موضوعات الموّال السومري:
الباحث عبد الحميد برتو .
يضم الموّال السومري 3333 بيتاً. جادت بها قريحة الشاعر خيرالله سعيد بِجَهْدٍ جهيد. أضاف إليه لاحقاً ملفاً خاصاً، أطلق عليه تسمية: ملحق الموّال السومري. يسجل الملحقُ يوميات إنتفاضة الشعب العراقي في الأول من تشرين الأول/ اكتوبر 2019. تزامن إنطلاق الإنتفاضة الشعبية المتواصلة مع إنجاز المـوّال السومري بتاريخ 30 أيلول/ سبتمبر/ 2019. هذا الحدثُ الكبير دَفَعَ شاعراً مرتبطاً بهموم شعبه الى مواصلة تقديم روايته التاريخية الشعرية. ولكن ميزة الملحق إنه لا يسجل الأحداث برؤية شاعر عاشها قبل حين. إنما يعيشها بكل أحداثها وإيقاعاتها معايشة يومية كل لحظة بلحظتها.
أخذت الموّاويل، كما هو معروف، أسماءَ المواقع التي تُغنّى وتنتج فيها: الحلبي، الحجازي، اليمني وغيرها. يرى الشاعر خيرالله سعيد، بأنه على الرغم من تعدد التسميات، يظل الموّالُ في الأصل، ينطلق من الموّالِ العراقي، الذي إشتهر بإسم الموّال الزهيري. يغطي الموّال السومري الأحداث السياسية الهامة، التي مرت على العراق منذ ثورة العشرين الى يوم تكامل العمل ذاته، الذي يمكن أن يُطْلَقَ عليه وصف الملحمة العراقية، بكل ما في تلك المائة عام من إتساع وإنحسار، تقدم وتراجع، فرح وحزن، إنتصارات وهزائم، وغيرها من المتناقضات. يتابع الشاعر مسيرة المائة عام (1920 ـ 2020م). يُسجل أحداثها شعراً شعبياً بكل دأب وصبر. يتمهل حيناً ويندفع أحياناً.
سبقت الإشارة الى أن البند أو الموّال ككل أو القصيدة الشعرية بكل أنواعها، تحمل مضامين فعل إجتماعي. ينبغي أن يأخذ النقدُ بصددها مسارين إثنين متلازمين: الأول جماليات الحقيقة الفنية والثاني الرأي في الأحداث السياسية وكامل حركة المجتمع. إقدر عالياً الجهود الإبداعية والجمالية للموّال السومري. هذا التقدير لا يبرز هنا فقط، إنما في كل محاور ومضامين البحث عن القيمة الإبداعية لجهود الشاعر خيرالله سعيد.
أما في النظرة السياسية والإجتماعية للبيت الشعري، فلا يمكن تجاهل نقاط الإتفاق والإختلاف بيننا في أكثر من مجال وقضية. صحيح أن الحالة السياسية وحتى الإبداعية عندنا، وفي بلادنا، بالغالب لا تحتمل الإختلاف، بسبب ثقافة إلغاء الآخر عند الإختلاف. تقع في هذا الميدان أو الموقف مهمة كبيرة أمام جميع المعنيين، وهي كسر حالة إلغاء الآخر عند الإختلاف، أو أقلة التمرد على هذا الحالة البائسة، التي أنزلت أفدح الأضرار في الثقافة الوطنية، أو عند قراءة أحداث التاريخ، أو حتى في التحاور السياسي بين أبناء الطرف الواحد.
من المفيد الإشارة الى أو التوقف عند نظرة المؤلف والشاعر الى جهده الواسع في الموّال السومري، الذي نزفه قطرة قطرة بصدق وإخلاص. يقول بالنص: “وقـد اعـدتُ تشكيل المشهـد التاريخي – السياسي لهذه الأحزاب عن طــريق الشعر الشعبي، وهـي أوّل محاولة تاريخية إبـداعيّة، تـؤرّخ للسياسة من خلال الشعر في العراق، إذا لم تكن في بقية البلـدان العربية، بمعنىً آخر، أن الموّال السـُومري، هـو بحـث سـوسـيولوجي، كُتِب بلغة الشِعر لا بِلُغة النَثر، وهذا هو الجديدُ فيه”.
