عبد الحسين شعبان لموقع( أجيال قرن 21):”العلم والمواطنة المتساوية وحكم القانون هم سبيل التقدم”
شبكة بيدر .
عبد الحسين شعبان لموقع( أجيال قرن 21):”العلم والمواطنة المتساوية وحكم القانون هم سبيل التقدم”
عبد الحسين شعبان لموقع (أجيال قرن 21):”بين ماكرون وترامب: الأهداف موحدة ولكنها ليست واحدة
حلّ الدولتين سيعيد تشكيل الصراع وفقاً لمعادلات جديدة
صناعة السلام هو جزء من سياسية الحرب
العلم والمواطنة المتساوية وحكم القانون هم سبيل التقدم
ما تزال الكثير من مجتمعاتنا تعيش الفترة المظلمة ولم تدخل الحداثة”
حاورته: أورنيلا سكر
الحوار مع المفكر والأكاديمي العراقي (نائب رئيس جامعة اللّاعنف) ذا قيمة ، لأن فيه استشرافات مستقبلية، مثلما فيه جرأة في طرح وجهات النظر، وهو حوار معرفي ممتع لأنه يتضمن اجتهادات دقيقة مثلما يعكس ثقافة موسوعية ، فضلاً عن رؤية عروبية محكمة ومؤسسة على العلم ، فهذا اليساري “المادي الجدلي” كما يعبّر عن نفسه، لم يتوان من البحث والتأصيل والمراجعة والنقد ما يزيد على خمسة عقود من الزمان، ولعلّه الأبرز من أبناء جيله في مراكمة معارف متنوعة من القانون والسياسة والفلسفة والأديان والثقافة والمجتمع المدني، فضلاً عن النزاعات والصراعات الدولية، وفي مقدمتها الصراع العربي – الإسرائيلي، وتلك هي مجالات اهتماماته الأساسية وضعها في كتب ومؤلفات زادت على 70 كتاباً، وهو الحائز على جائزة أبرز مناضل لحقوق الإنسان في العالم العربي (القاهرة- 2003)، إلى قرائنا نقدّم شعبان بتواضعه الجم وخلقه الرفيع لنسأله عن آخر التطورات الجيوسياسية في المنطقة وعن منجزه الأخير .
س1 – الزيارة التي قام بها الرئيس الفرنسي ماكرون إلى لبنان والعراق في أي سياق تضعها وما هي الرسالة التي أراد توجيهها وما هي أهدافها الحقيقية؟
ج1- يسعى الرئيس ماكرون للعب دور متميز في منطقة الشرق الأوسط وهذا الدور مكمّل ومتمّم للدور الأمريكي وليس نقيضاً له وإنْ اختلفت الوسائل والأدوات أحياناً . هناك تمايز بلا أدنى شك بين الأسلوبين ومنافسة أحياناً، وأقصد بذلك ، بين مواقف فرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي عموماً وبين المواقف الأمريكية، ولكنها ليست متعارضة أو متعاكسة حتى وإن تباينت بالوسائل ، لكن الأهداف موحدة حتى وإنْ لم تكن واحدة؛ فالولايات المتحدة على سبيل المثال تريد حلولاً سريعة وحاسمة وجذرية بما يتعلّق بالموقف من حزب الله وإيران والجماعات المؤيدة لها، في حين أن الموقف الفرنسي مختلف، فهو ينطلق من الواقع أكثر من الموقف الأمريكي الذي يقوم على أساس الرغبة والإرادة، فحزب الله وإيران والمجموعات الموالية لها لا يمكن إلغاؤها أو إقصاؤها بسهولة أو دفعة واحدة، وما يسعى إليه ماكرون هو الإقرار بوجودها ولكنه لا يخفي رغبته في إضعاف دورها وتأثيرها، ولهذا يتعامل معها بحذر شديد، وأحياناً بشكل غير مباشر، لأنه يدرك أنه لا يمكن استبعاد حزب الله من المشاركة في التشكيلة الحكومية الجديدة برئاسة مصطفى أديب، لكنه يأمل أن يأتي بوزراء غير حزبيين حتى وإنْ كان هو يختارهم .
