سيرة الشاعر ومساهماته:
عبد الحميد برتو
باحث .
طلب مني الكاتب والباحث والشاعر الشعبي د. خيرالله سعيد مشكوراً كتابة مقدمة لآخر أعماله، الموسوم بـ “مــــــــوّال ســـــــومــــري”. يعرض فيه السـيرة الشعبيّة لليسار العراقي والقـوى السياسية الأخرى خلال قـرن من الزمـان 1920 ـ 2020م. يتضمن الكتاب مبحثاً عن الموّال، يتناول مسائل تتعلق بنشأته وتطوره وأنماطه. ذلك المبحث التمهيدي يُعد نظرة متفحصة لما أنجزه شعراً. سجل من خلال تلك مـوّالات “المواويل” أحداث القرن الماضي السياسية البارزة. نحن أمام عملين إثنين مهمين في كتاب واحد: بحث حول الموّال وآخر ديوان شعر شعبي. أكاد أرى من حقي أن أصف هذا العمل المهم بالكتاب الجديد أو ديوان خيرالله سعيد.
يتصف الدكتور خيرالله سعيد بدرجة عالية من الدأب والصبر، على طريق خدمة الثقافة والبحث العلمي والإبداع الشعري. وهو غني عن التعريف. يكفينا القول هنا، بأنه أعد “موسوعة بغداد الثقافية في العصر العباسي”. تقع في 21 مجلداً. أخذت منه جهداً إستغرق 35 عاماً. غطت الموسوعـة واحدة من أهم الحقب التاريخية عراقياً وعربياً وإسلامياً.
تدلنا مُقَدمة الموّال السومري، على الأرض التي جاء منها الشاعر. وعلى أهم حدث أو قضية تَكَوَّنَت عليها أُسسُ بداياته السياسية والفكرية، بل وعالمه العام. إن تلك البدايات ظلت شاخصة، ولم تغب عن وعيه السياسي والفكري والجمالي اللاحق.
كان الإنطلاق من أرض فلسطين، ومن حرب عدوان 5 حزيران ـ يونيو/ 1967. هزت تلك الهزيمة الموجعة كيان الفتى ذي الجذور الجنوبية وأبن مدينة الشاكرية والثورة البغدادية. هناك منذ ذلك التاريخ وضع الأسس الأولى لتكوين وعيه الوطني والطبقي، ثم منهجه في الإحساس والتفكير والبحث. بحث في الثقافة عن تفسير لما جرى. تتبع دور الكلمة في بناء الإنسان.
قاده كتابٌ مدرسي في المنهاج التعليمية العراقية الى (هُـــوميــروس) الشاعر الإغريقي وملحمتيه الشعرية (الإليــاذة) و(الأوديسا). كانت تلك غنيمة الفتى الذي شب ثوري النزعة والتطلع. يشارك في تظاهرات أقرانه ضد أي ظلم وعدوان. تَعَرَّفَ على حقيقة تفيد بأن الشعر الشعبي يمكن أن يكون أداة ملحمية على غرار ما أقدم عليه هُوميروس.
تعززت وتطورت قناعة الكاتب الشاعر بدور ومكانة الشعر الشعبي، أثناء خدمة الإلزامية في الجيش العراقي. دامت تلك الخدمة خمسة أعوام تقريباً. أتاحت له فرصة التعارف واللقاءات القريبة مع زملائه الجنود، على الأخص من جنوب العراق حيث المنبت الرئيس للشعر الشعبي. هؤلاء الجنود البسطاء غير المتعلمين أو أشباه المتعلمين أذهلوا صاحبنا خلال مطارحاتهم الشعرية. وما تحمله تلك المطارحات من حميمية وذوق رفيع وقدرات تأثير، تثير العجب والأعجاب، خاصة صدقها الفطري. وربما الأصح الصدق المتأصل تاريخياً في أوساط الكادحين والفقراء. ولاحظ كيف تنساب تلك التعبيرات العذبة والرقيقة والعميقة في بعدها الإجتماعي والجمالي، عن طيب خاطر، وبشكلٍ عـفوي منعش يضيء ليالي الجندية.
سـَحَرَّ المــوّالُ بقوةِ تأثيره العجيبة خيرالله سعيد، منذ طفولته، وعلى مقـاعـد الدراسة الإبتدائية في كـرخِ بغـداد. إذ كانت مدينته الشعبيّة العمالية الفقيرة ذات الجذور الفلاحية (الشـاكريـة)، في مطلع ستينات القرن الماضي، بمثابة بؤرة للغـناء الشعبي، وفي تذوقه والإستماع إليه. يجد سكان الشاكرية في المـوّال بعض العزاء، من قسوة الظروف المعيشية وغيرها. إن أغلب سـكّان الشـاكريـة ينحدرون بالأصل من جـنوب العـراق، أرض سومر حيث بدأ التاريخ المسجل أولى خطواته .هذا واقع حال القادمين الجدد الى حواف المدن الكبيرة.
