صعود وسقوط الحزب الشيوعي العراقي
خالد حسين سلطان
صدر في بغداد قبل فترة كتاب بعنوان ( صعود الحزب الشيوعي العراقي وانحداره ) للبروفيسور د.طارق يوسف اسماعيل عن جامعة كامبريدج في نيويورك وترجمة الاستاذ عمار كاظم محمد بترخيص خطي من المؤلف والجامعة وباشراف السيدين ماجد علاوي وحسين علي حاجي علما ان عنوان الكتاب بالانكليزية الصادر في 2008 هو ( The Rise and Fall off the Communist Party of Iraq ) وتعني ( الصعود والسقوط للحزب الشيوعي العراقي ) وبرغبة الجميع للتخفيف من حدة العنوان وقساوته بالنسبة للقارئ العربي والعراقي خصوصا، اصبح العنوان بالعربية ( صعود الحزب الشيوعي العراقي وانحداره ) الكتاب بأربعة مقدمات الاولى للمترجم والثانية للفقيد حسقيل قوجمان ومقدمتين للمؤلف للطبعتين الانكليزية والعربية .
مقدمة قوجمان عبارة عن مقال نشر في موقع الحوار المتمدن بتاريخ 24 / 9 / 2009 وهي عرض للكتاب بطبعته الاصلية بالانكليزية، لا يخفي فيها قوجمان اعجابه بالكتاب بعد استعراض لما كتب عن تاريخ الحزب الشيوعي العراقي وملاحظاته حول تلك الكتابات، يصف قوجمان الكتاب بانه : [ … أول تاريخ للحزب الشيوعي العراقي يمكن لأي قارئ مهما كان موقفه السياسي أن يستفيد منه، لاستخلاص ما حدث تاريخيا وليس آراء من كتب هذه الأحداث. ان الاستاذ طارق حدد بحثه في تاريخ الحزب الشيوعي العراقي. لذلك لا يمكن ان يجد القارئ فيه تاريخ الحركة الشيوعية في العراق. فليس خافيا على الاستاذ طارق وجود أحزاب ومنظمات عديدة في العراق تدعي الشيوعية والماركسية… ] ويضيف في مقطع اخر : [ … ان الكتاب في رأيي أفضل كتاب عن تاريخ الحزب الشيوعي العراقي تعبيرا صادقا وحبذا لو امكنت ترجمته الى العربية لكي يكون أقرب الى العراقيين الذين يهمهم تاريخ هذا الحزب. … ] ويرى السيد قوجمان ان المؤلف كتب بحياد تام دون ان يطرح أي رأي او موقفا شخصيا وانما عمل على تقديم الاحداث والمواقف والسياسات بكلمات مقتبسة من اشخاصها او مصادرها، ولنا تحفظ بسيط في ذلك .
اعتمد المؤلف في كتابه هذا على الكثير من الكتب ومنها المذكرات والوثائق والجرائد بالاضافة الى مقابلات اجراها مع عشرات الاشخاص من الشيوعيين وغيرهم وعلى مدى عقود من الزمن، او كما يشير المؤلف، منذ اعدام قادة الحزب في شباط 1949، بعد ان شاهد أجساد لشيوعيين تم شنقهم وهم معلقون في الشارع وحواره مع والده حول ذلك : [ … ذهبت الى المنزل حينها، وقمت بقطع قصاصات من الجرائد ذلك النهار، وقد فعلت ذلك يوميا منذ ذلك التاريخ في محاولة لكي أفهم . ] ومن المقابلات التي اجراها المؤلف، وقد تعتبر مهمة او نادرة ( على سبيل المثال لا الحصر ) مقابلات مع الشهيد الخالد سلام عادل 1959، عاصم فليح اول سكرتير للحزب 1959، حسين الرحال 1973، زكي خيري 1976و1987، ذي النون ايوب 1988، داود الصايغ 1967، الشهيد عبد الخالق البياتي 1960، الشهيد خالد احمد زكي ( ظافر ) 1965، عارف عب الرزاق 1971، صبحي عبد الحميد 1971 ، سليم الفخري 1990، نجم محمود 1982 ومع صالح مهدي عماش 1974 وغيرهم اخرين . ورغم انه كتب قبل كتابه هذا كتب عن الشيوعية في مصر وسوريا ولبنان والحركة الشيوعية في العالم العربي ولكنه يشير الى : [ … ان اهمية الشيوعيين العراقيين لا تكمن بأية درجة في حجم السلطة التي حازوا عليها، بل انها تكمن بالأحرى في برنامج العمل الذي وضعوه للآخرين كي يتبعوه، لأنهم كانوا في كثير من الأحيان الصوت الوحيد الذي تحدث للجماهير وللغالبية العظمى من الشعب. وبفضل حيوية الشيوعيين والتزامهم، فقد كانت تنشر بقوة حلولهم، التي تعبر عن وجهة نظرهم، للمشاكل التي كانوا هم فقط من يهتم بها … ]
الكتاب مقسم الى سبعة اقسام، حسب مراحل زمنية ومحطات مهمة في تاريخ الحزب .
