أس?فه الب?الغ عل?ى عص?ر الدبلوماس?ية الراقي?ة )ف??ي العھ?ود الاس?تعمارية( حي?ث كان??ت ت?دور النقاش?ات )الراقي?ة( ب??ين
27
دبلوماسيين)م?ن أم?م راقي?ة( يتوزع?ون فيھ?ا دول وش?عوب الع?الم فيم?ا بي?نھم، فيق?ول م?ا معن?اه: أن الأمر كان يدور برشاقة وأناقه وتفھ?م وتف?اھم …! ث?م يأس?ف عل?ى مص?ير الدبلوماس?ية المعاص?رة حيث دخل معترك السياسة الدولية )حس?ب رأي?ه( م?ن ھ?ب ودب م?ن أم?م ص?غيره فضاع?ـت ھيب?ة
الدبلوماسية..!
ومن بعض ما يكتبه ھذا الدبلوماسي البريطاني: ) واليوم تبرز أمامنا عيوب الدبلوماس?ية الحديث?ة ونقائصھا بشكل فظ، نجد أيضا أن فكرة المساواة بين الدول والشعوب قاطبة، قد دفعت الكثير م?ن أبناء الدول الصغيرة، خاصة في بعض دول آس?يا وأمريك?ا اللاتيني?ة إل?ى تش?كيل تك?تلات وظيفتھ?ا
معارضة اقتراحات الدول العظمى(.)18(
ودون ريب، فأن مثل ھذه الأفكار غي?ر مقبول?ة ف?ي ع?الم الي?وم، فالحض?ارة الإنس?انية تع?دت كثي?راً مرحلة اعتبار الإنسان وتقديره واحترامه بناء على لون بشرته أو قيمة ملابس?ه الت?ي يرت?ديھا، ب?ل بعمق القضية الانسانية التي ينادي بھا، وموقفه الإنساني من الآخرين.
وف??ي مطالع??ة حديث??ة لم??ذكرات أھ??م شخص??يتين سياس??يتين بريط??انيتين وھم??ا: ونس??تون تشرش??ل، السياس??ي البريط??اني ال??ذي عم??ل وزي??راً ورئيس??اً لل??وزراء ف??ي فت??رات مھم??ة م??ن ت??أريخ بريطاني??ا )الحرب العالمية الأولى والثانية( وأنطوني أيدن الذي ك?ان وزي?راً للخارجي?ة ف?ي الح?رب العالمي?ة الثانية ورئيساً للوزراء بعدھا )في مرحلة العدوان الثلاثي على مص?ر 1956( وف?ي م?ذكرات ك?لا الرجلين نقف على القوة المحركة للقرار السياسي أو بالأحرى جذور ودوافع ھذه الق?رارات حي?ال الدول الأخرى وصياغة السياسة البريطاني?ة القائم?ة أساس?اً عل?ى التوس?ع السياس?ي / الاقتص?ادي /
العسكري.