يصف الشاعر كتابه الحالي أو ديوانه الجديد، بأنه أوّل محاولة تاريخية إبداعيّة، تؤرّخ للسياسة من خلال الشعر الشعبي في العراق، إن لم تكن في بقية البلدان العربية. لا إعتراض على أنه نوع من البحث في سوسيولوجيا السياسة. نعم إنه جهد شاق وعسير الولادة. وإنه تمسك في الوقت ذاته بالصناعة الجمالية ومعاييرها الدقيقة. أما الإفتراض بأن الموّال السومري هو المحاولة الأولى من نوعها، فيحتمل الكثير من التدقيق. فكل قصيدة شعرية تروي حادثاً ما، ينطوي على معنى سوسيولوجي، أو على الأقل تقرأ تلك المحاولة عبر التحليل السوسيولوجي للعمل الإبداعي. أما على صعيد البلاد العربية ككل فقد جانب ذلك الإستنتاج الحقيقة الواقعة. فماذا نقول عن (مجنون ليلى) لأمير الشعراء أحمد شوقي، أو لملحمة عبد الله الفاضل رفيق كلمة (هلي).
إن أية نظرة خاطفة، ناهيك عن النظرة المتفحصة، على موضوعات الموّال السومري تكشف بالضرورة عن حجم وثقل ونوع العمل الضخم الذي كُرَّس له. وستثير الكثير من المناقشات حوله. خاصة أن بعض الحالات السياسية والإجتماعية لا تتضمن قوانين محسومة تتصف بالإطلاقية، وغير قابلة للأخذ والرد.
تتغير النظرة الى الحدث السياسي أحياناً، حين يُنظر إليه بغير ظروفه التاريخية الملموسة، أو على الأقل تصبح ملامحه أقل وضوحاً. يكون النقاش واسعاً ومتضاداً، وربما حاداً، عند تناول موضوعات معقدة، كتلك التي تصدى لها الموّال السومري، بجرأة وحسم دون أن يفقد جماليات الشعر الشعبي. مثل: مرحلة ثورة 14/ تموز/ 1958، بروز خط آب عام 1964 في الحزب الشيوعي العراقي، مشاورات وقيام الجبهـة الوطنية والتقدمية عام 1973 ـ 1978 مع البعث، الحركات الثورية في الأهـوار، تجربة حركة الأنصار الشيوعيّين في كردستان/ العراق بين الأعوام 1980 ـ 2003، تجربة غزو العراق عام 2003، الموقف من الدستور العراقي، الذي صيغ بعد الإحتلال وتداعياته، هذا الى جانب ما وصفه الشاعر بإسـقاطات ذاتية على حالات معاصرة … وغيرها.
تملك الجهود التوثيقية الشعرية والشروحات والهوامش عليها لخيرالله سعيد قيمة مهمة على مستوى تسجيل الأحداث وتفاصيلها. على سبيل المثال لا الحصر، تدون أسماء أعداد غير قليلة من أبطال الشعب العراقي، الذين شاركوا في الأعمال الثورية المختلفة، مثل: إنتفاضة 3/تموز/1963 التي عُرفت بحركة حسن سريع. كذلك عن بعض مناضلي الكفاح المسلح في منطقة الأهوار. كما إن قصة نقل السجناء السياسيين، من سجن رقم واحد بمعسكر الرشيد في بغداد، الى سجن نقرة السلمان في صحراء السماوة، تمثل صورة بشعة للظلم وقدرة عجيبة للمناضلين على تحمل قسوة الظروف. عُرفت تلك العملية فيما بعد بقطار الموت. لقد جرى نقل السجناء داخل عربات قطار مغلقة لسجناء يشكلون خليطاً من الشيوعيين، العسكريين منهم والمدنيين، وكذلك عدد من القاسميين. إن تلك العملية التي طالت المئات من خيرة أبناء الشعب العراقي سجلت روايات موجعة عن المعاناة الإنسانية وقسوة الظلم وروح الإنتقام.
إن التوقف والتحليل لأمور أخرى مثل المواقف الفكرية للحزب الشيوعي العراقي، وتقويم خط آب 1964، والسجال الداخلي حول العمل الحاسم والثورة الشعبية. تتطلب الكثير من التدقيق والتأني. هناك أمور تتعلق بالعاطفة الشعبية، التي تخلط بين تقدير التضحيات ومناقشة أساليب الثورة. مثل هذه الإمور تتطلب دراسات موسعة، وليس أحكام قطعية. توحد روح الدراسات الجادة القوى، وعلى الضد من الإحكام القطعية التي تقطع الطريق أمام السير في الطريق الأكثر وضوحاً. إن أفكاراً مثل البؤر الثورية والإنطلاق من الريف، وما الى ذلك تكون ضارة للغاية إذا ظلت بحدود التناول العاطفي القطعي والمحسوم. هنا الكلام يدور عن الحالة الوطنية ككل، وليس عن الموّال السومري تحديداً، الذي سلك طريقاً وعراً يحسد عليه. وفي بعض المواقف حَلّت حالات غضب صارم. لولا إمتلاك الموّال ناصية الصدق لذهب أبعد من المطلوب للتعديل والترميم بنفس طويل. في بعض الأحيان الصدق لا يعني أن أحكامه دقيقة وصحيحة على طول الخط. هنا أشير الى موضوعات عامة تتطلب سجالات فكرية وسياسية وإجتماعية معمقة، قطعاً لا يستوعبها هذا المقام، ولكن هناك ضرورة فنية وسياسية تتطلب عدم التجاهل. هذا كاف كما أعتقد في هذا المقام.