* القسم الاول حول اصول واسس الحزب، يتناول فيه بداية تسرب الافكار الماركسية واليسارية الى العراق، ما قبل حسين الرحال ومجموعته والتي تعتبر التحدي الاول، ودور اسرى الحرب لدى الروس من العرب والكرد والذين عوملوا بشكل جيد بعد الثورة الروسية، فبدأوا بنشر بعض الافكار الثورية الغامضة بعد عودتهم الى العراق واطلق عليهم اسم البلاشفة، وكان بعض العلماء من الشيعة يعتقدون ان البلاشفة يميلون بشكل ايجابي نحو الاسلام. ويستمر الكتاب باستعراض احداث تلك المرحلة حتى ولادة المنظمات الشيوعية المبكرة وتشكيل الحزب الشيوعي العراقي في 31 اذار 1934 وأسماء الرعيل الاول من الشيوعيين العراقيين، مرورا بفهد وسفره الى الاتحاد السوفيتي لغرض الدراسة والاعداد الحزبي وعودته لإعادة بناء الحزب ومواجهة الانشقاقات والتمردات ضد قيادته للحزب والكونفرنس الاول 1944 والمؤتمر الاول 1945 حتى اعدامه مع حازم وصارم ويهودا صديق في شباط 1949 وصولا الى ثورة 14 تموز 1958. وفي لقاء للمؤلف مع عاصم فليح المعروف بقلة لقاءاته واحاديثه عن دوره الحزبي، يجيب فليح على السؤال الازلي للشيوعيين العراقيين حول اسباب اختياره سكرتيرا للحزب او للجنة ( لجنة مكافحة الاستعمار والاستثمار ) قائلا : [ …وكان اختياري سكرتيرا يستند الى حقيقة إنني كنت حرفيا، وكنت الاقرب من بين المجموعة الى صفة العامل. كان الغرض من تنظيم اللجنة بدء العمل الشيوعي الجاد في البلاد. وتم اختيارنا كأعضاء لكوننا أشخاص ذوي توجهات نشطة. وهكذا كنت اول سكرتير للحزب الشيوعي العراقي وكانت لجنتنا هي اللجنة المركزية الاولى . ] ختاما لهذا القسم لا بد من الاشارة الى ان المؤلف خاض في مرحلة قيادة الشهيد سلام عادل للحزب قبل ثورة تموز 1958 ودوره المهم والواضح في تلك المرحلة من خلال لقاءات مع رفاقه ولكنه تجاوز ظروف استلامه لمركز السكرتير الاول للحزب من حميد عثمان، ومر عليها مرور الكرام، وهي حلقة مفصلية مهمة في تاريخ الحزب كثيرا ما يثار الجدل حولها، وخصوصا انه التقى مع الشهيد والكثير من الرفاق المعاصرين والعاملين معه في تلك الفترة .
* القسم الثاني حول صعود الحزب في السياسة العراقية، يتناول فيه تسييس الجيش وثورة 14 تموز ومواقف الحزب بعد الثورة ودور كتلة الاربعة وانهيارها حتى سقوط عبد الكريم قاسم في انقلاب البعث الاسود في 8 شباط 1963 وحركة الثائر حسن سريع في معسكر الرشيد وقطار الموت .
