البيبليوثيرابي ( Bibliotherapy )
“إنكم داخلون الى مكان لشفاء الروح “
هذا ما سطره اليونانيون فوق ابواب المكتبات قديماً, و هو ما يؤكد أن فكرة استثمار الكتب كعلاج للأضطرابات النفسية ليست بالجديدة , فالقراءة قد لا تكون مجرد هواية لملىء اوقات الفراغ او للتهرب من مشاكلنا بمحاولات أضاعة لأنفسنا وسط زحام شخصيات و عوالم و ظروف و قصص من نسخ خيال الروائي او الكاتب عامةً , بل على العكس تماماً قد يكون الكتاب الذي اقتنيناه في محاولة للفرار من خلاله بعيداً عن بؤسنا هو السبيل لأخراجنا و تحريرنا من وطأة هذا البؤس.
و هذا بالفعل المعنى الذي يشير اليه مصطلح ( Bibliotherapy ) او كما يتم تعريبه في الطب النفسي ( العلاج بالقراءة ) , و قد تم الاعتراف بالعلاج بالقراءة لأول مرة عام 1941 من قبل “قاموس دورلاند الطبي” الذي عرفَ المفهوم ( بأنه استخدام الكتب و قراءتها في علاج الأمراض العصبية ) , لكن وفقاً لقاموس “أكسفورد الأنجليزي” ظهر المصطلح مطبوعاً لأول مرة عام 1920 في رواية ( المكتبة المسكونة ) لـ ( كريستوفر مورلي The Haunted Bookshop – Christopher Morley ) .
و تصور هذه الرواية عالمِاً خارجاً لتوه من الحرب العالمية الاولى , الرواية تدور احداثها في مكتبة للكتب القديمة في بروكلين , و التي ظلت جنة مكتبية تفوح منها رائحة الورق و الجلد القديمين , ممزوجةً برائحة دخان التبغ المنبعث من الغليون الذي ينفثه بطل الرواية ” ميفلن ” ليل نهار.
و ميفلن هذا لم يكن مجرد بائع كتب بل كان ممارس عام لطب العلاج بالكتب, و الذي يعبر عنه بقوله ” متعتي تتمثل في وصف الكتب للمرضى عندما يأتون الى هنا و يعربون عن استعدادهم لإخباري بأعراض مرضهم , و لا يوجد على وجه الأرض أكثر إمتناناً من إنسان مددت له كتاباً كانت تتوق إليه روحه و لم يكن يعرف به ” .
و قد أكد مورلي من خلال روايته تلك ما حاول الباحثون اثباته من خلال التنظير فيما بعد , ففي عام 2013 أكتشف علماء النفس في المدرسة الجديدة للبحوث الاجتماعية ان الروايات الادبية قد عززت من قدرة الناس على تفهم و قراءة مشاعر و عواطف الاخرين .
و لا يقتصر الامر على البالغين فحسب , أذ اكدت الباحثتان ( كرلا و لويسا ) على اهمية دور القراءة في تنمية و تعزيز الرفاهية النفسية للأطفال وفي تطوير قدراتهم على فهم التحديات و التجارب التي تعترضهم خلال مسار تطورهم و نموهم النفسي , أذ وجدت الباحثتان ان القراءة تساعد الاطفال في ان يتغلبوا على الصعوبات التي يعانون منها و في التعبير عن مشاعرهم و فهم عواطفهم الخاصة , من خلال قراءة كتب تتناول شخصيات عانت او مرت بظروف و حالات مشابهة من قبيل الفقدان و الانفصال و الموت و الفقر و الاعاقة و غيرها من التحديات , اذ يسهم هذا التحديد و زيادة البصيرة في اكساب الاطفال طرق جديدة في التعامل مع الاخرين و في التصريح بوضوح عن مشاعرهم و اكتشافها بسهولة , و ذلك في بحث معنون ( Bibliotherapy:Atool to promote children’s psychological well-being ) المنشور في مجلة (Journal of poetry Therapy).
كما وجد الباحثون في جامعة ساسيكس أنه بعد ست دقائق فقط مع كتاب . . أي كتاب , فإن التوتر لدى المرضى الذين يعالجونهم كان قد قل بنسبة 68% , و اما مع وجود الكتاب المناسب , فهذا وقت جدير بالتمضية مع خير جليس في الزمان.
بقلم الكاتبة
زينب كاظم