عبد الحميد برتو
باحث .
الأخ السيد علي حسين رئيس تحرير صحيفة المدى. أنت ضحكت بمفردك، عندما قرأت ردي على مقال الإهانات الفجة الذي حملته صحيفة المدى. ولكن بالمقابل ضحك كثيرون من الرفاق والأصدقاء والقراء، الذين يتابعون تطورات البلاد والأشخاص بعناية وروح سامية تتعالى على المصالح. ضحكوا على تسرعك في إطلاق الأحكام. ليس من طبعي توجه الإساءة، وعليه من المناسب أن تراعي ذلك، حين أسألك: هل أنت تنفذ واجبك المهني الوظيفي في الرد، أم تناقشني كرفيق شيوعي؟ الجواب على هذا السؤال له أهمية في التحاور.
أما بصدد لماذا لم أكتب الى الصحيفة مباشرة. فالسبب بسيط جداً. لم أكتب في أو الى أية صحيفة صدرت بعد إحتلال البلاد، بما فيها صحيفة الحزب ـ طريق الشعب. هذا موقفي، ليس هذا المكان أو الزمان الذي إبرر فيه هذا الموقف. ودفعاً للقضاء والبلاء، أقول: لم أكتب في أية صحيفة في البلاد بعد إنتقال الحزب المعارضة، بعد إنهيار الجبهة “العتيدة” مع البعث. على الرغم من أن قادة الإشتراكية العلمية الأوائل دعوا الرفاق الى العمل حتى في الصحف الصفراء.
أسألك هل هناك إساءة لأي إنسان أكبر من تجريده من معتقداته بجرة قلم. تقول: إدعاء الماركسية. هل الماركسية تمنح من غرفتك في صحيفة المدى؟ بل ذهبت دون تدقيق بعيداً جداً حين قلت: يبدو أن البعض نسى القراءة بالعربية جيدًا. أما الإدعاء بأن البعض يعيش على الأطلال. هل تقصد أن حزب فهد بات عندك رسماً درس؟ وبصدد المراوحة هل تقصد أن هذا البعض لم يواكب “روح العصر” اليوم؟ أم أن الماركسية اللينينية باتت أطلالاً وعتيقة؟
أنا لم أناقش المدى ككيان إعلامي ولا كتابها، كما جاء في مقالك. إنما ناقشت مقالاً بعينه وبعنوانه، كما جاء في المدى. ولأنك متسرع تؤدي الواجب. لم تفهم معنى ما بدأت به كمدخل، وهذا نصه: “دفعني ذلك الى التساؤل من خلال توقع وجود أساس من الحرفة أو المهنية أو الخبرة لدى المدى. سألت نفسي بصوت مسموع: “هل وَرَّطَ المتخفي المذعور الذي إنتحل تسمية واسعة الإنتشار في اليمن صحيفة المدى أم الأخيرة إستكتبته؟ لن أتعجل الجواب فالأيام كفيلة بالنطق الصريح.”.
بحكم تربيتي المديدة في حزب فهد تعلمت إحترام رفاقي. بل إحترامي لأي يوم أو حدث مشترك عشته مع أي رفيق. لن أشوه يوماً صورة أو طعم أو رائحة روح الرفقة. أسعى قدر الإمكان الى النظر في كل حدث أو على أي رفيق من جميع جوانبه، وكل حالاته. أسعى الى إيجاد العذر إذا كان ذلك لا يضر بالحياة العامة للحزب أو المجتمع. أتابع رفاقي بالروحية التي أعرفها عن سمو العلاقات الشيوعية. أستخدم لقب رفيق مع الجميع سواءً هو في التنظيم أم خارجه، ولمَنْ وقع في ضعف أحاسب الجلاد أولاً، ولكن أقف الى جانب عدم منحه مسؤولية في الحزب رحمة به. ولا أبحث عن أعذار للخونة، سواءً كانت خيانات تدميرية أو محدودة. وفي هذه الحالة ندافع عن الحزب بالقول: لا يضير البحر … وأنت يا رفيقي، أن كنت رفيق، أكمل البقية مادمت تقرأ بالعربية.