* القسم الثالث حول ما يسمى بخط اب، ورد القاعدة الشعبية عليه واستجابة قيادة الحزب للتوترات الداخلية ومحاولة امتصاصها، ومن ثم انشقاق الحزب في ايلول 1967 وتشكيل جناح القيادة المركزية بزعامة عزيز الحاج، واطلاق الكفاح المسلح في اهوار الجنوب بقيادة الشهيد خالد احمد زكي والمواجهة مع البعث بعد استحواذه على السلطة مجددا في انقلاب 17 ــ 30 تموز 1968 .
* القسم الرابع حول تحالف الحزب ( جناح اللجنة المركزية ) مع البعث في ما يسمى بالجبهة الوطنية والقومية التقدمية بعد مخاض عسير، مشيرا الى الدور الريادي لعزيز محمد في تمرير التحالف : [ … كان المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي ــ ل.م منقسما بالتساوي تقريبا بشأن الجبهة. فبأول تصويت للمكتب السياسي ( المقصود اللجنة المركزية / خ.ح ) صوت سبعة لصالح الانضمام بضمنهم السكرتير العام فيما عارض ثمانية. لكن السكرتير العام أصر على تصويت ثان والذي شهد تحولا لصالح الاستجابة لعرض البعث. ] دون ان يغفل دور الاخرين وموقفهم. ثم انعقاد المؤتمر الوطني الثالث للحزب في ايار 1976 والذي شهد انتخاب اكبر لجنة مركزية للحزب على مدى تاريخه النضالي والمكونة من أربعة وأربعين عضوا وعضو مرشح للجنة المركزية، ويشير المؤلف الى الاجواء التي سادت خلال جلسات المؤتمر بسبب تحكم عزيز محمد بالمداولات وتنسيق جدول الاعمال والسيطرة الدقيقة على الخطب الفردية وتهذيبها من قبل احد اعضاء بطانته ( عبد الرزاق الصافي )، واسكات وتجاهل ممن اصروا على التحدث ارتجالا اذا كان من المتوقع منهم انهم سيقومون بانتقاد تحالف الحزب او سياسات الحزب الرسمية. ثم يطرح المؤلف معلومة مهمة تدون للمرة الاولى ( حسب علمي )، حصل عليها المؤلف من خلال اللقاء مع احد الكوادر المتقدمة بالحزب وبإثبات اثنان من اعضاء القيادة، تشير المعلومة الى ان احد الاصدقاء المقربين والموثقين لعزيز محمد تم الاعلان عن انتخابه من ضمن القيادة كونه عضو مرشح للجنة المركزية ولم يكن في قائمة الترشيحات، ومررت تلك الحالة وبصمت، رغم ما تحمله من تجاوز صارخ للنظام الداخلي والعمل الحزبي، ليؤدي هذا التجاوز الخطير لإيجاد بؤرة زعامة لمافيا المنافي وتجار العمل السري بعد انهيار الجبهة وهجرة الحزب للخارج، وعموما فان تلك البادرة مهدت لبادرة أخطر منها حينما طلب عزيز محمد من مندوبي ما يسمى بالمؤتمر الرابع 1985 في كردستان، تخويله لاختيار عشرة رفاق كأعضاء للجنة المركزية وبشكل سري ومن الرفاق العرب حصرا للعمل في الداخل وبحجة تسوية معضلة التناسب القومي في تشكيلة قيادة الحزب، فحصل على التخويل واختار عشرة رفاق من بطانته، منهم المعترف ومانح البراءة ومعطوب السيرة وربيبة الزعيم النبيل. ويستمر هذا القسم في تناول انقلاب البعث على الحزب وبدء هجمة دموية شرسة، ويختتم بالبعد العام لسياسة ومواقف الحزب .