قد يكون ذلك أحد السيناريوهات في المراحل القادمة، وقد يستهدف في المرحلة التالية إحداث شرخ في صفوف الحزب وانقسامات في داخله، ولا أستبعد أن يجري التفكير أمنياً ومخابراتياً باغتيال السيد حسن نصرالله لإشغال الحزب بفوضى داخلية . وهذه المحاولة ليست بالجديدة ولكنها ستظهر الآن ربما بشكل أقوى في المرحلة القادمة .
أما بالنسبة للعراق فالدور الموكول لماكرون وهدفه أيضاً، إضعاف المجموعات الموالية لإيران، وهذا الأمر سينسحب على اليمن، أي على المجموعات الحوثية (أنصار الله)، لأن الغرب عموماً بما فيها فرنسا تعتقد أن إيران تشكل خطراً على مصالح الغرب الحيوية الفرنسية والألمانية وعموم دول الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى مصالح واشنطن، وهو رأي خليجي أيضاً، إذ هناك خشية خليجية من تمدد إيراني بمشروع آيديولوجي بركنين: مذهبي وقومي .
وأعتقد أن توافقاً وتكليفاً قد حصل من جانب الاتحاد الأوروبي إلى ماكرون وبرضى أمريكي ومراقبة من واشنطن للدور الفرنسي بشأن لبنان والعراق دون أن ننسى سوريا التي انشغلت بها الإدارات الفرنسية قبيل وبُعيد الأزمة السورية التي اندلعت في العام 2011 والتي ما تزال مستمرة إلى الآن، وبما سينعكس على قضية الشرق الاوسط الذي يراد تهيئة الأجواء لكي تتم عملية تسوية مع “إسرائيل” لإنهاء الصراع أو رسم تصورات وحلول لا ترتقي إلى طموح الشعوب العربية، وخصوصاً الشعب العربي الفلسطيني.
س 2- لقد أشرتم في سياق حديثكم حول موضوع اغتيال أمين عام حزب الله ، فما هي المعلومات أو المؤشرات التي تقودكم إلى مثل هذه الاستنتاجات؟
ج 2- لا أزعم أن لدي معلومات إطلاقاً، لكنني أحلّل المواقف وأتابع سياسات الولايات المتحدة وما قامت به في السابق وما تقوم به حالياً، وخصوصاً أجهزتها الاستخبارية المختلفة منذ الانقلاب ضد مصدق في إيران العام 1953 وما قامت به من انقلابات ومؤامرات واغتيالات، لعلّ آخرها كان اغتيال قاسم سليماني رئيس فيلق القدس الإيراني وأبو مهدي المهندس أحد أبرز قادة الحشد الشعبي العراقي؛ وأدرك أن السيد نصرالله بات يشكل عقبة أمام الولايات المتحدة ومخططاتها في المنطقة، أضف إلى ذلك التوجه الإسرائيلي الذي يسعى لاقتناص الفرصة للانتقام منه منذ زمن غير قليل وقد فشلت عدّة محاولات سابقة، وخصوصاً خلال عدوان تموز (يوليو) عام 2006 وما بعدها حيث كانت الضاحية الجنوبية في بيروت قد استهدفت بشكل خاص بسبب الاعتقاد أن السيد نصرالله موجود فيها .
ربما الفرصة الآن أصبحت مواتية لهم أكثر جرّاء الاحتقان الداخلي، وحيث يعيش لبنان حالياً بظروف بالغة القسوة، فإضافة إلى استمرار حركة الاحتجاج الشعبية منذ 17 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي 2019، فإن الانفجار الذي حصل في مرفأ بيروت أجّج المشاعر وعاظم من السخط، خصوصاً والبلاد تعاني من أزمة كهرباء معتّقة وأزمة الماء الصافي وأزمة النفايات، وأزمة البنزين والمازوت ، وزاد الأمر تعقيداً أزمة البنوك والودائع والانخفاض المريع لسعر الليرة اللبنانية، وذلك في ظل فساد مالي وإداري مستشري وطبقة سياسية متوارثة لكل مفاسد النظام الطائفي القائم على الزبائنية السياسية والمغانم، يضاف إلى ذلك تهديدات وتحرشات “إسرائيلية” مستمرة.