تأخَّى المـوّال مع الشاعر والباحث عن طرق الحقيقية والجمال والعطاء الفكري. هو يقول: “يتسرّب الى روحي شيئـاً فشيئا، وحينما رُحـّلنا من مدينتنا العزيزة (الشاكرية) وأستقر بنا المقـام في مدينـة (الثـورة) كانت المقاهي الشعبيـّة، عـند أوقات المسـاء، تضـع (البكرات القديمة والكاسيتات الحديثـة) لأغـاني المـوّال، لاسيما تلك التي يـرتـادهـا عشّاق الموّال، بشكل خـاص، وكانت تبـدأ بوضع أغاني الموال بسـاعات متـأخرة من الليّل، لاسيما في ليالي الخميس/ الجمعـة، وكنت أحد هـؤلاء، حتى بـدأت ملامح الموّال تظهر في روحي وفي سلوكي، ثم أخذت طريقها للظهور في كتاباتي الأدبية، وأنا في المرحلة الثانوية من الدراسة، حيث (تصادقنا) أنا والمطرب يـونـس العبـودي منذ مطلع سبعينات القرن الماضي”.
دخل خيرالله سعيد الحياة السياسية الفعلية، العلنية منها والسرية. توسعت إهتماماته الأدبية، وتتعددت مواهبه، وتجذّرت موهبة الإبداع الشعري الشعبي بصفة خاصة. الى جانب البحث والتأليف والعمل الأكاديمي. شَكَلَّ إنتقالُ أعدادٍ كبيرة من مثقفي ومبدعي العراق عام 1979 الى الخارج، نقلة هامة في حياته. جاءت تلك النقلة تحت وطأة الهجمة الحكومية على القوى التقدمية واليسارية العراقية، وعلى الشيوعيين منهم بصفة خاصة.
إحتضن الإتحاد السوفيتي السابق أعداداً غفيرة من الطلبة العراقيين، ومن كل شعوب الدول النامية. كان لصاحبنا نصيب في الدراسة هناك. ومن المعلوم أن روسيا ودول الإتحاد الأخرى تولي عناية خاصة بالثقافة العربية وعلومها تاريخياً. وعرفت كبار المتخصصين باللغة العربية والثقافة الإسلامية عامة. هناك أكمل دراسته لمرحلة الدكتوراه ونال شهادة (PhD) بجدارة.
حين أنهى الباحث دفاعه عن اطروحة الدكتوراه نهاية عام 1999 في موسكو. اشتعلت من جديد فكرة الموّال في ذهـنه، بشكل متصاعد ومتأجج. فراح يجمع الموّالات من الكتب والمجلات والإنترنت. لتتجمع عنده حصيلة هـائلة منها. يدوّنها في (كـشـاكيل) خاصة. إعتنى بهـا أيما اعتناء. نعم الى درجة أنضجت عنده فكرة كتابة بحث منهجي – أكاديمي عن المـوّال.
بديهي أن العيش في المنافي ليس نزهة. إنه يفتح أبواباً ويغلق أخرى. وهذه معادلة قاسية لها تأثيرات كبيرة على كل مغترب، وبكل الإتجاهات، وبكل ردود الأفعال، المتأنية منها والمنفعلة. من أهم الثمار الإيجابية إنها تحرك عوامل القوة والإبداع عند بعض المغتربين. وتكون الغربة أحياناً سبباً للإنطواء والألم والإنكفاء وحتى الضياع. صاحبنا إمتلك عوامل خيار القوة والإندفاع للعمل الجاد، ليبقى واقفاً في مرحلة طبعتها الكثير من عوامل الضعف والحَيرة وضعف الأمل.
ليس هذه المرة الأولى التي ألتقي فيها، بعمل جاد ومهم للدكتور خيرالله سعيد. فقد سبق لي كتابة بحث موجز، قبل نحو سبعة أعوام، عن أحد أعماله المرموقة التي وصلتني: “موسوعة الوراقة والورّاقين في الحضارة العربية الإسلامية”. تعمق الكاتب في دراسة التراث العربي، واندفع نحوه بكامل طاقة الفكرية والمعرفية، والروحية. وكانت الحصيلة أكثر من 60 كتاباً ودراسة. منها المخطوط ومنها المنشور. ومازال الكاتب الشاعر في ذروة عطائه الغني والمتواصل. كأن كل عام جديد يضيف له طاقة متجددة أعمق جذراً وأوسع مساحة وأرحب صدراً.