في هذا القسم وفي فقرة البعث ينقلب على الحزب الشيوعي العراقي ــ ل.م، حصل إلتباس للمؤلف حيث يكتب عن القبض على عدد من الشيوعيين المشتبه بهم والمتعاطفين مع الشيوعيين في الجيش واعدامهم جميعا في 19 ايار 1977 رغم مناشدات الزعيم السوفيتي برجنيف، ونفذ البعث جولة اخرى من الاعدامات بعد عشرة ايام. ثم بعد عدة سطور يشير الى الاجتماع الموسع للجنة المركزية للحزب في الثاني من اذار 1978، ونشر تقرير عن هذا الاجتماع في احتجاج على حملة القمع ضد اعضاء الحزب بالإضافة الى مسائل اخرى، ثم يشير الكاتب الى القاء القبض على واحد وثلاثين ضابطا في ت2 1978 وقد اعدم هؤلاء الضباط فيما بعد. في حين الذي حصل، بعد اجتماع اللجنة المركزية في اذار 1978 وما حمل التقرير الصادر من هذا الاجتماع من نقد للنظام بسبب شدة الحملة القمعية على رفاق الحزب واصدقاءه، امتعض النظام بشدة من هذا التقرير وجعل منه القشة التي قصمت ظهر البعير في ملف انهاء الجبهة والعلاقة مع الشيوعيين وضربهم، فوجه النظام انذار للحزب بسحب التقرير والتراجع عنه، وعندما رفض الحزب سحب التقرير والتراجع عنه قام النظام في ايار 1978
( وليست في ايار 1977 كما يشير المؤلف ) باعدام مجموعة من المعتقلين من رفاق الحزب او اصدقائهم او شيوعيين قطعوا علاقتهم بالحزب بعد التحاقهم بالخدمة العسكرية الالزامية، ومنهم من كان شرطيا وصديق للحزب او دفع يوما ما اشتراكا للحزب، كان النظام قد اعتقلهم وجمعهم لمثل هذا الموقف، وبعد عدة ايام اعدم وجبة اخرى منهم ليبلغ عدد المنفذ الاعدام بهم 31 شخصا بينهم ضابط واحد شاب برتبة صغيرة، جرت عدة محاولات لإنقاذه ولكن دون جدوى، ومع تأزم الموقف بين الطرفين واشتداد حملة القمع والتسقيط والاعدام، عمل النظام على اعتقال عدد من الشيوعيين، كوادر في الحزب ومنهم من كان محسوب على القيادة، الذين كانوا يوما ما ضباطا في الجيش العراقي واستقالوا او طردوا، وتمكن الحزب من تخليص البعض وقبل الاعتقال بإخفائهم او سفرهم للخارج، اما الضباط المعتقلين فمنهم من اعطى تعهدا بعدم العمل ثانية في تنظيمات الحزب الشيوعي، وتم اطلاق سراحهم مع صدور عفو من النظام، وبالتالي لم يعدم احد منهم، خلاف الالتباس الذي وقع فيه مؤلف الكتاب واختلط الامر عليه بين هؤلاء الضباط ومن اعدم في ايار 1978. وفي تلك الاحداث المهمة فات على المؤلف ان يشير الى ان سكرتير الحزب عزيز محمد سافر الى خارج العراق في نيسان 1978 وبعد اجتماع اذار بحجة المشاركة في مؤتمر للحزب الشيوعي اليوناني ولم يعد بعدها للعراق، كعادته في الازمات والمنعطفات الحادة، راميا بكاهل المسؤولية وعبئها على اكتاف الاخرين، وهنالك من البطانة من غطى على هذا الهروب المنسق، بالقول ان القيادة بلغت عزيز محمد بعدم العودة لخطورة الموقف، وللحفاظ على سكرتير الحزب وحتى لا تتكرر مأساة 1949 و1963 في تصفية السكرتير، ولكن شتان بين الشهداء الابطال فهد وسلام عادل والسكرتير الانبطاحي والانهزامي عزيز محمد .