شغل الحزب الشيوعي العراقي الحيز الأكبر من مساحة ومادة وإنشغال الشاعر. تلمست مرارة الحرص في نقده، الذي يبدو جارحاً، إذا كان المتلقي لا يملك خبرة ودراية في حياة الأحزاب، أو كانت حياته الحزبية من النوع السهل. إن إدراك ردود أفعال الأعضاء الأكثر إخلاصاً تعتبر من المهام الكبرى، لأي حزب يريد أن تكون له مساهمات مستقبلية. إن جوهر ما يطرحه الشاعر والكاتب في نصوصه أوحى لي، بأن الغضب من النوع الذي يمكن وصفه بغضب المحبين. أما الدائرة التي شهدت كل ذلك الغضب لم تكن خارج إطار الأفكار المشروعة، كما لا تحمل أي نوع مما يمكن أن نسميه بالشطحات العفوية أو المتعمدة. ومن خلال تجارب كثيرة، أستطيع القول بأن المناخ العام لو كان سليماً، لما فرط بإنسان جل مساهماته وأفكاره ونتاجاته تصب في فكر واضح وموقف منحاز بوعي للفقراء والكادحين. هذه مسألة باتت عامة لا تعالج بجهود طرف واحد مهما بلغت قدراته. إنما تعالج حين تكون هماً عاماً وواعياً.
كما أرى من الخطأ الكبير التعامل مع المبدعين، في كل حقول الأدب والفن وحتى العلم، على غرار التعامل مع السياسيين أو المتعصبين لأسبابٍ مختلفة. نظرة الشاعر غير نظرة السياسي. ينتظر معظم السياسيين في الغالب نتائج فيها مصالح لهم. تكون ضيقة أو عامة، راهنة أو مديدة، تتنوع وتقترب من الخير أو الشر، بقدر درجة نظافة ضمير صاحبها. أما المبدع الحر فهو في الغالب الى جانب شعبه والفقراء منهم بصفة خاصة. طبعاً وفق تصوراته هو. تكتمل سعادته بسعادة الناس، وليس على حسابهم. ولكن هذا لا يعني أن المبدع على صواب على طول الخط. ولكنه صادق على طول الخط. هذه هي ميزة الفنان أو الأديب عندما يكتب عن وفي السياسية. فكيف الحال إذا كانت الكتابة شعراً، وفي كل قاعدة إستثناء.
من الضروري منح المبدع الحرية الضرورية في القول والإنتاج. وميزة الإبداع أن رسالته مكشوفة وواضحة وجميلة. ولا تحب التستر عما يجول في الخاطر والضمير. يملك المبدع الحقيقي جناحين يحلق بهما عالياً. يرى دائرة أوسع وعالماً أرحب. يفرش جناحيه في الهجير، ليمنح الأرض ظلاً أوسع من جناحيه. وتمنح حركة الجناحين في الأيام القارصة البرد موجات تتحلى بِحرارةٍ دَافِئَةٍ. بديهي أن تضم ساحة الإبداع الى جانب المبدع الأصيل مبدعين منهم مَنْ هو غير منسجم مع إبداعاته، أو مَنْ يضع نفسه في خدمة أسوأ السياسيين، ولكن الحالتين الأخيرتين هما الإستثناء في عالم الإبداع والمواهب العالية. فالمبدع الذين يحترم إبداعه يقف دائماً مع شعبه.
إعتبر الشاعر نفسه أنه خاض مغامرة من خلال تجربته الشعرية الحالية. وصفها بالثانية من نوعها خلال حياته الشعرية في مجال الشعر الشعبي. بعـد قصيدته الملحمية (جـبت كُــل العِـــراق وجـيت) التي كُـتبت أبياتُـها على القافية، وبلغت حوالي 1580 بيتاً. وهي، كما يعتقد الشاعر، كانت إختباراً جدياً لقدرته وموهبته.
بعد إطلاع الشاعر خيرالله سعيد على تجارب تفيد بمقدرته الخاصة، وغنى اللهجات العامية في التعبير عن أدق المشاعر الإنسانية. أدرك على حد قوله: أن (لُغة العامة) تصلح للخطاب الشعري. وظَـلّ هذا الأمر (جرس إنذارٍ) في ذاكرته، يظهر عنده بين لحظة وأخرى، على الرغم من أن بداياته الشعرية كانت مع الشعر الفصيح.
يرى الكاتب في الموّال أحد أبرز الفنون الشعبية في العراق. يقدم لنا الشاعر أسباب ومبررات إختياره له على النحو التالية:
1- هو الأعرق والأجمل والأكثر حضوراً في الوعي الشعبي العراقي.