ولحقب طويلة كانت فيھا بريطانيا إمبراطورية استعمارية قوية )لا تغيب الش?مس ع?ن ممتلكاتھ?ا( تمتد من ھونك كونك الصينية، حتى ج?زر فوكلان?د الأرجنتيني?ة، وم?ن أس?تراليا حت?ى كن?دا، كان?ت قراراتھا مؤثرة على السياسة الدولية، وكانت عل?ى ھ?ذا المس?توى م?ن الق?وه عن?دما دخل?ت الع?راق كمحتل في الحرب العالمية الأولى وباشرت بوضع الأسس المادية الكفيلة باستثمار وإدارة العراق اس????تعماريا. وك????ان عل????ى رأس ھ????ذه الفعالي????ات البريطاني????ة )السياس????ية والإداري????ة والعس????كرية والاقتصادية(، دار المندوب السامي البريطاني الذي مثل مركز القيادة الرئيسي، اعتقدت بريطانيا أن ردحا طويلا من الزمن سيمر قبل أن يستفيق ھذا الشعب ويصبح قادراً على إدارة نفسه، ولك?ن ث??ورة العش??رين قلب??ت ك??ل النظري??ات والتص??ورات، وأيق??ن البريط??انيون، رغ??م أن الث??ورة ل??م تبل??غ أھ??دافھا كامل??ة، أن مك??وثھم ف??ي الع??راق س??تقابله مش??كلات جم??ة، ب??ل أن س??تين لوي??د )وك??ان م??ديراَ
للمتحف العراقي( يصف ذلك في كتابه الرافدين: إن العراق ھو عش للدبابير ليس إلا.)19(
وقد ذكرنا في غير مكان من ھذا البحث، أن خبرة البريطانيين الطويلة، يفت?رض أن تك?ون عميق?ة ف???ي الع???راق، تش???تمل عل???ى خب???رة وعم???ل خي???رة الدبلوماس???يين ورج???ال الاس???تخبارات وبحاث???ة وجيول??وجيين وآث??اريين ومغ??امرين وحت??ى ش??ذاذ آف??اق، ولك??نھم م??ع ذل??ك وياللدھش??ة، نفاج??أ غالب??اً بجھلھم التام على أصعده يفترض أن تكون بديھية بالنسبة لھم، ونصاب بالدھشة مرة أخرى حي?ث كن??ا نتوق??ع أن الع??راق يع??ج بأص??دقاء وحلف??اء وحت??ى متع??اونين خون??ه كثي??رين معھ??م ولك??ن س??ذاجة
المعلومات وحتى تحليل الدبلوماسيين البريطانيين يعبر عن حقائق أخرى ..!
وكان قد رأس البعثة الدبلوماس?ية البريطاني?ة ف?ي الع?راق خ?لال دراس?تنا لفت?رة الوث?ائق، اثن?ان م?ن السفراء المھمين في الدبلوماسية البريطانية: السير )اللورد فيما بعد( مايكل رايت. والس?يرھمفري تريفيلي??ان Humphrey Trevelyan وق??د طالع??ت بتركي??ز ش??ديد التق??ارير، والم??ذكرات الت??ي
28
أرسلھا ھذان السفيران إلى المركز)وزارة الخارجية بلندن(، ولابد أن أسجل م?ا توص?لت إلي?ه م?ن قناعات بدقه وأمانة :
ً
1. لا ج??دال أو ش??ك بجدي??ة ھ??ذين الدبلوماس??يين، وك??ذلك الع??املين الأخ??ريين )مھني??ا( ولاس??يما م??ن
المراتب المتقدمة)على الأغلب( وإنھما يعملان بجد وإخلاص في سبيل المھام المناطة بھما.
2. لم نلحظ معرفة دقيقة بتأريخ العراق فمعرفة البلاد بعمق، تتيح للدبلوماسي معرفة أجواء البعثة الدبلوماسية وتقدير حسن الظروف المحيطة به.
3. تأثرت الكفاءة المھنية )المسلكية الدبلوماسية( بسبب ضعف قنوات معلوماتھم واعتم?ادھم عل?ى مصادر تكن العداء للعراق، ف?نلاحظ الكثي?ر م?ن الآراء البس?يطة والتقييم?ات الت?ي لا تنط?وي عل?ى تحليل موضوعي دقيق، فالتحليلات تجانب)على الأرجح( الموض?وعية والمي?ل إل?ى أحك?ام الھ?وى
وتلك آفة خطيرة في العمل الدبلوماسي كنا نعتقد أن الدبلوماسية البريطانية العريقة بمنأى عنھا.