* القسم الخامس حول اعادة احياء جناح القيادة المركزية في اعوام السبعينات والايديولوجية الاساسية لهذا الجناح ودور نحم محمود ( ابراهيم علاوي ) في وضع فكر القيادة المركزية وخطها العام. ثم يعود الى الاجتماع الموسع للجنة المركزية للحزب في تموز 1959 والذي اعقب الاحداث الدامية في العراق في ذلك العام، مؤامرة الشواف في اذار، والمسيرة المليونية التي قادها الحزب في الاول من آيار التي طالبت الجماهير فيها بمشاركة الحزب الشيوعي في الحكم، واحداث كركوك في تموز، وممارسات المقاومة الشعبية، وتأثير كل ذلك على الحزب وسمعته، واستغلالها من قبل الخصوم السياسيين وعلاقته مع عبد الكريم قاسم، حسب وجهة وتحليلات القيادة المركزية وزعيمها نجم محمود. ثم يتناول مؤتمر الاحزاب الشيوعية العالمية في موسكو تشرين الثاني 1960 ومشاركة الحزب فيه وتدخل السوفييت لحرف الشيوعيين العراقيين الى جانبهم بعد ان تفجر الصراع بين الحزبين الشيوعيين السوفيتي والصيني، واعتبرت تحليلات القيادة المركزية اجتماع موسكو مناورة لفرض الخط التحريفي على الاحزاب الشيوعية وعزل معارضي هذا الخط، وفرض الخط الداعي الى القبول بقيادة البرجوازية الوطنية للثورة والتنازل عن قيادة الطبقة العاملة وفرض شعاري ( طريق التطور اللارأسمالي والديمقراطية الوطنية )، وان خروشوف يدفع باتجاه تصفية الثورة العراقية والمحافظة على مصالح الامبريالية الغربية عربونا لنجاح مباحثاته مع الولايات المتحدة في زيارته الاولى حول ازمة برلين القائمة حينذاك. وان قيادة الحزب الشيوعي العراقي كانت ساذجة للغاية، كي تدرك انها استغلت من قبل السوفييت بهذه الطريقة، كما في وجهة نظر نجم محمود في كتابه ( المقايضة ) .
ثم يتناول صورة لضحية تعذيب من القيادة المركزية، والمتمثل بما تعرضت له المناضلة هيفاء زكنة من تعذيب واهانة وتجاوزات اخلاقية في قصر النهاية، حيث اعتقلت مرتين، استجوبها المجرم المقبور ناظم كزار بنفسه وهي تقف عارية امامه، واجبرت على توقيع افادة رخيصة ومبتذلة وتافهة وواضح بشكل صارخ مدى التلفيق والافتراء بها، لتشير الى مدى ضحالة السجانين وجريمتهم النكراء، كتب فيها : [ اني الموقعة أدناه … انضممت الى الحزب الشيوعي في … واعتقلت في … وعثر في غرفتي على رمانات يدوية ومتفجرات وكراسات ضد النظام الثوري والجبهة الوطنية. أعترف بكامل ارادتي أنني لم أنضم الى الحزب لأسباب سياسية بل لمقابلة الرجال وممارسة الجنس مع اكبر عدد ممكن منهم. لقد كانت علاقتي غير أخلاقية، وأعترف انني مارست الجنس مع … وأوكد أنني لم أكن عذراء حينما دخلت قصر النهاية. وقد عوملت جيدا من قبل قوات الأمن ] وامعاننا في غبائهم، اجبروها على تسجيل ما كتبته صوتيا. وقد دونت المناضلة هيفاء زنكنة كل ذلك وبكل شجاعة وجرأة ومصداقية وثقة عالية بالنفس في كتابها ( في أروقة الذاكرة ) الصادر في لندن / دار الحكمة 1995، وقالت انها تكتب ( لدرء التفكير في المغفرة ) ولمنعها حتى من مجرد التفكير في العودة ( الى بلد ما زالوا يمارسون فيه طقوسهم المقيتة ) تحية لتلك المناضلة الرائعة والشجاعة وسط اشباه رجال انبطحوا في اول منعطف . ثم يعرج المؤلف على الكونفرنس الثالث للقيادة المركزية في ك1/ 1974 ودوره في تشكيل صياغة ايديولوجية واضحة توفر الأسس الفكرية للحزب الشيوعي ــ ق.م للعقدين التاليين، وكانت دليلا على قيادة نجم محمود ورؤيته الايدلوجية البارعة .
ثم عرض لنظريتي المشترك والمقايضة كما ترد في إصدارات القيادة المركزية من مؤلفات سكرتيرها نجم محمود وموقف وردود القيادة على الامبراطورية الامريكية من 1990 ولحد الان .