2- هـو الأكثر شيوعاً في الغناء الشعبي العراقي.
3- هـو الوحيد من فنون الشعر الشعبي العراقي، الذي لا يقبل الإضافة عليه أو الإنتقاص منه بأيِّ بيتٍ شعري، بل يقبل الإضافة فـقــط بالبــند – وهو ثلاثة أبيات مجنّسة، وتلك واحدة من سماته الفنيّة المتعالية.
4- هو فَنٌّ يقبل النظم في الشعبي والفصيح. وفي الموّال السومري شواهد على ذلك.
5- وفي الموسيقى، هـو يُؤدّى في أرقى أنواع المقامات العراقية، لا سيما مقام أو (طور المحِـمِّـداوي).
6- له ميزة التأثير عند السماع على المتلقي، حيث يجد فيه بعض موساة روحه المعذّبة.
7- هي أُمنية أن يغنّيه كل مطربي العراق.
يعتَمد الموّال السومري في مادته على التاريخ. وعلى مـا انطوت عليه أحداثه من افرازات انثروبولوجية وسوسيولوجية. تبدأ تأرخـة أحداثه تحديداً في 30/حـــزيران/1920م. حين هب الشعب العراقي بثورة غاضبة وواسعة ضد الوجود البريطاني في العراق.
إستعرض الموّال تاريخ معظم وأهم الأحزاب السياسية العراقية، منها: الحزب الشيوعي العراقي، حـزب البعـث العربي الإشتراكي، الأحزاب والحركات القومية الكردية، وأحزاب الإسلام السياسي. جاءت مـوضوعـات المّوال السومري حسب الترتيب الأحرف الأبجدية. بلغ عدد الموضوعات الشعرية نحو 30 موضوعاً أو فصلاً، أنقل عن كل فقرة من هذا السفر الكبير بعض المقاطع الشعرية، هي:
آـ تحت ظلال اللّوحة السومرية:
عالطين اسمي انكتب ـ باوّل حرف سـومري
وبيـّه الحضارة بدت ـ وعهدي انعرف سومري
وأوّل رُقيـمٍ ظهر ـ يـذكر عشـق سـومري
* * *
ومن سـومـر اتنـقِّلت ـ أس الحضارة ومشت
وبابل اجت بعدهـــا ـ وعالـدرب نفٍسه مشت
واكّاد كَـمّل نَفِس ـ بسور المواكب مشت
ب- مــرايــا ثــورة العـشرين:
وتاريخ بابل صُـفى ـ إلـنا علامة ورمز
وتجسّد بفعلته ـ لكل الحواضر رُمَـز
وبذهان كل الشعـب ت يبقى دليل ورمز
* * *
فعل وحضارة واسـم ـ وتاريخ اله نازله
تعَوّد شعـبنا النصر ـ بكل واقعة ونازله
بعشرين ثار الشعب ـ ضد الغزو ونازله
ج- البـــدايات الأولـــــــــى:
عمية الخلگ والجهـل ـ زايد عليها بِشر
والناس بين المُدن ـ بين الخُرافة وبشر
هذا يگول الصدگ ـ والثاني يضحك بِشـر
* * *
واقطاعي چان الوكت ـ يساند حُكم مملكة
واميّة كل الفلح ـ تقدّس حُكم مملكة
والغالبة تعتقد ـ مَـلِـك وحُكم مملكة
* * *
والفِكر أصله وطن ـ مِنّه واله قانون
قالها (فَهد) الشهم ـ وصارت وعي وقانون
واللّي خطاه الفِهم ـ ما يعرف القانون
* * *
الوطن قبل الفِكر ـ قبل الشيوعي انرسَم
والمنجل وﭽاكوﭺ ـ فوﮒ الروايا انرسَم
بـالوعي وبالذاكرة ـ الوطن بينا انرسَـم
د- بدايات الحركات السياسية والشبابية – نيسان 1948:
وهذا الشعار انرِسم ـ أصبح شِـعار وثِـبَت
وسَجّلت صُحُف الحِزب ـ هاذي الحقيقة وثبت
والشَعَب غَـنّى بفرح ـ بهذا الشعار وثِـبت
* * *
وبالوثبة صار الصدى ـ بساحة سِـباع وجسر
وبِسم الشبيبة انعرف ـ نيسان وثـْبة وجسـر
وَوّل شهيدة ارتـقت ـ بِسم الشهادة وجسـر
هـ- مـرحـلة ثـــورة 14 – تموز – 1958:
واللّي انتمى للحزب ـ عَد ذاك اله مرجله