س 3- هناك من يقوم بتشديد دائرة التعصّب الطائفي والانقسام المذهبي وتعميق التجزئة وتغذيها سواء من جانب دول معينة أم أجندات داخلية. سؤالي فيما لو تم اضعاف هذه المنظومة من سيؤدي دور المواجهة من أجل جعل “إسرائيل” أكثر استحكاماً ونفوذاً في المنطقة؟
ج 3- لعلّ الصراعات الدائرة في المنطقة متشعّبة ومتعددة طائفية ودينية وإثنية وقومية ، لكن الصراع الأكبر والأساس هو الصراع العربي- الإسرائيلي بغض النظر عن الاختلافات العربية بوسائل حل هذا الصراع، وحتى الآن هناك إجماع عربي رسمي على خطة السلام العربية التي تقررت في قمة بيروت العام 2002 وأساسها : الأرض مقابل السلام.
مثلما هناك صراع خفي ومعلن تركي – إيراني، وكل منهما له أجنداته لدول المنطقة، وكلما كان العرب موحدين ومتماسكين فإن الأجندات الإقليمية يضعف تأثيراتها داخلياً، والعكس صحيح أيضاً، فكلّما كان العرب مشتتين ومنقسمين ازداد النفوذ الإقليمي في دولهم ، والعراق وسوريا نموذجان لذلك، حيث تتجاذبهما المصالح الإقليمية والدولية، بتدخلات مباشرة أو غير مباشرة، بل إن تركيا تحتل أجزاءً من العراق بحجة وجود حزب العمال الكردستاني PKK وتقيم قواعد فيه وترفض الانسحاب منها رغم مطالبات الحكومة العراقية، كما كانت ضلعاً أساسياً في الحرب الدائرة في سوريا منذ اندلاعها ولحد الآن، ناهيك عن دعم خليجي، إضافة إلى أن هذه الحرب جلبت معها قوات وخبراء روس وإيرانيين بتداخلات أمريكية، يضاف إلى ذلك الصراعات في كل بلد عربي، خصوصاً بما يتعلق بشرعية أنظمة الحكم والولاءات الخارجية، التي يستقوي بها البعض على البعض الآخر.
كما أن النفوذ الإيراني قوي ومؤثر في العراق لدرجة أنه لا يمكن تأسيس حكومة دون رأي طهران مثلما هو رأي واشنطن، وهو الأمر الذي سارت عليه لبنان منذ عقود، حيث تتوزع الولاءات والمصالح الإقليمية والدولية.
س4 – في أي سياق تضع موضوع التطبيع مع “إسرائيل” وهل يمكن أن يخدم هذا المشروع دول المنطقة؟
ج4 – يمكن أن يتم التطبيع على صعيد رسمي وحكومي، لكنه على الصعيد الشعبي سيكون غير سالك . لاحظي ، أن مصر طبّعت كدولة مع “إسرائيل” منذ زيارة الرئيس السادات للقدس العام 1977، ثم أرسي التطبيع على نحو قانوني عبر اتفاقيات كامب ديفيد والصلح المنفرد منذ عام 1978 و 1979، ولكن التطبيع فعلياً وعلى مستوى المواطن المصري العادي ما يزال غير مقبول، لأن الأمر يتعلق باستمرار احتلال إسرائيل للأراضي العربية المحتلة ورفضها الانصياع إلى القرارات الدولية وخصوصاً القرار 181 والقرار 194 الخاص بحق العودة، وترفض الاعتراف بحق تقرير المصير للشعب العربي الفلسطيني وإقامة دولته الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
التطبيع عملية معقّدة، فإسرائيل هي جسم غريب في المنطقة، ومن الصعوبة بمكان أن ينمو في بيئة معادية، لأنها اغتصبت الحقوق العربية، وساهمت بتدنيس الأماكن المقدسة ، وتجاوزت على حقوق البشر وعطّلت التنمية والإصلاحات في المنطقة العربية، لاسيّما حين اضطرت الجيوش العربية إلى اللجوء للعسكرة والتسلح على حساب التنمية بزعم أن العدو يدقّ على الأبواب، وهي حجّة تعكّزت عليها الأنظمة للاستمرار في حكمها للشعوب والتجاوز على كرامتها وحريتها.