يلاحظ في هذا القسم من الكتاب مدى انحياز او تأثر السيد طارق يوسف باتجاه القيادة المركزية وفكرها المتمثل بآراء وتحليلات السيد نجم محمود، حيث أسهب طويلا في تلك التحليلات، وباعجاب واضح بجناح القيادة وسكرتيرها ابراهيم علاوي ( نجم محمود )، ولا سيما من خلال مؤلفي المشترك والمقايضة، وهو ما يخالف رأي الاخرين كون المؤلف كتب بحياد تام .
* القسم السادس والذي بعنوان ( الأزمة ــ تفكك أم تجدد ؟ ) يخوض فيه حول الحزب الشيوعي وكردستان، والمؤتمر الرابع ( سيء الصيت ) 1985، وما حدث فيه من خروقات وتجاوزات، اغلقت كل منفذ للعودة للجادة الوطنية والشيوعية الحقة ومهدت للانزلاق ببقايا الحزب نحو الهاوية. وتزايد المجاميع والمنظمات المختلفة مع القيادة التقليدية والخائبة، والموقف من البيريسترويكا، ثم التحضير للمؤتمر الخامس للحزب 1993، وانشطار الحزب الى حزبين عراقي وكردستاني، وحول السكرتير الجديد اشار الى : [ … لقد كان حميد مجيد موسى حليفا مخلصا، ان لم يكن تابعا لعزيز محمد. ] ، مرورا بالموقف الدولي والجبهة العربية والمستوى المحلي، ويتوقف عند الارتباط الكردي والمؤتمر السادس للحزب 1997 والذي كانت من نتائجه : [ … انتخبت اللجنة المركزية والمكتب السياسي اخيرا، واعيد تاكيد حميد مجيد موسى كسكرتير عام للحزب. غير ان الفرع الكردي للحزب الشيوعي العراقي ــ اللجنة المركزية اصبح في الواقع مركز السلطة الحقيقي، وغدت بقية فروع الحزب مجرد ذراع للفرع الكردي. فاذا كان هناك أي نشاط جدي، بما في ذلك عقد مؤتمر، الذي كان يجب ان ينعقد في العراق، كان يرغم على ان يكون في المنطقة الكردية وتحت وصاية الفرع الكردي … ]، ثم الحزب والاحتلال الامريكي والمشاركة في مجلس الحكم، وبصدد ذلك اشار الى اجتماع السكرتير العام مع بعض المسؤولين في الحكومة الامريكية خلال زيارته الى واشنطن في اواخر تشرين الثاني عام 1999، حيث بدا التعبير عن انتقادات القاعدة الحزبية ضد هذا التوجه. وبرز هذا الاستياء بشكل واضح في عام 2003 مع اعادة ظهور كادر الحزب الشيوعي العراقي كقوة شيوعية زائفة في العراق ضمن سياق الاحتلال الامريكي. وبذلك نجح الحزب في تامين مكان لنفسه في الحكومة العراقية المؤقتة، لكنه انفصل عن جذوره الشيوعية وقطاعات السكان التي ادعى انه يمثلها. ويستعرض قبلها واقع الحزب قبل الاحتلال والمؤتمر السابع 2001، وفي ذلك الانحدار القاسي للحزب يتساءل عن مصير الاشتراكية من خلال سؤال، الاشتراكية الى أين ؟ وينهي هذا القسم بالمرور على الحزب الشيوعي العراقي ــ الكادر، هذا الجناح الذي اشار في احد نداءاته [ … حينما انضم حميد مجيد موسى الى مجلس الحكم، فقد فعل ذلك بعدد من الشروط المسبقة طرحتها ادارة قوات الاحتلال تضمنت ما يلي : انه لا يمثل الحزب الشيوعي بل الطائفة الشيعية، كما يجب على الحزب الشيوعي العراقي اعادة صياغة برنامجه وازالة اية اشارات الى (( الاستعمار )) و (( الامبريالية )) و (( الاستقلال الوطني )) و (( الدفاع عن الوطن )) واية اشارات اخرى مماثلة … ] .