وعزمٌ شـديد وفَخـر ـ يغلي شُبه مَرجله
وساعة الحسم انـبرت ـ وتموز اله مرجَله
* * *
وبغـداد وكت الفَجر ـ وِلـْدت لها ثورة
واصـبح الجيش وشَعـب ـ متلاحم بثورة
واسـم (الزعيم) انعرف ـ مشـْهودة اله ثورة
و- انقــــلاب البعـــث عـام 1963:
وهلهَل شُـباط الشؤوم ـ وتغَيّرت الايّام
وصار انقلاب البَعث ـ وسودة صُـفت الايّام
بنص الإذاعة انعدم ـ قاسِم بعد أيّام
* * *
هـِتكوا أعراض البَلد ـ شِـلّة حرس قومي
بسم العروبة ادّعوا ـ وصار الوعي قومي
چذّاب هذا البَـعث ـ وكلمن صُـبح قومي
ز- حــركــة حسـن سـريع وقطـــار المـوت 1963:
اللّيل عَسعـس علي ـ واحكم علي وِحدته
وجروح رَبعٍ إلي ـ ما هَـيِّـدت وِحدته
والجيش بيهِ جَمع ـ وقانون اله بوحدِته
* * *
لاﭼن هُـموم الـوطن ـ هَـيّجت عقلي وفَرح
رغم الألم والبـﭼـي ـ زايد بروحي الفَرح
وقَرّرت أنهض وشِــد ـ واﮔلب حِزنها فَـرح
ح- بروز خط آب التصفوي في الحزب الشيوعي العراقي عام 1964:
وردْنا الحِـزب يــنتبه ـ يراجع سـياســة المُضـت
يداوي جراح الشَعب ـ ايضـْـمد اجروحه المُـضت
لكن ألف يا حِيف ـ بعض العرايض مُـضت
* * *
وتْـبـرّأت من حِزْبهـا ـ بعض الكوادر غَفُل
وُصــْـلوا لِحَد السـأم ـ لَـمّن حِزبهُم غُفَل
وراحَت ضحايا كُـُثــُر ـ وشَـط بفكرهُم غُفَل
ط- البعث ومشاورات الجبهة الوطنية التقدمية الزائفة عام 1973- 1978:
واحْنا بـدَرِد هالأمر ـ قَشْمر علينا البعث
وجانا بخبر جَـبهِـته ـ يصـفي الـﮕلوب وبَعَـث
ونادانا بِـسـم الوطـن ـ وعِـدّة رسـايـل بَـعَث
* * *
واصبحنا جبهة عَمل ـ ونريد نبني ونِشِد
وكُل القِوى اتعاضِدت ـ رادت محبّة ونِشِد
وِتـْنسمينا الفَرح ـ بكل الأغاني نِـشِد
ي- الحركات الثورية في الأهـوار:
وﮔمنا عليها بعَزم ـ وبرواح مثل الجِـبَـلْ
مثل الأُسـود السَرت ـ متهاب زُور وجَبَلْ
وعزم الشجاعة انتِـصَـب ـ بطين المروءة انجــبــلْ
* * *
ردناها ثورة شَعَب ـ تهِز العِـراق وتِـرن
وكل شَخص يسمع بها ـ وســط المسامـِـع يِـرِن
وهِيل المضايف عطر ـ وهاون الـﮔـهوة يـِرِن
ك- تـــداعيـات لحــالـةٍ قــد مضت:
وردّينا لحظة عِـسْر ـ كانت بِنا شاخِـصة
وجرح البعَث ما شفـا ـ ونْدوب اله شاخصة
والعين حَـمْرة وتِهل ـ وتنْظر بقت شاخصة
* * *
وايّام راحت وجت ـ بعد الزعيم ومضت
وطعنات بينا كُثُر ـ بين الضلوع ومُضت
وبين اغْتيال وسحِلْ ـ واحكام بينا مُضت
ل- شجون الجبهة الوطنية وحضورها الـمؤلم في الذاكرة العراقية:
واتْواطى خَط الحِزب ـ ويّه الحكومة گعَـد
وما بين أخذ وعطا ـ وروحات بيها گعَد
عاف النضال المُضى ـ وللجبهـة سـار وگعَـد
* * *
واحْنا خُملنا بَعَد ـ والعَقِل مِنّا غُفَل
وآمَنّا بيهُم صـدگ ـ وهُمـّه بحـﭼيـهـم غَفَل
خِدْعَوا شعبنا بخُبُث ـ واخْذونا ساعة غَـفل
م- محطّة دمشق 1983 ـ 2003:
ومعدن البينا انكِشـف ـ وبان التَنَك والذَهَبْ
وشِفنا رؤوسٍ هَوَتْ ـ وﭽنّا نعِدها ذَهَبْ
وتالي اطلعت قَـشمرة ـ وكل خير منها ذهَـبْ
* * *
واندَمْنا يا حَسرتي ـ عالصار بينا وجَرى
والدَهَر شَد قَسْوته ـ بناره وعلينا جَرى