أقول أن السلام له شروط ، فإذا ارتضى الفلسطينيون إقامة دولة ” بحدود الرابع من حزيران/يونيو عام 1967″ فإن ” إسرائيل” ما تزال ترفض ذلك، خلافاً لقواعد القانون الدولي والقرارين 242 (لعام 1967) و338 (لعام 1973) كما تقف حائلاً أمام تطبيق القرار الأممي 181 لعام 1947 الذي سمي بقرار التقسيم لعام 1947 رغم التحفظات على هذا القرار، لتجاوزه على قواعد العدالة، ولم يكن من حق الأمم المتحدة أن تصدر مثل هذا القرار ، إلّا أن هذا القرار يشكل أرضية لإعادة تشكيل الصراع وفقاً لوجود الدولتين، والمنافسة ستكون قائمة وقضية السلام ستخضع لقوانين ومعادلات جديدة لا نعرف إلى أين ستتجه؟ ولكن لنتذكر أن للشعب العربي الفلسطيني حقوق ثابتة ومشروعة وغير قابلة للتصرف من أي أحد وتحت أي مبرر .
س 5- السلام مسألة مشروطة ومتعلقة بفلسفة القوة . هل تعتقد أن السلام يمكن تحقيقه في ظل وجود طرف يشعر بالغبن والاستضعاف؟
ج 5- إن عملية بناء السلام والحفاظ علية هي مسألة صعبة وفي غاية التعقيد، خصوصاً حين يرتبط السلام بالعدالة، وصناعة السلام هي جزء من سياسة الحرب أيضاً، حيث ينبغي أن تكون مستعداً على نحو دائم، والاستعداد ينبغي أن يكون بالعلم وبحقوق المواطنة المتساوية والمتكافئة وحكم القانون وبإرادة سياسية موحدة، ومن هذه المستلزمات واحترام حقوق الإنسان وتحقيق التنمية لا يمكن مواجهة العدو والانتصار عليه، خصوصاً وهو يحظى بدعم المجمّع الحربي الصناعي الأمريكي الذي يعتبر “إسرائيل” الطفل المدلل ، وهو الأمر الذي يحتاج إلى إعادة نظر بكامل الاستراتيجية العربية، خصوصاً بالتفاهم والتعاون والتنسيق على جميع المستويات.
س 6- ما المطلوب عربياً لمواكبة هذا التنافس الأجنبي في البحر المتوسط واطلاق مبادراة وتفاعل ايجابي على مستوى مكافة الارهاب والتطرف والبحث في مشاريع تقدمية تخدم المنطقة في ظل هذا التحديات الكبرى ؟
ج6 – إن هذا السؤال مهم جداً، وذكي جداً، فالمشاريع في المنطقة قائمة على أساس الاستتباع والهيمنة الامبريالية وإذا كانت الولايات المتحدة الامبريالية الكبرى، فإن هناك امبرياليات أصغر أو امبرياليات فرعية تدور في فلكها، سواء دول كبرى مثل فرنسا وألمانيا وبريطانيا، أم دولة إقليمية مثل تركيا وهذه الدول جميعها أعضاء في حلف شمالي الأطلسي (Nato) وهي متنافسة فيما بينها أيضاً، لاسيّما بتضارب المصالح.
ويمكنك أن تلاحظي وقوف فرنسا إلى جانب اليونان ضد تركيا وكلاهما أعضاء في الناتو، لاسيّما في موضوع التنقيب عن الغاز في المياه الإقليمية اليونانية.
وهنا نلاحظ أيضاً امتداد الذراع التركي إلى ليبيا، التي ترسل جنودها إلى شمال أفريقيافريقيا، وكيف لها أن تتجرأ لدعم حركة الأخوان ضد مصر إن لم يكن ذلك تدخلاً بالشؤون الداخلية، ولعلّ هذا الأمر جزء من محاولة فرض الاستتباع في المنطقة، وإيران لديها نفود في العراق ولبنان وسوريا واليمن وتعتبرها دول مواجهة وخط أول للدفاع في مقاومة الحصار الأمريكي.