4. لاحظن??ا ظ??اھرة إيجابي??ة تمثل??ت ف??ي س??رعة إق??رار بريطاني??ا ب??الأمر الواق??ع، فمن??ذ الي??وم الأول للثورة، صدرت الأوامر إلى اللواء المظلي البريطاني في قبرص للتدخل الفوري، ث?م تراج?ع ذل?ك إلى احتمال تدخل تركي، ولكن س?رعان م?ا أس?تبعد ھ?و الآخ?ر. كم?ا اس?تبعدت فك?رة ت?دخل الأردن
ً أيضا. وما كاد يوم 31 تموز يحل إلا وقدمت بريطانيا اعترافھا بالنظام الجمھوري وتبعتھا أمريكا
بعد يومين أثنين )في الثاني من آب(. وھذا الإقرار بالمعطيات الجديدة ھي ظ?اھره إيجابي?ة، ولك?ن سياس?تھم ليس?ت إيجابي?ة عل??ى ط?ول الخ?ط، حي??ث واص?لوا انتھ?اج سياس??ة اس?تعمارية غي?ر مقبول??ة حكومياً أو شعبياً في العراق.
5. كظ??اھرة جي??دة)مھني??ة(، مت??ابعتھم للمعلوم??ات ع??ن الح??وادث والأش??خاص بص??ـبر وط??ول أن??اة،
ً
)بصرف النظر عما يتوصلون إليه( ولكن النتائج ليست ممتازة دائما.
6. مع أن البريطانيين، كدبلوماسية أو كمص?الح بص?فة عام?ه، أو كبش?ر مكث?وا ف?ي الع?راق عق?وداً طويلة )نص?ف ق?رن( خ?الطوا في?ه الش?عب العراق?ي بك?ل فئات?ه وعاش?وا م?ع ع?وائلھم بح?ال طي?ب، ولاشك أنھم استفادوا مادياً من بلادنا كثيراً، سواء كدوله أو كأفراد، ولك?ن ل?م نلم?س ف?ي أي وثيق?ة التعاطف ولو أبسط أشكاله الإنسانية مع الشعب الذي عاشوا بين ظھرانيه وعلى أرضه ھ?ذه الم?دة الطويلة، وحتى آرائھم عن تلك الشخصيات التي يعتبرونھا صديقه لبريطانيا، ھي أراء استعلائيه،
وبعضاً مھينة. 7. لم نستطع التوصل إلى قرار نھ?ائي، أن عم?ل البعث?ة الدبلوماس?ية البريطاني?ة)م?ن وجھ?ة النظ?ر الفنية المھنية ( كان?ت كف?وءة بمس?توى م?ا يفت?رض أن تك?ون علي?ه. نع?م ھن?اك تق?ارير دقيق?ه ولك?ن أغلبھا ضعيفة لجھ?ة المعلوم?ات، وف?ي التحلي?ل أيض?اً ب?ل وس?اذجة أحيان?اً، وھن?اك أيض?اَ خط?أ ف?ي استقراء الموقف السياسي، وخطأ في التقديرات والتنبؤات، لذلك نلاحظ المفاجأة التام?ة ف?ي معظ?م الأحداث الكبيرة، ابت?داء بان?دلاع ث?ورة تم?وز، ث?م بص?دد العدي?د م?ن القض?ايا الداخلي?ة الحاس?مة. لا س??يما ف??ي تق??دير الق??وى السياس??ية والمبالغ??ة ف??ي ع??رض الشخص??يات العراقي??ة، وغي??ر ذل??ك م??ن الاھتمامات التي غطتھا السفارة في تقاريرھا.
29
الهوامش
)2+1( العراق في الوثائق / الوثيقة رقم 173 172 / الجزء 3 )3( برقية وزارة الخارجية:رقم/14/134200 ـ تموز: صفحه:16 ـ الجزء الأول
)4( برقي??ة م??ن وف??د المملك??ة المتح??دة ع??ن اجتم??اع حل??ف الأطلس??ي بب??اريس/إل??ى وزارة الخارجي??ة البريطانية برقم/133870 بتاريخ 1958 / 7 /2 ص.212 الجزء1
)5( تقر