يبدو لي الشاعر الدكتور خيرالله سعيد، كأنه في ساحة حرب، فيما يتعلق بمجالات البحث والشعر والعمل الموسوعي. تَفْرضُ الحربُ عليه اليقظةَ المتواصلة والحذر والإستمرارية، وبذل الجهود الكبيرة وغير المنقطعة، والى جانب العطاء الغني والجدي. أبرر قولي هذا، من خلال عرض منجزاته الثـقافية الواسعة. هذا جرد بأعمالِهِ:
1- مغنيات بغداد في عصر الرشيد وأولاده – دراسة. وزارة الثقافة السورية دمشق 1991
2- النظام الداخلي لحركة إخوان الصفا – دراسة. دار كنعان. دمشق 1992
3- عمل الدعاة الإسلاميين في العصر العباسي ـ دراسة، دار الحصاد. دمشق 1993
4- خطاطو بغداد في العصر العباسي ـ دراسة. دار النمير، دمشق 1996
5- وراقو بغداد في العصر العباسي ـ دراسة طويلة. مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية ـ الرياض 2000 (وهي موضوع اطروحته للدكتوراه)
6- تاريخ انتشار الحضارة الإسلامية (باللغة الروسية) بالاشتراك مع مجموعة من المستشرقين الروس ـ موسوعة في مجلدين ضخمين. منشورات ـ أكاديمية العلوم الروسية موسكو 2002
7- من وجـد ديـوان الوجـد. دراسـة نقدية في فكر – المفكر الراحل هـادي العلوي، دار كنعان. دمشق 2008
8- 13 (الوراقة والورّاقون في الحضارة العربية الإسلامية ـ موسوعة في ستة أجزاء. منشورات ـ دار الانتشار العربي في بيروت 2011م.
14- أوراق بغدادية من العصر العباسي ـ دراسة. صدرت في بيروت 2010م.
15- بغداد والشعراء والقـدر ـ دراسة نقدية، صدرت عن دار العلم للملايين بيروت 2012 ضمن منشوراتها الألكترونية
16- دراسات في الموّال العراقي ـ البحرين عام 2014م. سـيصدر لـه قريباً
17- شاكر السماوي – الإيقاع المنفرد في القصيدة الشعبية العراقية – دراسـة نقـدية في أدب شاكر السماوي الشعبي. صدرت عن دار كنعان بدمشق 2019
18- دراسات نقدية عن مقامات الحريري
20- مدن فلسطين في تراث الأقدمين ـ دراسة
21- أوراق من التراث/ (القسم الأول) “رجال ومواقف”
22- أوراق من التراث/ (القسم الثاني) “نساء ومواقف”
23- دراسات نقدية عن الرواية العربية السياسية المعاصرة ـ وليمة لأعشاب البحر نموذجاً
24- دراسات عن الفلكلور العراقي: الأبوذية ـ العتابا ـ المربع ـ الدارمي ـ الأمثال الشعبية
25- دراسات في القصيدة الشعبية العراقية ـ قصائد مختارة – دراسة نقدية عن الشعر الشعبي في العراق
26- حريـة الإبـداع في المخيلة الشعبية
27- ملحمة شعرية بعـنوان (جبت كل العراق وجيت) تقع في 1580 بيتاً. صدرت عن دار كنعان بدمشق 2019
28- مجالس الغـناء في بغـــداد في العصر العباسي
29- بغـداد في حـلـّتها العباسية
30- مكتبـات العـراق في العصر العبـّـاسي
31- مدرسة بغـداد العبـّـاسية في الخط العربي
32- أدوات الكتابـة ومقوّمات الكتـّـاب في العصر العبـّاسي
33- لصوص بغـداد في العصر العبـّاسي
34- مترجمو بغـداد في العصر العبـّاسي
35- صناعة الـورق في بغـــداد في العصر العباسي
36- إخـوان الصفاء في بغــداد في العصر العباسي، وتشكيل الحزب السياسي المنظّـم
37- أحزاب المعارضة السياسية في بغــداد في العصر العباسي
38- أحزاب المعارضة الشيعية (ج1)
39- الحركات السياسية والفكرية والباطينية المعارضة في بغداد في العصر العباسي
40- ـ الأبوذية العراقية ـ بين الكتابة والإنشاد
41- ألف ليلة وليلة ـ بغـــدادية بامتياز
42- مظفر النـوّاب ـ ذروة الإبـداع في الشعر الشعبي العراقي. صدر عن دار كنعان بدمشق 2019
43- عريان السيد خلف: الشاعرية المتكاملة
44- العراق اليوم الى أين ـ قراءة في خطاب السلطة وسلوك المعارضة ـ نشر على شكل حلقات متسلسلة على المواقع الأنترنيتية ـ في عام 2001م.
45- نبض السـنين: بين ماضٍ تـولّـى وحـاضر يخلخل القـناعات) دراسة سياسية في كتاب آرا خاجـادور (نبض السنين) في 9 حلقات. نشر في أكثر من موقع. في عام 2014م.
(من التسلسل 28 ـ 40) جميعها شكّلت (موسوعة بغـداد الثقافية في العصر العباسي في 20 مجلد، مع ثمانية مؤلفات أخرى) وهذه الموسوعة مازالت منظورة أمام وزارة الثقافة العراقية منذ عام 2013م.
ـ أنجز موسوعة التراث الشعبي العراقي في 10 مجلدات ضخمـة
ـ لـه (الشعر الشعبي المجنّـس في العراق) موسوعة في 6 أجزاء ـ قيد النشر
ـ وأخيراً الموّال السومري.