أعود إلى القول لو كان العرب موحدين لكان يمكن الاستفادة من التناقضات الدولية والإقليمية، خصوصاً وهناك صراع روسي وصيني مع الولايات المتحدة وحلفائها، والصين وروسيا هما الأخريان ليستا بعيدتين عن محاولة إيجاد مناطق نفوذ ولكن مثل هذه المنافسة قد تنفعنا في اللحظة الراهنة، إذ ينبغي استثمار الظرف المناسب للإفادة من الصراعات الدائرة بين الدول الكبرى والدول الإقليمية.
لاحظي أن الرئيس جمال عبد الناصر وعدد من قادة دول ما سمّي حركة التحرر الوطني في الخمسينات والستينات استفادوا من الصراع الايديولوجي القائم بين الشرق والغرب، أي بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي ورغم قرب عبد الناصر من الاتحاد السوفياتي فإنه حاول أن يستفيد من هذه التناقضات بين المعسكرين، خصوصاً بتبني سياسة الحياد الايجابي التي تطورت لتؤسس لمجموعة دول عدم الانحياز أو مجموعة الـ 77، وكان مؤتمر باندونغ عام 1955 في إندونيسيا قد وضع اللبنة الأولى في ذلك، خصوصاً بثقل الزعامات التاريخية أي جواهر لال نهرو في الهند وزعامة جوزيف برونز تيتوالمنشق من الكتلة الاشتراكية في يوغوسلافيا وزعامة عبد الناصر العربية التي استفادت من الصراع الكوني بين الشرق والغرب بانتهاجها سياسة مستقلة تلك التي وظّفت عناصر داخلية وخارجية لمصلحة دولها وأممها .
علينا أن نستفيد الآن من الصراع الأمريكي الدائر مع دول مجموعة الخمسة البريكس أي، روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب افريقيا، والاستفادة من الاتحاد الاوروبي وبخاصة موقف ألمانيا وفرنساواختلافهما عن الولايات المتحدة. ولنتذكّر الموقف من الحرب على العراق المناقض للموقف الأمريكي عام 2003، وعلينا الاستفادة من المنافسة الإيرانية –التركية وأنت تعلمين علم اليقين تاريخ العلاقات الحربي بين الدولة العثمانية والدولة الصفوية، وهذا الصراع لا يزال موجوداً حتى وإن كان خفياً أو غير معلن وإن كانت العلاقة الاقتصادية والتجارية قوية لأنها تخدم الطرفين في ظل الحصار على إيران.
فالمطلوب هو الاستفادة من كل ذلك لمصلحة شعوبنا وأن نكون نحن في حالة من التوافق مع محيطنا العربي مدركين مصالحنا المشتركة من جهة والمنافع التي تنشأ جراء تعاوننا من جهة أخرى، خصوصاً وأن ما يربطنا كعرب من لغة وأديانٍ وتاريخٍ ومزاجٍ مشترك يمكن توظيفه في الصراع ضد الصهيونية من جهة، ومن أجل مصالح شعوبنا في الصراع الدولي والإقليمي من جهة أخرى .
س 7- هل تعتقد أن العرب يمكن يستفيدوا أو يتم استغلال العلاقات الاماراتية –الإسرائيلية لصالح العرب في مكان ما على الاقل من وجهة نظركم؟
ج 7 – هناك ضغوط واشتراطات فضلاً عن تقديرات تتعلق بالصراع لأسباب داخلية وخارجية، لكن هذا شيء وحقوق الشعب العربي الفلسطيني شيء آخر، لاسيّما حقه في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس وتأمين حق العودة للفلسطينيين، فهناك أكثر من 9 مليون فلسطيني في بلدان الشتات وما يزيد عن 6 مليون في الضفة الغربية وقطاع غزة أي أكثر من 15 مليون إنسان لا يملكون وطناً، وهذا الأمر لابدّ من أخذه بعين الاعتبار وعندما يتم الحديث عن أية اتفاقية للتسوية فلا بد أن تأخذ حقوق ومصالح هؤلاء قبل الحديث عن اعتبارات أخرى جزئية أو خاصة أخرى .