خلال كل هذه المسيرة أسأل الجميع: هل صدرت مني شتيمة ضد أي رفيق؟ إسأل رئيس مؤسستك الرفيق فخري. هو وغيره يعرفون، إذا كان عندي كلمة ضد أي رفيق أقولها في وجهه، ووجهه فقط. أو في الموقع المشروع وبحضوره، وفق أدق المعايير المعتمدة في الحزب. أما المدعو فهي كلمة مهذبة جداً إذا كان هو الإنسان الذي توقعته. التعجل بمثل هذه المواقف لا يخدم أحداً. إتصل بي رفاق عديدون ينسبون المقال الذي يحتمل ومن حقه كل الكلمات السيئة في القواميس العربية، ومن أجلك أنت: أقول حتى في اللغات السلافية. هل هذا المقال كتبه فخري كريم؟ قلت: لا. لغة فخري تختلف كثيراً عن لغة المقال، وهي أعلى من الناحية الفنية. هذا فقط ما أتصوره وليس دفاعاً عن أحد. وفي الحملات المديدة ضد الرفيق فخري. قلت وفي كل مكان، وكلما تطرح. قلت: إذا كان الوضع في الحزب كما تطرحون بسببه، فالعيب في اللجنة المركزية، ليس في هيمنة شخص ما أيا كان دوره. وآخر تلك المرات قلت هذا الكلام بحضور الرفيق الكريم العزيز الراحل آرا خاجادور وعدد من الرفاق بينهم الرفيق سكرتير الحزب الشيوعي الكردستاني.
دعني أقول لك أيها الرفيق أبا الحسن، لأني هكذا تعودت المناداة بإعتباره الرفيق من أجمل الألقاب عندي الى يومنا هذا. أليس هناك إعتراف بقوة العادة؟ إن التعفف عن المغريات ومواجهة التحديات من أنبل الصفات. تحمي صاحبها، وتولد لدية راحة نفسية على الأقل. ولكن من أعلى درجاتها حين تشمل الخبزة مباشرة، إذا تعارضت أو مست الكرامة الشخصية، أو حتى الشعار السياسي. هذا موقف محترم على صعيد الأفراد والمؤسسات. أقول لك: الناس تعرف كل هذه الحقائق حتى وإن لم تتكلم تحت تأثير المناخ العام الفاسد.
طرحت سؤالاً ملتوياً يتعارض مع روح المهنة التي أظهرت حماستك لها. بقولك: “لكن من هم الشيوعيين الذين تهاجمهم المدى. لم يخبرنا السيد الكاتب”. عدت مرة أخرى تربط الحديث بين مقال سيار وبين الصحفية ككل. هل المطروح الآن تقويم المدى؟ نحن نناقش حالة مرت عبر المدى. أما العنوان الذي إخترته لمقالتي فهو لمجرد التذكير بالرفيق آرا الذي أرى به صورة فهد وتاريخ الحزب أيضاً. بصدد سؤالك مَنْ هم الشيوعيون الذي هاجمهم المقال المنفعل العاطل. ففي البدء أقول أنا لا أمنح بطاقات عضوية ولا أسحبها. ولكن وقع المقال الذي خلط الحابل بالنابل هو الذي ذهب بهذا الإتجاه. ومن هذا الجانب نظر إليه عدد غير قليل من القراء، كما تلمست في وسائل التواصل. ولم أتحدث عن ردود الفعل عبر الصحيفة فهذا شأنك.
قلت: “أنا لست معنياً بمن أسماهم المدعو “فرسان المنبر”. نلت منهم ما ناله الحزب ككل. يعرف هذه الحقيقة الطرفان. وأضفت “أجد من الشرف والمسؤولية الشيوعية والإنسانية أن أتحدث عن بطلين إثنين غادرانا، كانا رمزاً للشهامة الفهدية. لم يعد بميسورهما الدفاع أنفسهم. هذا على الرغم من أنهما بذاتهما أعلى من أي دفاع.
بصدد البقية من الأسماء المذكورة، كان تساؤلي عن الفائدة من إستعدائهم. وطبعاً توخياُ للدقة أقول: الحديث ينحصر بالمقال المنشور في المدى وليس غيره. هل ما جاء عن د. عبد الحسين شعبان فيه مناقشة فكرية أو سياسية أو منهجية لما يطرحه أم مجرد شتائم؟ الرجل يدعو الى الخروج من الصندوق على حد تعبيره. فلماذا يحاسب حسب معاييرنا الحزبية.