وهذا الجَرى وصار ـ قطعاً من دمانا جرى
ن- عِتاب مكتوم:
كلشي جميل انكسر ـ بالروح واصبح خبر
وِلْ مادرى بوضعنا ـ مِيّز بشوفه وخبر
وطَشّتْ اعلوم الحِزب ـ ما بين صُحف وخَبر
* * *
واجْفيت يا صاحِبي ـ بلايا جِناية وذَنِبْ
وﭽنتْ اعتقد تِفْتِهم ـ أسباب زعلي وذنب
راس الشليلة انبِتر ـ ونته ارحلت للذَنِبْ
س- تهويمات على تاريخٍ مضـى:
يا مَن على بابُكم ـ حَط النضال وسَرجْ
وفرسان ليهم صَدى ـ شَدّوا خيُول وسُرُج
واضْوَوا على الكون ـ شُـعْلة حياة وسُـرُج
* * *
بابِل أرض شَعبنا ـ وتَنْزيل بيها وَرَدْ
وانْبِتَتْ فَخرْ ومَجد ـ وتاريخ ليها وردْ
وسَـرجون بيها بنى ـ وعَـلّق جناين وَرِدْ
ع- تجربة الدراسات الحزبية:
بالشام وبغيرها ـ بينا القلاقِل بِدتْ
والثَرثرة اتزايدتْ ـ وكادر دسايس بِـدَتْ
وزادت هُموم الحِزب ـ لمّن”شلايل” بِدت
* * *
واسرار كل الحِزب ـ تْبثها مجالس سُكر
وكل السُوالف بِدَتْ ـ ما بين مَزحة وسُكر
وحتى ﭽبير الحِزبْ ـ يُبرطها لمّن سِـكر
ف- تجربة حركة الأنصار الشيوعيّين في شمال العراق 1980 ـ 2003:
دورات عَسْـكر بِـدت ـ وآمال تِـنـْشد نَصـر
وروح النضال اســْعـرت ـ وكُـلـْنا نســير ونَصُـرْ
من كل شتات ؤوّطن ـ أسـرار بينا نِصرْ
* * *
واعـمار ﭼنهـا وَرِد ـ لَبّت قرار ونِدا
وتــْـسـابقوا للعمَلْ ـ وجـْباه بيها نِدا
كُل حُـبّهـم للحزبْ ـ وكل ﮔلب ﭽن ونِدا
ص- تجربة غزو العراق عام 2003:
جـيش الأعادي حـﭽـه ـ محّد اله نابَله
من حيث حُكم البعَث ـ طﮒ وكسر نابَله
واشْردوا تحت القَصُف ـ ﭽـنهم عـصف نابَله
* * *
وحـﭽـي العناتِر صُفه ـ ﭽذب بـﭽذب مـا يصف
ولاذوا ورا بعـضهم ـ مثل القنادر تُصَفْ
وثولونا من حَـﭽيُهُم ـ بـﭽذب المـﭽارم تصـف
ق- تغريدات على الدستور العراقي وتداعياته:
الدسـتور راس الوطن ـ ينظم العلاقة وعَملْ
ما بين سلطة وشعب ـ يداري الأمور وعمَلْ
وفق الشرايع عَدِل ـ ويسير بيها بعملْ
* * *
ودستورنا نص رِدن ـ بيه للطـوايف حُـكُم
بِـسـم المذاهِـب عِـلَتْ ـ وهيَّ التسَير الحُكم
وهذي العِلاقة بِدتْ ـ وامريكا هي الحَكم
ر- مُناجاة لإشخاصٍ في الذاكرة:
ياصاح جَس الـﮕلب ـ واهات بيها نِدا
وشوﮒ النحبهـم عِـسَر ـ وما فاد بيهم نِدا
والـﮔلب أيّس بعد ـ ماعاد الـه من نِدا
* * *
واطوينا صفحة مجد ـ ﭽـانت لِنا ناظرة
وتاريخ سَجّل كُـتب ـ ولينا أصبحت ناظرة
وِلْ ما يشوف الـﮔلب ـ عاطِل بصَـر نـاظرة
ش- تأمُلات خارج سـياق الحَدث:
شَبّـينـا بين الهَوى ـ وبين النضالِ وَشَــبْ
والفَرح شَع ؤوّسع ـ واجتاح بينا وشَـبْ
إنضَـمِّد جـروح المضى ـ ما بين صبـرٍ وشَبْ
* * *
ﭽنّا نريد الهَوى ـ مهـما يكون الشَـرطْ
وسِرنا بهذا الدربْ ـ وجروح بينا وشَرِط
واللّي شرط بالهوى ـ حَتماً يصير الشَرط
ت- رؤيا مُعاصرة:
ديرة وصُفت مَزبلة ـ واحزاب بيها لِـﭽتْ
بالأمِس كانوا بعَث ـ واليوم ديني لِـﭽتْ
وخِرش الـﭽـعاب انـْبرتْ ـ وهسّه علينا لِـﭽتْ
* * *
إنــْدوب ﭽـانـوا جَمع ـ لا صُـول بيهم نِـﮔد
ولا شِـفـْنا بيهم أسـن ـ يلـﭽـي بـﭽـعابـه ونِـﮔد
كومة خِرش من ﮔبل ـ ﭽنّا عليهم نِـﮔد