س8 – كيف يمكن أن يكون للعرب دوراً فاعلاً ومؤثراً في التحولات والتناقضات العالمية؟
ج 8- لعلّ جزءًا من المشكلة هو داخل المنظومة العربية المنقسمة والمتباعدة، والتي أعيتها النزاعات الداخلية والمنافسة على الزعامات أحياناً. وهناك مشكلة داخل كل بلد عربي تتعلق بالحقوق والمواطنة والديمقراطية وحقوق الإنسان، في حين هي مختلفة بالنسبة للفلسطينيين، الذين صودرت جميع حقوقهم فإذا كان هناك نحو 40 حقاً من حقوق الإنسان ، فإن هذه جميعها مصادرة من جانب الاستعمار الاستيطاني الإجلائي الصهيوني، والمسألة ليست عملية تهميش أو افتئات على الحقوق، بل إلغاء وإقصاء وطرد.
س 9- وماذا بشان الانقسامات الفلسطينية –الفلسطينية ألم يحن الوقت لتوحيد الصف الفلسطيني من أجل مواجهة صفقة القرن؟
ج 9- نحن نشهد هذه الأيام اجتماعًا على مستوى الأمناء العامين للمقاومة الفلسطينية في بيروت وتعد هذه الخطوة نوعية وإيجابية ومهمة على هذا الصعيد، على الرغم من خطوات سبقتها ولكن للأسف لم تتواصل وتستمر. ولعلّ حواراً جاداً ومسؤولاً ومدعوماً من جانب الأشقاء العرب يمكن أن يمهد لوحدة وطنية فلسطينية .
لقد كنا في مجموعة السلام العربية التي تأسست منذ عامين وهي تضم كوكبة من الشخصيات العربية اللامعة المعنية بالعمل العربي العام قد وجهنا خطاباً إلى قيادة محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية وزعيم فتح وقيادة حماس الممثلة بإسماعيل هنية، وقد ناشدناهم بضرورة إنهاء الخلافات وتحقيق الوحدة الفلسطينية لمواجهة صفقة العصر، وأجرينا لقاءات مع الطرفين وتلقينا رسائل إيجابية من الطرفين ، ولعلّ أهمية تجليات ذلك هو الشعور الفلسطيني والعربي العام بأهمية الوحدة الوطنية الفلسطينية .
أعتقد أن القضية الفلسطينية لا تخصّ الفلسطينيين وحدهم، بل أيضاً هي قضية عربية بامتياز وأستطيع القول أنها قضية دولية أيضاً، لأنها تؤثر على السلم والأمن الدوليين . وبإمكاني أن أضيف أنها تخص الإنسانية جمعاء فقضية الحرية لا تتجزأ . كنا نتظاهر حين تتعرّض كوبا للحصار مثلما نسارع للتضامن مع الجزائر ضد الاستعمار الفرنسي أو نشكل الوفود ونصدر البيانات ضد انقلاب بينوشيه في تشيلي واغتيال الرئيس المنتخب سلفادور آليندي وعندما كان نلسون مانديلا في جنوب أفريقيا مسجونا كنّا نرسل البرقيات ونجمع التواقيع ضد العنصرية، أما فلسطين فقد كانت عنواناً للتضامن على المستوى الكوني، والكوفية والعقال رمزاً نضالياً.
س 10- بالعودة إلى كتابك الجديد (قيد الطبع) ” دين العقل وفقه الواقع”، هل هناك من علاقة مع كتابك السابق ” مقاربات في سسيولوجيا الدين والتديّن” الذي سلّطت فيه الضوء على منهج السيد محمد الحسني البغدادي ؟
ج 10- في الواقع إن الكتاب الجديد هو مناظرة بيني وبين الفقيه السيد أحمد الحسني البغدادي وهو حفيد السيد محمد الحسني البغدادي الذي أشرت إليه ، وينقسم الكتاب إلى بابين أساسيين: الأول يتحدث عن حيثيات المناظرة والحداثة والتجديد والمعنى والدلالة ، الوعي بالتاريخ والاجتهاد بالاسلام . أما الباب الثاني فيتعلق بعدد من القضايا العقدية أخضعتها للفحص التحليلي من خلال مناظرة فيها الاتفاق والاختلاف بيني وبين السيد البغدادي، حول الدين والعلمانية، الإيمان واللإيمان ، والدين والإرهاب ،الدين والعنف، والدين بين المقدس والمدنس، والنقد والنقد الذاتي لرجال الدين، ونقد مبدأ التقليد وهو مبدأ شيعي ، ونقد الفتوى ، والطائفية والتمذهب.