رأيت أن الكلام كان قاسياً على الرفيق باقر إبراهيم. خاصة ما يتعلق بإدعاء المقال: “وضع باقر ابراهيم نفسه تحت تصرف السفارة العراقية في القاهرة، متعهدًا بالاخلاص للنظام “والدفاع عن الوطن”. هذا فضلاً عن الدمج القسري بين شعار الدفاع عن الوطن والإخلاص للنظام، إنه دمج تعسفي فكرياً وسياسياً. والأنكى هو ما جاء بهذه الفقرة من المقال: “وكان باقر إبراهيم قد أوصل الرسالة عن طريق مهدي الحافظ الى صدام حسين لتبييض صفحته باعتباره من المطالبين بتحريم النشاط الحزبي في القوات المسلحة ..!”. حاولت بمرونة بالغة أن أقدم روايتي عن موضوع الرسالة رسالة الشهيد عامر. وفي مؤسستك من يعرف طبيعة علاقتي بالشهيد عامر. وقدمت الرواية الموثوق منها دون الإشارة الى ما جاء بالمقال.
لم تكن علاقتي بالرفيق باقر تمثل أي إنسجام فكري أو سياسي. وهو يعرف جيداً هذه الحقيقة. كما يعرفها العديد من الرفاق. ولكن لم يُنتزع يوماً الإحترام المتبادل بيننا. ولا يتوقع الرفيق أني سأنبري للدفاع عنه. أنا أدافع عن سمعة وحياة الحزب. أعتقد أني شبه ولدت في الحزب. كنّا نتصارع على اليمين واليسار. ولكن الكلام المطروح يشير الى خيانة للأمانة الحزبية. وكلما تقدم الرفيق بالمسؤولية يكون الحساب معه مفصلاً وأكثر صارمة. هذا يتطلب شعوراً عالياً بالمسؤولية في مثل هذه الحالات. آخر ما نقل لي وسمعته من الرفيق باقر. قال: أريد أن أموت شيوعياً.
وأخيراً عزيزي علي حسين، نحن الشيوعيين لا نطالب بمسألة التناظر البروتوكولي أو الديبولوماسي كالبرجوزايين القدامى أو الجدد. الإشارة أو الدعوة الى التناظر هنا ليس للتقليل من شأنك، حاشى. ولكن من باب أولى كان ينبغي أن يكون الرد من قبل الذين هم أكثر تماساً منك بمثل هذه الموضوعات والقضايا.
ثق لمرة واحد بالناس خارج غرفة التحرير حين أقول لك: إن الناس الذين يعرفون الحال قهقهوا كثيراً من قصتك القصيرة جداً عن موقفي من الإحتلال وخدمه، وما عملته على هذا الصعيد. وهذا واجبي إتجاه معتقداتي، كما فهمتها. أنا اقول لك وتحمل المزاح مني هذه المرة. كنت أعتبر محمود السعدني ضليعاً في مجال القفشات الصحفية المضحكة، والمزحات غير الرقيقة أحياناً. بأنك قد تفوقت عليه بعبارتك التالية: “والغريب أن السيد برتو، وهو يحمل لواء محاربة الخراب في العراق، لم نقرأ له مقالًا واحدًا ينتقد فيه الطبقة السياسية في العراق، او ادان القوات الامريكية ، فهو على مدى 12 مقالًا يناقش فيها كتابًا صدر لأحد أصدقائه، ومع احترامي للكتاب وصاحبه، لكن ألا يستحق الوطن مقالًا واحدًا وسط سيل من الكتابات عن بيريسترويكا غورباتشوف، وذكرى ثورة أكتوبر 1917؟، وحتى لا أظلم الرجل فإن آخر مقال وجدته في صفحته في الحوار المتمدن يتحدث فيه عن مشاكل العراقيين كان قبل خمس سنوات وبعنوان “أعداد النازحين واللاجئين أكبر مما نتوقع”، وأرجو أن لايأخذكم الحماس مثلي وتتصورون أن المقال عن النازحين واللاجئين في الحرب على داعش، وإنما عن اللاجئين في الجمهورية التشيكية!”.
أسألك للمرة الأخيرة: هذا كل الذي رأيته حقاً؟ لله در قراءتك أيها السيد رئيس التحرير. سلام.
في هذه المناسبة أدعو كل الرفاق والأصدقاء الى التراحم بينهم، والإنغمار في شؤون وهموم الشعب الأساسية، وصيانة سمعة المناضلين داخل الحزب وخارجه وكل إنسان ظل في صف التقدم الإجتماعي حتى ولو بالحدود الدنيا.