القسم السابع والاخير كان استنتاج عام لمجمل ما عرض في الكتاب، من نشاط طليعي للحزب وحتى الانتهازية الذيلية، وحتى السقوط المدوي للحزب، او بالأحرى لقيادة الحزب بالمستنقع الأنكلوأمريكي بعد سلسلة من المواقف الازدواجية، فقبل الاحتلال كان هنالك موقف ظاهري، معلن للحزب في أدبياته، مناهض للتدخل الاجنبي وان كان بلهجة مخففة، وموقف اخر، بدفع غير نبيل وذو مدى قذر، من زعيم مافيا المنافي وتجار العمل السري، موقف مؤيد للاحتلال وداعم له يمثل الموقف الحقيقي لقيادة الحزب، توج بزيارة سكرتيره الى واشنطن 1999 ومقابلة المسؤولين عن الملف العراقي وتنسيق المواقف، وبعد الاحتلال، جاءت نتائج هذا الانبطاح امام البلدوزر الامريكي بمشاركة السكرتير في مجلس الحكم وبطريقة مذلة، حيث حسب على المكون الشيعي ضمن نظام المحاصصة الطائفية في تشكيل المجلس، وبعد ان تيقنوا من انهم اختاروا شخصا نبذ الافكار الشيوعية الخاطئة من اساسها حول كيفية ادارة الاقتصاد، على حد تعبير بول بريمر الحاكم المدني الامريكي للعراق بعد الاحتلال، وهنا بدأت قيادة الحزب بالاتساق تماما مع هذا الموقف الجديد القديم، في التثقيف بهذا الاتجاه وانهكت نفسها في ايجاد المبررات له للحفاظ على ماء الوجه، ان تبقى منه شيء، وسارت في طريق تهذيب وتخفيف كل ما يخالف هذا النهج في سياستها وبرامجها الحزبية، وهكذا تم تدجين قيادة الحزب الشيوعي العراقي، بوضعها ببساطة بين خيارين لا ثالث لهما، اما الدكتاتور صدام حسين وطغيانه او الاحتلال الانكلوأمريكي، وسقط الهدف في الفخ ان لم يكن قد سعى له سعيا. ومن هنا جائت كلمة ( Fall ) في عنوان كتاب دكتور طارق يوسف اسماعيل لتشير الى سقوط الحزب الشيوعي العراقي بعد صعوده الذهبي السابق .
وقبل الختام، الكتاب جاء بـ 638 صفحة من القياس الوسط، ليمثل محاولة رائعة ومميزة وصادقة ومحايدة الى حد ما، في رحلة تدوين تاريخ الحزب الشيوعي العراقي، التي تعثرت كثيرا في الوصول الى الكمال او اشباهه مع كل المحاولات السابقة وما شابها من تحفظات، منها كتابات الاجهزة الامنية بكل اشكالها والدس الواضح فيها، رغم ما لديها من وثائق وملفات تحقيق تغني كتاباتها، وكذلك كتابات الوسط الحزبي التي طغت عليها الوصاية والتحفظات الحزبية والعلاقات الشخصية والنفس الأمارة بالسوء، اما الدراسات الاكاديمية فرغم أهميتها ولكنها عانت من صعوبة الحصول على المصادر والوثائق وضوابط الدراسة الاكاديمية التي قلصت وبترت الكثير من المعلومات، وروح الشباب للباحثين التي شكلت حاجزا ضبابيا بينهم وبين عقود مختلفة لم يعاصروها، وكان كتاب حنا بطاطو الأبرز بين كل تلك المحاولات قبل صدور كتابنا هذا، رغم غرق بطاطو بالاحصائيات المذهبية والطائفية لقادة وكوادر الحزب، يضاف الى ذلك مذكرات وكتابات قادة الحزب ورفاقه السابقين والحاليين، وان كان غالبيتها تعاني من حالة ( الأنا ) العالية، والمزاجية في اختيار محطات معينة واثرائها بالتفصيل وتجاوز محطات اخرى او المرور عليها مرور الكرام رغم اهميتها لسبب او اخر .
ختاما لابد من الاشادة بالدور الرائع للصديق الاستاذ عمار كاظم محمد لجهده في ترجمة الكتاب بطريقة احترافية وامينة، والعودة الى غالبية المصادر التي اقتبس منها المؤلف ومطابقتها، لتجاوز مطب المرادفات اللغوية، فألف تحية وتقدير عالي له على هذا الجهد والنفس الطويل والمتأني .