ثم بحثت في موضوع الأوقاف، لاسيّما الأوقاف الإسلامية ومتفرعاتها وتوقفت عند الشيعية السياسية حول بيان الشيعة والبيت الشيعي وقد ذهبت الى مصادرالتشريع ومصادرالاجماع ، والشهرة والردة والمرتد وما في حكمهما. وقد ناقشته أيضاً هل المرأة عورة وناقصة عقل ودين كما ينسب مثل هذا الرأي إلى الإمام علي وهو زوج فاطمة الزهراء “البتول” صاحبة العقل الراجح والرؤية الثاقبة والمواقف المتقدمة ، ثم ذهبت إلى موضوع النجاسة والطهارة وهل أصحاب الأديان الأخرى أنجاس؟ وهل أن النجاسة تتعلق بالبدن أم هي تتعلق بالسلوك والتصرف؟
وكنت أريد بذلك تخليص الدين من بعض من يطلق عليهم ” رجال الدين” والذين يسيء بعضهم إلى الدين وتعاليمه السمحاء أكثر من غيره، وتساءلت هل هناك بشر معصومون وآخرون غير معصومين؟ وهل هناك من يعلم الغيب؟ لاختم الكتاب بخاتمة مفادها رأيين الأول، عن الدين وخفّة الدم والظرافة لأن محاوري كان ظريفاً وخفيف الظلّ وصاحب نكتة، ويخلط الجد بالهزل على غير عادة بعض “رجال الدين” الذين يظهرون وجهاً عبوساً قمطريرا، في حين أن على “رجل الدين” أن يكون سمحاً ومتسامحاً ومبتسماً ويحبّب الدين إلى الآخرين . وثانيا، تحدثت حول الحساسية الوطنية لدى السيد البغدادي ومواقفه التي أعرضها على هذا الصعيد.
س11 – بالختام ، كيف ينظر الدكتور شعبان اليوم على ضوء مسالة الحداثة والتجديد الى مسألة التحولات العالمية الكبرى ؟
ج 11- لاحظي أن الكثير من مجتمعاتنا لا تزال تعيش الفترة المظلمة مثلما عاش الغرب فترة القرون الوسطى وربما هي الأطول، حيث يعشعش الفكر السكوني السلفي في الرؤوس والقلوب في آن، وإذا كان الإنسان في مجتمعاتنا ليس أقل أو أكثر ذكاءً من الإنسان الغربي، لكن الأخير يتعامل بالعلم والنظام وحكم القانون ووجود المؤسسات، في حين أن مجتمعاتنا ما تزال تسيطر عليها الخرافة والشعوذة والجهل والطائفية والعشائرية والعصبية.
حينما عاد شارل ديغول إلى فرنسا على رأس جيش التحرير كان أول سؤال لمرافقيه كيف هو حال الوضع بعد الاحتلال ؟ أجابوا :” عمل المحتلون الألمان كذا وكذا، الخ ” قال لهم أنا أسأل عن شيئين ؟ قالوا : ما هما ؟ أجاب : الجامعات والقضاء. فردّ مرافقوه بأنهما بخير . قال لهم : إذاً فرنسا بخير، حيث كانت الجامعات ولاسيّما جامعة السوربون تعمل تحت القصف أحياناً وتناقش أطروحات وأفكار في سراديبها ولم تتوقف على رغم الحرب، فالعلم سلاح وسلاح أقوى من جميع أسلحة الدمار.
أما القضاء فقد استمر ولم يستطع المحتلون التأثير على نزاهته وحيدته ومهنيته، والجامعة والعدل جناحان أساسيان لأي شعب للتقدم. وإذا هناك الوجه المتوحش للعولمة هو الغالب، فثمة وجه آخر ايجابي وهو عولمة العلوم والتكنولوجيا وكل ما له علاقة بالجيل الرابع والخامس للثورة الصناعية وعولمة العمران والجمال والثقافة والحقوق والسلام وهو ما يمكننا الإفادة منه من خلال التدرّج والتراكم وهو خيار صعب بالطبع لكنه الخيار الصائب.