ث- إسـقاطات على منهج النقد السياسي:
إشْهِـر سلاح النـقـِـد ـ لكل ظاهِرة صادِقه
وصاحب لكِلمن وَفي ـ وصاحِب حِلم صادقه
والصِدق مِيزة وفا ـ للّي عِرَف صادِقَه
* * *
واكتب بمنهج رؤى ـ لو ناقَشت مسأله
وسِـير بركاب النَقِد ـ وفق النَهِج واسأله
واللّي حِـرف رؤيته ـ مَنـْشِدعليه مَسأله
غ- أحداث سياسيّـة لما بعد 2014 – 2018:
جَت الحقـيقة وحـﭽـت ـ وﮔـال قروني عَكس
واللّي تهـجّى وعِرف ـ يعرف معاني العَكـس
والعِكَس يعـْرف عَدلْ ـ ويريد يمشـي العكس
* * *
وانجلى هذا العكس ـ بتطبيق شرعة وعَـمل
لا خِدمة بانت عَـدِل ـ ولا وعي بخدمة وعـمل
وصارت الرشوة بفلس ـ والكُل عليها عِـمَل
ض- أحداث الغـزو الداعشي وتداعياتها 20013 – 2018:
بعد السُـقوط انجلت ـ حالات جذبٍ وشَد
واتوضّحت بالحُكُم ـ نزعة طوائف وشَد
وكلمن لـﮔـف زاوية ـ يفـتل احباله وشَد
* * *
واتوضّــحت للخَلـﮒ ـ صيحت شَدِّ وحـرب
السُـنـّة وﮔفت عــُـرُض ـ والشيعة سيف وحرب
وانشرخ وعي الشـعـب ـ ما بين قَتلٍ وحرب
ظ- غايات لم تُدركك:
إلتــَم المضيف وبِدت ـ سـهراتنا الساهِـرة
وسألوني أهل الهوى ـ عيونك بِدت سـاهِرة
ﮔلت الجبرني إســم ـ ليه الخَلـﮒ سـاهِـرة
* * *
مِن يوم آدم حِـﭽـه ـ واعـرَف أسامي وراء
بالعين إسـمه بِدا ـ وثاني حَرف بـالراء
وسـومر بإسمه انعرف ـ هو الذي قد رآء
ذ- إسـقاطات ذاتية على حالات معاصرة:
أصـحاب ﭽـانوا يِـلي ـ بيـهُــــم حَـمـيّـه ومَـرﮒ
إيـطيب بيـهُـم وَكِـت ـ بـذاك الـزمان الـمَـرﮒ
وهسى البـقـوا نـص رِدن ـ والـزاد ما بيـه مَرﮒ
* * *
واللّي مَـرﮒ لـم يَـعُـد ـ واللّي إجا بيه لَـثِـﮒ
واللّثـﮕـة صارت بـُﮕـع ـ في كـُل مـﭽـان و لَـثِـﮒ
والـﭽان بيهم شَرف ـ بيّن عَليهُم لَثِـﮒ
خ- خارج السياق وفي حالات تجلّي الوجـــــد:
مد السَرى وانحِدر ـ ومال بينا ووّﮔـف
فوﮒ الربوع التي ـ طال العِتاب ووّﮔف
واشرف على مَنزلٍ ـ للضيف كانت وﮔف
* * *
وطَلّت صـُور من نُحِب ـ ووجوه ﭽنها بَدر
لم نِبـْتدي بـﭽلمةٍ ـ ودَمـْعك علينا بَدر
وضَمّينا كلما مُـضـى ـ والشـوﮒ بيـنا بَدر
م- مجئ أصحاب اللّحى:
اشـﭽـندوب يهل الوفا ـ يِـلعَـب عـلينا وَكِت
واحنا بـوسَط غابةٍ ـ إيسيطر عليها بوكِت
ويا هُو اليجي يِدِّعي ـ هُوَّ أمام الوكِت
* * *
شَد الخُبُث رايِته ـ مِن يوم اجَتنا اللّحى
ويَ الزمن صاروا صُلح ـ واكلوا فسيل ولُحى
وأفسِدوا كُل مُعتَقَد ـ في كل خطاب ولحا
لا شك في أن الجهد المبذول في هذا العمل الكبير مميزاً. أرى من الضروري تناول موضوعات الموّال من زاويتين إثنتين، بل إن طبيعة العمل فرضت ذلك. الأولى تقويم العمل كجهد بحثي وإبداعي، والثانية من زاوية الشعر الشعبي وطبيعة الأحكام السياسية من خلال الإبداع الشعري. ينبغي خلال تقويم الأحداث السياسية ذاتها، الأخذ بنظرالإعتبار إن صاحبنا تناولها بأصالة صداقه. أرى من الحق الطبيعي للشاعر أن يمتلك رؤيته الخاصة. ولكن هذا الحق يجد نفسه أمام حقيقة الإجتهادات الأخرى. إن هذه الدراسة ليس بوسعها أن تقف أمام كل الموضوعات المطروحة إتفاقاً أو إختلافات.
لا أحد يلوم شاعراً يتغنى بنماذج البطولة وكرامة التضحيات. بل حتى كشعب مازالت للمغالبة والفخر والتعصب والمبالغة مواقع في تكوينه، أملتها ظروفه العامة الملموسة. إن الصورة الزاهية التي يرسمها الشعر عن بعض الأحداث السياسية تكون جميلة بموضوعها في ذاكرة الشعب أو عند أحدى قواه. ولكنها في كل الأحوال، وعلى الرغم من طبيعتها الفنية تفتح الباب لمناقشات ذات طبيعة سياسية وسوسيولوجية. على سبيل المثال هل بعض البطولات كانت مدروسة بعناية تخطيطاً وعمقاً فكرياً وسياسياً. هل هي ثورية أم نزعة مغامرة. ولكي لا يكون التقويم جائراً لا يحكم على الفعل السياسي من خواتمه فقط.
إتبع الشاعر الكاتب منهجاً سليماً ومبرراً، في تقريب النص الشعري الى القارئ والمتلقي، الذي لا يملك دراية كافية بلهجات الجنوب والوسط العراقي. فأعد حاشية لشرح معاني مفردات النص. كما ربـط ووثق الأحداث بمرجعيّاتها السياسية والتاريخية. هذا جهد كبير يستحق الثناء. ويكشف عن روح علمية متأصلة.
يقول الشاعر عن تجربته الحالية. إنه سعى من خلال إقتحامه لهذا المركب الصعب، أن يثبِت أهمية الموّال في التــراث الشعبي العـراقي، ويخـتبر مقدرته على النظم في هـذا الميدان الشعري، ويدفع شعراء الموّال في العراق على مُجاراته في هذا النظم، أراد أن يكون أوّل شـاعرٍ عـراقي بلغ هـذا الشـــأوَ في المطاولة الشعرية في نظم المـوّال.
من الصعب الإدعاء بتحقيق التغطية الكاملة، لسرديته عن الأحداث شعراً ومعطيات، بسبب طبيعتها وحجم المعلومات المحيطة بها، التي إستقاها الشاعر من عدد كبير من المصادر المتنوعة، خاصة في إطار شرح المعاني. ركزت بالدرجة الأولى على المبحث الخاص بالموّال وعلى الموّال نفسه وتناولت الملف كعمل مستقل.
لا ينبغي هنا وفي كل الأحوال، تجاهل الجهد الكبير، بل الكبير جداً، في شرح معاني الكلمات الشعبية. الذي إندرج بعد كل مقطوعة أو حقل تحت مسمى “المعاني والإحالات والهوامش”. وهو في الواقع دراسة تاريخية تفصيلة للمسيرة التاريخية للعراق وشعبه وأحزابه السياسية. وهو من الأكثر الأجزاء حاجة الى مناقشات معمقة مع المؤرخ خير الله سعيد. لا نقاش على ضخامة الجهود المبذولة. لكنه في الوقت نفسه يتطلب أوسع حملة لتبادل الآراء، في ما ينطوي عليه من خلافات في التقدير وإتفاقات أيضاً، على العديد من القضايا المطروحة. أعتقد أن الكاتب نفسه يعرف ما تتطلبه مهمة مناقشة وتحليل تلك المواد. أتمنى أن يساعدني الوقت على تناولها أو أن يتصدى لها بجدية آخرون. إن مثل تلك المساهمة تكون أغنى إذا كان كاتبها مختلفاً مع معلومات ومنهج كاتبنا خيرالله سعيد. ليأتي دور الصراع الفكري في إغناء فهم الحالة الإجتماعية وطرائق التعبير عنها.
أقول كلمة أخيرة لا بد منها في هذا الصدد. إن جهد شاعرنا في الموّال السومري ضم أربعة حقول، هي: مبحث في الموّال، الموّال الشعري نفسه، المعاني والإحالات والهوامش، وأخيراً ملحق الموّال.
يتبع …